أتمني ألا نستيقظ -وقبلنا الوزيرة- ذات صباح علي كارثة خروج العديد من الأمراض المزمنة عن السيطرة، ليتحول الضحايا إلي طوابير من المآسي لانهاية لها! الخميس: بعيداً عن التعريفات العلمية، أظن إن المرض المزمن يحترم »العِشرة»، يسكن الجسد ولايبرحه حتي يرحل ضحيته، ولابديل عن علاج دائم للحفاظ علي حياة المريض، والحد من الآثار الجانبية حال عدم توافر الدواء بصورة مستمرة. ولاشك أن الطبيبة قبل الوزيرة د.هالة زايد تعلم تماماً، إن من يتعرض للكمات مرض مزمن يحتاج إلي علاج مستمر، وإلا لكانت القاضية من نصيبه. الأدوية ليست »بونبون»، والعلاج ليس ترفاً، لهؤلاء الذين ابتلوا بأمراض مزمنة، من ثم فإن التعامل البيروقراطي مع مريض أضناه المرض المزمن، يعد قتلاً بطيئاً، ولكن للأسف فإن هناك في عيادات التأمين الصحي من يتفننون في التنكيل بهؤلاء المساكين يسومونهم العذاب ألواناً! كنت اتصور إن في بعض الحكايات قدراً من المبالغة، حتي استمعت لمن أعرف معاناتهم عن قرب، ولاشبهة لتهويل فيما يقولون، وعلي طريقة »إثبت انك حي» حتي يستمر صرف معاشك، ومع قليل من التعديل يفرضون علي المريض »كعب داير» كل 3 أو 6 شهور ما بين لجان، واستشاريين، واداريين، ومقرات متباعدة و..و.. ودون ذرة رحمة بمن انهكهم طول المرض، يتم التعامل مع مرضي الامراض المزمنة بمنطق غير المستحق لحصته التموينية، أو حرامي الدعم، والمسألة تتعقد اكثر عندما يكون نوع من الدواء غالي الثمن! وبدلاً من حمد الله علي أن المرض تحت السيطرة، بالدواء طبعا، يقول الطبيب للمريض المسكين: لقد شفيت! ليس من حقك بعد الآن صرف الدواء! تمر فترة قصيرة فتتدهور أحوال ضحية الطبيب البيروقراطي، أو الذي يُلَّمِح بزيارته في عيادته الخاصة، فلايفهم المريض مايرمي إليه، ويحاول مع استشاري آخر، وفي الموعد يكتشف أنه سافر لمؤتمر في بلاد الفرنجة، أو ان اللجنة تأجلت لاعتذار طبيب كبير المقام، أو.. أو.. وتأجيلات تستدعي صبر أيوب لمن يستطع! يدور المريض الذي لاتقدر قدماه علي حمله، ولاجيبه علي مصاريف الانتقال »رايح جاي»، وبعد رحلة مضنية يكون علي ضحية المرض المزمن ان يختار بين إنتظار الموت، أو بيع ما يملك تباعاً ليوفر ثمن الدواء الباهظ من جيبه الخاص! ليت وزيرة الصحة تعيد النظر في معاناة ضحايا الامراض المزمنة، وما يلاقونه في سبيل تأمين أدويتهم شهرياً، ومع اهتمام متنام من جانب رأس الدولة بصحة المصريين، وما تم انجازه للاجهاز علي ڤيروس »سي» والامراض السارية، ثم الاستعداد لمواجهة حاسمة مع السرطان، هل يعقل أن يتم تعكير المشهد الرائع، بمثل هذه المعاملة القاسية لأصحاب الامراض المزمنة؟ هذه صرخة مدوية، أنقلها للدكتورة هالة زايد، باسم آلاف مؤلفة من مرضي يحاصرهم الداء من جانب، والتضييق علي حقهم الانساني في وصول الدواء بانتظام إليهم من جانب آخر، وأتمني ألا نستيقظ -وقبلنا الوزيرة- ذات صباح علي كارثة خروج العديد من الامراض المزمنة عن السيطرة، ليتحول الضحايا إلي طوابير من المآسي لانهاية لها! الفزع المشروع! الاحد: بعكس الكثيرين، عندما ألتقي صديقا قديما، باعدت بيننا الأيام، لا أخفي فزعي حين يقول، وكأنه يمدحني: -ياعزيزي، لم تتغير، كأني كنت معك بالأمس. الفزع ذاته، وربما بدرجة أعمق، يقع حينما تتبدل المواقع مع جار أو زميل غادر الوطن لسنوات، ثم عاد، فإذا بي ألحظ علي مدي اللقاء، مهما طال، ان الزمن لم يضف له أي شيء، وكأنه أمضي هذه السنوات في اللامكان، واللازمان. أين خبرات التعامل مع مجتمع مختلف لحد بعيد مع ماعايشه في الوطن الأم؟ لماذا لم تترك كل تلك السنوات أثراً أو بصمة علي شكل تفكير صاحبنا، وطريقة رؤيته وتقييمه للأشياء، والبشر؟ مصدوم أنا. لا أبالغ إن أعلنت صدمتي، وفزعاً أظنه مشروعاً، سواء انتباني نحو ذاتي، أو تجاه الآخرين، من عينة صاحبنا. لماذا يبدو الزمن محايداً عند بعض، وربما كثير من البشر؟ ألا ينتج الاحتكاك بالبشر قدراً ما من الجدل مع »الأنا» و»الآخر»؟ هل يمضي قطار العمر زائراً محطات وراء أخري، ليتجاوزها المرء وكأنه لم يغادر قط محطة الانطلاق؟ أعود لأسأل نفسي: ألم يلحظ صديقي القديم أن بعضاً من آرائي في مسائل وقضايا كانت تستدعي خلافاً، أو تنتج اتفاقاً فيما مضي، وإذا الرؤي تغيرت في قليل أو كثير، وربما تبدلت من حال لآخر؟ صديقي العائد ليس استثناءً، فالصدفة قد تجمعني بأحد المعارف القدامي، أو جيران العمر الجميل، فإذا بهذا أو ذاك يباهي بثباته علي أفكار عفا عليها الزمن، أو يتجمد عند لحظة من الوقت مضي عليها عقود! ومرة أخري يلح السؤال: هل الزمن محايد؟! يقيناً: أن لا الزمن- في اعتقادي- لايكون أبداً محايداً، إلا لمن تمترس وراء أسوار صنعها لنفسه، وبنفسه، أو اختار أن يتمحور حول ذاته، وكأنه نقطة ارتكار كونية! ثم ان أكثر ما يثير فزعاً أراه مشروعاً، ألا تضيف الحياة للانسان- لاسيما اذا تقدم به العمر- فضيلة ممارسة النقد الذاتي، أو دعني أقول مراجعة النفس قبل أن يصل قطار العمر إلي محطته النهائية، في رحلة اللاعودة! الحلم الصيني الاثنين: إذا حلمت، فلا تحلم كالآخرين. أجمل ما في الحلم خصوصيته. عندما تكرر حلماً سعي إليه غيرك، أو تتبني ما يحلم به انسان آخر، لن تجد نفس المذاق حتي وإن تحقق تماماً ما تطلعت إليه، ببساطة لأنك مجرد تكرار، استنساخ ليس إلا! في الصين من يتفق معي أو أتفق معه- لافرق- في تلك النظرة للاحلام. وبينما الحلم الامريكي أضحي عند البعض سراباً، ولدي آخرين كابوساً، فإن الصين لاتكف عن الاحلام التي تدفعها نحو صدارة العالم. وربما كان ذلك الأمر -بحد ذاته- سالباً لبريق الحلم الأمريكي. تذكرت النصيحة النبوية بطلب العلم ولو في الصين، عندما قرأت خبراً حول استعداد الصين