«صلبان وقلوب وتيجان» الأقصر تتزين بزعف النخيل احتفالاً بأحد الشعانين    صندوق النقد يتوقع ارتفاع حجم الناتج المحلى لمصر إلى 32 تريليون جنيه 2028    محافظ الجيزة يوجه معدات وفرق النظافة لرفع المخلفات بالبراجيل    وزير خارجية إسرائيل: سنؤجل عملية رفح إذا جرى التوصل لاتفاق بشأن المحتجزين    خبير: التصريحات الأمريكية متناقضة وضبابية منذ السابع من أكتوبر    إدخال 4000 شاحنة مساعدات لغزة من معبر رفح منذ أول أبريل    "لو تحدثت هتشتعل النيران".. مشادة كلامية بين محمد صلاح وكلوب    لمكافحة الفساد.. ختام فعاليات ورش عمل سفراء ضد الفساد بجنوب سيناء    30 أبريل.. أولى جلسات محاكمة المتهم بالشروع في قتل طالب بالنزهة    ياسمين عز تُعلق على شائعة طلاق أحمد السقا وزوجته: هو أنا لو اتكلمت عن الحوامل أبقى حامل؟!    حزب "المصريين" يُكرم هيئة الإسعاف في البحر الأحمر لجهودهم الاستثنائية    خبير ل الحياة اليوم: موقف مصر اليوم من القضية الفلسطينية أقوى من أى دولة    توقعات عبير فؤاد لمباراة الزمالك ودريمز.. مفاجأة ل«زيزو» وتحذير ل«فتوح»    رمضان عبد المعز: على المسلم الانشغال بأمر الآخرة وليس بالدنيا فقط    وكيل صحة الشرقية يتابع عمل اللجان بمستشفى صدر الزقازيق لاعتمادها بالتأمين الصحي    الرضيعة الضحية .. تفاصيل جديدة في جريمة مدينة نصر    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    حكم الاحتفال بعيد شم النسيم.. الدكتور أحمد كريمة يوضح (فيديو)    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    ناهد السباعي: عالجنا السحر في «محارب» كما جاء في القرآن (فيديو)    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز أداء الحج دون الحصول على تصريح    بعد جريمة طفل شبرا الخيمة.. خبير بأمن معلومات يحذر من ال"دارك ويب"    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    أحمد حسام ميدو يكشف أسماء الداعمين للزمالك لحل أزمة إيقاف القيد    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    «تملي معاك» أفضل أغنية عربية في القرن ال21 بعد 24 عامًا من طرحها (تفاصيل)    مصر تواصل أعمال الجسر الجوي لإسقاط المساعدات بشمال غزة    مدير «تحلية مياه العريش»: المحطة ستنتج 300 ألف متر مكعب يوميا    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قطاع الأمن الاقتصادي يواصل حملات ضبط المخالفات والظواهر السلبية المؤثرة على مرافق مترو الأنفاق والسكة الحديد    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    الدلتا للسكر تناشد المزارعين بعدم حصاد البنجر دون إخطارها    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    إزالة 5 محلات ورفع إشغالات ب 3 مدن في أسوان    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    خبير أوبئة: مصر خالية من «شلل الأطفال» ببرامج تطعيمات مستمرة    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق حسنى لرئيس التحرير : الثقافة.. أمن ..ماذا تفعل عشرات قصور الثقافة أمام 120 ألف زاوية ومسجد؟


رئيس تحرير روزاليوسف مع وزير الثقافة
اتصلت بالوزير فاروق حسنى. مازحته فى مناخ حزين.. قلت له: «هل أنت على استعداد لماتش بوكس».. ثم شرحت: «أريد حوارا حول ما يجرى».. وما هى مسئولية الثقافة فيه؟.
فحدد لى موعدا. وعندما ذهبت إلى بيته الذى يقول عنه أنه «بيت الدولة».. إذ قرر أن يوصى به للدولة بعد أن يغيب.. وقال هذا فى أعقاب مقالات لى تضمنت فى بعضها ما يخص بيته الرابض على ضفة نيل المنيب.. عندما ذهبت إلى هناك كان أن دار حوار بينى وبين فاروق حسنى المثقف أكبر من كونه حوارا مع وزير الثقافة.. فبغض النظر عن اختلافاتى معه إلا أنى أراه مثقفا مهما وصاحب رؤية.. مع تناقضى أحيانا مع الوزير.
