الذي يسخر من خلق الله إنسان غبي لانه سخر من خلق الله في عيب ولم يقدر ما تفضل الله به عليه، كما أنه سخر من عيب ولن يفطن إلي ان الحق سبحانه وتعالي قد أعطي ذلك الانسان خصالا ومميزات لم يعطها له. إن منهج الشيطان يحتاج الي خلوة، إلي مكان لا يراك فيه أحد، ولا يسمعك فيه أحد، لأن العلن في منهج الشيطان يكون فضيحة، ولذلك تجد غير المستقيم يحاول جاهداً أن يستر حركته في عدم الاستقامة ومحاولته ان يستتر هي شهادة منه بأن ما يفعله جريمة وقبح، ولا يصح ان يعلمه أحد عنه، وما دام لا يصح ان يراه أحد في مكان ما، فأعلم انه يحس أن ما يفعله في هذا المكان هو من عمل الشيطان الذي لا يقره الله ولا يرضي عنه. ولابد أن نعلم ان القيم هي القيم حتي عند المنحرف وقوله تعالي: »وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا» معناها أنهم عندما يتظاهرون بالإيمان يأخذون جانب العلن بل ربما افتعلوه وكان المفروض ان يكون المقابل عندما يخلون إلي شياطينهم أن يقولوا لم نؤمن. وهناك في اللغة جملة اسمية وجملة فعلية، الجملة الفعلية تدل علي التجدد والجملة الاسمية تدل علي الثبوت، فالمنافقون مع المؤمنين يقولون آمنا، إيمانهم غير ثابت متذبذب وعندما يلقون الكافرين لو قالوا لم نؤمن لأخذت صفة الثبات ولكنهم في الفترة بين لقائهم بالمؤمنين ولقائهم بالكافرين، الكفر متجدد لذلك قالوا »إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ». وفي الآية »15 من سورة البقرة» يقول الحق سبحانه وتعالي: »اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» ان هؤلاء المنافقين قوم لا حول لهم ولا قوة ولكن الله سبحانه وتعالي وهو القادر القوي حينما يستهزئ بهم يكون الاستهزاء أليماً وإذا كان المنافق قد أظهر بلسانه ما ليس في قلبه فإن الله سبحانه وتعالي يعامله بمثل فعله فإذا كان له ظاهر وباطن يعامله في ظاهر الدنيا معاملة المسلمين وفي الآخرة يوم تبلي السرائر يجعله في الدرك الأسفل من النار، لا يسويه بالكافر لأن ذنب المنافق أشد..»اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ» والاستهزاء هو السخرية فهم يأتون يوم القيامة محاولين ان يتمسكوا بالظاهر، فيظهر الله سبحانه وتعالي لهم باطنهم والحق سبحانه وتعالي يقول: »وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ» »الهمزة- 1» والهمزة هو الذي يسخر من الناس ولو بالاشارة يري انساناً مصابا بعاهة في قدمه، يمشي وهو يعرج فيحاول ان يقلده بطريقة تثير السخرية، إما بالاشارة وإما بالكلام، وهناك همز وهمزة الهمز هو الاستهزاء والسخرية من الناس، علاقة عدم الايمان لاننا كلنا مخلوقون من إله واحد فهذه الصفة التي سخرت فيها من إنسان أعرج مثلا لا عمل له فيها، ولا حول له ولا قوة، والانسان لم يصنع نفسه، والحقيقة انك تسخر من صنع الله والذي يسخر من خلق الله انسان غبي لانه سخر من خلق الله في عيب ولم يقدر ما تفضل الله به عليه، كما انه سخر من عيب ولم يفطن إلي أن الحق سبحانه وتعالي قد أعطي ذلك الانسان خصالا ومميزات لم يعطها له، والله سبحانه وتعالي يقول: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَي أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ» »الحجرات - 11». إن مجموع كل انسان يساوي مجموع كل انسان آخر وذلك هو عدل الله، فإذا كنت أحسن من انسان في شيء فابحث عن النقص فيك، فإن استهزأت بمؤمن في شيء فالاستهزاء غير مفصول عن صنعة الله، إذن فمن المنطق عندما قالوا: »إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ» ان يرد الله عليهم يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون أي يزيدهم في هذا الطغيان لان المد هو أن تزيد الشيء ولكن مرة تزيد في الشيء من ذاته ومرة تزيد عليه من غيره وقوله تعالي: »يعمهون» العمه يختلف عن العمي والخلاف في الحرف الاخير العمي عمي البصر والعمه عمي البصيرة ويعمهون أي يتخبطون لأن العمه ينشأ عنه التخبط سواء التخبط الحسي من عمي البصر أو التخبط في القيم ومنهج الحياة من عمي البصيرة.