أثار القرار الجمهوري الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي نهاية الأسبوع الماضي بتعيين محسن السلاوي مستشارا لرئيس الجمهورية للمتابعة، الكثير من اللغط وعلامات الاستفهام والغموض أيضا حول طبيعة مهمته. وزاد من هذا اللغط أن رئاسة الجمهورية لم تصدر أية توضيحات بشأن المستشار الجديد للرئيس ولا حتى سيرته الذاتية كما اعتادت مع جميع من تم اختيارهم من قبل كمستشارين للرئيس أو ضمن المجالس الاستشارية التابعة للرئاسة. وفتح هذا الأمر الباب أمام التخمينات والتحليلات التي في أغلبها لا تستند لمعلومات دقيقة، لتبقى الحقيقة غائبة وفي طي كتمان الرئاسة والرئيس نفسه. هذه الواقعة دفعتنا لفتح ملف مستشاري رئيس الجمهورية، ولكن من زاوية مختلفة وهي إستراتيجية اختيار مستشاري الرئيس ومعاونيه، ولتحقيق ذلك كان لابد من عقد المقارنات بين الرؤساء الذين حكموا مصر لمعرفة إستراتيجية كل منهم في اختيار معاونيه، وللوصول إلى نتيجة "ممسوكة" حاولنا الرصد بقصد الإجابة عن تساؤل مفاده: هل الرؤية تسبق المهمة أم المهمة تسبق الرؤية كسبيل أمثل لاختيار المعاونين للرئيس؟ فقد تعاقب على رئاسة مصر عقب عزل الملك فاروق بقيام ثورة 23 يوليو عام عهد السادات قبيل نهاية عهد عبد الناصر تم تشكيل ما يسمى بلجان العمل اليومي في داخلها يتم تجميع خلاصة تقارير جميع مستشاري ومكاتب الرئيس، حيث شكّلت لجنة تجتمع مرتين يومياً من كل من: شعراوي جمعة وأمين هويدي وسامي شرف، وكان لها أن تلتقي بمن تراه من المسئولين لبحث المسائل المتعلقة بتسيير أمور الدولة، وتعرض على الرئيس أهم الموضوعات والتوصيات في مجال تسهيل عملية اتخاذ القرار، وتطوّرت هذه اللجنة لتضم أيضاً كلاً من محمود رياض والفريق أول محمد فوزي والفريق محمد أحمد صادق وعبد المحسن أبوالنور. وحسبما سرد سامي شرف في مذكراته ففي بعض الأحيان كان يصعب إتمام اللقاء في مسائل عاجلة وحيوية، فكان يُعقد ما يسمى بالمؤتمر التليفوني عبر شبكة تليفونات خاصة كانت تحت سيطرة المخابرات العامة وذلك بفتح خطوط تليفونية يستحيل التدخل عليها، بين المؤتمرين الذين يتبادلون بحث الموضوع في سرية وبسرعة من دون اللقاء حول مائدة الاجتماعات. وفي عام 1969 وعلى وجه التحديد اعتباراً من يوم 13 سبتمبر 1969 وهو اليوم الذي أصيب فيه الرئيس جمال عبد الناصر بالأزمة القلبية الأولى أعيد تشكيل مجموعة التلقين اليومي وأطلق عليها اسم "لجنة العمل اليومي" وكان يترأسها أنور السادات وتضم علي صبري وشعراوي جمعة وأمين هويدي والفريق أول محمد فوزي وسامي شرف، كما كان ينضم إليها في بعض الأحيان محمد حسنين هيكل، وكانت هذه اللجنة تطلب استدعاء أيٍّ من المسئولين أو الوزراء من ذوي العلاقة بالموضوع أو المسائل محل البحث، وكانت هذه اللجنة تجتمع في مكتب سكرتارية الرئيس للمعلومات مرة أو مرّتين في اليوم حسب تطورات الموقف الداخلي والخارجي والعسكري.. إلخ، وفي بعض الأحيان كان يتم الاجتماع في قصر الأمير عبد المنعم في منطقة بين روكسي والقبة. وبعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر يوم 28 سبتمبر 1970، تشكلت هذه اللجنة من كل من: عبد المحسن أبوالنور الأمين العام للاتحاد الاشتراكي ومحمود رياض وزير الخارجية وشعراوي جمعة وزير الداخلية وأمين حامد هويدي وزير الدولة حتى خرج من التعديل الوزاري في 14 نوفمبر 1970 وسامي شرف، وزير