في مثل هذه الأيام عاشت مصر لحظات تاريخية مع تدفق المياه بين شقي الجبل .. كان ذلك منذ 57 عاماً بعد أن أطلق الرئيس جمال عبد الناصر زر التفجير في تماما الساعة 12 والدقيقة 23 إعلاناً ببداية بناء السد العالي . الصور من أرشيف الفنان الكبير محمد لطفى أمام الآلاف ألقى الرئيس جمال عبد الناصر خطابه الشهير .. قال للشعب : في هذه اللحظة الحاسمة من لحظات النضال والانتصار أريد أن أبدأ حديثي بالتحية إلي كل أبطالنا الذين شاركوا في الثورة المصرية الحديثة حتي تحقق أملهم يوم 23 يوليو 1952 وتحررت الإرادة المصرية لتعيد بناء مصر من جديد بالعمل .. وبالكرامة ، إلي الرجال الذين وقفوا في مطلع القرن التاسع عشر يرفعون رؤوسهم ضد استبداد الامبراطورية العثمانية ويتحدون ظلم المماليك وطغيانهم ، إلي الرجال الذين فتحوا الطاقات الأولي للفكر الثوري المصري ، إلي الجماهير الصابرة التي تحملت معارك الحرب النفسية والحصار الاقتصادي ودفعت التكاليف الباهظة لأعمال التطوير والبناء ، إلي الطلائع العاملة من فلاحي مصر وعمالها وعلمائها ومثقفيها الذين أداروا قناة السويس بعد تأميمها وأنشأوا الصناعات الكبرى وأضاءوا بحماستهم وفكرهم طريق المستقبل الجديد وضاعفوا الانتاج مرة وسيضاعفونه مرات أخري ، يا رجال مصر ويا نساءها وأطفالها .. هنا أمام الدنيا كلها رمز حي لإرادتكم وتصميمكم ومقدرتكم علي العمل وعلي الفداء , هنا بهذا السد العالي تذكار لانتصاركم علي كل اعتداء وعلي كل الصعوبات ، هنا صورة رائعة لأحلامكم صنعها العمل الذي يحرك الجبال ويخضع الطبيعة لإرادة الانسان مهما دفع من الدم والعرق ليؤكد سيطرة الانسان بروح ربه وهداه علي الحياة لتكون شرفا له وليكون شرفا لها. والمعروف أن السد العالي يستخدم بشكل رئيسي لتوليد الكهرباء.. وطول السد 3600 متر وعرض القاعدة 980 متر وعرض القمة 40 مترا والارتفاع 111 متر ، حجم جسم السد 43 مليون متر مكعب من إسمنت وحديد ومواد أخرى، ويمكن أن يمر خلال السد تدفق مائي يصل إلى 11,000 متر مكعب من الماء في الثانية الواحدة ، وقد قدرت التكلفة الإجمالية بمليار دولار وبدأ العمل فيه 9 يناير 1960 ، وخلال 4 سنوات وأربعة أشهر وخمسة أيام تم الانتهاء من المرحلة الأولي والتى شارك بالعمل فيها 25 ألف شخص ، وأكتمل بناء جسم السد في 1968 وثبّت آخر 12 مولداً كهربائياً في 1970 وافتتح رسمياً في عام 1971 ، و من الآثار الايجابية للسد العالى أنه عمل على حماية مصر من الفيضان والجفاف حيث أن بحيرة ناصر تقلل من اندفاع مياه الفيضان وتقوم بتخزينها للاستفادة منها ، كما عمل السد العالي أيضا على التوسع في المساحة الزراعية نتيجة توفر المياة وهذا التوسع أفقى ورأسى ، وقد أكدت كل التقارير الدولية خلال السنوات الأربعين الماضية أنه أعظم مشروع هندسي شيد في القرن العشرين متفوقاً على مطار شك لاب كوك في هونج كونج ونفق المانش الذي يربط بين بريطانيا وفرنسا وأكثر من 122 مشروعات عملاقاً في العالم كله . وكان الرئيس جمال عبد الناصر قد بتأميم شركة قناة السويس فى 26 يوليو 1956حتى يخصص العائد منها لتمويل السد العالى وذلك بعد أن سحب البنك الدولى للإنشاء والتعمير عرضه بخصوص تمويل المشروع تحت تأثير الضغوط الاستعمارية من بريطانيا والولايات المتحدةالامريكية .. وقام الإتحاد السوفيتى بإقراض مصر نحو 113 مليون جنيه لتمويل السد العالى .. ويعتبر السد العالى من المشروعات ذات العائد الاقتصادى المرتفع جدا إذا ما قورن بمثيله من المشروعات العالمية الأخرى إذ بلغ العائد خلال 10 سنوات - منذ بدء انشائه - ما لا يقل عن عشرين ضعفا مما أنفق عليه .