الحقيقة أنني لم أكن أعرف د. علي المنوفي عن قرب، إلا قبل شهرين تقريبا، عندما بدأنا تحكيم جوائز مسابقة أخبار الأدب، وكان لدينا بالفعل ما هو مقدم من اللغة الإسبانية، واقترحت زميلتي منصورة عز الدين أن يتولي د. علي التحكيم، وبالفعل وافق، فاتصلت به لنتباحث في طريقة الإرسال، وبعدها بوقت قليل تحدثنا مكالمة طويلة، قربتني جدا من هذه الشخصية الاستثنائية في جهدها وعطائها. توالت الاتصالات بشكل كبير ومكثف، فلم يعد الأمر فقط مجرد محكم أنتظر نتيجة ما يحكمه، بل شخصية تتعلم منها، فقد تابعت عن قرب دقته الشديدة في إجراءات التحكيم، فقد تصادف أن العمل المقدم، سبق أن ترجمه أحد شيوخ اللغة والأدب الأسباني، وصدر بالفعل عن دار نشر آفاق، فما كان من د. المنوفي إلا أن ذهب إلي هذه الدار، واشتري الترجمة، التي سبق أن قرأها، ولكنه لم يجدها في مكتبته، والوقت ضيق، فاشتري العمل لكي يقارن بين الترجمتين، وعاد – كذلك - إلي النص بلغته الأصلية »الإسبانية»، تفاصيل عديدة قام بها لكي يرضي ضميره، ليرمي الكرة صوب ضمائرنا نحن، في أن نقاتل من أجل ألا تصدر ترجمة لا تلتزم بقواعد المهنة، هذه القواعد التي دافع عنها من خلال محاضراته وأحاديثه وترجماته، التي أشاد بها المتخصصون في مجال الدراسات الأسبانية. علي مدي الشهرين تطرقنا إلي أمور متعلقة بفلسفة الترجمة لديه، ووجدت منه تحمسا شديدا في ضرورة تشجيع الشباب، ويكون هذا التشجيع بتقويمهم وإرشادهم إلي فنيات الترجمة، و منها ضرورة الالتزام بالنسخة المترجمة منها، بمعني أنه لو صدر النص الأصلي لكاتب في إطار مئوية له، وتم وضع مقدمة – في النص الأصلي- علي المترجم ألا ليترجم هذه المقدمة أو المقدمات المصاحبة للنص، ليترجم النص منفردا، وفي هذا الأمر تصبح الترجمة غير دقيقة وتفتقد للأمانة، فطالما اعتمد علي نسخة في إطار زمني محدد، أن يلتزم بترجمة النسخة، حسبما نشرت في المكان الأصلي الذي أشير إليه عند الترجمة، وقد أرسل لي د. علي رسالة خاصة علي الواتس، يخبرني بحوار نشب بينه وبين أحد المسئولين عن النشر الحكومي في مصر، ختمه بهذه العبارة: »رعاية الشباب تحتاج إلي ذلك.. ليس الأمر ترك الحبل علي الغارب وإنما الرعاية». الرعاية هي أحد المفاتيح الأساسية التي يمكن أن ننظر من خلالها لمسيرة د. علي المنوفي، هذه الرعاية التي يجمع عليها تلاميذه وزملاؤه الذين يشاركونا في هذا الملف، الذي يتضمن شهاداتهم التي جاءت بعدد لم نكن نتوقعه لضيق الوقت ، لذا قررنا أن نؤجل بعض ترجماته التي أرسلها ولم تنشر من قبل علي الإيميل الخاص بي وكتب فيه: »هذا كل ما عندي»، وأنا علي يقين أن ما لدي د. منوفي الكثير الذي سيظهر في الفترة القادمة، فقد ترك تلاميذ يدركون قيمته الكبيرة. ومن يرحل ولديه هذا الضمير والشجاعة في الدفاع عن »قدسية» الترجمة..لن يرحل في نفوسنا.