شبان فى أعمارهم، كهول فى عزائمهم، لايعجبهم شيء وينتقدون كل شئ، كأنهم لبسوا نظارات سوداء فلم يعودوا يروا غير اللون الأسود، لايحاولون فعل شيء، ويثبطون من يحاول فعل أى شيء، يرون أن الحياة لاتستحق العمل أو الحركة، كأنما دفنوا أنفسهم وهم أحياء، واغتالوا روح الشباب فى صدورهم، وتآمروا على عزيمة تهد الجبال لو استيقظت، فجعلوها فى باطن عقولهم نائمة لاتتحرك، هذا حال كثير من الشباب فى هذه الأيام،وهكذا يقضون أيام حياتهم، فلم تعد الحياة تعنى لهم سوى ركام من اليأس والملل والروتين. كتب – خالد جلال عباس ومصطفى محمود حامد يقول أحمد مجدى شاب جامعى يجلس على مقهي أمام باب بيته، ويحمل فى يده سيجارة على وشك الإنفجار "مفيش أمل أصلا ، فأنا تخرجت منذ ثلاثة أعوام من كلية التجارة بتقدير جيد جدا، وبحثت عن عمل هنا وهناك ولم أجد، فكرهت الدنيا وكرهت نفسى، ولا أرى أن لى أية فائدة فى مجتمعى، الموت أفضل من هذه الحياة التى نعيشها، يكفى أننا كشباب لانستطيع تحقيق ذواتنا، باختصار أنا حياتى انتهت فعليا قبل أن تبدأ". فى حين يذكر "عبد الرحمن" شاب لم يكمل مرحلة التعليم الثانوي "لم أستطع أن أكون إنساناً محترماً فى المجتمع، والسبب أننى أعيش فى مجتمع لا يحرتم آدميتي، وبسبب انفصال والداى، لم أستطع أن أكمل تعليمى، وأصبحت مطالب أن أصرف على نفسى فنزلت إلى سوق العمل وعملت مهناً كثيرة، عامل نظافة فى أحد محلات وسط البلد ثم فى مقاهى للإنترنت،وفجأة بدأت أرى صديقا لى يتاجر فى المخدرات وكان دائما ينظر له المجتمع على أنه محترم، وذلك لأنه يملك مايؤثر على الجميع وهو الفلوس، ولهذا قررت أن أدخل هذه التجربة وبدأت أتعاطى وأبيع المخدرات، فضاعت حياتى تماما، مافيش حاجة أسمها أمل ومستقبل فى بلد أخذ حكما مسبقا بإعدام كل شبابه، عندما حرمه من فرصة للعيش باحترام". محمد أشرف شاب لم يسعفه حظه فى الحصول على وظيفة مناسبة له، وهو يسخر من جملة "لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس" .. يقول: اليأس أصبح رفيقاً لكل الشباب عدا غيرهم من الناس، مفيش أمل أصبح حلمنا جميعا أننا نسافر ونسيب هذه البلد، وذلك ليس لأننا لا نستطيع الحصول على حياة كريمة بيها، ولكن لأنى فعلا وغيرى بدأ يشعر بعدم الانتماء لهذه البلد، وأصبح الاكتئاب واليأس هو أبرز مايوجهنا، ونحن غير قادرين على مواجهته، ففى النهاية عندما يضيق علينا الخناق نهرب من هذا اليأس سواء بالإدمان أو بعمل أى شيء غير صحيح يجعلنا ننسى هذا الاكتئاب، وصدقنى لو ذهب شباب مصر كله لطبيب نفسى سيكتشفون اصابتهم بالاكتئاب الحاد". ويشير الدكتور أحمد أبو العزائم مستشار الطب النفسى وعضو الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين إلى أن فئة الشباب انتشر لديها مرض الاكتئاب والإضطراب الوجدانى ثنائى القطبين، كما ارتفعت معدلات الاضطرابات السلوكية،والميول العدوانية ومعدلات الإدمان ولايقف الأمر عند هذا الحد، فهذه الأمراض الجديدة تقف جانبا إلى جنب مع الأمراض الموجوده فى هذه السن أصلا وهى الفصام والوسواس القهرى ، ومن علامات الاكتئاب الميل للحزن، التشاؤم، فقدان الثقة وعدم القدرة على التحصيل الدراسى، الميل للعزلة الاجتماعية، اضطراب النوم، بطء التفكير، فقدان الشهية للأكل، وكذلك التدهور فى العمل، وأما المريض ثنائى القطبية فتنتابه حالات اكتئاب وتختلف من حالة إلى أخرى، فقد يكون مندفعا متسرعا عدوانيا، عصبيا ومتفائلا لدرجة العيش فى الوهم وأحلام اليقظة ويقل إحتياجه للنوم، ويندفع وراء تلبية نزواته العابرة، سواء نزوة جنسية أو إنفاق المال بشكل لايتناسب مع قدراته، أما أمراض الفصام فتصيب الشباب المبكر، وتأتى فى صورة انخفاض تدريجى فى القدرة على الالتزام بالدراسة أو العمل مع تشويش الأفكار والعزلة الاجتماعية. وعن التفسير العلمى لهذه الأمراض يؤكد الدكتور أبو العزائم، أن الدراسة العلمية أثبتت بما لايدع مجالا للشك خلال آخر عشر سنوات أنها ناتجة عن إختلال فى التوازن الكيميائى فى المخ، موضحا أن هناك دوائر عصبية فى العقل يقوم نشاطها على إفراز موصلات