بعملية متابعة عابرة لصفحات الحوادث في الصحف المصرية في الشهر الماضي نجد أننا أمام واقع مختلف, مخيف.. يدعو للقلق علي الأيام القادمة في مصر علي كافة المستويات، فكل ما يرتكب من جرائم منذ فترة طويلة يؤكد أننا أمام تغييرات جذرية في الشخصية المصرية التي كانت تتصف غالبا بالطيبة والوداعة والحنان علي الغير لاسيما في لحظات المرض والضعف. كان خوض المصريين في الأعراض صعبا وتقوم به شخصيات لا تلقى احتراما من الغالبية بر الوالدين كان الأساس والآن صار استثناء من القاعدة التي تعج بالقسوة والجحود ونكران الجميل للوالدين! الأهل والونس والسند والعون لم يعودوا كذلك فالمصالح وتضاربها والصراعات الاستهلاكية حولتهم في الكثير من الأحيان لخنجر في ظهر من تتعارض مصالحهم معه مهما كانت درجة القرابة, الزواج والمودة والرحمة بين الأزواج تحولت لصراعات مادية وتنافسات مهنية وخيانات أسرية ونسب طلاق مذهلة وتفكك وانحلال المنظومة القيمية للأبناء بصورة غير مسبوقة . نحن أمام مجتمع يقوم بتدمير نفسه ذاتيا بعد أن تحولنا داخله لضباع نقتات علي لحوم غيرنا وأعراضهم وأموالهم بل ومستقبلهم الذي نهدمه بكل سهولة لا لشيء إلا لفقدان مفاتيح شخصياتنا الطيبة في زمن أصبحت الطيبة صفة تجلب السخرية, والعطف صار مرادفا للضعف أما رفض استحلال حقوق الغير فهو دروشة غير مجدية! انقلبت الموازين في مجتمعنا للدرجة التي تجعل طبيبة مطلقة أصابتها الكثير من الأمراض المزمنة وتعيش من ابنيها- ابنة من زوجها الأول وتبلغ 21 عاما وولد من زوجها الثاني 15 عاما- اللذين اشترت لهما شقة غير التي يعيشون فيها, إلا أنها خشيت أن يطالب زوجها الثاني بالشقة التي يعيش فيها أولادها وهي من حق ابنها لذا طلبت منهما أن يدفناها عند الوفاة في تلك الشقة حتى يبلغ ابنها 21 عاما وينتقلوا هم للعيش في الشقة الأخرى دون أن يخبروا أحدا بوفاتها حتى لا يستولي أهلها علي أموالها وزوجها الثاني علي شقة ابنهما القاصر. لا كلمات يمكن أن تصف الحالة النفسية لهذه السيدة التي وصلت لقمة المراتب العلمية لكن القهر والإذلال التي لاقتهما في حياتها من أهلها وزوجيها السابقين حولاها لمريضة نفسيا وشخصية غير سوية, وقد رحلت وتركت أبناءها مع جثتها لمدة ثلاثة أعوام ويعلم الله الجحيم الذي عاشه الأبناء خلال هذه السنوات التي تحللت خلالها الجثة وتحللت كذلك قدراتهم علي تحمل المزيد من الألم فذهبوا ليبلغوا عما حدث, لكن ما حدث يفوق تصوره علي أي بني آدم ذى فطرة سوية. ومن الحوادث الدالة أيضا علي خروج الكثير منا من دروب الإنسانية ما حدث مع شابة قهرتها الأيام فتزوجت مدمنا وكانت تنفق عليه وعلي أبنائها من تنظيف سلالم المنازل, هذا الزوج المدمن نقل لها عدوي الايدز وفقا لما أظهرته نتائج التحاليل التي سربها شخص معدوم الضمير من المعمل لإحدي جاراتها التي كانت علي خلاف معها فنشرت الخبر في المنطقة بالكامل, وبدلا من السؤال عن طرق العدوى وكيفية الوقاية من المرض ومساعدة من ابتلاهم الله به قرر أهل المنطقة بكل عدم شهامة طرد الأسرة بالكامل, وهو ما رفضته الفتاة المسكينة والتي هداها تفكيرها المقهور العاجز إلي فكرة الذهاب إلي الله لتشكو إليه ضعف حيلتها أمام جبروت من يطلق عليهم زورا وبهتانا بشر! ورغم ذلك لم يثن انتحارها جيرانها عن طرد أبنائها وزوجها من المنطقة, والسؤال أين كانت أسرة فتاة متزوجة من مدمن؟ لماذا لم تجد هذه المكلومة في نفسها وزوجها من تشكو لهم أوجاعها وتفضفض معهم؟ هي لم تملك كذلك ما يمكن أن تدفعه لطبيب ليشرح لها كيفية التعايش مع هذا المرض والأدوية التي يمكن أن ترفع مناعتها مما قد يمكنها من التغلب عليه وهي حالات متكررة مع التقدم العلمي, لكن لا علم ولا مال ولا رحمة ولا شفقة أتيحوا للمريضة الفقيرة التي جاء حادث وفاتها كاشفا للوجه القبيح لسلوكياتنا مع بعضنا البعض. سلوكياتنا التي أصبح بعضها خارج إطار العقل والضمير..فأين الأهل من أبنائهم وأين الأبناء من آبائهم؟ أين بر الوالدين وصلة الرحم؟ أين الوصية علي سابع جار؟ ومنذ متى أصبح المرض أو الفقر أمورا المعايرة بها والشماتة فيها معتادة! كيف صار إعادة الحق لأصحابه نوعا من السفه بعد أن اقتنع الكثير منا أن الحرام ينفع وأكل السحت شهي أظن وليس كل الظن إثم أن مراجعة التغييرات التي طرأت علي الشخصية المصرية أصبح أمرا لا مفر منه وتحليل سلوكياتنا في العقود الأخيرة أصبح فرض عين علي أساتذة العلوم الاجتماعية فالأمر جلل واستمراره مستحيل إلا إذا قررنا الفناء!