• العقاد وطه حسين وقعا فى غرام الترجمة.. ورامى تعلم الفارسية لإعادة كتابة رباعيات الخيام • الترجمة ليست خيانة للنص.. و«الشروق بنجوين» ساهم فى نشر أعمال روائية كبيرة • الترجمة إلى لغات العالم تحتاج تضافر جهود جميع دول المنطقة وليس مصر وحدها • الجودة هى معيارنا الوحيد فى اختيار الكتب.. و«يوم المترجم» كشف حساب عام مضى الترجمة هى بريد الروح الإنسانية، هكذا قال الشاعر الروسى «بوشكين»، قبل أكثر من 180 عاما، وأثبتت الترجمة عبر تاريخها، صدق تلك المقولة، وكشفت عن قدرتها على منح النص الواحد أكثر من حياة وصوت بلغات لا حصر لها، فهى العمل الوحيد القادرعلى خلق روح ثانية للنص الأصلى، يمكن فى أحيان كثيرة أن تكون أجمل منه، كما قال الأديب الكولومبى جابرييل جارسيا ماركيز، عن النسخة الإنجليزية من روايته الشهيرة «مائة عام من العزلة»، مقارنا بينها وبين الأصل الإسبانى. وإيمانا بأهمية الدور الذى تقدمه الترجمة فى الحياة الإنسانية، كان ل«الشروق» هذا الحوار مع الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومى للترجمة، للحديث حول دور الترجمة ومساهماتها، فى محاولة لمعرفة من أين وإلى أين وصلت رحلتها. وإلى نص الحوار: • الترجمة غرام وقع فيه الكثير من الأدباء.. برأيك من كان أكثرهم عشقا وإخلاصا لها؟ الكثير وقعوا فى غرام الترجمة؛ على رأسهم طه حسين، وعباس محمود العقاد، وزكى نجيب محمود، وأميرة مطر، وعثمان أمين، وغيرهم، ومن أهم التجارب التى تؤكد إخلاص البعض لها، تجربة شاعر الشباب أحمد رامى فى ترجمة رباعيات الخيام، فبسبب حبه للنص الأصلى، وبرغم شهرته الواسعة قرر أن يتعلم الفارسية، ليترجم الرباعيات بنفسه، وكانت بالفعل أفضل ترجمة لها على الاطلاق، وهناك أيضا تجربة المنفلوطى فى الترجمة، حيث كان يستعين بأحد ليقرأ له النص بالعامية، ثم يعيد هو صياغته بأسلوبه باللغة الفصحى، وهذا هو الأسلوب الذى استخدمه الأوروبيون فى نقل علوم وثقافة الأندلس. • هناك ترجمات عظيمة وأخرى متواضعة.. ما الفارق ما بين مترجم وآخر؟ الفرق هو أن هناك من يحترم النص ويسعى إلى جمع أكبر قدر من الوضوح والدقة حوله، ليصل إلى المقصود من معنى الكلمة، ومن يتعامل باستهانة مع النص ويتخلى عن جمل كاملة لجهله بمعنى كلمة فيها، وأخيرا يمكن القول إن هناك مترجمين لديهم ضمير وغيرهم يفتقدونه. • هناك مثل إيطالى يقول «أن تكون مترجما فأنت خائن».. هل ترى أن الترجمة خيانة للنص؟ قبل المثل الإيطالى كان هناك قول للجاحظ «إن الترجمان لا يؤدى أبدا ما قاله الحكيم»، وأنا أرى العكس تماما، فالترجمة وفاء للنص، فكل مؤلف لديه رسالة يسعى إلى توصيلها للناس، وليس المقصود نقل نص الرسالة بل فحواها، ونقل الكلمة بمعناها الحرفى سيصبح شيئا صعبا ومثيرا للألغاز، وبعيدا عن روحها، هذه هى الخيانة. • كيف تساهم دور النشر فى تطوير فكرة الترجمة؟ لدينا بالفعل مساهمات هامة فى هذا الاتجاه؛ على رأسها مشروع «الشروق بنجوين»، الذى تم من خلاله ترجمة أعمال روائية كبيرة، ويحسب ل«الشروق» ترجمتها النسخ الروائية الأصلية الطويلة، بديلا عن المختصرات المخلة، وعلينا جميعا بشكل عام ترجمة ما فاتنا من الكلاسيكيات الهامة من الروايات العالمية، واللحاق بالإصدارات الحديثة فى أغلب المعارف والعلوم، مثل علم الاجتماع، والتاريخ، والفلسفة، والنقد الأدبى، حتى نكون مواكبين للعالم ونعرف إلى أين وصل. • لماذا تعتبر ترجمات الكلاسيكيات هى الأكثر انتشارا؟ فى كل الثقافات تطرح الآلاف من الكتب، ينسى الكثير منها ويبقى الجيد فقط، هذه الأعمال هى التى يذكرها التاريخ وتعرف فيما بعد بالكلاسيكيات، ولدينا إقبال كبير من العالم بأسره على الكلاسيكيات العربية خاصة لكتاب الفلسفة، أمثال الفارابى، وابن رشد، وابن سينا، وغيرهم، الذين ترجمت مؤلفاتهم إلى جميع اللغات تقريبا، وهناك كتب مثل «مروج الدهب»، و«كليلة ودمنة»، و«مقدمة ابن خلدون»، تطلبها الشعوب، وتعرف أنها من كلاسيكيات الفكر العالمى. • لماذا تأتى الكتب المترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى فى ذيل القائمة؟ هذه مشكلة كبيرة وقائمة بالفعل، والسبب أن ترجمة كتب عربية إلى لغات العالم المختلفة تحتاج إلى جهد ليس من مصر وحدها، بل من الدول العربية جميعا، فمن المفترض أن الثقافة المستقبلة هى من تختار الكتاب الذى تريد ترجمته، لكننا نلاحظ أن دولا مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا لديها ميزانية كبيرة لتشجيع الشعوب الأخرى على ترجمة كتاباتها، لهذا نحن بحاجة إلى دور كبير من وزارة الخارجية لكى تستقبل الدعم المقدم من هذه الدول وترجمة أعمالها إلى العربية، كما نحتاج أيضا إلى مشاركة عربية لإنشاء صندوق موجه لدعم نشر الكتب العربية لترجمتها إلى اللغات الأخرى، فهناك أسماء تترجم أعمالهم بمجرد صدورها؛ مثل علاء الأسوانى، وصنع الله إبراهيم، وإبراهيم عبدالمجيد، ويوسف زيدان، لكن هناك أسماء جيدة لا يعرفها المسئولون هناك، وعلينا أن نطمئنهم أننا ندعم إقبال الناشرين الأجانب على ترجمة الكتب العربية بنسبة 50%، كما يفعلون. • برأيك النهوض بالترجمة يحتاج إلى وزارة الخارجية أم وزارة للترجمة؟ فكرة وجود وزارة للترجمة هامة، فلا توجد ترجمة فى العالم بعيدة عن دعم الدولة، فلو كان الأدب مجرد روايات وقصص قصيرة ودواوين شعر تطرح فى السوق، والجمهور يقرر الكاتب الناجح، فنحن لن نحتاج إلى دعم، لأن الشعوب هى من تنتج ثقافتها، لكن الأمر مختلف كليا فى الترجمة، وفى كل دول العالم لابد من تدخل الدولة فى أمور الدعم، وهذا حدث منذ إنشاء بيت الحكمة فى بغداد على يد الخليفة المأمون، ثم تأسيس مدرسة الألسن على يد رفاعة طهطاوى، ثم المشروع القومى للترجمة، وتحوله بعد ذلك إلى المركز القومى للترجمة. • وما معايير وأسس اختيار الكتب المعدة للترجمة؟ هناك جهات تشترط ترجمة الأعمال الحاصلة على جوائز، لكننا فى المركز القومى للترجمة لا نشترط سوى جودة العمل، ولدينا مصادر كثيرة لاقتراح الكتب سواء من شخص، أو مركز ثقافى، أو مترجم، أو دار نشر أجنبية، أو كاتب، ثم نجمع هذه الأعمال ويتم تقسيمها بحسب التخصصات المعرفية، سواء فن، أو تاريخ، أو علوم إنسانية، أو أدب طفل، أو أدب عام، فيصبح لدينا عدد كبير من الأعمال، ثم تتشكل لجنة لانتخاب الكتب واختيار الأعمال المقررة ترجمتها، وفق معايير كثيرة منها حجم الكتاب، ومدى ترجمة عمل مشابه أم لا. • منذ توليك منصبك وضعت تقليدا للاحتفال بيوم المترجم.. حدثنا عنه؟ الاحتفال يتضمن استعراض وتقديم كشف حساب بحصاد العام الماضى، وما أنجزناه وحققناه خلاله، وتقديم التكريم اللازم للشخصيات التى قدمت مساهمات كبيرة فى مجال الترجمة، وفى نهاية شهر ديسمبر2017، كرمنا عددا من أبرز المترجمين فى عالمنا العربى، على رأسهم صالح علمانى، وكذلك الأستاذة سحر توفيق، بالإضافة إلى إطلاق الأعداد الأولى من «سلسلة الشباب»، وتسليم جوائز «رفاعة الطهطاوى والشباب للترجمة»، وتنظيم مجموعة من حفلات التوقيع لأحدث الكتب الصادرة فى 2017، بتخفيض 50% على جميع الإصدارات. • هناك تعاون واهتمام كبير أخيرا بالترجمة من وإلى الأعمال الصينية واليابانية.. حدثنا عنه؟ أصبحنا حريصين على ترجمة النصوص من لغاتها الأصلية سواء الصينية أو اليابانية أو غيرهما، كما هم حريصون على ترجمة أعمالنا العربية، وللجمهور أيضا دور كبير فى هذا، فكتب موراكامى مثلا دائما فى قائمة الأعلى مبيعا، على غرار ترجمة جميع أعمال نجيب محفوظ إلى اللغة الصينية، وكذلك أيضا أعمال جبران خليل جبران، وبالرغم من أننا لم نصل إلى النسبة المئوية المراد تحقيقها للتبادل الثقافى فى الأعمال المترجمة، لكننا نسعى إلى تحقيقها خلال الفترة القادمة.