لاطلاق سفينة فضاء تستهدف وجه القمر المظلم. سيكون للصينيين السبق، إذ كل الجهود التي تمت عبر غزو الفضاء منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، لم تتجاوز وجه القمر المضيء، الذي تغني به الشعراء. الحلم الصيني أكثر أصالة، إذ أن هناك من شكك في هبوط أول رائد فضاء أمريكي علي سطح القمر، مستشهداً برفرفة العلم الامريكي، بينما يعلم الجميع ألا هواء هناك! علي العكس، الصين تصر علي خصوصيتها وتفردها، فتتجه سفينتها حيث لم يفكر أو يحلم غيرها، صوب الجانب البعيد، الوجه لمظلم للقمر الذي لم نره، لتستكشف اسراره. مغزي ما تفعله الصين لايدعو فقط للتأمل أوالاعجاب، وانما الاحتذاء. دائماً؛ ومنذ نفضت الصين عنها مرة غفوة الأفيون الطويلة، ثم الآثار السلبية للثورة الثقافية، منذاك والصين تحلم وتحلم، فهل تصلنا عدوي الحلم علي الطريقة الصينية؟! عندما تصدمك الأرقام الثلاثاء: أرقام بلاحصر أقرأها، منها ما يظل يراوح في عقلي، أو يفور من هولها صدري، أو يرفع ضغطي! عندما يفاجئنا د.طارق شوقي وزير التربية والتعليم بأننا ننفق 200 مليار جنيه سنويا علي التعليم دون عائد أو طائل، لأن النتائج غير مُرضية، ببساطة لأنها لاتتناسب مع هذا المبلغ »المهول» وما بين القوسين تعبير د.شوقي نفسه. ألا يجعل تصريحاً كهذا النوم يفارقني، والأرق يستبد بي، وأتساءل: أي مستقبل ينتظر احفادي وجيلهم؟ هل من بارقة أمل في غد أفضل لنظامنا التعليمي؟! رقم آخر يتعلق بالصحة؛ فبينما يتوافر عالمياً لكل 7 آلاف انسان سرير بالرعاية المركزة، فإن المعدل في مصر يقفز إلي 16 ألفاً يتشاركون في ذات السرير! وتعود بي الذاكرة إلي لجوء معارف وأقارب لي طلباً للنجدة، والتدخل السريع لانقاذ عزيز يصارع الموت، ولا سبيل إلا بادخاله للرعاية المركزة، أنجح احياناً، وأفشل كثيراً! ومن التعليم والصحة، إلي الغذاء، فوزير الزراعة يفاجئنا برقم كارثي، إذ تستورد مصر 98٪من تقاوي الخضر، تكلفتها 20 مليار جنيه سنوياً، وقد تأتي إلينا حاملة لأمراض تضرب الارض والحرث والنسل في مقتل، ثم ان الرقم يكشف عن غياب لدور الوزارة ذاتها، ومايتبعها من مراكز بحثية، والأخطر ان هناك من يملك أن يحبس عنا بذور الخضراوات، فلا يتوافر لنا الضروري من الغذاء. ويبدو أن من يصرخ بالشكوي ينسي أن من لايملك غذاءه، لايملك قراره. الارقام لاتكذب، ولايستطيع أن يتصور من يكشف عنها أنه نوع من ابراء الذمة، فالامر يتطلب حساباً عسيراً وسريعاً. ومضات رائع أن تكون واقعياً أو حالماً، الأروع أن تجمع بين الحسنيين. ان تستثمر حدثاً عابراً لإحداث تحول جذري، موهبة نادرة. الجليد يذوب بفعل حرارة المشاعر بأكثر من نار اللهب. سرقة الارواح أبشع من نشل الاموال. اخطر انواع التواطؤ ما يكون مع نفسك أو ضدها! بعض الاذكياء يحيرك امره: أترفع له القبعة أم تقذفه بحذاء؟