فتحي عبد الحميد محمد إبراهيم , فلاح , عمره 35 سنة , يعيش مع زوجته وولديه بقرية القراموص مركز أبو كبير محافظة الشرقية , وهي تبعد عن محافظة القاهرة بحوالي 90 كيلومترا , البساطة هي عنوان حياته , بداية من تعاملاته , ووصولا إلي بيته الريفي المتواضع , الذي يعيش فيه مع أسرته الصغيرة , وهو في الوقت نفسه محل عمله . تصوير : محمود شعبان فتحي لم ينل أي قسط من التعليم , لم ييأس , أو يعتمد علي غيره , بل قرر أن ينشيء مشروعه الخاص , فأسس في بيته ورشة صغيرة لصناعة أوراق البردي من خلال أدوات ومواد بدائية بسيطة , لا تتخطي أسعارها 2000 جنيه , فهناك غرفة في البيت لكل مرحلة , فهذه لمرحلة التشريح , وثانية لمرحلة الرص , وثالثة لمرحلة الكبس ورابعة لمرحلة التجفيف . زوجة فتحي هي ذراعه اليمني في هذا المشروع , وتساعده خطوة بخطوة , فيما عدا المرحلة الأولي تقريبا والتي يتحملها هو بمفرده , وهي مرحلة زراعة نبات البردي , ولأنه ليس من أصحاب الأملاك , فقد استأجر قطعة من الأرض مساحتها حوالي 10 قراريط يقوم بزراعتها بنبات البردي الذي يستخدمه في مشروعه , حيث يصل إيجار القيراط شهريا إلي حوالي 200 جنيه , أي أن ال 10 قراريط ايجارها 2000 جنيه سنويا كإيجار , ونتيجة لانتشار زراعة البردي في قرية القراموص فإن اسعار الأراضي الزراعية ارتفعت بشكل كبير , وأيضا قيمة إيجار الأرض . وحسب كلام فتحي فإن شتلات البردي يفضل زراعتها في فصل الربيع , حتي تعطي محصولا أفضل , كما أنها تحتاج لمياه كثيرة مثل نبات الأرز , ويتم جني المحصول بعد حوالي شهرين من الزراعة , ويتم جني وتقطيع عيدان البردي بآلة حادة , حتي تظل جذورها مثبتة في الأرض لتنبت شتلات جديدة لتنتج عيدانا أخري , وقبل أن يدخل فتحي العيدان إلي الورشة يقوم بتقطيعها عرضيا من خلال مقياس جهزه مسبقا علي جدار بيته , حيث تقسم العيدان إلي قطع صغيرة بمقاسات مختلفة حسب مقاس ورقة البردي المراد تصنيعها . وهنا يأتي دور الزوجة , والتي تقوم بعملية تشريح عيدان البردي الصغيرة التي تم تحضيرها مسبقا , فهي تقوم أولا بإزالة القشرة الخضراء من علي العيدان , ويؤخذ اللب الداخلي للنبات , ومن خلال خيط مثبت في أحد الحوائط والطرف الآخر في يدها تقوم بتقطيع البردي لشرائح صغيرة لا تتعدي ملليمترات قليلة , وهي أسهل بكثير من تقطيعها بالسكين , كما أنه يوفر الوقت , وبمرور الوقت والتعود يصبح التقطيع أمرا سهلا . وحسب كلام فتحي , فإن المرحلة الثانية , وهي مرحلة الغمر , قد يقوم بها هو أو زوجته , حيث تنقع شرائح البردي الصغيرة والتي تم تقطيعها في كمية من الماء مضافا إليها كمية كلور حتي تكتسب الورقة اللون الأبيض , ويتم أيضا إضافة مادة الصودا الكاوية لأن عيدان البردي قوية بطبيعتها , وبالتالي لابد أن تصبح لينة , ويتم غمر العيدان في السائل لمدة يوم واحد , حتي نحصل علي النتيجة المرجوة . ثم تأتي المرحلة الثالثة ويشترك فيها أيضا الزوجان مع بعضهما البعض , وهي مرحلة الرص , حيث ترص شرائح الكتان علي وجهين وجه بالطول وآخر بالعرض حتي يحدث نوع من التماسك في الورقة , ويتم الرص ذلك علي قماش من الكتان , وتلف كل ورقة بقماشة منفصلة , وبعدها يوضع الورق كله فوق بعضه البعض بحيث يفصل القماش بين كل ورقة وأخري , وتوضع الأوراق كلها داخل آلة تسمي ' المكبس ' وذلك لتفريغ الورقة من أي سوائل موجودة بها . ثم تأتي المرحلة الأخيرة , وهي التجفيف , حيث يتم وضع فواصل من الكرتون بين كل ورقة وأخري , وتوضع تحت ' المكبس ' لتجفيفها من أي مياه , حيث إن الكرتون يمكن أن يمتص أي سوائل موجودة بالورقة , وكلما تمت كل مرحلة من هذه المراحل بدقة وحققت الغرض منها , كانت الورقة أكثر جودة , وأفضل في المنظر . قرية القراموص وهناك مرحلة أخري وهي الطباعة والتلوين والرسم , وهذه الخطوة قد تتم في الورش المنزلية إذا كان هناك من يجيدها , أو تتم في ورش خاصة بها داخل القرية أيضا . حيث توجد بقرية القراموص , ما يقرب من 6 ورش أو مطابع خاصة بورق البردي , وتتم الطباعة من خلال طريقتين , إما عن طريق ما يسمي بالشلبونة , حيث يكون هناك لوح شفاف محاط بإطار خشبي , وتوضع عليه مادة جيلاتينية حيث تطبع الصورة الفرعونية