افتتح فاروق حسنى الجلسة بأن أهدانى كتابا رائعا مصورا لمجموعة من اللوحات والوجوه القبطية.. وقلت له أن الآثار القبطية شهدت نهضة فى عصره.. ولكن هذا لاينفى أن التطرف قد انتشر فى السنوات ال 32 التى كان فيها وزيرا للثقافة ولم يزل. ومن ثم كان أن بدأ الحوار:
فاروق حسنى وزير الثقافة
روزاليوسف: سؤال افتتاحى.. كيف ترى ما وقع فى الإسكندرية وتوابعه؟
الوزير: للأسف المجتمع القبطى انصاع للخطة المرسومة.. خطة وجدت صداها عند المجتمع عموماً والأقباط خصوصاً.. هذه جريمة خسيسة جدا موجهة للوطن ككل.. هدفها كسر التوازن الذى يربط بين الإسلام والمسيحية فى مصر، وللأسف ردود الفعل القبطية العنيفة تؤكد نجاح هذا المخطط الخارجى.
أنا بالتأكيد أتفهم وأتعاطف مع حالة الغضب القبطى التى توازيها حالة حنق عامة يشعر بها المجتمع كله بعد أحداث الإسكندرية، لكن نجاح الخطة أنها استطاعت التأثير فى المجتمع بهذا الشكل.. ثم ماذا؟.. هل نترك لهذه الأفكار أن تتحكم فينا، خاصة أن هذا الأمر يتم استغلاله بشكل سيئ جدا فى الداخل أو الخارج من أصحاب النفوس الضعيفة.
نقلتنا إلى ردود فعل الشباب القبطى، هل ترى تغيراً طرأ على المجتمع القبطى؟
- نعم بالتأكيد.. هذه الأشياء لم تكن موجودة فى السابق مثل الاحتشاد بهذا العدد الكثيف، لأنك هكذا تخاطر بأن يقابله احتشاد آخر إسلامى وهو ما علينا منعه بكل قوة لأنه لو حدث احتشاد متبادل ستكون الكارثة كبرى.
لكن المسلمين لم يتظاهروا أو يحتشدوا رغم أن أحداً لم يمنعهم ولم توجه لهم نداءات بعدم التجمهر.
- هذا نتيجة أن المسلمين «زعلانين» مما حدث.. المسلمون بكل تأكيد أبرياء من دماء الضحايا وهذا ما جعلهم يتعاطفون ولايقابلون العنف بالعنف بسبب الإحساس العام بالمسئولية.
تصوير شيماء العريف
أريد ملاحظاتك كمثقف وليس كوزير: ما الذى تغير فى الشكل والمضمون العام لثقافة البلد؟
- دائماً ما يكون الصعود صعباً والهبوط سهلاً.. ما ألاحظه وجود حالة من الهبوط فى السلوك الاجتماعى العام بانحدار شديد حتى على مستوى التعاملات اليومية «المواصلات، البيع والشراء، المشى فى الشوارع» هناك تغير جذرى فى السلوك المصرى.. تراه عندما تقارن حالنا الآن بما نراه فى الأفلام القديمة.. ينقصنا جانب تربوى كبير علينا بثه من المدرسة والبيت ووسائل الإعلام والمسجد وقصر الثقافة، هذه هى العوامل التى تشكل الإنسان الذى ننتظره، فالجامعة مثلا ليست فقط مكانا للتعليم، بل هى بوتقة للتعريف بالحياة والخبرات والواجبات والفنون.. الجامعات الخاصة استعانت بى كى يقام بها نوع من النشاط الثقافى «ندوات أو أفلام أو حفلات موسيقية أو معارض تشكيلية» بالاستعانة بالوزارة.
كيف حدث هذا الهبوط فى السلوك المجتمعى.. ولماذا؟
- كما قلت السبب هو التربية، ويدخل فى نطاقها التعليم والثقافة وكل ما هو متصل بتوعية الإنسان.
