أثار القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية الأسبوع الماضي بتعيين محسن السلاوي مستشارا لرئيس الجمهورية للمتابعة، الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام والغموض أيضا حول طبيعة مهمته. وزاد من هذا اللغط أن رئاسة الجمهورية لم تصدر أية توضيحات بشأن المستشار الجديد للرئيس ولا حتى سيرته الذاتية كما اعتادت مع جميع من تم اختيارهم من قبل كمستشارين للرئيس أو ضمن المجالس الاستشارية التابعة للرئاسة. وفتح هذا الأمر الباب أمام التخمينات والتحليلات التي في أغلبها لا تستند لمعلومات دقيقة، لتبقى الحقيقة غائبة وفي طي كتمان الرئاسة والرئيس نفسه. هذه الواقعة دفعتنا لفتح ملف مستشاري رئيس الجمهورية، ولكن من زاوية مختلفة وهي إستراتيجية اختيار مستشاري الرئيس ومعاونيه، ولتحقيق ذلك كان لابد من عقد المقارنات بين الرؤساء الذين حكموا مصر لمعرفة إستراتيجية كل منهم في اختيار معاونيه، وللوصول إلى نتيجة "ممسوكة" حاولنا الرصد بقصد الإجابة عن تساؤل مفاده: هل الرؤية تسبق المهمة أم المهمة تسبق الرؤية كسبيل أمثل لاختيار المعاونين للرئيس؟ فقد تعاقب على رئاسة مصر عقب عزل الملك فاروق بقيام ثورة 23 يوليو عام عهد مبارك تطور منهج الاعتماد على أهل الثقة في اختيار معاوني الرئيس ومستشاريه في عهد السادات إلى عدم الثقة في أي شخص ليكون مستشارا رسميا للرئيس، هكذا كان الوضع في عهد مبارك، حيث اعتمد بشكل كامل في قراراته على الأجهزة الأمنية من مخابرات عامة ومخابرات حربية وجهاز أمن الدولة الذي أدار البلاد سياسيا في عهد مبارك مما أدى لتردي الحياة السياسية تماما وانتهت بثورة 25 يناير التي خلعت مبارك. ففي بداية عهده حاول مبارك أن يصنع شكلا ديكوريا لمؤسسة الرئاسة بأن يكون فيها مستشارون له فعين أسامة الباز مستشارا سياسيا، ومصطفى الفقي سكرتيرا للرئيس لشئون المعلومات، وزكريا عزمي رئيسا لديوان رئيس الجمهورية. وكان زكريا عزمي قد تخضرم داخل مؤسسة الرئاسة منذ عهد السادات، فعلي الرغم من أنه بدا الحلقة الأضعف في الرئاسة بتولي مبارك الحكم نظرا لغضب سوزان مبارك منه بسبب قربه السابق من زوجة السادات إلا أنه سرعان ما ألم بتلابيب الأسرة المباركية في يديه حتى صار الرجل الأقوى في الرئاسة، وسيطر على كل الشئون سياسية واقتصادية وخلافه. وتم تهميش دور أسامة الباز بوشاية من زكريا عزمي كما تم إبعاد مصطفى الفقي نظرا لقيامه باتصالات مع الأحزاب السياسية وظهوره في مناسبات اجتماعية، وبدا له نجما صاعدا باسم الرئاسة والرئيس مما قدم سببا وجيها للإطاحة به. وهكذا ظل مبارك دون مستشارين رسميين، واعتمد على قيادات الحزب الوطني الذين سيطروا على كل مقاليد البلاد بمعاونة جهاز أمن الدولة، وكان أبرز من يلعبون دورا في عقل وقرارات مبارك هم: زكريا عزمي وصفوت الشريف وفتحي سرور وكمال الشاذلي، وهؤلاء لم يقتصروا على مبارك فقط ، بل امتدوا إلى نجله جمال وحافظوا على تأثيرهم على الابن لعلمهم أنه سيكون المتحكم في الأب، وظهر بجانبهم حتى خطف الأضواء منهم أحمد عز الذي أدت جميع مخططاته المشبوهة إلى انفجار ثورة يناير العارمة التي أطاحت بمبارك وقضت على مخطط توريث الحكم لابنه جمال. وفي فترة مبارك أيضا لعب رجال الأعمال دورا كبيرا في قراراته، ومن أبرزهم حسين سالم الذي كان صديقا شخصيا لمبارك، وأفرز ذلك حكومات من رجال الأعمال وسياسات تصب في صالح رجال الأعمال حتى أصبحت ثروة مصر متركزة في يد 5 % من مجموع الشعب المصري، وهم رجال الأعمال، وكان لابد أن تنفجر الأوضاع في الشارع لتغيير هذا الوضع المقلوب. . عهد مرسي بقيام ثورة يناير لتصحيح الأوضاع المقلوبة وإجراء انتخابات رئاسية نزيهة أتت بالإخواني محمد مرسي رئيسا لمصر في عام 2012 تعشم الشعب خيرا في إصلاح مؤسسة الرئاسة وإعادة العمل المؤسسي لها لتحقيق