شئون رئاسة الجمهورية ومدير المخابرات العامة (محمد حافظ إسماعيل ثم أحمد كامل) ومدير المخابرات الحربية (اللواء محرز مصطفى عبد الرحمن)، كما كان يحضر اجتماعات هذه اللجنة أيضاً في بعض الأحيان محمد فائق وزير الإعلام وقتها وكانت مهمة هذه اللجنة استمراراً لما كانت تقوم به اللجان المشابهة ومكاتب الرئيس المختلفة. وسرعان ما شعر السادات بأن عدد من الأشخاص داخل هذه اللجنة يشكلون قيودا عليه بل كما وصفهم مراكز قوى يعرقلون قراراته فكانت رؤيته الأولى هو الانفراد بسلطة القرار ومن ثم تخلص من هذه اللجنة ومن مجموعة مراكز القوى ثم استعاض عن ذلك بإنشاء حزب برئاسة ليكون بمثابة مطبخ صنع القرار السياسي الذي يتبلور ليصل للرئيس، فكان ذلك هو حزب مصر الذي أصبح الحزب الوطني الديمقراطي. كما استعان السادات أيضا بعدد من المستشارين كانوا أغلبهم من أهل الثقة ومن ينفذون رؤيته خاصة أنه عانى من ما يسمى مراكز القوى فلم يكن يريد أن يواجه مراكز قوى جديدة في القصر، وفي هذا الإطار استعان بعثمان أحمد عثمان مستشارا للرئيس في الشئون الاقتصادية و سيد مرعي رئيس مجلس الشعب مستشارا للشئون السياسية، وعلي السمان مستشار السادات للعلاقات الخارجية قبل حرب أكتوبر، و حافظ إسماعيل مستشارا للأمن القومي وهو المنصب الذي استحدثه السادات بالرئاسة لأول مرة، وتولاه حسن التهامي بعد حافظ إسماعيل بجانب مهمة مستشار الرئيس للشئون الدينية، وكان منصور حسن هو المستشار الأبرز للسادات في العديد من الملفات وتولى منصب وزير شئون الرئاسة والإعلام والثقافة في عهد السادات. ولأن السادات اعتمد في اختيار معاونيه على أهل الثقة فبدأ دور مستشاري الرئيس يخفت في عهده وخصوصا المعينين في القصر حيث كانوا ينفذون ما يريده دون أي مناقشة أو تجديد وخصوصا عقب حرب أكتوبر التي خطط لها وحقق فيها النصر. ولكون السادات عمل لفترة صحفيا وتولى رئاسة تحرير جريدة الجمهورية فقد كان أميل للمستشارين غير الرسمين له من مجال الصحافة والإعلام حيث كان دائم استشارة أنيس منصور وأحمد بهاء الدين كما كان يثق في هيكل ويستشيره لفترة كبيرة إلى أن توترت العلاقة بينهما عقب معاهدة السلام مع إسرائيل فأبعد هيكل عن الأهرام وانقطع التواصل بينهما. وكان من أشهر مستشاري السادات أيضا أشرف مروان الذي شغل منصب مستشار الرئيس للشئون السياسية والأمنية واعتمد اختياره له أيضا لكونه من أهل الثقة ولأنه زوج ابنة عبد الناصر وكان يعمل في الفريق الرئاسي لناصر، كما شهد نهاية عصر السادات بزوغ نجم زكريا عزمي كرئيس للشئون السياسية بمكتب رئيس الجمهورية للأمن القومي وكان مقربا من جيهان السادات زوجة الرئيس السادات. مسألة أهل الثقة وعدم الاعتماد على الدراسات والمعلومات المتأنية والعمل المؤسسي داخل مؤسسة الرئاسة هو دفع الرئيس السادات لاتخاذ خطوة غير مدروسة وهي خطوة الانفتاح الاقتصادي التي أدت إلى تراجع النهضة الصناعية التي حققها منهج عبد الناصر الرئاسي، وتسبب منهج السادات في تراجع مصر ومعاناتها اقتصاديا حتى الآن، رغم أنه كان المفترض بعد ما حققه من نصر كبير في حرب أكتوبر أن تشهد مصر انطلاقة صناعية واقتصادية كبرى، كما هذا المنهج هو ما جعله يتسرع في فتح الباب لجماعات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان للعمل العلني ومد يد التعاون معها فكانت النتيجة اغتياله على يد تلك الجماعات.