علمونا أن الأسئلة عمياء، وأنها رغم ما لحق بها من ضرر إلا أنها تحمل مشعل النور الذي يقود للحقيقة، فلولا تلك معدومة البصر لما وجدت الطريق لمعرفة الحقيقة المبصرة الكامنة في الإجابة، أحيانا تكون الإجابات كما الرؤية، مشوشة، ملتبسة،خادعة، غير كاملة، ولكن مع اصرار صاحبتنا العمياء يمكن اضافة المزيد من الضياء القادرة على إماطة الضباب الكامن حول الحقيقة .. إذن، فالأسئلة العمياء كثيرا ما تكون أهم من الإجابات المبصرة، ولكن للإجابات المبصرة أيضا من الحياة حظ.. فبدونها تصبح الدنيا مبهمة.. يمكنك أن تعتاد الظلام.. لكنك ستصاب بالكثير من الأمراض بسبب ابتعادك عن ضوء الشمس، لا يجب ان ننسى أن المعرفة ليست مفيدة دائما فكثرة الوقوف تحت الشمس ستجعلك ايضا على لائحة سيارات الإسعاف. ولكن، ولأن حياتي مليئة بالأسئلة دائما، أو هي كمتوالية مستمرة من الأسئلة،اعتدت طرحها والمثابرة عليها، وأحاول دائما أن أجيد وأجود من طرق القائها، وأساليب المحاصرة والإلتفات بها بحثا عن شعاع الضوء,, فقد اكتشفت أنني أسأل دائما، ولم أجب ولو مرة واحدة، في الماضي السحيق، والسحيق هنا نسبي فمرور بضعة أعوام من عمري يجعلون أحداثا تنمتي لما قبل التاريخ، في هذا الماضي كنت أسأل نفسي وألح في البحث عن إجابة، أما الآن ومع تفكير بسيط نتج عن حالة فراغ ذهني طارئ وجدت أنني كففت عن طرح الأسئلة على نفسي، كما لا أهتم بالإجابة عن أسئلة الآخرين.. اعتدت السير مع العمياء، ومن باب التجديد.. قررت اليوم أن أجيب عن بعض الأسئلة، ولكن أنا من سيطرح ليجيب، فبداخلي بالتأكيد الكثير من الاسئلة المطمورة والمنسية والمبعدة والمتجاهلة والتائهة والملحة.. تسألني: عن ماذا ستسأل؟؟ بالتأكيد لا أعرف، فقد اعتدت أن لا أفكر قبل أن أكتب بل أعطي ليدي العنان لتعبر دون انتظار لمشاعر مفتعلة.. تسألني: ماذا تريد؟؟ سأكذب في كلما سأقوله لك.. السؤال صعب للغاية، اجابتي اليوم قد تختلف عن اجابتي غدا، رغم إن الهدف واحد، وما أريده قد يكون واحد، ولكن كيف لي أن أرد عليك وأقول لك ما أريد؟؟هل تستطيع الكلمات أن تعبر بدقة عن ما أريد؟! سؤال صعب.. ستقول ولكنك "بياع كلام" مهنتك الكتابة والكلام؟ ويكأنك صباح ياجدع!! إن الكلمة عندما تقال ممن يدرك قدرها ويقف عندها لهي أصعب بكثير من أن تقال،كثيرا ما أقف متأملا في كلمة، مبهورا بها وسط أخواتها، سعيدا بتركيب حروفها وملائمتها لسياقها، وكثيرا ما أضناني التفكير وأنا ابحث عن كلمة لأستبدلها بأخرى، حتى يسمو المعنى وتصبح الجملة أيسر وأقرب، يا نفسي لا تستهيني بالكلمة، فدخول الجنة في الكلمة، ودخول النار قد تتسبب فيه كلمة، الكلمة نور يا نفسي وبعض الكلمات قبور، وكم تسببت كلمات لك بالسعادة وأتعستك أخرى، وكم وقفت أمام الكلمات لتبحثي عن واحدة منها تساعدك فلم تجدي.. الأمر ليس سهلا أبدا.. إذن فأين أنت؟؟ لقد سألت الآن السؤال الأنسب.. أين نحن؟؟ يا نفسي أحيانا يكون التفكير في النفس عيبا، أحيانا تكون الابتسامة جريمة والضحكة خطيئة، لقد زرعوا بداخلنا حب الوطن.. غرسوا فينا بذرته فاستطالت، كيف لي أن أجد نفسي والوطن ضائع؟ كيف لي أن أضحك وجاري له ابن ميت؟ كيف نفكر في المستقبل بينما الحاضر نفسه مهدد.. كيف أبحث عن نفسي وأنا أرى وطني ممزق.. يا نفسي قال الشاعر إذا كان الوطن بلا شيء فالموت على شيء أفضل، كلام شعراء يتبعه الغاوون فقط، فمهما كان الوطن فارغا بلا شيء لا يمكن لنا إلا أن نموت عليه، للأسف أو للفخر هذا ما جبلنا عليه!! هل تعرفي يا نفسي، أحيانا أسمع لآخرين يتحدثون عن العشر سنوات في عمر الوطن وكأنها لا شيء، ماذا تعني السنوات العشر في تاريخ من سبعة آلاف عام؟؟ لن أكذب عليكي، أحيانا كنت أقول نفس الكلام، وماذا تعني الخمسون عام في تاريخ شعب همام!!حتى أنني كنت ادلل على صحة قولي بعبارة ختامية حماسية " هذه السنوات لن تستغرق أكثر من سطر واحد في كتاب التاريخ " ، كنت واهما صدقيني، نعم هي لن تستغرق أكثر من سطر واحد في كتاب التاريخ، ولكنها ستسغرق حياتي كلها، ومالي بالتاريخ؟؟ أنتي قرأتي عن المجاعات الكبرى، المجاعة في أرقام وسطور، ولكن كانت بالنسبة لمن قضوا نحبهم هي تاريخهم كله، ماذا يفيدني تاريخ البشرية إذا ضاع تاريخي الشخصي؟! ولكن ما الحل؟؟ هل الاستسلام هو الحل؟؟ من الجيد أن تلعبي بالعبارات أثناء إلقائك الأسئلة!، لا أبدا، لم نتعلم ذلك، إذا لم تستطع مقاومة الإغتصاب فعليك الإستمتاع به مثل فرنسي يا عزيزتي، والفرنسيين خواجات يختلفون عنا في الطباع، حتى لو لم تستطع مقاومة الإغتصاب فعليك أن تفعل كل ما يمكنك فعله لتجعله جحيما على مني فعله بك.. يجب أن تشاركه بعضا من الجحيم الذي تشعر به، صدقني وقتها لن يستطيع أن يشعر باللذة، هذا إنجاز في حد ذاته، وهذا هو الفرق بين التصرف في مصر والتصرف في فرنسا! ولكنك كثير الضحك.. كيف تناقضني أثناء حديثك إلي؟؟ لا يوجد تناقض.. بل كثير التحايل.. نتحايل لننظر من زاوية ضيقة طاردة فنرى الحياة رحبة مرحبة.. لا تطلبي مني أن أغمض عيني حتى عن تلك الزاوية.. وهل ضاعت الفرص جمعاء في أن تجدني في حال مفهوم؟؟ أبدا، ومن قال هذا؟؟ كلامك يوحي بما تقول!! لا يا نفسي، هناك بوارق من الأمل.. هناك لحظات أستطيع فيها رؤية الحال أفضل، أنفصل عما يدور، أشعر فيها أنني مازلت إنسان وسط غابة الآلات.. ولكن هل تستمر هذه اللحظات؟؟ هل يقدر لنا أن تكون أطول؟ أن تستمر؟ ألحظ فقط فيكي يا نفسي وكأنك تدعين وكأنك حزينة؟! أبدا.. مريضة؟! لاأعتقد.. تائهة؟! لا أدري، ولكن كيف تكوني في تيه وأنا أراكي وأحدثك؟! إذن فكيف تكون الحياة؟؟ سؤال أعجز عن الرد عليه، هل نختار حياتنا؟؟ نحن نجتهد لنجعلها أفضل، ندعي الإختيار، ولكن مع الوقت ندرك أن القدر هو المسئول عن وضعنا في أحد الدوامات أو السواقي، ندور في ساقية، دون أن ندري في البداية إن كانت تسقي من نهر يفيض لتروي أرضا خصبا أم أنها تحتال على عينا ناضبة لتروي أرضا بورا،تدخل الساقية فتدور وتدور، حتى تعتاد الدوران، وحتى يكاد يملؤك الخوف من السير مستقيما ومبتعدا، تخاف من ألا تجد ساقية بديلة، أو تتعثر في عينا آسنة، فسد ماؤها وامتلأ بالعطن.. لا أخفي عليكي يا نفسي أنني كثيرا ما أشذ عن القاعدة، أو كنت أظن في هذا،أترك النهر لأرمي نفسي في بحر هائج وأنا لا أعرف ما الذي تحمله الضفة الأخرى،مؤمنا ببيت الشعر القائل: البحر موعدنا وشاطئنا العواصف، جازف كي لا تموت وأنت واقف، كثيرا ما جازفت حتى بخشب الساقية نفسه، سعيا للوصول إلى أرض جديدة لم يطئها ويسحب من خيراتها غيري، مؤمنا بأن النجاح غنيمة والفشل لا يعني إلا إنني لم أكن استحق النجاح، كما أنني لم ألتفت للفشل يوما، فالبحر هائج والعواصف هائجة ولو نظرت لها لملئت قلبي رعبا ولفزعت منها هربا ثم انتصرت علي.. ولكن هل الحياة فيهاعواصف؟! طرحت السؤال.. فأجب!! الحقيقة أنني لم أعد أشعر بها، أمضي وكأني لا أراها،وكأنها في ملكوت مختلف عني، ولكن هل أصاب من ريحها المسموم؟؟ لا أعرف.. إذن.. فما الذي تريد أن تقوله؟؟ لا أعرف.. أو لا أستطيع البوح، فمثلي لايذاع له سرُ.. إذن فقد عدنا للعمياء!! ومالها كفيفة البصر؟! إذا كان العدالة معصوبةالعينين، وإذا كان الحب أعمى يقوده مجنون.. وإذا كنت أنتي ممن يستمتعون بالجنون..فكيف تضجرين من عمياء؟؟ يمكنك دائما أن تسأليني.. ويمكنني أيضا أن أخفي الإجابات ولو إلى حين!!