تعرف على سعر الذهب اليوم الأحد    الجيش الأمريكي يعلن تدمير طائرة مسيرة للحوثيين في البحر الأحمر    عشرات آلاف الإسرائيليين يتظاهرون من أجل التوصل لإتفاق لإطلاق سراح المحتجزين    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارةً جويةً جنوب لبنان    بعد فوز ريال مدريد.. كم بطولة يحتاجها الأهلى ليصبح الأكثر تتويجا بالبطولات؟    شديد الحرارة على أغلب الأنحاء.. توقعات الطقس اليوم    مواعيد القطارات اليوم الأحد على خطوط السكك الحديد    نتيجة الشهادة الاعدادية 2024 الترم الثاني محافظة الفيوم برقم الجلوس أو الاسم عبر بوابة الفجر وموقع وزارة التربية والتعليم    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    وزير التموين: طالبت بزيادة السكر التمويني من 12.6 إلى 18 جنيها    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    المصيلحي يكشف سبب حذف 20 مليون بطاقة تموينية وعدم إضافة المواليد    أول تعليق من كريس إيفانز عن صورة توقيعه على صاروخ إسرائيلي متجه ل غزة (صور)    11 تصريحا من وزير التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة.. ماذا قال؟    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    زوجته الأولى ماتت بأزمة قلبية.. مفاجأة جديدة بشأن سفاح التجمع    الرابعة من نوعها.. نتنياهو يقبل دعوة لإلقاء كلمة أمام «الكونجرس» الأمريكي    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر لقاء بين أحمد بهاء الدين ونعمان عاشور
نشر في أخبار الأدب يوم 07 - 05 - 2011

كنت كلما اقتربت من سنة التخرج في كلية الحقوق، ابتعد خاطري عن فكرة الاشتغال بالمحاماة والقانون إلي الاشتغال بالكتابة.
وكنت أدير عيني في كل الصحف والمجلات التي كانت تصدر في مصر وقتها، يومية وأسبوعية، حزبية ومستقلة، حكومية ومعارضة، فلا أجد واحدة منها يمكن أن اطرق بابها وأعرض عليها ما أريد ان أكتبه.
ولاشك انه كان هناك مثلي كثيرون، كما تبين لي بعد ذلك، فقد كان من السهل ان أحس بأنني أشب عن الطوق مع جيل جديد له مشاغل جديدة، ويتطلع إلي آفاق جديدة، وله أولويات مختلفة عن القضايا والصراعات التي كانت الصحافة المصرية غارقة فيها تلك الأيام. إنها القضايا المطروحة نفسها، منذ نهاية ثورة 9191، و»استقلال مصر« الشكلي مع وجود الاحتلال الانجليزي، وتبلور القوي السياسية في مصر في ثلاث: »الانجليز والسلطة وحزب الوفد«.
وقد مرت علي هذه اللعبة وأطرافها أنفسهم، اكثر من ثلاثين سنة، وعقدت معاهدة مع الانجليز وقامت حرب عالمية ثانية وانتهت، ولا شيء تغير ولا شيء تحقق.
وإذا كانت السياسة المصرية قد تجمدت علي هذا النحو كل هذه العشرات من السنين فقد كان من الطبيعي أن تتجمد الصحافة، في الإطار نفسه، صحف تصدر وتنجح وصحف تصدر وتفشل، ولكن القضايا هي القضايا نفسها، تدور كما تدور الساقية رتابة دورة الحياة السياسية ذاتها، صحف مع الوفد وصحف مع السلطة وصحف مع الانجليز ولا توجد صحف »مستقلة« حتي وإن زعمت هذا الاستقلال من باب التقرب للقراء.
ولكن الصحافة الأدبية أزدهرت في تلك الفترة إزدهارا كبيرا. ظهرت مجلات تركت علامات خالدة علي نطاق الوطن العربي كله، مجلة الرسالة، مجلة الثقافة، مجلة الكاتب المصري. وبعد الثورة، وبعد أن ذهب مؤسسوها. حاولت الدولة استثمار الاسم القديم فظهرت »الرسالة الجديدة« و»الثقافة الجديدة« فلم يكتب لهما النجاح، فالاسم لا يغني عن الحقيقة. اسم مجلة ليس ماركة تجارية لمعجون أسنان مثلا. يمكن استمراره دون تطور.
