مدارس الحكومة تحولت الى خرابات يمارس فيها العنف وهتك العرض .. ومديرو المدارس يتسترون على المجرمين الصغار خوفا على كراسيهم ومناصبهم .. والوزير لا يملك عصا سحرية تحل مشاكل وازمات وطن بكامله .. وهى مشاكل كثيرة انسانية واجتماعية واخلاقية واقتصادية ، تتجسد بوضوح فى مجتمع المدرسة ،وعندما تولى الدكتور احمد زكى بدر مسئولية وزارة التربية والتعليم وبدأ فى القيام بزيارات مفاجئة للمدارس و اتخاذ بعض الاجراءات العقابية ضد من اتهمهم بالتسيب والاهمال فى عملهم ،تصورت للحظة انه يسير فى الطريق الصحيح .. ولقلة خبرتى ظننت ان المسألة لن تأخذ منه وقتا طويلا ، وانما كثير من الجهد سوف يعيد للعملية التعليمية انضباطها .. واذكر اننى كتبت راجيا منه الا يستجيب الى رغبات السادة الوزراء المرشحين فى الانتخابات عندما يتدخلون لعودة بعض المدرسين الذين يعاقبهم الوزير كما حدث فى حلوان .. لكن التجارب الكثيرة التى حدثت فيما بعد اثبتت لى ان الامر ليس سهلا .. فمجتمع المدرسة هو المرآة التى تعكس صورة الواقع بلا زيف ولا رتوش .. ولايمكن ان ترى فيها صورة لوطن اخر .. واحقاقا للحق علىّ أن اعترف بان الوزير وحده ليس مسئولا عما يحدث ، وليس من العدل ان يدفع وحده فاتورة انهيار قيم المجتمع واخلاقياته .. ولعلك تتذكر بيت الشاعر حافظ ابراهيم الذى قال فيه : الام مدرسة اذا اعددتها .. اعددت شعبا طيب الاعراق وطبعا واضح ان ايام الشاعر الكبير حافظ ابراهيم كانت المدرسة قيمة كبيرة وعظيمة لدرجة انه يشبه الام بها .. اما الان وبعد ما وصل اليه الحال فى المدارس لا اتصور ان احدا يسمح بان يقال على امه كده لكنى فقط ازعم ان مدارسنا لايزال بها معلمون ممن يمكن ان يطلق عليهم لقب المربى الفاضل .. وفى الغالب هؤلاء يتصفون بقدر كبير من الحزم والحسم والصرامة التى لابديل عنها لمواجهة الانهيار السريع جدا فى القيم والاخلاق والمستوى ..و لابد ان نتمسك بهم ونتعاون معهم ونوفر لهم سبل النجاح .. انا هنا لا اتكلم عن التعليم ومشاكله ، والحلم بتطويره والاعتماد عليه باعتباره السبيل الوحيد لتقدم البلد .. وسوف اتوقف عن المقارنة بين التجربة المصرية والتجربة الماليزية التى اعتمد فيها رئيس الوزراء الماليزى الاشهر (مهاتير محمد) على التعليم ليحقق النهضة لبلاده .. فلم اعد احلم بان تصبح مصر مثل ماليزيا ولا حتى ليبيا ، ولم اعد اتمنى ان ننجح فى صناعة الطائرات مثل الهند .. بل اكتفى بالحد الادنى الذى يحصل عليه التلاميذ فى المدارس ويمنحهم شهادة محو امية .. استسلم لهذا الواقع ولا احارب طواحين الهواء .. فقط اطلب الامان لاولادى داخل المدرسة .. وفى الطريق المؤدى اليها .. اقول لك : ان شا الله ما اتعلموا حاجة خالص .. اوافق على ان يحصل اولادى على صفر فى كل المواد .. لكنى لن اقبل مجرد التفكير فى ان يعود ابنى من المدرسة ليقول لى والدموع فى عينيه ان مدرسا ضربه ففقأ عينه ، او ان تلميذا مجرما حاول ان يهتك عرضه او يتحرش به .. ساعتها ملعون ابو التعليم على اللى عايزين يتعلموا .. وساعتها ايضا لن ينفعنى ان يذهب الوزير فى زيارة مفاجئة الى المدرسة ويفصل العيال وينقل المدير والمدرسين الى مدرسة اخرى .. ولا اريد من احد ان يسألنى ببلاهة وسذاجة وعبط : وماذا يفعل الوزير اكثر من ذلك ؟ فانا لا اعرف لاننى لست وزيرا ، لكنى اب .. ولا اتخيل ان اى اب من حضراتكم يقبل ان يتحرش اى كلب بابنه .. ساعتها ممكن الواحد يقتل و يدخل السجن بشرف بدلا من ان يدفن رأسه فى الرمال .. واقسم لك يا صديقى القارىء اننى امنع نفسى الان من الاستفاضة فى الكتابة عن مشاعرى حتى لا يتهمنى أحد بالتحريض على ارتكاب جريمة .. فالمجرمون الصغار الذين تحرشوا بتلميذ مدرسة مصر الجديدة واهاليهم لابد ان يكونوا عبرة والا تأخذنا بهم شفقة ولا رأفة .. فصلهم من المدرسة ليس كافيا .. طبعا هناك اصوات اكثر عقلا وحكمة منى ستقول : انهم اطفال والخطأ كبير لكن لابد ان نمنحهم فرصة اخرى فربما ينصلح حالهم .. واقول ان هذه ليست مشكلتى .. ينصلح او لا ينصلح او يولعوا بجاز ، اهالى هؤلاء المجرمين الصغار لابد ان يشعروا بانهم منبوذون من الناس والجيران والمجتمع كله .. والمجرمون الصغار ايضا .. كيف يسمح أى أب بأن يختلطوا بابنائه ؟ وكيف تأمن أى أم على أولادها اذا تركتهم معهم ؟ انها ازمة حقيقية علينا ان نتعامل معها بجد .. وعلى كل واحد منا أن يخاف على اولاده مثلما يخاف على بناته .. اما فيما يتعلق بالدكتور احمد زكى بدر وزير التربية والتعليم وقد سبق لى ان اختلفت معه فى بعض الامور منها اسلوبه الجاف فى التعامل مع الاعلام وتفضيله لقنوات معينة وبرامج معينة ليظهر فيها .. وكتبت مقالا وقتها كان عنوانه ( ليست وزارة سيادته ولا هى صحف اهالينا ) فإننى اعتذر له على الملأ .. وامد اليه يدى وقلمى وجهاز اللاب توب الذى اكتب عليه مقالاتى لتكون ضمن اسلحته فى الحرب على الفساد الاخلاقى الذى بات يعشش فى الفصول وفى غرف المدرسين المهجورة .. حتى لو اضطر الوزير لان يلغى منصب الناظر والوكيل و يعين فى كل مدرسة مأمورا ورئيس مباحث .. المهم ان اللى حصل ما يتكررش تانى .. ايه حد ليه رأى تانى ؟! محمد عبد الله