جاء الأستاذ مصطفي أمين صاحب دار أخبار اليوم في ذلك الوقت من عام 1953 ثائرا وكانت أول مرة أراه فيها وجها لوجه فلم يكن قد مضي سوي ثلاثة أسابيع علي بدء عملي في مجلة الجيل الجديد وهي مجلة كانت تصدرها مؤسسة أخبار اليوم في بداية الخمسينيات وكان يرأس تحريرها في ذلك الوقت الراحل إسماعيل الحبروك الذي توفاه الله في سن صغيرة جدا 36 سنة. ورغم هذه السن الصغيرة فقد كتب القصة والأغنية والشعر والمقالات ورأس تحرير الجيل ومن أغانيه إحنا الشعب وتخونوه وأسمر يااسمراني لعبد الحليم وبتسأل ليه عليا لفايزة وياأغلي اسم في الوجود واوعي تكون بتحب ياقلبي لمحرم فؤاد وغيرها كثير , وإليه يعود فضل عملي في دار أخبار اليوم فقد كلفني فور أن شاهدني جالسا إلي مكتب الزميل محمد وجدي قنديل بالتفكير في موضوعات التجديد الذي يقوم به لمجلة الجيل التي عين رئيسا لها حديثا وقد تصور أنني محرر قديم , وقد أمسكت بالفرصة وعضضت عليها بالنواجذ كما يقولون ومن هنا كانت البداية فبعد ثلاثة أشهر عرفني الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير آخر ساعة وكان في وقت بداية عملي في الجيل مسافرا في رحلة إلي كوريا لتغطية الحرب الكورية , واستطاع إغرائي للعمل في آخر ساعة وبعدها الأهرام . وأعود إلي العظيم مصطفي أمين الذي فوجئت به يزور مجلة الجيل ولم يكن قد سبق له في ذلك الوقت زيارتها كما لم يكن هناك وقتها في المجلة أحد غيري فقد أصبحت بعد الفرصة التي جاءتني شبه مقيم , وقد التفت ناحيتي ووجهه ينطق بالشر وقال لي : فين فلان فقلت بصوت مرتعش : لا أعرف .. ولم اكن أعني أنني لا اعرف مكانه بل كنت أعني أنني لا اعرفه أصلا .. قال لي وأظنه لم يعرف قصدي : إذا رأيته ابلغه ألا يدخل أخبار اليوم مرة ثانية ! ولم يحدث أن أبلغت فلانا هذا بما قاله لي مصطفي أمين فقد كنت واثقا أن الخبر سوف يسعي إليه عن غير طريقي .. وقد اختفي بالفعل هذا المحرر الناشئ من كل صحف أخبار اليوم ولا أعرف أين ذهب فقد كانت الفبركة الصحفية في ذلك الوقت محدودة جدا ولكن ليس إلي درجة فبركة حديث بالكامل كما فعل صاحبنا دون أن يلتقي صاحب الحديث , مع أنه في هذه الأيام أصبحت هناك صحف تقوم علي الفبركة وصحفيون مستعدون لتقديم أحاديث جاهزة مع رواد الفضاء داخل كبسولة الفضاء؟ ! فبركت موضوعا واحدا وفي حياتي الصحفية ارتكبت جريمة فبركة حديث صحفي مرة واحدة وكان ذلك في عام 1955 عندما زار مصر محام بريطاني جاء لبحث إقامة دعوي ضد الحكومة المصرية للحصول علي جزء من ثروة فاروق في القصور الملكية باعتبارها من أملاكه وقد حاولت مقابلته في الفندق الذي كان مقيما به قرب مكان برج وزارة الخارجية الحالي علي النيل لكنني فشلت فأغراني الشيطان ألا أواجه رئيس التحرير بالفشل وفبركت حوارا قصيرا ومع أن الحكاية فاتت علي خير إلا أنني ظللت مرعوبا أكثر من شهر والحمد لله تعلمت ألا أرتكب هذه الجريمة طوال حياتي وهي بالفعل جريمة كبري . أشهر حوادث