إذن أنت لا تخلى مسئولية الدولة عن هذا الهبوط؟
- ما هى الدولة؟... الدولة هى المعاقل العلمية والثقافية والإعلامية والمجتمع ككل.. لو تمت تربية الإنسان جيدا فى كل هذه الأماكن سينشأ بالشكل الذى نريده.. هناك موضوع تكلمت فيه كثيرا هو «انفصام المجتمع»، وأقصد به وجود طبقة من النخبة داخل تجمعات مغلقة compounds يحيط بها سور كبير، فانسلخ المجتمع الذى يعتبر المثل والنموذج وتقوقع داخل نفسه، بينما يتطور مجتمع آخر بشكل منفصل بعيدا عنه.. فى الماضى كانت العمارة يسكن فيها ابن الباشا والأفندى والتاجر ويتقابلون فى المصعد وعلى السلم وفى الشارع وعند البقال.. الآن حالة الاستقطاب الشديد جعلت المجتمع يكاد ينقسم إلى نصفين.
الوزير خلال حواره مع رئيس التحرير
من المسئول عن حالة الاستقطاب هذه؟ وكيف حدثت؟
- المجتمع نفسه هو المسئول، وحدث هذا لأننا تغافلنا عن فكرة الcompounds المغلق هذه التى تعزل مجتمعات داخل أسوار بمتاجرها وأنديتها ومرافقها بعيدا عن أى احتكاك أو تواؤم اجتماعى.
بعض الناس - وخاصة المعارضين السياسيين - يحملون مسئولية هذا لنظام يوليو.
- نظام يوليو كانوا مجموعة من الشباب المهتم جدا بوطنه والذين يسابقون الزمن لتحقيق إنجاز.. صحيح أنهم حققوا انتصارات كثيرة «مجانية التعليم والمساواة والتقارب الطبقى» لكن ما آخذه على نظام يوليو هو ترسيخ مفهوم «الأقدمية» والذى أدى إلى عدم وجود ثواب وعقاب.. حاليا أنت لا تقدر على أن تفصل موظفا.. لو فصلته سيرجع بحكم قضائى.. لا تستطيع أن تعطيه مكافأة أو تمنحه ترقية إلا بترتيب الأقدمية.. هذا فى رأيى أسوأ شىء لأن الماء إذا تركته راكدا يعطن.. وهكذا فأنت تضيع فرصا لشباب يستطيع التفوق والإبداع، للأسف نحن وارثون كل هذا حتى الآن وهو ما صنع حالة السقوط هذه، لأن لا أحد قلق على مكانه، وفى نفس الوقت لا يشعر بالتحفيز لتحقيق إنجاز.. قد تصلح الأقدمية كمفهوم فى الجيش أو الأماكن العسكرية، لأن الكل بالأساس منتقون ومتقاربو الكفاءة ولن يفرق بينهم إلا السن، لكن فى المجتمع هذا مفهوم مضر يؤدى للتدهور.
لماذا لم تتخذ الحكومة قرارات لمواجهة هذه القواعد المتكلسة وتحفيز الناس؟
- الدستور والقانون يمنعان. القانون يمكن تغييره.
- حتى لو حدث هذا فنحن نفتقر لشىء مهم لا نتعلمه فى المدارس والجامعات، ألا وهو الخيال.. بدون خيال لا يوجد إنجاز.. الدول الخليجية الآن تعتمد على الخيال والاقتصاد الابتكارى وليس التراكمى.. لا يهم أنشأت كم مصنعا أو مدرسة أو مشروعا، بل عليك البحث عن مجالات أخرى للابتكار، ومصر حقل خصب لهذه الأفكار.