كيميائية بشكل دقيق ومتوازن، بحيث المخ فى النهاية بعمله بشكل طبيعى، والثابت أن كل هذه الأمراض تحدث نتيجة اضطراب كيميائى خاص بكل مرض على حدة. ويختتم كلامه:" الخطير أن نسب الإصابة النفسية والعصبية للشباب فى ارتفاع وتصاعد مستمر علما بأن مصر يعد السواد الأعظم فيها من الشباب الذى بات مهددا بأخطر الأمراض النفسية". فى حين يقول "على أبو ليلة" أستاذ علم الإجتماع أن ما وصل إليه الشباب من أمراض نفسية مثل الإحباط واليأس والاكتئاب ترجع كلها إلى أسباب اجتماعية باحتة، منها زيادة معدل البطالة وعدم وجود فرص عمل حقيقة للشباب، وعدم وجود دور فعال لهم فى المجتمع وتهميشهم فى الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن كل شىء فى حياة الشباب متوقف وطبيعى أن يشعروا بالإحباط، وأن أربعة أعوام غير كافية أن تزيل تراكمات أربع عقود. ويضيف أبو ليلة:"أن حياة الشباب بأكملها متوقفة أما ظاهرة البطالة، وأنه يرى أمامه الفساد والمحسوبية تزيد، والرجوع إلى أيام الملك والعهود السابقة، وتوظيف أولاد الطبقة العليا فقط ومن دون ذلك لا يحق له أن يعمل دون وساطة، كل هذة الأمور تؤدى إلى قمة الاكتئاب واليأس وليس ببعيد أن تؤدى إلى الانتحار". ويؤكد أبو ليلة على أنه لابد من توافر فرص عمل حقيقية تناسب جميع طوائف الشباب، وتوفير دخل مناسب لكى يستطيع أن ينشىء أسرة، مضيفا أن كل حدث تقوم به الدولة مهما كان صغيرا و به إنجاز بشكل عام مثل المؤتمر الاقتصادى، واتفاق سد النهضة، وقناة السويس، صحيح أن هذه الأشياء لا تفيد الشباب بشكل مباشر لكنها تنشر جوا من التفاؤل يتأكل أمامه الاكتئاب والإحباط، ويقرب الشباب لمجتمعة بصورة أساسية". ويقول جمال فرويز-أستاذ الطب النفسي جامعة القاهرة- إن التغيرات المزاجية الحادة على مدى السنوات الاخيرة من أواخر حكم مبارك مرورا بثورتين حتى الآن هى أهم الأسباب التى أدت الى الإحباط والشعور باليأس، وفى علم النفس نقول دائما إن أى ثورات لابد أن تصاحبها تغيرات فى التركيبة النفسية للمجتمع، مشيرا إلى انه فى عهد مبارك كان السائد بين الشباب بأن (البلد مش بلدنا،واحنا مش أصحابها) وشعورهم بأن الشرطة هى الشرطة وبعض المقربين من مبارك هم أصحاب البلد، مما أدى ذلك إلى الإحباط واليأس واستخدام الشباب الهجرة غير الشرعية للهروب الى الخارج ". وأضاف فرويز:"أن بعد ثورة يناير حصل نوع من التفاؤل الشديد، وأقبل الشباب على حب البلد بعد الفترة الأخيرة فى عهد مبارك من ظلم وفساد وقهر، أتى المجلس العسكرى وحكم البلاد وللأسف لم تكن اللأمور على المستوى المطلوب، وكانت الأيدى مرتعشة،وبداء الكلام المعسول، و التصريحات المنافية للواقع، ومرت الأيام مع المجلس العسكرى ولم يتحقق أى شىء، وبعد أن بدأ الشباب فى تنظيف الشوارع وعم التفاؤل فى المجتمع حصل نوع من الانحدار وسيطر التشاؤم على الشباب مرة أخرى ، مضيفا أنه بعد سيطرة الإخوان الحكم بدأت الأحكام العنصرية والفاشية، والنفاق والقتل بغير حق والتحدث باسم الدين دون العمل به، فزاد الاكتئاب أكثر مرة أخرى، مما أدى الى كراهية الوطن عند بعض الشباب". وأكد فرويز: ل "الشباب" أنه بعد ثورة 30 يونيه عم التفاؤل لدى الشباب والمجتمع مرة أخرى،ولكن الظروف الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار بصورة مبالغ فيها، وارتفاع مرتبات بعض الفئات وانحدار مرتبات الفئات الأخرى والغلو الاقتصادى الفاحش، وللأسف الشديد المفرمة الاقتصادية ضغطت على الجميع، وشعور الشباب بأنهم لم يروا أى تغيرات جذرية منذ ثورة يناير وحتى الآن، وتحدث مؤسسة الرئاسة والحكومة وخاصة فى المؤتمر الاقتصادى على مشاريع مستقبلية وعدم الخوض فى مشاريع قصيرة الأجل حتى يشعر الشباب بالأمل والتفاؤل ورفع روحه المعنوية ،كل هذه الأمور أدت إلى الإحباط واليأس وعدم التفاؤل،وكثرة حالات الانتحار الاستعراضى وخاصة بين الشباب،والهروب الى ليبيا رغم المخاطر التى بها، بل ووصل الأمر أن الشباب بسبب اليأس بدأ يفكر فى الانضمام لجهات إرهابية، وبالفعل هناك شباب مصرى ذهب لداعش لينضم إليها!".