منذ افتتاحها عام 2011، نجحت مكتبة »تنمية» في أن تكون مركزًا لنشر الثقافة ودعم القراءة. حتي في أصعب الظروف التي مررنا بها، تمكنت »تنمية» –بفضل الإدارة الواعية والذكية لمؤسسها خالد لطفي- من النمو والازدهار وأوجدت للكتب المطبوعة خارج مصر بيتًا ومستقرًا في مقرها بشارع هدي شعراوي بوسط البلد. بدا الاسم، الذي اختاره خالد لطفي لمكتبته، كأنما يحمل بداخله تعويذة للنماء والاستمرار. قبل تنمية كنا قد اعتدنا علي مدي ما يقارب العقد علي المكتبات ذات الطابع الغربي، تلك الملحق بها مقهي، حتي خلنا أن المكتبات المخصصة فقط لبيع الكتب قد تجاوزها الزمن، لكن خالد لطفي بفراسته كان له رأي آخر حين بدأ مغامرته بتأسيس تنمية، إذ درس سوق الكتاب المصري ووضع المكتبات فيه، وأدرك أن ثمة مساحة خالية يمكنه أن يجد لنفسه موطئ قدم فيها، وأقصد بها تلك الخاصة بالكتاب العربي المطبوع خارج مصر، والذي تخصصت تنمية في توزيعه ووثَّقت علاقتها بأهم الناشرين العرب لتصبح وكيلهم الرسمي في القاهرة. كان هناك من ينتقد تركيز »تنمية» علي بيع كتب دور النشر العربية أكثر من تركيزها علي كتب دور النشر المصرية، وحين سألت خالد عن هذا، رد في شهادة نُشِرت في »بستان الكتب» وقتها، بأن »ما جعل »تنمية» تنجح كان توفيرها لكتب مهمة منشورة خارج مصر. لو كانت هذه الكتب موجودة هنا لما اضطررنا لاستيرادها. من يطالب بالتركيز فقط علي الكتب المصرية كمن يدعو لشراء بسكويت مصري فقط. ما ينطبق علي البسكويت لا ينطبق علي الثقافة والكتب». مع الارتفاع الجنوني لسعر الدولار، عقب تعويم الجنيه المصري، وفي محاولة منه لتوفير الكتب العربية للقارئ المصري بأسعار معقولة والحد من خسائر استيراد الكتب، لجأ خالد لطفي إلي إصدار طبعات مصرية شعبية للكتب الأعلي مبيعًا عربيًا، وأصدر بالفعل طبعات مصرية لأعمال لسعود السنعوسي وبثينة العيسي وآخرين، إذ رأي في هذا محاولة لتخفيف الضغط الاقتصادي علي المكتبة، فقطاع النشر –وفقًا لرأيه- »أفضل حالاً من المكتبات المعتمدة علي الكتب المستوردة. فحين أطبع كتابًا تكلفته عشرة جنيهات وأبيعه ب40 جنيهًا، ثم تتضاعف التكلفة لعشرين جنيهًا وأبيعه بخمسين جنيهًا، لن أخسر كناشر مقارنةً بخسارتي كبائع كتب». ونجح الأمر معه بالفعل، لأنه في مثل هذا الوقت تقريبًا من العام الماضي، أعلن خالد لطفي عبر صفحته علي موقع الفيسبوك، عن قرب افتتاح فرع جديد ل»تنمية» في المعادي، ثم اختفي بعدها بقليل دون أن ينتبه معظمنا، لكن حين غاب عن معرض أبي ظبي للكتاب 2018، وسأل عنه رفاقه من الناشرين العرب دون الوصول إلي إجابات مقنعة، بعدها ظهر كلام عن أنه محبوس مع التشديد علي عدم إثارة الموضوع نزولًا علي رغبة عائلته. ومؤخرًا توالت الأخبار عن الحكم علي خالد لطفي بالسجن خمس سنوات، بسبب إصداره طبعة مصرية لكتاب »الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» ليوري بار جوزيف، الصادر في الأصل عن دار نشر لبنانية والمتاح علي الإنترنت والذي تحول إلي فيلم أنتجته »نتفلكس» وتابعه الملايين علي مستوي العالم. عن نفسي لا أصدق أنني أطلب التضامن مع خالد لطفي في محنته والعفو عنه، بدلًا من المطالبه بتكريمه هو وكل من يشبهه من شباب يساهمون في نشر الوعي والثقافة والمعرفة بين المصريين. لقد أصدر اتحاد الناشرين المصريين شهادة للتضامن مع مدير ومؤسس تنمية جاء فيها أن خطة النشر في »تنمية» لا تهدف إلي نشر أي أعمال مسيئة أو تضر بالصالح العام، كما أعلن الروائي إبراهيم عبد المجيد علي صفحته علي موقع »الفيسبوك» أن الناشر محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب أخبره أن الاتحاد ناقش القضية وكلف المحامي الخاص به لدراستها وعمل نقض للحكم الصادر علي خالد لطفي، كما سيقدم الاتحاد التماسًا بالعفو عن خالد لطفي. ونأمل أن تتضافر كل الجهود لدعم خالد لطفي والتضامن معه كي يعود لممارسة دوره في نشر الثقافة وفي النهوض بتنمية التي صارت علي يديه وخلال سنوات معدودة معلمًا من معالم المشهد الأدبي والثقافي في مصر والعالم العربي. م.ع