ما أصعب أن تتفاوض للوصول للسلام الفلسطينى مع رئيس وزراء فى ضعف وجبن «نتانياهو»، وما أسهل أن تثير سياسته وممارساته أجواء احتقان فى المنطقة والعالمين الإسلامى والعربى وخاصة مصر، التى ترتبط كل بيوتها بالقضية الفلسطينية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية، نتانياهو يحترف إحباط كل محاولات استئناف المفاوضات، ويجيد طرح المبادرات المستحيلة التى يعرف أن الفلسطينيين سيرفضونها بالثلث. وهذا الرجل الذى لا يستطيع أن يسيطر على أمور بيته وتتحكم فيه زوجته «سارة» بشكل مهين، يريد أن يصور نفسه على أنه قوى أمام متطرفيه بقدرته على تعطيل السلام وزيادة الاستيطان وقتل الغزاوية بالبطء. رغم تطرف «نتانياهو» إلا أن المزايدين عليه فى الغباء الصهيونى، يرونها فى غاية الجبن والضعف والتساهل مع العرب والفلسطينيين وكما يقول النائب المتشدد «هالئومى كاتس» زعيم حزب الاتحاد القومى المتطرف أنه أخطر من آرائيل شارون وإيهود أولمرت فى التنازل فى عملية السلام، فهو خائن لبلاده، وسخر منه قائلا إنه سيهاجر إلى هوليوود لأنه جميل مثل نجومها، والغريب أن كل هذا الهجوم أطلقه هذا المجنون لأن نتانياهو لا يسارع من وتيرة الاستيطان أكثر وأكثر، رغم أن الأرقام تؤكد أنه خصص للمستوطنات هذا العام 11 مليار دولار. ولا يعانى «نتانياهو» بسياسته الفاشلة من الملاحقات الدينية المتطرفة فقط، بل من قوى يمين الوسط المتطرف أيضا، حيث نجحت زعيمة المعارضة «تسيبى ليفنى» ورئيس حزب كاديما فى جمع الأعداد اللازمة من التوقيعات لاستجواب رئيس الوزراء الفاشل فى الكنيست، وهاجمته بقولها إن الدولة الفلسطينية تحصل كل يوم على اعتراف دولى وتزيد قوة، وتدعى الآن أنك وافقت فى 95 على إقامة دولة فلسطينية ناقصة لكنك عارضت بشدة إقامة الدولة فى 2002 ،والغريب أن نتانياهو لم يستطع أن يرد على «ليفنى» رغم أنها كانت أمامه فى اجتماع لجنة الخارجية والأمن بالكنيست، وأضاف: «لا أحد يصدق ما تقول، وأن امتحانك ليس بالتصريحات وإنما بالنتائج وهى صفر أو أقل من ذلك.. ولا أحد يثق فيك كرئيس حكومة دولة إسرائيل»! وبالطبع أحبطت الإدارة الأمريكية الجميع بمواقفها المتخاذلة ضد هذا «الفاشل الكاذب»، رغم تطاوله عليها وكذبه فى حقها، عندما قال إن واشنطن هى التى تراجعت عن تمديد جديد لوقف الاستيطان «3 شهور» أخرى مع موافقته عليها، والأغرب أنهم لم ينتقدوا وطالبوا أعوانه فى إسرائيل بأنه كان من الضرورى أن يستفيد من الحوافز العسكرية والاقتصادية الأمريكية السخية بما فى ذلك الحصول على 20 مقاتلة إضافية من طراز «الإف 35» وضمانات أمنية إضافية إلى جانب عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية أحادية الجانب، إلا أنه فقد كل ذلك بسبب تعنته. وفى موقف حربائى جديد من «نتانياهو» فى محاولة للهروب من الاتهام بأنه يعطل السلام، دعا الرئيس الفلسطينى لمفاوضات غير محددة الزمن ولا الأجندة مستثنية الاستيطان، وقد هاجم ذلك الإسرائيليون قبل الفلسطينيين، بل كشفت «معاريف» أن الفلسطينيين يقدمون فى كل مرة رؤيتهم فى كل القضايا الجوهرية والإسرائيليون هم الذين يرفضون حتى دراستها، وبالتالى فإن «نتانياهو» يردد كلاما فقط! حقيقة «نتانياهو» فضحها موقف مستشاره إسحاق موكو عندما ارتعش بمجرد رؤية «صائب عريقات» كبير المفاوضين الفلسطينيين يخرج من حقيبته كراسة تحمل شعار السلطة، وبسؤاله اتضح أنها خطة الفلسطينيين المفصلة المحدثة، فرفض بالمرة الاطلاع عليها، بل مجرد لمسها، لأنه فى اللحظة التى يفعل فيها ذلك تسقط الحكومة الإسرائيلية، خاصة أن مثل هذه المواقف يتكرر كثيرا ومنها مواقف لنتانياهو نفسه مع أبومازن، وبالتالى كانت حجة رئيس الوزراء الإسرائيلى الفاشل بالاعتراف بيهودية الدولة كشرط للسلام كان مجرد تعجيز وتبرير للتعطيل فقط. كل هذه الأجواء لا تحبط الفلسطينيين فقط، بل المصريين أيضا لمعاناتهم المباشرة من هذه الممارسات الإسرائيلية، التى منها ترقبات التصعيد الإسرائيلى فى غزة خلال الفترة الأخيرة، والتى تمثل ضغوطا على القاهرة بعدة أبعاد منها الشعبية، وبالتالى فإن انتشار أبعاد الأقباط والاحتقان فى هذا السياق أمر عادى، لكن خطورته فى تكامله مع أبعاد أخرى فى قضايا متراكمة تقل خطورة وتعقدا. ورغم الحديث فى الأروقة الإسرائيلية عن «نهاية عصر نتانياهو» مع تكرار وزراء حزب العمل الحليف بالاستقالة، إلا أن الصورة العامة تؤكد أن الحكومة الإسرائيلية لا تزال فى أوضاع مريحة ولن تسقط قريبا خاصة أن الحليف الثانى «أفيجدور ليبرمان» وزير الخارجية أكد استمراره مع نتانياهو، وهذه الراحة لا تعكس الانعزالية الدولية التى تعانى منها تل أبيب هذه الأيام بسبب التعنت الإسرائيلى الذى ترفضه الكثير من المعسكرات الإقليمية والعالمية لأنه لحماية «الاستيطان» إلا أنه رغم كل هذا فإن الحكومة تنعم بمساندة الرأى العام، المعترض فقط على قضايا داخلية مثل إعادة الأسير «جلعاد شاليط» من «حماس»، والجاسوس «جوناثان بولارد» من أمريكا. ووسط كل ذلك يجد «نتانياهو» وقتا لتصدير المشاكل لمصر، والأمثلة كثيرة، منها ملف الغاز والمتسللون والجدار الأمنى الحدودى، ومنها تحذير نتانياهو مما أسماه استمرار ظاهرة التسلل من سيناء لإسرائيل، بل انتقد تهريب الأسلحة من سيناء لإسرائيل، وقال إن العمليات مستمرة رغم المحاولات المصرية لوقفها. وليس بعيدا عن ذلك قيادة نتانياهو للضغوط اليهودية المتطرفة لإيفاد وفود يهودية وإسرائيلية للاحتقال بموالد الحاخامات فى مصر وأشهرها «أبوحصيرة» فى البحيرة والجديد «موسى بن ميمون» فى الموسكى بالقاهرة.