من الشلبونة علي ورق البردي , الطريقة الثانية تكون عن طريق الطباعة بالحرير , كما أن القرية بها عدد من خريجي كليات الفنون الجميلة , حيث يعملون في الرسم والطباعة ويحصلون علي المنتج من الورش , ويقومون بالرسم عليها والتلوين في بيوتهم , ويتقاضون أجرا علي ذلك يختلف حسب مساحة ورقة البردي . فتحي عبد الحميد , يعمل في هذا المشروع منذ 7 سنوات تقريبا , يري أن الإقبال علي ورق البردي قل تدريجيا , خاصة بعد الثورة , بعد تأثر السياحة في مصر , حيث إن جزءا من المنتج الذي تصنعه ورش القراموص يباع في خان الخليلي وغيرها من الأماكن التي يزورها السياح بمصر , وأكد فتحي أن انتاجه اليومي هو وزوجته فقط من ورق البردي يصل إلي 150 ورقة مختلفة المقاسات , أي أن انتاجه الشهري يصل إلي 4500 ورقة , مؤكدا أنه ليس لديه مشكلة في تسويق المنتج , حيث إن القرية يوجد بها جمعية تعاونية لانتاج وتسويق البردي , يشرف عليها الدكتور أنس مصطفي أحمد , وهو من أدخل زراعة البردي للقرية , ويتم بيع أوراق البردي التي تصنع في القراموص في عدد من الدول الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا وفرنسا , ويحظي ورق القراموص بشهرة كبيرة في هذه الدول , وعندما تقام معارض هناك يكون هناك اهتمام بمنتج القراموص من البردي , علاوة علي أن القراموص هي المورد الرئيسي لورق البردي لكل صالات العرض في القاهرة وشرم الشيخ والغردقة والأقصر , والتي يبلغ عددها ما يقرب من 500 صالة عرض . وحسب كلام فتحي فإن أسعار ورقة البردي تتراوح ما بين جنيه و 10 جنيهات , وذلك حسب مقاس الورقة , أي أن دخله الشهري بعد المصاريف يصل إلي 3 آلاف جنيه , قابلة للزيادة أو النقصان , وهو دخل جيد جدا حسب كلامه , كما أنه أحيانا يتم تصنيع أحجام كبيرة من ورق البردي , فهناك من يطلب مقاسات متوسطة تتراوح ما بين 50 و 100 سم , كما أنه تكون هناك طلبات من بعض أصحاب البازارات والقري السياحية بعمل أطوال كبيرة , حيث يصل طول ورقة البردي في بعض الاحيان إلي 4 أمتار , وهذا يحتاج بالطبع لأدوات مختلفة وأكبر عند التصنيع , حيث يستخدم ورق البردي الكبير في عمل لوحات طبيعية لوضعها كخلفيات وديكورات في الفنادق , والقري السياحية . أسرة فتحي هي حالة ضمن مئات الأسر في قرية القراموص , والتي تعمل في زراعة وصناعة البردي , حيث تضم القرية ما يقرب من 15 ألف أسرة معظمهم يعملون في زراعة وصناعة البردي , وداخل كل بيت تجد ورشة مثل ورشة فتحي وتختلف في الامكانيات حسب إمكانات صاحبها وعدد الأفراد الذين يعملون معه , سواء كانوا أولاده أم صنايعية يعملون باليومية , حيث تصل أجرة البنت أو الولد في اليوم إلي 30 جنيها , وهو دخل جيد لشخص مقيم في قرية , ويبلغ إجمالي ما تصنعه القرية من أوراق البردي شهريا حوالي 100 ألف ورقة , أي أن إنتاجها يتخطي المليون ورقة بردي في العام الواحد , وتحظي القرية باهتمام عدد كبير من السياح الذين يتوجهون لزيارتها وذلك حسب كلام فتحي , كما أن هناك شخصيات سياسية تزورها كان منهم السفير البلجيكي . الجميل في القراموص , هو أن الجميع يعمل , وأنه لا توجد حالات بطالة بين الشباب سواء المتعلمون أو غيرهم , لأن كل فرد بطبيعة الحياة يتعلم المهنة من أسرته , وفي حال عدم حصوله علي فرصة عمل , يكون العمل في صناعة البردي هو المصدر الأساسي لرزقه , أو يكون مصدرا مساعدا , إذا كان دخله من عمله الآخر لا يكفيه . ويعتبر الدكتور أنس مصطفي أحمد , أستاذ الفنون الجميلة بجامعة حلوان , هو أول من أدخل هذا المشروع إلي قرية القراموص , وأحضر شتلات البردي من الإدارة العامة لحدائق القاهرة , وبدأ بزراعة قطعة صغيرة من الأرض حتي أصبحت الآن آلاف الأفدنة , في البداية قام الدكتور أنس بعمل مشروع ضخم , يضم ما يقرب من 200 من ابناء القرية , وقام بتعليمهم كيفية زراعة وتصنيع أوراق البردي من خلال أدوات بسيطة ودون تكلفة تذكر , وبعد أن تعلم أهالي القرية المهنة , وشعروا أن مكسبها جيد , أنشأ كل فرد مشروعه الخاص , وبمرور الوقت تزايدت أعداد الأسر التي تعمل في صناعة البردي ومعها أيضا قلت البطالة في القرية , وتوافد عليها عدد كبير من أبناء القري المجاورة بحثا عن فرصة عمل .