في أحضان القاهرة التاريخية، بالقرب من جامع الأزهر الشريف يقع بيت "الست وسيلة" أو كما يطلق عليه زائروا بيت الشعر العربي، ويعد هذا المنزل ملتقي الشعراء ومملكتهم، ففيه تخرج أجمل الأشعار، فهو ليس مجرد مكان ولكنه رابطة جامعة تحدد ما هو مشترك بين الشعراء فهو له خصوصية للشعر المصرى ضمن الشعر العربي من ناحية أو شعر اللغات الأخرى من ناحية أخرى، فهو بناء عند زيارتك له سيُشعرك بروعة العمارةالإسلامية بكل ما تحويه من تفاصيل معمارية فنية وزخارف فى غاية الجمال. شُيِّدَ هذا المنزل السكنى فى عام 1646م، ويقع المنزل بمنطقة "الباطنية"، تحديدا في شارع "عطفة العينى" على بعد أمتار قليلة من جامع الأزهر، وقام بإنشائه الأخوان "عبد الحق" و"لطفى" أبناء "محمد الكنانى"، حيث يشير النص التأسيسى على إزار سقف مقعد بهذا المنزل، أن منشئه هو الحاج عبد الحق وشقيقه لطفى أولاد محمد الكنانى، ثم أخذت ملكية البيت في الإنتقال حتى عاشت به "الست وسيلة" بنت عبد الله معتوقة الست "عديلة هانم" زوجة الأمير "سليمان أغا"، وكانت الست وسيلة هى آخر من سكنه، ولذلك عرف بإسمها ونسب إليها، وتوفيت الست وسيلة في 4 مايو عام 1835م، ولم يسجل عنها التاريخ شيئًا، ولكن يبدو أنها كانت سيدة ذات نفوذ في الحي، فحفظ اسمها أهالى المنطقة أبًا عن جد. معمار فريد تتكون العمارة الخارجية لهذا المنزل من واجهتين حجريتين أولهما واجهة رئيسية بالجهة الشمالية الشرقية في ركنها الشرقي المدخل الرئيسي، و فوق هذا المدخل نافذة مستطيلة تعلوها دخلة على جانبيها حنيتان، وعلى يمين هذا المدخل توجد خمسة نوافذ، أما الواجهة الثانية فتقع بالجهة الجنوبية الشرقية و تشتمل في أسفلها على ثلاث فتحات تشبه المزاغل تليها فتحة باب مستطيلة يغلق عليها مصراع خشبي تمثل المدخل الحالي للمنزل، ويمتاز المنزل بوجود قبتين مثمنتى الشكل، يعلوهما غطاء هرمي ووظيفتهما الإضاءة والإنارة. وعن التخطيط الداخلي للمنزل، فيتكون من مدخل صغير بالواجهة الجنوبية الشرقية يليه قاعة استقبال والتي تتكون من إيوانين مستويين مرتفعين عن الأرض بينهما نافورة تم اكتشافها مؤخرًا، ويرجع وجود هذه الإيوانات إلى أنها تتيح لأكبر عدد ممكن من الحضور مشاهدة بعضهم خلال الجلسة، بالإضافة إلى أن الإرتفاعات والإنخفاضات في القاعة تساعد على تحريك الهواء بداخلها، أما سقف القاعة فيضم "شخشيخة" وهى عبارة عن فانوس خشبى لإنارة المكان، و يفضى المدخل الواقع بالضلع الشمالي الغربي لهذه القاعة إلى ردهة مستطيلة يعلوها ملقف هوائي على يسارها ممر يغطيه سقف من عروق خشبية، وفي داخل المنزل يوجد فناء أوسط مكشوف، كما يوجد بالمنزل مقعد مسقف بسقف من براطيم خشبية تزينها مستطيلات زخارف نباتية وهندسية و يجرى أسفل السقف إزار خشبي به كتابات نسخية. ويوجد في صحن البيت إلى اليسار سلم خشبى يؤدى إلى الدور الأول الذي يشمل المقعد الصيفى، ويحتوى سقفه علي العديد من النقوش العثمانية وكذلك يضم النص التأسيسى للمنزل، وإلى اليمين توجد قاعة النوم التي تضم نماذج نادرة من اللوحات الزيتية وهى رسومات للأماكن المقدسة في الحجاز حيث يوجد بالجزء الشمالي للقاعة رسم للمسجد النبوى، إضافة إلى رسومات منازل في المدينةالمنورة فيما تضم اللوحة الأم منظر الكعبة المشرفة والحرم المكي ومنازل مكة التي تحيط بالحرم بشرفاتها الصغيرة، بالإضافة إلى لوحة كبيرة لمدينة ساحلية ترمز إلى تركيا، أما الدور الثاني فيضم قاعة أخرى وحماماً ويتكون من جزءين هما المغطس "مكان الاستحمام"، والموقد الذي تشعل فيه النيران لتسخين المياه وإلى جانبه توجد غرفة خلع الملابس، وبالأعلى يوجد السطح الذي لم يكن يمثل أهمية لأهل البيت. الترميم أنقذ المنزل يعتبر ترميم هذا المنزل الأثري بمثابة الإنقاذ له، فقبل أعوام كان المنزل شبه مهدم والشارع يغطي مدخله، لكن عمليات الترميم شملت إزالة كافة الأتربة والمناطق المتهدمة والمخلفات الموجودة بالمنزل، ثم إعادة إحياء واجهة البيت الحجرية في الجهة الجنوبية الشرقية، تليها فتحة باب مستطيلة يغلق عليها مصراع خشبي تمثل المدخل الحالي للمنزل، وقد رمم المنزل بالكامل مع إضافات جديدة راعت عدم المساس بهيئة البيت. كما عُثِرَ خلال ترميم هذا المنزل على جزء من الحمام القديم، ويعتبر من أهم وأجمل الحمامات بالعمارة الإسلامية القديمة، ويتكون من حجرتين وتزين سقفه زخارف فى غاية الروعة وجدرانه من الرخام الأبيض، كما كشفت عملية الترميم عن نافورة الصحن الرئيسي في المنزل والطاحونة.