هل من الممكن أن تعطينى أمثلة لهذه الأفكار الابتكارية؟
- مثلا فى مصر منحنا الله 11 بحيرة، ومع هذا لا تجد دراسة جدوى واحدة لاستغلال هذه البحيرات سياحيا أو اقتصاديا أو تجاريا.. الساحل الشمالى الغربى الآن اكتمل ولن تجد فيه مجالا للتوسع، لكن هناك الساحل الشمالى الشرقى من دمياط إلى رشيد والإسكندرية ستتمتع ببحيرتين وفرعين للنيل وبحر متوسط ومساحات شاسعة تحتاج عشرات المكاتب الاستشارية الكبرى التى تضع خططا لمشروعات مبتكرة تستثمر هذه الأماكن، هذا قد يدفع الناس للهجرة إلى الساحل الشمالى الشرقى ويخفف الضغط السكانى.. الوادى الجديد يشغل 46% من مساحة مصر ويحيا فيه 180 ألف نسمة والإمكانات المتوافرة هناك لا نهائية، لكنها تحتاج إلى خيال واسع.
من المؤكد أنك عبرت عن هذا الطرح سابقا، خصوصا فى مجلس الوزراء، ما الذى يعوق تنفيذ هذه الأفكار الابتكارية؟
- هى مسألة ترتيب أولويات فنظرتى تختلف عن الآخرين، أنا بخيالى أراها أولوية مطلقة بينما غيرى لا يرى ذلك.. أيضا هناك ندرة فى الأفكار الطازجة لأننا ننظر لبلدنا من الداخل، لو ظللت معتكفا فى بيتك ليل نهار لا تراه بوضوح كما يراه شخص من الخارج.. نحتاج إلى إسهامات خارجية تمنحنا وفرة فى الأفكار.. لو قسمت خريطة مصر إلى مربعات وكان عندى 100 مليون دولار سأقوم بعمل 50 دراسة جدوى لمكاتب استشارية عالمية تقترح استغلال كل جزء من مساحة مصر، وهكذا يكون لديك حشد من دراسات الجدوى فى وزارة الاستثمار جاهزة للاستغلال.. لكننا للأسف مولعون بالتقليد ولا نتجه نحو الابتكار، فلو افتتح أحدهم محل أحذية فعل الحى كله مثله.
لو اخترت أحد هؤلاء الثلاثة لتحمل مسئولية هذا فمن يكون : النخبة التى تفتقد للخيال - الحكومة التى ترتب أولوياتها بشكل معاكس لما تعرضه أنت - المجتمع بقيوده ومشاكله وثقافته؟
- النخبة المثقفة لا تفتقر للخيال، لكن كل إنسان له أسلوبه فى العمل.. أنا عندما أصبحت وزيرا وضعت استراتيجية عمل واضحة، فكرت أعمل أكبر متحف فى العالم لأننا نملك أكبر مجموعة أثرية فى العالم، وعندما وجدت الأمر يتكلف مبلغا خياليا - 750 مليون دولار - وأنا أعرف جيدا أعباء الدولة، قمت بعمل دراسات جدوى لأطمئن أن المتحف الكبير سيظل مفيدا لمصر لمئات السنين، هو والمشروعان العملاقان الآخران : متحف الحضارة، والقاهرة التاريخية.
بالمناسبة من أين سيأتى تمويل المتحف الكبير؟
- نحن مقدرون لأعباء الدولة لهذا قمنا بتمويله ذاتيا بالاستعانة بقرض من اليابان.
إجاباتك عن الأسئلة الأخيرة وحتى قاموس مفرداتك فيها بعيد عن الثقافة وأقرب إلى الاقتصاد، هل تضع الثقافة فى إطار مشروع تنموى شامل؟
- عندما توليت منصبى اعتبرت أن الثقافة اقتصاد أساسا.
الآن أيضا أصبحت الثقافة أمنا، لأن الكثير من الناس تحيل مشكلة الإرهاب إلى خلل فى ثقافة المجتمع.
- هى كلها منظومة التربية كما قلت سابقا.. مصر دولة ثقافة.. لسنا بدولة بترول أو دولة تكنولوجيا أو دولة صناعات ثقيلة.. العتاد الأساسى لدى مصر هو الثقافة وعلى هذا تستطيع أن تبنى اقتصادك.. والمناظر الطبيعية المختلفة عن أوروبا والتى يحبها الغربى.. أيضا لدى مشروع اسمه «النيل الجديد» وهو طريق high way ينبع من الشمال ويصب فى الجنوب، وهو قادر على تغيير أسلوب السياحة فى البلد من سياحة المجموعات إلى الأفراد.. الخيال هو الرؤية المختلفة.. سيناء كانت صحراء فى البداية، انظر إليها الآن، حالة من الحياة الجديدة الرائعة صنعها الخيال.
