فى مطلع شهر يونيو 1982 أصيبت الجبهة اللبنانية بالتوتر؛ بسبب تدفق الحشود الإسرائيلية عليها، وسط تهديدات من أريل شارون وقادة الحرب الإسرائيليين باجتياح الأراضى اللبنانية للقضاء على فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية التى داومت على تهديدات المستعمرات الإسرائيلية فى الشمال ولم تكن إسرائيل عادة فى حاجة إلى ذريعة تستند عليها لتكرار عملياتها العدوانية على أرض عربية؛ فلديها هذه الذريعة الدائمة التى تقول بالحفاظ على أمن إسرائيل ضد الجماعات التى تسميها بالإرهابية، ولكنها فى هذه المرة كانت تحتاج إلى الترويج لذريعة تبرر لها اجتياح الجنوب اللبنانى وصولاً إلى بيروت، لفرض واقع جديد يسمح لها بإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد أن باتت تشكل بؤرة وحيدة ودائمة الالتهاب مع إسرائيل، ثم الخروج مصر من الساحة باتفاقية كامب ديفيد، وقد عثرت إسرائيل على ضالتها بمقتل أحد الإسرائيليين فى أسبانيا على يد شاب فلسطينى؛ فراحت تروج لفكرة أن الفلسطينيين باتوا يشكلون خطرا على دول أوروبا والعالم، بنقل ساحة الصراع من الشرق الأوسط إلى ساحة تمتد باتساع الخريطة الدولية؛ وهو ما أصبح يستوجب القضاء على خطرهم فى قواعدهم بلبنان التى ينطلقون منها شرقاً وغربا ... تقدم شارون بقواته وسط مقاومة عنيفة أبدتها فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ورغم ذلك تمكن شارون بمعاونة جوية فائقة من التهام الجنوب قرية بعد قرية ومدينة بعد أخرى حتى وصل إلى بيروت . فأصبح لزاماً على كل عربى أن يهرع دفاعاً عن عاصمة عربية باتت مهددة بالاجتياح؛ فقررت التسلل بصحبة عدد من الشباب الفلسطينيين والسوريين الذين أبدوا استعدادهم للتطوع . فخرجنا من دمشق ليلاً وتمكنا عبر سلسلة من الجبال الوعرة ومزارع الزيتون والكرز من الوصول إلى قلب بيروت فى الليلة التالية، وتوجهت من فورى إلى المكان الذى يختبئ فيه ياسر عرفات بمساعدة أحد القادة الميدانيين الذى كان قد صاحبنا من دمشق، وطلبت منه أن أشارك فى العمليات دفاعاً عن بيروت، ولكنه رفض ذلك بشدة لأننى لم أتدرب على حرب العصابات؛ وهو ما سيجعلنى عبئاً على الجماعة وليس إضافة لها، ولا يمكن أن يوافق على هذه المخاطرة التى اعتبرها غير محسوبة، فقلت له: إننى شاركت فى القتال على الجبهة المصرية ولدى خبرة المواجهة مع العدو، فقال هذه الحرب مختلفة؛ لأنها حرب شوارع ومدن، وليست حرباً بين جيش فى مواجهة جيش . ولكى ينهى هذا الجدل ويتفرغ للمعركة أمر بعض قواته بحملي عنوة إلى مطار بيروت وإلقائي فى أى طائرة تخرج من لبنان بعد أن أصبح خروجى عبر الطرق البرية مستحيلاً؛ نظراً لحصار المدينة من كل الجهات . حاولت الرفض والمقاومة، ولكنهم تمكنوا مني وألقوا بي في إحدى السيارات التي انطلقت بأقصى سرعة إلى مطار بيروت واتجهوا بي إلى إحدى الطائرات الرابضة هناك والتى كانت تستعد للإقلاع كآخر طائرة تقلع قبل إغلاق المطار وحظر الطيران، وفى داخل الطائرة وجدت أكثر ركابها من النساء والأطفال من عائلات كبار القادة الفلسطينيين الذين تقرر ترحيلهم حتى لا يقعوا فى الأسر، فسألت عن وجهة الطائرة وعرفت أنها متجهة إلى الجزائر .