يجعل كلامنا خفيف عليكم، يا صايمين رمضان، لا بنحكي عن عنترة، ولا بن ذي يزن، ولا الهلايلة، ولا حتى بيبرس، ولا الأمير البهلوان.. كان يا «مكان»، من غير ربابة ولا طبلة ولا مزمار، نحفظ كافة الأشعار، بألف حكاية وحكاية، نلم شمل العطشانين، والسهرانين في نهار رمضان.. كان يا «مكان».. في عام 1646، بنى الأخوان عبد الحق ولطفي أولاد محمد الكناني، منزلاً في عطفة العيني، بجوار منزل عبد الرحمن الهراوي، وبيت زينب خاتون، ومدرسة العيني وقاعة شاكر الغنام وسبيل ووكالة السلطان قايتباي، وعلى بعد أمتار قليلة من الجامع الأزهر. هكذا يشير النص التأسيسي لهذا البيت، أن منشئه هو الحاج عبد الحق وشقيقة لطفي، أولاد محمد الكناني سنة 1074ه/ 1664م، ثم أخذت ملكية البيت في الانتقال حتى وقع مفتاحه في يد الست "وسيلة خاتون بنت عبد الله البيضا"، معتوقة بعد أن كانت جارية الست عديلة بنت إبراهيم بك الكبير، المتوفيةفي 4 مايو عام 1835، كانت آخر من سكنت الدار ولذلك عرف باسمها ونسب إليها. لم يسجل عنها التاريخ حرفًا واحدًا أكثر مما سبق، لكن يبدو أنها كانت سيدة ذات نفوذ في الحي، فحفظ الأهالي أباً عن جد اسمها، وصار علماً على البيت الأثري الرائع. البيت مصمم كمعظم البيوت الإسلامية القديمة، التي كانت تسعى إلى الحفاظ على الخصوصية وحرمة المنزل، مصمم على نحو يُمكن أهله من رؤية القادم عليهم، وفي الوقت نفسه لا يستطيع من في خارجه أن يتلصص أو يكشف حركة النساء، وكان ذلك التصميم متبعًا في إنشاء كافة المنازل في هذا الوقت. فمدخله منكسر حتى لا يجرح الضيوف، أي ركن من أركان البيت، ثم يفتح بعد ذلك على «الصحن» أو الحوش والذي يحوى «الحواصل» أو الحجرات التي كانت تمثل مرافق المنزل، واستخدمت كمخازن للحبوب، واسطبل خيل، وطاحونة، وحجرة للخدم، ومندرة، وإلى يمين الباب توجد بئر المياه. أما فناء المنزل فهو فناء مكشوف يتوسطه مقعد من "براطيم" خشبية، وهي أخشاب غليظة يدعم بها البيت تحصر فيما بينها مستطيلات غائرة تزينها زخارف نباتية وهندسية وعليها كتابات نسخية، ويتميز البيت بوجود قبتين مثمنتين الأضلاع يعلوها غطاء هرمي، وظيفتهما الإضاءة. يضم الطابق الأرضي من البيت القاعة الرئيسية، والتي تتكون من إيوانين- مستويين مرتفعين عن الأرض- بينهما نافورة على عمق 90 سنتيمترًا، تم اكتشافها مؤخرًا، ويرجع وجود هذه الإيوانات إلى أنها تتيح لأكبر عدد ممكن من الحضور مشاهدة بعضهم خلال الجلسة، بالإضافة إلى أن الارتفاعات والانخفاضات في القاعة تساعد على تحريك الهواء بداخلها. أما سقف القاعة فيضم «شخشيخة»، وهي عبارة عن فانوس خشبي مفرغ لإنارة المكان، وتطل على القاعة الرئيسية مجموعة من المشربيات أو «المغاني»، وهي المكان الذي كان يجلس فيه النساء للاستماع إلى المطرب أو المغنى. ويوجد في صحن البيت إلى اليسار سلم خشبي يؤدي إلى الدور الأول، الذي يشمل المقعد الصيفي، ويحوي سقفه العديد من النقوش العثمانية، وكذلك يضم النص التأسيسي للمنزل، ويتصدر المقعد حائط به دواخل كانت تستخدم كدولاب توضع فيه الملابس أو أدوات الوضوء، وأعلى الأرفف توجد رسومات للمحراب للدلالة على اتجاه القبلة عند الصلاة. وإلى اليمين توجد قاعة النوم التي تضم نماذج نادرة من اللوحات الزيتية، وهى رسومات للأماكن المقدسة في الحجاز، حيث يوجد بالجزء الشمالي للقاعة رسم للمسجد النبوي، إضافة إلى رسومات منازل في المدينةالمنورة، فيما تضم اللوحة الأم منظر الكعبة المشرفة والحرم المكي ومنازل مكة التي تحيط بالحرم بشرفاتها الصغيرة، بالإضافة إلى لوحة كبيرة لمدينة ساحلية ترمز إلى تركيا. أما الدور الثاني فيضم قاعة أخرى وحماماً ويتكون من جزأين، هما المغطس- مكان الاستحمام- والموقد الذي تشعل فيه النيران لتسخين المياه، وإلى جانبه توجد غرفة خلع الملابس، وأخيرًا السطح الذي لم يكن يمثل أهمية لأهل البيت. دخل المنزل للترميم وانتهى الأمر عام 2005، عثر خلال الترميم على جزء من الحمام القديم الذي يعتبر فريدًا من نوعه، ومن أهم وأجمل الحمامات بالعمارة الإسلامية القديمة، فهو يتكون من حجرتين وتزين سقفه زخارف رائعة وجدرانه من الرخام الأبيض، كما كشفت عملية الترميم عن نافورة الصحن الرئيسي في المنزل والطاحونة. ترميم هذا المنزل الأثري كان بمثابة إنقاذاً له بعد أن كاد ينهار، إذ كان المنزل شبه مهدم بل كان مدفونا والشارع يغطي مدخله، لكن عمليات الترميم شملت إزالة كافة الأتربة والمناطق المتهدمة والمخلفات الموجودة بالمنزل، ثم إعادة إحياء واجهة البيت الحجرية في الجهة الجنوبية الشرقية والتي تشمل ثلاث فتحات تشبه المغازل، تليها فتحة باب مستطيلة يغلق عليها مصراع خشبي تمثل المدخل الحالي للمنزل، وقد رمم المنزل بالكامل مع إضافات جديدة راعت عدم المساس بهيئة البيت.