هل تشعر بالمسئولية عن أى من الأمراض الاجتماعية التى أصابت ثقافة المجتمع فى العشرين سنة الأخيرة؟
- طبعا، لا أنكر هذا.. لكن انظر إلى عدد السكان وقتها وعدد السكان الآن، كيف تستطيع ملاحقة كل هؤلاء الملايين.
ثقافة تنظيم الأسرة جزء من مهمة الدولة ولا يتحمل الانفضاض عنها المجتمع وحده؟!
- أنا لى رأى فى هذه القضية يعترض عليه الكثيرون.. أنا أعتقد ضرورة وجود قوانين منظمة لعملية التناسل.. علينا أن نطرح كل الأفكار ولا نقول الدين يمنع كذا أو كذا، لأن الدين نفسه يقول أن نهضة الشعب مسئوليتك.. الزيادة المضطردة فى السكان لا نستطيع مواجهتها وبالتالى يتفشى فى المجتمع الجوع والجريمة والقتل.. كيف ننقذ ذلك بدون حلول غير تقليدية؟
لماذا يستمع المجتمع إلى رسائل المؤسسات الدينية المتطرفة، حتى لو بلغت حد العنف والتطرف، ولا يستمع إلى رسالة العقل والتنوير؟
- هذا يعود أيضا إلى التعليم.. التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر، فما تعلمته وأنت طفل يرسخ ولا يمحى، ولو لم نتعلم معانى الوطن والحياة والعقل والقيم الجمالية كلها فى صبانا، فلن نستطيع التعامل معها عندما نكبر.
هل مشكلة التعليم أعاقت عملك الثقافى؟
- بلا شك.. الثقافة تختلف عن التعليم لأنك عندما تنشئ إنسانا متعلما، فأنت تعطى الفرصة لأن يقرأ ويفكر ويتقبل طرحك أو يرفضه، لأنه قادر على استعمال عقله.. التعليم قبل الثقافة دائما، ولو حاولت أن أرفع من شأن شاب عمره 25 عاما، فلن أنجح.. هذا إنسان قد تمت برمجته وتربيته وصار من العسير تغيير ما تقولب بداخله.. الصواب هو أن نتعامل مع أطفال اليوم بشكل صحيح حتى يصبح عندك بعد 25 عاما مواطن قابل لأن يكون مفكرا أو فنانا أو وزيرا.. علينا أن نضع الشتلات منذ الآن لقادة المستقبل.
ما الذى طرأ على المثقفين يا سيادة الوزير خلال هذه السنوات العشرين؟
- رموز عظيمة غابت عنا، نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وزكى نجيب محمود، وأحمد بهاء الدين وكثير من المفكرين وقادة المجتمع مما أدى لحدوث فجوة ثقافية بين الفترة الماضية والحالية.. لذلك استعنت بشباب كان صغيرا وقتها فى حدود الخامسة عشرة، هم من يدخلون الآن الحياة الثقافية.
لماذا حدثت هذه الفجوة؟
- لأن الإدارات السابقة لم تعط فرصة للشباب.. عندما جئت وزيرا وجدت أن هناك غروبا للمفكرين.. إذن نحتاج رموزا جديدة.. بدأت أستفيد من الموجودين وقتها على الساحة وجعلت المجتمع يستفيد منهم.. كان رهانى دائما على الشباب فى كل المجالات وهم من يملأون الساحة الآن، وأؤكد لك أنك خلال سنوات قليلة ستجد طفرة فى المسرح والسينما والشعر والأدب والفن التشكيلى سببها هؤلاء الشباب.
