في كل مناسبة خاصة بثورة يوليو أو زعيمها الخالد الرئيس جمال عبد الناصر، كثيرا ما نرصد مقالات علي امتداد الوطن العربي تحلل سر خلود الرئيس جمال عبد الناصر في قلوب وعقول الملايين مع تعاقب الأجيال، ويرجع معظمها هذا إلي كاريزما الرجل، وانحيازه الواضح للبسطاء والمهمشين من أبناء هذا الوطن، ودوره في توسيع مساحة الطبقة الوسطي المصرية، وغيرها من إنجازات عادت بفوائدها علي الشعب كله، ولم تكن موجهة لطبقة أو فئة أو جماعة أصحاب مصالح.. وهذه كلها أسباب حقيقية. ولكني اليوم أردت أن أضيف بعدا آخر لهذا الحضور الطاغي المستمر للزعيم في وجدان وعقول الملايين؛ فمصر أقدم دولة في التاريخ، توالي علي حكمها المئات من الأفراد، ولكن من علم قدرها ومكانتها، وعمل لمجدها ورفعتها، وامتلك رؤية لتوظيف قدراتها من أجل مستقبل أفضل لشعبها، واستطاع تدشين مشروع نهضة حضاري، غير من خلاله وجه الدولة المصرية، ومن ثم المنطقة، والتاريخ، وهؤلاء كانوا قلة خلدتهم ذاكرة المصريين (قلوبهم وعقولهم عبر الأجيال) قبل أن تخلدهم صفحات التاريخ. لقد كان الرئيس جمال عبد الناصر أحد حكام مصر العظام في تاريخها الحديث، الذين أدركوا مبكرا قيمة مصر وشعبها، إمكانياتها وقدراتها، وكان لديه رؤية واضحة، لتغيير خريطة الحياة علي الأرض المصرية، من أجل أن تأخذ مصر والمصريون مكانتهم التي يستحقونها بين الأمم، كان لديه مشروع محدد المعالم لمستقبل مصر، ودورها في منطقتها والعالم، اجتهد في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية دقيقة لتحقيق مشروعه، وامتد تأثير هذا المشروع إلي خارج حدود الدولة المصرية؛ لآفاق أرحب بكثير، حتي صار نموذجا ملهما لكافة شعوب العالم التي تسعي للحرية والاستقلال، وكسر قيود التبعية بكافة صورها، قاد عبد الناصر مصر نحو تغيير محيطها الجغرافي والاستراتيجي لما فيه صالح الدولة المصرية، وشعوب المنطقة، هذا التغيير الإيجابي لمس تأثيراته المواطن البسيط من المحيط للخليج، وفي كل دول العالم الثالث، وعرف العالم مصر عبد الناصر، مصر الثائرة ضد كل صور العدوان، والتبعية، والاستغلال، والعنصرية.. مصر الدولة الساعية للسلام والبناء والتنمية، مصر التي تمد يد العون لكل المستضعفين، مصر المبادئ والقومية. استطاع مشروع الرئيس عبد الناصر أن ينتقل بالمجتمع المصري لعصر جديد؛ عصر العلم والمعرفة، عصر الكرامة والتنمية، جعل كل مصري وعربي يفخر أنه ينتمي لأمة فيها زعيم بقامة وقدر جمال عبد الناصر، كان كل مواطن عربي يشعر أن له نصيرا وحاميا، له رمزا وقائدا، الجميع كانوا يلتفون حول مشروع قومي عروبي وحدوي، يرفع رايته مصر الناصرية، كان العالم ينتظر خطاب الزعيم عبد الناصر، ينتظر موقف مصر من مسألة ما، كانت مصر بوصلة العرب وإفريقيا والعديد من شعوب العالم الثالث، »بقوا يعملوا لنا حساب» بتعبير الرئيس عبد الناصر. حقق المشروع الناصري نجاحات عظيمة، صارت مخزون قوة استراتيجي للدولة المصرية، فقد رحل عبد الناصر تاركا لمصر أرصدة ثمينة في الأمة العربية، وإفريقيا، وأسيا، وأمريكا الجنوبية مازالت تؤتي فوائدها إلي يومنا هذا.