الفبركة في أشهر صحيفة وفبركة الأخبار والموضوعات الصحفية فن وقد يوفق من يقوم بالفبركة أو التزوير مرة واثنتين وربما أكثر لكنه حتما لابد أن ينكشف كما حدث عندما تكشفت اشهر واقعة فبركة صحفية بطلها شاب لا تتجاوز سنه 27 سنة في صحيفة نيويورك تايمز واحدة من أشهر الصحف العالمية التي يبلغ عمرها أكثر من 160 سنة .. وقد كان ' جايسون لير ' بطل وقائع الفبركة يفاجئ زملاءه بتقارير مثيرة يبدو من خلالها متنقلا من الشرق إلي الغرب مما أثار دهشة زملائه إلي درجة الحقد لكنهم لم يكونوا يستطيعون أن يفعلوا شيئا .. ولكن حدث أن تقدم خمسة أشخاص بينهم ثلاثة من أبناء الجنود الأمريكيين الذين قتلوا أو أصيبوا في العراق بشكاوي ينكرون فيها انهم أدلوا بتصريحات من التي نشرها جايسون في نيويورك تايمز علي لسانهم .. وأصاب الذعر مدير تحرير الجريدة الذي حول الموضوع إلي التحقيق ليكتشف بالفعل فبركة جايسون لكل ما نشر .. واستدعي الأمر إعادة فتح كل ملفات الأخبار والموضوعات التي نشرها جايسون وكانت المفاجأة اكتشاف فبركة معظم هذه الانفرادات التي كان جايسون يفاجيء بها زملاءه .. ولم تتردد صحيفة نيويورك تايمز فنشرت بيانا صارحت فيه القارئ بما حدث وبأن الأخبار التي نشرت غير صحيحة مبدية اعتذارها فالجريمة وإن ارتكبها محرر خدع المسئولين فيها الا أن الصحيفة تعتبر المسئولة الأولي أمام القارئ .. وبذلك أغلقت الصحيفة الكبري في عام 2003 ملف فضيحة جايسون الذي لم يعد له مكان في الصحافة وانتقل للعمل ملاحظا في مستشفي للأمراض النفسية ! أول رئيسة تحرير للجريدة وقد ظلت نيويورك تايمز تعاني فضيحة الأخبار الكاذبة التي نشرها ' جايسون ' ونجحت في تجاوزها كما تجاوزت فترة هبطت فيها موارد الصحيفة نتيجة للأزمة المالية والاقتصادية التي عصفت بامريكا وانتشرت منها إلي العالم عام 2008 , وفي الشهر الماضي أعلنت الصحيفة نبأ اختيارها للصحفية ' جيل ابرامسون '( 57 عاما ) لتكون أول امرأة تتولي رئاسة تحرير الصحيفة التي تتجاوز ال 160 سنة . وقد جرت مراسم إعلان الخبر في صالة التحرير بحضور ناشر الصحيفة ' آرثر سالزبيرجر ' الذي قدم ' ابرامسون ' التي كانت واحدة من نائبتين عملتا لرئيس التحرير ' بيل كيلر ' وهذا الأخير مدرسة صحفية كبيرة حصلت الصحيفة خلال رئاسته لها علي 18 جائزة بوليتزر للصحافة , وقد طلب ' كيلر ' الذي وصل إلي سن 62 سنة أن يتفرغ للكتابة ويترك الفرصة ليس فقط لجيل جديد وإنما أيضا لجنس آخر لم يسبق أن تولي رئاسة تحرير أكثر الصحف نفوذا في أمريكا وربما في العالم . الجديد أن عملية تسليم الرئاسة لم تتم في يوم أو ثاني يوم إعلانها وإنما ستتم بعد أربعة أشهر وبذلك ستتسلم ' ابرامسون ' التي بدأت عملها في الصحيفة في عام 1997 عملها كرئيسة تحريرالصحيفة يوم السادس من سبتمبر حتي تكون قد كونت أفكارها وخططت لعملها فترة كافية فصحيفة عريقة مثل نيويورك تايمز لا تفاجئ قارئها بتجارب يمكن أن تفشل أو تنجح !