هل تستطيع أن تمنحنى أمثلة لأسماء تتوقعها أن تكون نخبة وقادة رأى فى المجتمع بعد خمس سنوات؟
- هناك الكثيرون، ولا أريد أن أسمى أسماء كى لا يتضايق منى من نسيتهم، لكنك ستجد فى الأقاليم شعراء وأدباء ومسرحيين جددا.. اذهب إلى مسرح الطليعة وانظر ما الذى فعله الشباب هناك.. فى الموسيقى.. فى مراكز الإبداع.. اذهب إلى قصر الغورى ستجد توليفة تفتخر بها.. هكذا بدأ العقاد أو توفيق الحكيم أو طه حسين.
لكن النماذج التى ذكرتها الآن عبرت فى سن مبكرة جدا عن أفكار شديدة الليبرالية والتحضر، وطالبت فى كل موقف بنهضة المجتمع.. أقصد الأساتذة محفوظ وإدريس ونجيب محمود؟!
- الشباب الجدد لدينا يقومون بنفس الشىء.
أختلف هنا معك، لكن لا بأس، دعنى أسألك ما هى المرتكزات التى اعتمدت عليها عندما بدأت عملك مع ثقافة المجتمع؟
- اعتمدت على الحالة الاجتماعية التى كانت موجودة وقتها.. آنذاك كان التطرف متوغلا فى أغلب الأركان، وزير الثقافة وقتها كان يسمى «وزير الحرام» وكانت كل العوامل ضده.. لم تكن هناك مكتبات كافية، حتى دار الكتب المصرية كانت فى هيئة الكتاب كإدارة.. السيدة حرم الرئيس بدأت طريقا طويلا لإنشاء المكتبات مثل عرب المحمدى وغيرها.. قصور الثقافة كلها كانت فى حالة مهترئة.. لا يوجد سوى متاحف قليلة فى دولة رأسمالها الثقافة.. النشر محدود جدا، ولقاءات أدباء الأقاليم مع المسئولين كانت شجارا دائما.. أنا وجدت أن فى القرى جوعا شديدا لملء وقت الفراغ.. هذا الجوع استغله السلفيون وملأوه بكلام عن النظام الفاسد الذى يجب ألا نطيعه الخ.. هنا فكرت فى مشروعى القومى الخاص «بخلاف مشروع مصر القومى المتحف الكبير» مشروعى الخاص هو مكتبات القرى والنجوع.. الآن أصبحت لدينا حصيلة هائلة من المكتبات.. مشروع مكتبة مبارك والقراءة للجميع ومكتبة الأسرة «تحت رعاية السيدة حرم الرئيس» أخذت شكلا آخر ومعها المسرح والسينما والفنون.
لكن رغم كل هذه الإنجازات، فالمجتمع كما ترى لا ترضى عنه أنت شخصيا، والتطرف الذى أسماك «وزير الحرام» يتوغل وينتشر حتى بلغنا جريمة الإسكندرية. - لا أعفى نفسى من المسئولية.
أنا لا أبحث عن اعتراف، أنا فقط أناقش.. وفائدة النقاش الدائر الآن «فى المجتمع ككل وليس بينى وبينك» هو أن الجميع بدأوا يعطون الأولية للمثلث المهم جدا، والذى كان يترك عادة فى آخر سلم الأولويات : التعليم والإعلام والثقافة.. لا أريد اعترافا.. أريد أن أعرف لماذا انتصرت عليك مؤسسة التطرف؟!
- سأرد عليك بسؤال : قل لى من الأقوى فى المجتمع الخطيب الواقف على المنبر أم المفكر؟.. بعد هذه الإجابة سنتساءل كم عدد الدور الثقافية فى مصر وكم عدد المنابر، وكم من الشباب يذهب هنا وكم يذهب هناك.. ماذا أفعل أمام 120 ألف زاوية وجامع؟ كيف أواجههما وبكم قصر ثقافة؟ ملاحظة من المحرر : العدد هو 106 آلاف مسجد وزاوية.. وهو ما لا يفرق كثيراً فى معنى كلام الوزير.
تعاملت مع أكثر من رئيس وزراء فى حكومات متعاقبة، ألا يوجد أى استماع لمثل هذه الأفكار؟
- المشكلة لا تخصنى وحدى، بل تخص الكثيرين.. مؤخرا فى آخر اجتماع لمجلس الوزراء طلب منا وضع تصورات وخطط للكيفية التى ستقوم بها هذه الوزارات متكاتفة بوضع فلسفة وسياسة تساعد على تطبيق ما يطالب به الكل : التنوير.. لكنى أعتبر وزارة الثقافية هى آخر حائط صد ضد المد المتطرف.