وبمجرد ان عرفت أنني نجحت في امتحان التخرج في كلية الحقوق، ذهبت عصر اليوم التالي اطرق باب مجلة شهرية صغيرة، لا يعرف اسمها الا القليلون، وهي مجلة »الفصول«.
كانت مجلة »الفصول« مجلة شهرية، هادئة الصوت، معروفة للقلة ، صدرت في شكل وحجم مجلة »المختار« الأمريكية التي هي النسخة العربية من مجلة »ريدرز دايجيست«.
بل الواقع ان مجلة »الفصول« صدرت في القاهرة كرد »مصري« علي مجلة المختار »الامريكية« التي ظهرت لاول مرة في مصر، صيغة صحافية جديدة وجذابة ومؤثرة، رأتها عيوننا في العالم العربي لاول مرة، وتشكلت في مصر جماعة لا اذكر اسمها الآن بالضبط.. من بعض المثقفين البارزين من ذلك الجيل، واصدروا هذا »الرد المصري« علي ما اعتبروه غزوا ثقافيا أمريكيا.
وكان صاحب المجلة ورئيس تحريرها هو المرحوم الكاتب الكبير محمد زكي عبدالقادر صاحب أحد ابلغ الأقلام التي عرفتها الصحافة المصرية في نصف القرن الأخير.
وقابلت الأستاذ محمد زكي عبدالقادر - وكان أكبر مسئول في جريدة الاهرام في الوقت نفسه، في مقر مجلة الفصول، وشرحت له رغبتي وقلت له إنني تحرجت في كلية الحقوق بالامس فقط، وسألني محمد زكي عبدالقادر بعد حوار قصير عن ماذا أريد أن أكتب؟
وقلت له: إن الشهر القادم يصادف مرور خمسين سنة علي وفاة جمال الدين الأفغاني وأنني أشعر انه لا أحد في الصحافة منتبه أو مهتم بذلك. وأقترحت عليه أن أكتب مقالا تاريخيا وتحليليا معا عن جمال الدين الافغاني بهذه المناسبة.
وتحمس محمد زكي عبدالقادر للموضوع، وكنت لا أتصور ان أقدم شيئا مكتوبا ويرفض فقلت له: ان الموضوع، كما هو في ذهني، سيكون طويلا، اطول من الحجم العادي لمقالات الفصول، اي عشر صفحات علي الأقل، ولكنه مقال مناسبة خاصة فهل هذا مقبول؟
وقال لي انه من حيث المبدأ موافق، والباقي يتوقف علي جودة المقال بالطبع.
وهكذا كان ، ونشر لي أول مقال وبدأت أكتب كل شهر.
وبعد بضعة اعداد، زادت مسئوليات الاستاذ محمد زكي عبدالقادر ، في جريدة الاهرام وصار هو رئيس التحرير الفعلي للجريدة.
وذات يوم وأنا اقدم له المقال الشهري، قال لي: مارأيك أن تكون مدير تحرير مجلة الفصول.
ودهشت ، وشكرته علي ما اعتبرت فيه مجاملة فقال لي: مشغولياتي في الأهرام لم تعد تسمح لي بالحضور كل يوم ومراجعة المواد والتفكير في كل، سأضع اسمك علي المجلة كمدير تحرير. وتتولي كل شيء في المجلة، بشرط ان تحضر يوميا كل عصر حوالي ثلاث ساعات.
وكنت خلال تلك الاشهر القليلة قد عينت في الحكومة في النيابة الادارية، واذهب إليها صباحا فقط.. فقبلت علي الفور.
كان فضل مجلة »الفصول« علي عظيما.
هأنذا، بعد تخرجي من الجامعة بشهور، لا أكتب في مجلة بانتظام فقط، ولكنني أدير تحريرها واصدرها واقعيا
في هذه المجلة الصغيرة، وفي هذه الفترة الخاطفة، كان من حظي، ومن أكبرما أعتز به في حياتي الصحفية انني نشرت - لأول مرة في مصر - مقالات واقعيا وقصائد كتبها: عبدالرحمن الشرقاوي - فتحي غانم - الدكتور علي الراعي - المرحوم أحمد رشدي صالح - يوسف الشاروني - بدرالدين ابوغازي (الناقد الفني وقتها ووزير الثقافة بعد ذلك) - قصائد لمحمود امين العالم - وتلقيت من العراق قصائد كتبها شاعر لا أعرف اسمه هو عبدالوهاب البياتي وكان أول مرة ينشر له شعر في مصر - أحمد عباس صالح - ونعمان عاشور.
