في أيام صغري، نادرًا ماتذكرت أحلامي، وفي كثير من الأحيان أكدت لأصدقائي بأنني لا أمتلك أيا من هذه الأحلام. ربما يكمن السبب في أنني نادرًا ما أذهب للفراش إلا حينما أكون مُنهكًا كُليًا وبعدها أنغمس في نوم عميق وأستيقظ منه كما لو أنني مستيقظ من الموت. فالأحلام التي من الممكن تذكرها قليلة ومُتباعدة فيما بينها. وقد أعطت الإضاءة السيئة،والجودة المشوشة،والحبكات المخبولة الأحلام هيئة الأفلام المصنوعة من قبل المهرجين الثلاثة؛ صورة قليلة من أحداث اليوم تخللها ذكريات أقدم، إضافة إلي بعض الأشياء المخيفة وقليل من الإباحية، ومن ثمّ العمل علي إحياء مثل هذه الأمور. كان مفاجئًا أن يدهشني سماع أن أحلام الآخرين قد استمرت واستمرت مثل مسلسلات فترة الظهيرة. تحدثت في مرة إلي فتاة في حفلة داخل نيويورك والتي أخبرتني أنّها حلمت بمقابلة مع إرنست هيمنجواي في حفلة، وسألها إذا كانت تفضل الذهاب معه في رحلة سافاري إلي أفريقيا. وافقت، وفي اليوم التالي، ولا يزال هذا في الحلم، ظهر أمام منزلها في سيارة بورش حمراء، وقادها إلي أفريقيًا. لم تكن قيادتهم فوق المحيط هي التي جذبتني، ولكن كان هنالك يوم تال في أحلامها، وبشكل افتراضي، لابد من أنّ هنالك أياما أخري تليها. ربما كان بإمكانها صناعة هذا، علي الرغم من أنها تشبه راهبة صغيرة كما فعلت في الحكي، ولكن قد أقنعتني. لجعل الأمور أكثر إحراجًا، كُنت شاعرًا يُقال له بشكل مستمر أن قصائده أعطت انطباعا بأنّه قد تم اقتلاعها مباشرة من الأحلام. عندما اعترضت وفسرت أن الأشعار هي فقط نتاج خيالي، لكن الجهمور لم يكن مقتنعًا. كانت هي تلك السنوات في هذا البلد حيث العديد من الشعراء مهتمون بالسريالية، و يتناقشون بإستمرار حول [مفهوم] الكِتابة التلقائية وأشاروا إلي اللاوعي كنوع من مصنع الخيال ومصدر لكل شيء أصلي ومدهش في الفنون. عندي صديق شاعر والذي حاول وضع مثل هذه الأفكار في حيز التنفيذ، وبهذه العملية طوّر من جودة كِتاباته. قرر أنّه لبضع ليالي في الأسبوع، سيأكل بيتزا باباروني كاملة قبل الذهاب إلي السرير عند منتصف الليل وسيضبط راديو الساعة علي محطة روك آند رول حيث يقوم لايتل ريتشارد أو جيري لي لويس بإفاقته من نومه العميق عند الرابعة صباحًا، فيجعله هذا يندفع إلي طاولة الكِتابة ويدون أي شيء في استطاعته أن يتذكره من أحلامه. توقع كنوز لا توصف، ولكن ما حاز عليه في المقابل هو أنّ زوجته تطارده بسكين، وغيرها من كلاسيكيات الرعب الخالدة التي تظهر لأي فرد أفرط في الطعام وذهب للنوم بمعدة متخمة – وفي مناسبات ناردة [يأتي إليه] بعض عبارات معقدة مثل » تهاجم الأفيال سقف فمي» والتي تُرسل إليه في واحدة من هذه النشوات وتجعله يُعيد التجربة في الليلة التالية. بالنسبةِ لي، في حياة من الأحلام الإستثنائية والمنسية، تبرز وتصمد بضعة أشياء منها. علي سبيل المثال، منذ عدة سنوات، حلمت أنني كُنت علي خشبة المسرح أثناء أداء أوبرا عايدة وكُنت علي وشك غناء الأغنية الشهيرة »عايدة السماوية»، والتي يعرب فيها راداميس، المقاتل المصري الشاب، عن أمله في النصر في المعركة القادمة ويُعلن عن حبه لعايدة، العبدة الأثيوبية. أرتدي نوعا من الخوذات والتي هي علي وشك الانزلاق وتغطية عيني، أمسك حربة في يدي، وقلق حِيال ما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك، لأنني علي الرغم من معرفتي للأغنية، إلا أنني أتذكر فقط الكلمات المفتاحية وأري أنني سأضطر إلي تزييف البقية عن طريق ابتكار كلمات يبدو أّنّ لها وقعًا إيطاليا. فعلت ذلك، ولكن الآن أنا خائف من أمر آخر، فالنوتة العالية تنتظرني في نهاية الأغنية والتي أتأكد من أنني لن أستطيع اكتشافها – لذا لأتجنبها، غنيت الافتتاحية مرارا وتكرارا مثل إسطوانة LP مسجلة تدور بإستمرار. لحسن الحظ، استيقظت وفي الوقت المناسب، أدركت أنني فقط مستلق في سرير داخل بنسيون خارج مدينة بوفالو، نيويورك. في حلم آخر، حلم يبقي كما هو حي وواضح بالنسبة لي بكُل تفاصيله، أنا سكرتير ستالين، أو علي الأرجح نوع ما من الخدم، الذي يسير خلفه في قصر الكرملين بهدوء شديد حيث يجتمع الدكتاتور مع مختلف المسئولين، وأنا علي علم تام بأنّه هو الرجل الذي قتل بالفعل الملايين وأسعي مع كُل تعبير و إيماءة لأتجنب مصيرهم. حتي في الحلم أفزعني سلوكي الحقير. استيقظت وأنا خجول من نفسي. هل هذا نوع من النبوءة؟ وجدت نفسي قلقًا. وكما يقول رفاقي الصرب، في داخل كل واحد منا يتخفي شخص أبله. هل كُنت أقرأ كِتابا عن ستالين أو الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت؟ ليس هذا ما أتذكره. ما جعل الحلم غريبًا جدًا للدرجة التي جعلتني معها أدون التاريخ، هو أن كُلاً من وضعي وسلوكي لم يبدوا أنّ لهما أي سببا مباشرا. من وجهة نظري، الأحلام الأكثر متعة ليس لها موضوع واضح. تُشبه أن تُشعل التلفاز مُتأخرًا في الليل وتأتي علي مشهد من فيلم أبيض وأسود قديم، فيلم لم يسبق أن شاهدته قبلاً، علي الرغم من أنّه يبدو لك مألوفا بشكل غامض. وهذا يعني ، أنّها ليست الحبكة فقط (والتي عادة تبقي مجهولة)، ولكن بعض المشاهد أو الصور المنفصلة عن أي سياق هي التي تأسر أعيننا، لأننّا نجدها مثيرة للاهتمام وجذابة من الناحية الجمالية وذات فتنة، ثمّ تستمر في مطاردتنا لسنوات. من يظن، أننا نقول لأنفسنا فيما بعد، أنّه في هذه الغرفة المظلمة التي نطلق عليها المخ، نكون قادرين علي إنتاج أي شيء مُتحرك وجميل؟ بالطبع كما نعرف جميعًا، فإن محاولة وصف هذه الأنواع من الأحلام إلي شخص آخر لهي عبارة عن مهمة ميؤوس منها، لأنّنا أفضل في إعادة سرد الأحداث أكثر من العواطف المعقدة التي تثيرنا، ولأكون صادقًا، نحن حتي لا نفهم أنفسنا. عندما يكبر المرء، يتوقف عن المحاولة. العالم لابد أنّه مليء بالبشر الذين يذهبون إلي أعمالهم حاملين داخل رؤسهم ذكرياتهم عن روائع مجهولة لسينما الحلم والتي لن يُمكن مشاهدتها أبدًا في أية قاعة سينما، ولكن من المقدر أن تظهر مرة واحدة فقط، وإلي جمهور من شخص واحد.