وأنا لم أطلب هدم هذا الحائط، لكنك جئت وزيرا ومؤسسة التطرف مسيطرة وتعتبرك «وزير الحرام».. بماذا تصفك الآن؟
- أيضا «وزير الحرام».. ربما لأنى أنشأت 150 مكتبة و42 متحفا و38 قصر ثقافة وترجمنا 1800 كتاب من كل أنحاء العالم، وقمنا بعمل ممتاز فى ترميم الآثار التى تبنى الانتماء داخل الإنسان.
بشهادة الكل - المنحاز ضدك قبل الموضوعى - فأنت قمت بعملية تطوير ضخمة لآثار مصر حتى أصبحت محط أنظار الجميع، الوافد والمقيم والمواطن والأجنبى، على الرغم من هذا النجاح نشأ جيل كامل يرى أن الفراعنة كفار، ولا يجب أن ننتمى إليهم؟!
- لأن من علم هؤلاء الشباب لم يخبرهم أن القرآن عندما يصف فرعون بأنه كان ظالما فهذا لا ينسحب على كل الفراعنة.. تدريس الدين من عقول منفتحة مهم جدا وإلا سينشأ لديك جيل منغلق يقول مثلما تقول ويطالب بالتنصل من الكفار.. وهم هنا يقصد بهم الفراعنة.
كيف تفسر ما جرى فى الإسكندرية تحديدا؟
- ما حدث كان مخططا منذ فترة، وسمعنا أن القاعدة منذ شهرين قالت بعد تفجير الكنيسة فى العراق أن الضربة القادمة فى مصر.. والتخطيط الشيطانى اختار مكانا مكتظا بالناس أثناء القداس لإحداث أكبر قدر من الأضرار فى المدينة.. الإسكندرية كانت رائعة فى الماضى، لكنها الآن أصبحت أكثر تشددا من القاهرة.
لماذا تغيرت الإسكندرية ولم تعد رائعة؟
- الخلل فى إدارة المدينة.. مجموعة من المحافظين السابقين لم ينظروا جيدا إلى المدينة، لم يبدأ ينتبه لهذا إلا المحافظ عبدالسلام المحجوب وبدأ العمل المطلوب لإعادة هذه المدينة إلى رونقها، واستكمل العمل بعده بكفاءة شديدة المحافظ عادل لبيب، فمن ناحية الشكل المدينة الآن مكتملة، وهذا يقلل من هجوم المتطرفين على الخدمات كى يسىء الناس الظن بالحكومة. المدينة تغيرت فعلا بعد هدم 120 ألف قصر وفيلا فى بداية عصر الانفتاح.. لكى يبنى مكانها ما أسميه عشوائيات الأغنياء.. كل هذه القصور خرجت تحفها إلى أوروبا وأمريكا.. وأنا شاب كنت أركب الترام كى أشاهد جمال المدينة، الآن أصبح هناك قبح.
كيف يحدث تنسيق بينك وبين باقى عناصر المنظومة : الثقافة، التعليم، الإعلام، المؤسسة الدينية؟
- لا أريد أن أكذب عليك.. لا يوجد تنسيق بيننا.. بقدر الإمكانيات نحاول أن نتعاون ومن يجد أمامه مشكلة يحلها.. لكن تعاونى كبيرا مع وزارة الأوقاف فى عمليات الترميم.
فى الشكل فقط إذن.
- نعم.. لا أستطيع أن أصل للمضمون، وفى الماضى قلت أنى أنوى إنشاء لجنة للثقافة الدينية فهوجمت هجوما شديدا، وهو نفس ما ينادى به شيخ الأزهر الآن.. هو نفسه مشروع بيت العائلة.
