" جبت كام في الثانوية العامة...طيب التنسيق اختار لك كلية ايه...يا عيني ملحقش كلية من كليات القمة...لا حول ولا قوة إلا بالله ده جاب مجموع خايب خالص ده كده مستقبله ضاع يا ريته كان عاد السنة أحسن"...هذا مجمل ما ستسمعه غالبا إذا لم تسر علي خطي السابقين في السعي والهرولة المحمومة نحو اللحاق بما أصروا علي تسميته كليات القمة..كما أسموا من قبلها التعليم الثانوي العام تعليم القمة وكأن التعليم التجاري والفني والصناعي والتمريض تعليم قاع! رغم أن واقع الأمر في مصر تحديدا يؤكد أن التعليم الفني واليدوي والحرفي والمهاري أهم وأفضل مئات المرات من التعليم الثانوي العام الذي يكدس لنا ملايين من العاطلين في مختلف المجالات ممن لا يحتاجهم سوق العمل...لكن هنا تكمن معضلة مصر وشبابها أنهم قرروا الاستسلام لأفكار الأجيال السابقة عليهم علي الرغم من أنهم وبنظرة هادئة لهذه الأجيال سيجدون أنفسهم أمام ملاحم من العبثية في الأداء الفاسد القائم علي الواسطة والعلاقات أكثر بكثير من الإمكانيات والمهارات. سيجد نفسه أمام متعلمين بلا علم حقيقي وحملة شهادات يعانون من أمية مهنية واضحة توقعهم في أخطاء فادحة وهم يزاولون عملهم...سيجدون أنفسهم أمام أجيال قرر الكثيرون منهم التمرغ في تراب الميري أو وراثة مهن الآباء والأجداد لاسيما إذا كانت مرموقة وهناك سبل غير شريفة للنفاد إليها وهي طرق ميسورة ومتاحة بالمناسبة! قرر معظم الشباب بكامل إرادتهم الخنوع أمام محاولات مستميتة من الأجيال السابقة عليهم لشيطنتهم إذا ما حاولوا الخروج عن السياق الذي وضع لهم ليسيروا فيه كأحصنة السباق وقضوا حياتهم داخل مضماره العبثي ليكرروا نماذج السابقين في الحياة المملة الرتيبة التي لا أمل فيها إلا للمكاسب التافهة كوظيفة أو حساب في بنك أو شاليه في الساحل أو فيلا في الشيخ زايد...وكلها مع الأسف لا تعكس حياة طبيعية بل حياة إكلينيكية علي الأجهزة...حياة لا طعم للإبداع والابتكار واختراق مجالات جديدة فيها ولا نكهة الحيوية المتدفقة بالأحلام والطموحات المختلفة داخلها. يحاصر الشباب باتهامات كثيرة من الأجيال السابقة عمدا لاسيما المتميزين والمختلفين بينهم بالكثير من التهم كالتمرد.. الجنون..قلة الأدب.. الفشل.. فقط لمجرد أنهم فكروا فى خلق صورة مختلفة لعالمهم...لابد أن يدخل الشباب دار المسنين الاجتماعية وتصيبهم الشيخوخة الفكرية وهم في الخامسة عشرة من عمرهم حتى يرضي عنهم المجتمع المريض بالروتينية وأفكار الاستقرار الهلامية التي لا معني لها إلا الركود والموت البطيء. يفكر الشباب في صورته أمام المحيطين ولو كان الثمن حياته لذا نجد بعضهم ينتحرون إذا ما رسبوا في الثانوية العامة ويمكن أن يظل آخرون في الدراسة بنفس المرحلة سنوات طويلة فقط ليدخل أي كلية وكأن الحياة خارج عتبات الكليات المقدسة سبة وعارا والحقيقة أن العار هو أن يسلب السابقون حياة وعقول أبنائهم، والعار الأكبر أن يستسلم مستقبل هذه الأمة لهذه الأفكار البالية. قد تحصل علي شهادة ووظيفة وبيت وزوجة وأولاد لكن السؤال الأهم الذي لابد أن تسأله لنفسك: هل حصلت علي حياة جميلة تحبها قبل الموت...هل لامست مشاعر الشغف والبهجة قلبك وأنت تقضي أيامك علي هذه الدنيا...هل أضفت شيئا حقيقيا للبشرية يذكر لك ولو بسيطا وصغير. وهنا لابد أن نواجه أنفسنا بالحقيقة وهي أنه تتم عملية تغييب وعي الشباب عن عمد حتى لا يري حقائق الأشياء ويدرك أن الدنيا أكبر من طموحات نمطية بلهاء وشهادات لا تغني ولا تثمن من جوع إذ لم تعبر عن علم حقيقي ووظيفة مرموقة لن تجد فيها نفسك إن لم تحبها وتقرر ليس العمل فيها فحسب بل الإجادة داخلها...وبيت جدرانه باردة مهما غلا ثمنه لأن الحياة داخله بلا محفزات ودوافع للسعادة وزواج مرسوم بالورقة والقلم سرعان ما ينهار لان أسس الاختيار التي وضعها لك المجتمع لا تناسبك لكنك جاريتها. ارفضوا قوالب المجتمع الثابتة علي كافة المستويات واصنعوا منظومة قيمكم المتفردة ودعوا الأجيال التالية لكم تصنع منظومتها.. فالقوالب لا تخلق مجتمعات ناجحة وحية بل مسوخ مكررة ومشوهة...قاوموا فكرة شيطنة أفكاركم وقيمكم الذاتية فهذا أملكم الوحيد في حياة حقيقية وأمل مصر في مستقبل مشرق بشباب لا يملكون لها إلا الأمل بمستقبل مختلف بأفكار أكثر نقاء وإبداعا. حاولوا وحاولوا فالفشل ليس في عدم تحقيق أحلام الآخرين فيكم وتصوراتهم عنكم بل في استماتتكم في تحقيق أفكاركم وحياتكم الخاصة مهما سفهها من حولكم فنجاحكم وعالمك المتفرد سيجبر الجميع علي احترامكم وستجدون أنك كنتم سببا في سير كثيرين غيركم في نفس طريقكم.