كان مكتب المجلة في شارع شريف أمام البنك الاهلي زي في قلب القاهرة.
وذات يوم دخل علي اثنان قالا: ان اسميهما أحمد عباس صالح ونعمان عاشور وانهما يكتبان القصص، ولكن لا أحد ينشر لهما. والمجلة تنشر الجديد، كانت الصحف لا تنشر قصصا إلا رومانتيكيات وغراميات الكتاب، كل مدارس القصة الجديدة كانت ترفض كل الشعر الجديد كان يرفض،. كل الفكر الاجتماعي والسياسي الجديد كان يرفض، وكما جاء نعمان عاشور واحمد عباس صالح، هكذا ببساطة.
جاء الآخرون، وكثيرون غير ما طاف بذهني الآن وما سجلت من اسماء، تصدرت بعد ذلك الحركة الفنية والادبية والسياسية في اكير الصحف بعد ان نجحت تجاربهم وامتحنوا امام الجمهور.
هكذا عرفت نعمان عاشور، من هذه الزيارة البسيطة في مكتبي في مجلة الفصول وكان من جيل سابق علي جيلي، وكنت أسمع اسمه وأقرأ عنه في الصحف عن نشاطه السياسي، وكانت دهشتي كبيرة انه حتي في هذه السن يجد منبرا ينشر فيه قصة قصيرة، وأدبا وفنا جديدا. غير السائد الراكد وقتها.
وصرنا اصدقاء من وقتها، وكان اكثرنا شبابا رغم تقدمه عنا في السن واكثرنا مرحا وتفاؤلا.
وحين »احترفت الصحافة« وصرت نائبا لرئيس تحرير روز اليوسف. بدأت أنشر له قصصا قصيرة في روز اليوسف ولا أنسي قصة عرضت مجلة روز اليوسف للمصادرة!
كانت قصة قصيرة جعل اسم بطلتها »حكمت« ولكن امها واخواتها ينادينها من باب التدليل »حكومة« بتشديد الكاف! وشرحنا ذلك للرقيب فابتسم ووافق علي النشر. واذا بالدولة والقراء يقرأون اسم التدليل »حكومة« دون تشديد الكاف، علي انها »حكومة« بضم الكاف، والقصة مليئة باللغة العامية بعبارات من نوع »جاتك نيلة« يا حكومة.. و»إن شا الله تروحي في داهية يا حكومة« و»انت مش بتفهمي يا حكومة«.
واعتبرت السلطة هذا سبا للدولة والحكومة وليس للفتاة الريفية »حكومة« بتشديد الكاف.
وصدر قرار بفصل الرقيب.. وتقرر مصادرة روز اليوسف. لولا اننا نجحنا في اقناع السلطة بأن مصادرة روز اليوسف. سوف يكون له ضجة أكبر من نشر قصة نعمان عاشور دون وضع علامة التشديد علي الكاف!
فلما أنشيء المسرح الحديث.. تفجرت موهبته الاساسية في المسرح، والمسرح الكوميدي الاجتماعي بالذات، وقد كنا نتصور من شخصيته ومرحه، وملاحظاته الطريفة علي البشر انه لابد ان يكون يوما كاتبا مسرحيا كوميديا من الطراز الاول . ولكن لم يتيسر ذلك حتي وجدت خشبة المسرح ! كما لابد من وجود المجلة كي تنشر القصة - التجربة - وكانت مسرحية »الناس اللي فوق« تجربته. ولكنها نجحت نجاحا هائلا، وتم الاعتراف النهائي بنعمان عاشور.. وصار صاحب مدرسة يقلدها آخرون كثيرون.
بدأ بوهيميا شهيرا وانتهي زوجا كريما وأبا وجدا ناجحا، ولكنه ظل حتي النهاية يكتب في النقد والأدب واظن أن له مسرحيات لم تر النور بعد. لعلها تجد من يبحث عنها وينفض عنها الغبار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.