لم أر وزير ثقافة بهذا القدر من الاستنارة فى تاريخ الدولة باستثناء ثروت عكاشة الذى ظهر دوره كمثقف أكثر بعد أن ترك الوزارة، ولكن لم حدثت هذه الفجوة؟
- كى تسكن فى بيت عليك أن تقيم أساساته، ولكى تصنع ثقافة عليك أن تقيم أساسات الثقافة، وهى المعاقل الثقافية القادرة على احتواء أفراد المجتمع، الشباب مثلا حاولت جذبهم للمسرح التجريبى الذى هاجمه الناس فى البداية، لكن مهرجان المسرح التجريبى أصبح الآن حدثا ثقافيا راسخا لا أستطيع أنا نفسى إلغاءه لأنه ملك الشباب..
فى الفن التشكيلى بدأت بصمات المبدعين المصريين المبشرة تظهر عندما أعطيناهم الحرية، رغم شدة المنافسة مع الدول المحيطة بنا.. المتاحف الآن فى مصر مكتظة بالزوار يوميا بشكل يجعل التجول بداخلها عسيرا.. لو استطعنا نقل هذا النشاط الثقافى الزاخم إلى داخل المدارس والجامعات سننجح بالتأكيد، وهذا كان فحوى اتفاقى مع د.أحمد زكى بدر لمحاولة وضع بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم كى يستمتع الطفل بوقت فراغه.
تاريخ مصر الذى ندرسه الآن لا يقبله طفل أو شاب.. يجب أن يحتوى التاريخ على الحكايات الجميلة التى تنمى مفهوم الانتماء للوطن كى لا يردد أحدهم كلاما عن الفراعنة الوثنيين، لأنه لو عرف الفن القديم أو قرأ لأدرك أن الديانة المصرية القديمة سبقت العالم كله بفكرة الحساب بعد الموت وأنها أقرب الديانات للإسلام.. لكنك الآن تعلمه أسماء صعبة وتحكى له قصصا مملة فيخرج الطفل المصرى ساخطا على تاريخ بلده، بعكس الطفل الأوروبى الذى تعلم بشكل صحيح فوقع فى غرام مصر، وأصبح مولعا بها بعكس المواطن المصرى الرافض لها.
ما ملاحظتك على التوجه العام للمثقفين من خلال جلساتك معهم؟
- هناك مجموعة مثقفين جادين ومدركين لهموم الوطن ومسئولياتهم تجاهه، وأغلبهم موجود فى المجلس الأعلى للثقافة وعددهم ما بين 500-,600 وهناك مجموعة تهتم بذاتها أكثر من الوطن باعتبارهم فوق الجميع، ويظلون ينتقدون بلا مبرر بشكل لا يمكن الاستفادة منه.
ماذا عن مؤتمر المثقفين الذى طالبت به؟
- يوم الاثنين القادم هناك اجتماع فى المجلس الأعلى للثقافة كى نضع الخطط التى سنطرحها فى المؤتمر.. جاءتنا أوراق كثيرة سنطرحها على المجلس وسنحاول أن نجعل المؤتمر ينعقد فى أسرع ما يمكن، ربما فى خلال شهر من الآن.
ما هو الاحتياج الثقافى الأكثر إلحاحا والذى يجب الانتباه إليه فورا باعتبار أن الثقافة صناعة طويلة أو متوسطة المدى على الأقل؟
- الدولة ساعدتنى كثيرا فى تنفيذ احتياجات ثقافية عديدة، لا يمكن فى عصر من العصور أن يتم إنجاز ما حدث فى البنية التحتية الثقافية.. الاحتياج الذى أطالب به الآن بمنتهى السرعة هو وجود محركين ثقافيين لقصور الثقافة، وقد قمنا بعمل إعلان لنختار منهم حوالى 40 رغم أن لدينا 540 قصر ثقافة.
ما هو دور المحرك الثقافى؟
- هو المبرمج الذى يصنع برنامج النشاط السنوى لقصر الثقافة مع المجتمع والقائمين على النشاط.. تجربتى كمدير قصر ثقافة أنه المحرك الأول، ويجب أن يمتلك المعرفة والطاقة والرؤية لكى يطور برامج قصور الثقافة، بشرط أن يترك للشباب حرية الإبداع الكاملة ولا يمنع طاقتهم من الخروج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.