النهضة المطلوبة. ولكن حينما كون مرسي فريقا رئاسيا تشكل من 4 مساعدين له، هم: باكينام الشرقاوي للشئون السياسية(إخوان)، وسمير مرقص للتحول الديمقراطي، وعصام الحداد(إخوان) لشئون العلاقات الخارجية والتعاون الدولي، وعماد عبدالغفور عبدالغني (سلفي) لملف التواصل المجتمعي. وهيئة استشارية ضمت 17 مستشارا للرئيس هم: أحمد محمد عمران(إخوان)، وأميمة كامل السلاموني، وأيمن أحمد علي(إخوان)، وأيمن أمين الصياد، وبسام حسنين الزرقا(سلفي)، وحسين محمد محمود القزاز(إخوان)، وخالد عبد العزيز علم الدين، ورفيق صموئيل حبيب، وسكينة فؤاد، وعصام العريان(إخوان)، وعماد حسين حسن عبدالله، وعمرو الليثي، وفاروق جويدة، ومحمد سليم العوا، ومحمد عصمت سيف الدولة، ومحيي حامد محمد(إخوان)، وسيف عبدالفتاح. والملاحظ أن عددا كبيرا من الفريق الرئاسي للرئيس المعزول مرسي تم اختيارهم من الإخوان، فضلا عن أنه كان هناك مستشارون آخرون تم تعيينهم قبل إعلان هذا الفريق الرئاسي، ومنهم من كان فاعلا فعلا وهو المستشار محمد فؤاد جاد الله الذي سرعان ما اصطدم بمرسي والإخوان واستقال اعتراضا على سياساتهم وخاصة في مسألة إقصاء النائب العام عبدالمجيد محمود والإعلان الدستوري. وكان هناك بعض المستشارين الذين تم منحهم المنصب شرفيا دون اي تفعيل لدورهم، وهم: المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الأسبق، والفريق سامي عنان رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، وتم تعيينهما مستشارين للرئيس للشئون العسكرية، والدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء الأسبق مستشارا للشئون الاقتصادية، ولكن لم يظهر أي من الثلاثة في الرئاسة طوال حكم مرسي؛ مما كان يعني أن المنصب كان شرفيا فقط. وأيضا للمرة الأولى منذ عهد السادات عين مرسي نائبا له وهو المستشار محمود مكي. وبالطبع قد يرى البعض أن هذا التشكيل كان رائعا وأن هذا هو المطلوب، ولكن الحقيقة أن كل هذا الفريق كان ديكوريا فقط، ولم يكن هناك أدنى احترام لأي منهم من جانب مرسي، ولا كان يستشيرهم في شيء بل كانت كل القرارات تعد في مكتب إرشاد جماعة الإخوان، ويتم إعلانها في الرئاسة حتى بلا استشارة أي من أعضاء هذا الفريق الرئاسي، حتى أن الإعلان الدستوري المزلزل أصدره مرسي في ظل غياب نائبه محمود مكي الذي كان ينوب عنه في القمة الإسلامية بباكستان وقتها، وعلم بصدور الإعلان الدستوري من الإعلام. وللحق فقد كان هناك أشخاص مؤثرين في مرسي بل ويتحكمون به داخل القصر، وهم 4 أشخاص أسعد الشيخة نائب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، وياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة لفترة كبيرة من حكم مرسي، وأحمد عبد العاطي مدير مكتب الرئيس، وعصام الحداد مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية، وأضف إليهم بعد ذلك أيمن الذي تولى شئون الإعلام بالرئاسة، بل وأصبح أبرز من الجميع في نهاية عهد مرسي. وهكذا فقد كان الفريق الرئاسي لمرسي من مستشارين ومساعدين وحتى نائبه مجرد ديكور؛ لأنه في حقيقة الأمر لم يكن في حاجة حقيقية لهم، بل هو فعل ذلك متصورا أنه سيضحك على الشارع باعتباره قد أحدث تغييرا حقيقيا في عمل مؤسسة الرئاسة، دون أن يعلم أن الناس لا تنتظر المسميات بل تنتظر الفعل الواقعي. وقد انتهى الحال باستقالة جميع أعضاء الفريق الرئاسي إلا الإخوان منهم، اعتراضا على قرارات مرسي، وأهمها الإعلان الدستوري الذي أصدره بأمر جماعة الإخوان ودون استشارة أي من مستشاريه ولا حتى مستشاره القانوني ولا نائبه الذي كان قاضيا، فانتهى الحال بمرسي إلى ثورة الشعب ضده وعزله. فى الحلقة الأخيرة: - مستشارو منصور همشتهم طموحاتهم الشخصية إلا من رحم ربي - الغموض يحكم طبيعة مهام مستشاري السيسي.. والمشير لا يثق إلا في اللواءات.