لم ترتبط إسرائيل بأية علاقات مع دول أفريقيا حتى منتصف الخمسينات من القرن الماضي؛ حينما بدأت الدول الأفريقية تنال استقلالها، وتعتبر ليبيريا ثالث دولة في العالم تعترف ب"إسرائيل"، وأول دولة أفريقية تعقد مع "إسرائيل" معاهدة صداقة وتعاون، وتزايد الاهتمام "الإسرائيلي" بأفريقيا بعد مؤتمر "باندونج1955" ومن ثم سطعت أفريقيا في دائرة الضوء في السياسة الخارجية "الإسرائيلية"، خاصة بعد أن نالت معظم الأقطار الأفريقية استقلالها وانضمت إلى الأممالمتحدة، وصارت تشكل كتلة صوتية لها وزنها فى المحافل الدولية، لذلك سعت "إسرائيل" لكسب تأييد الدول الأفريقية. وبادرت "إسرائيل" بعرض المساعدات الاقتصادية والفنية والاجتماعية على الدول الأفريقية بدعوى تنميتها، و لاقت هذه الدعوة ترحيبا من جانب الأقطار الأفريقية، وأسهمت هذه المساعدات وما ترسله "إسرائيل" من خبراء ومستشارين تحت ستار تنمية وتحسين أوضاع في تمهيد السبيل أمام التغلغل "الإسرائيلي" في أكثر من 30 دولة أفريقية، واعتمدت "إسرائيل" في ذلك على اعتبار أن العديد من الدول العربية محاطة من أقطار أفريقية فى جنوب الصحراء يمكن في حالة تحالفها معها تهديد الأقطار العربية. وبدأ مخطط التسلل "الإسرائيلي" إلى أفريقيا من غرب القارة ثم امتد لوسطها وانتقل إلى شرقها ، خاصة بعد فتح خليج العقبة أمام الملاحة "الإسرائيلية" عام 1957، والذي استفادت منه "إسرائيل" في تسيير خمس خطوط ملاحية بحرية منظمة ربطت "إسرائيل" بأفريقيا وآسيا، وفي هذا الصدد يقول بن جوريون: " إن أفريقيا أصبحت بعد تأمين حرية الملاحة في مضيق إيلات، تحتل الأولوية في علاقات "إسرائيل" الدولية، لأن هذه العلاقات ستحقق نتائج غاية فى الأهمية لكلا الطرفين"، بحيث امتد النشاط الصهيوني غربا مع غانا، وفى الوسط مع أوغندا، وشرقا مع إثيوبيا، وهذه كانت البدايات للتوغل والاختراق "الإسرائيلي" لأفريقيا. وفي إطار عقيدة الأمن القومي "الإسرائيلي"؛ ترى "إسرائيل" في أفريقيا مجالا مهما لإدارة الصراع في الشرق الأوسط، وميدانا لا يمكن التخلي عنه في ظل الطوق والعزلة السياسية والاقتصادية التي تفرضها الدول العربية عليها، ولهذا سارعت "إسرائيل" إلى إنشاء علاقات ودية وسياسية وعسكرية مع الدول الأفريقية، وتعمدت من خلال أرتريا افتعال المواجهة مع اليمن على جزر "حنيش"، حتى يتوفر لأرتريا الهيمنة الكاملة مع الحليف الإسرائيلي" على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وفقا للاتفاقية بين البلدين عام 1993 والتي تحقق لهما العديد من الأهداف الإستراتيجية. ويأتي في مقدمة تلك الأهداف تطويق مصر من خلال السيطرة على النطاق الجغرافي المحيط بها، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر، وتأمين واردات الماس، وصادرات السلاح، وإيجاد سوق واسعة للصادرات الصناعية "الإسرائيلية"، وضمان مورد دائم للمواد الخام التي تحتاجها الصناعات "الإسرائيلية" وفتح جبهة خلفية للصراع تهدد أمن الأمة العربية، وفي هذا السياق يؤكد بن جوريون على حقيقة هذه الأهداف بقوله: "إن المساعدات الإسرائيلية للدول الأفريقية تهدف إلى كسر طوق العزلة الاقتصادية والسياسية التي تعيشها إسرائيل، وتمهد الطريق أمام توسيع أسواق التصدير للمنتجات الإسرائيلية، وتأمين فرص عمل لعدد من القوى البشرية الإسرائيلية الفائضة". وعمدت إسرائيل إلى تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية خاصة في التبادل التجاري بينهما؛ حيث قامت "إسرائيل" بإنشاء شركات في أفريقيا تتركز نشاطاتها في العديد من المجالات، مثل إقامة المزارع لتربية الدواجن وتربية الماشية، وإنشاء مراكز التدريب والإرشاد الزراعي، وإقامة الصناعات الزراعية؛ مثل تعليب الفاكهة والخضر، وتعليب اللحوم، وأنشأت أيضا شركات النقل البحري؛ مثل "شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية" في غانا، وشركة الأسطول البحري في ليبيريا، كما أنشأت شركات الطيران، مثل مطار أكرا-عاصمة غانا- الدولي، وأقامت المدارس والجامعات؛ مثل جامعة هيلاسيلاسي في إثيوبيا، والمستشفيات مثل مستشفى مصوع في أرتريا. كما فتحت "إسرائيل" في دول القارة مكاتب تجارية لتنشيط التبادل التجاري بينها وبين الدول الأفريقية، وأسهمت هذه الوسائل في تطوير التبادل التجاري، وفي هذا الصدد تعد جنوب أفريقيا الشريك التجاري الأول ل"إسرائيل" في أفريقيا؛ حيث أظهرت أرقام "المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي" وجود أكثر من 800 شركة ومصدرا "إسرائيليا" يعملون حاليا فى جنوب إفريقيا، كما امتد النشاط "الإسرائيلي" إلى قطاع المعادن لاستغلال الثروات المعدنية في أفريقيا، فقد تولت بعض الشركات "الإسرائيلية" المتخصصة فى التنقيب عن المعادن استخراج الماس في زائير " الكونغو" وجمهورية أفريقيا الوسطى وسيراليون، واستغلال مناجم الحديد في ليبيريا وسيراليون، واستخراج القصدير في الكاميرون وسيراليون، والرصاص والزنك من الكونغو.