مثل الإعصار جاء حكم محكمة القضاء الإداري بمنع محافظ البنك المركزي من إجراء أي تصالح في قضايا تهريب النقد المحلي والأجنبي إلي خارج مصر، ويحظر الحكم عليه التنازل عن المبالغ النقدية التي تمت مصادرتها من المهربين المصريين أو الأجانب. اختصت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار حمدي ياسين عكاشة النيابة وحدها في إجراءات التصالح مع قضايا التهريب وفق القانون 88 لسنة 2003 بشأن البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، والذي حظر علي القادمين إلي مصر أو المسافرين منها حمل مبالغ من النقد المصري بما يجاوز 5 آلاف جنيه مصري، وجعل مخالفة هذا الحظر جريمة يعاقب عليها بالحبس مدة لا تجاوز 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تجاوز 20 ألف جنيه مع الحكم بمصادرة المبالغ المضبوطة، وفي حالة عدم ضبطها يحكم علي مرتكب الجريمة بغرامة تعادل قيمتها. المحكمة طالبت محافظ البنك المركزي بالامتناع عن إجراء أي تصالح عن الجرائم التي نظمها القانون رقم 88 لسنة 2003 التزامًا منه بأحكام القانون وبالإرادة الصحيحة للمشرع لإلغاء التصالح عن هذه الجرائم. وقالت المحكمة إنه كان يجب علي محافظ البنك المركزي الامتناع عن أي إجراء يحمل التصالح مع المهربين. يأتي هذا الحكم لإبطال قرار محافظ البنك بقبول تنازل مهربين أردنيين عن المبالغ التي ضبطت بحوزتهما مقابل عدم إقامة دعوي جنائية ضدهما. المحكمة أوضحت في الحكم الذي أصدرته أن محافظ البنك المركزي بتنازله عن الشق الجنائي يكون قد خرج عن حدود السلطات المقررة له قانونًا. جاء هذا الحكم ترتيبًا علي إقامة مواطنين أردنيين دعوي قضائية لإلغاء قرار التصالح بحجة أنهما قبلا التنازل عن المبالغ التي ضبطت في حوزتهما تحت الإكراه وطلب استرداد هذه المبالغ التي تبلغ 5 ملايين جنيه حاولا تهريبها. المفاجأة أن محكمة القضاء الإداري قد رفضت طلب المهربين الأردنيين باستردادهما المبالغ المضبوطة باعتبار أن عدم تحريك الدعوي القضائية ضدهما جاء مقابل مصادرة الأموال المضبوطة معهما، وبذلك يصبح من حق البنك المركزي الاحتفاظ بهذه المبالغ بالكامل، ويحظر عليه التنازل عنها لأنها أصبحت من حق الدولة. هذا الحكم جاء كالزلزال ليصبح شاغل إدارة البنك المركزي من جهة ورجال الأعمال أصحاب التسويات الحديثة مثل «رامي لكح» و«أبو المكارم الزغل» ليثير الارتباك والقلق، باعتبار أن هناك عدداً من المحامين الذين يعتزمون إقامة دعاوي قضائية ضد إجراءات التسويات التي تمت في الفترة الأخيرة بعد الانتقادات القانونية التي تحمي المتعثرين من رجال الأعمال ويقومون بإجراء تسويات توافق عليها البنوك والبنك المركزي لتقديمها للنيابة التي بدورها توافق علي التسوية وتعفو صاحب التسوية من الإجراءات الجنائية. في هذه الأجواء تم الانتهاء من مشروع قانون لتعديل المادة 133 من قانون البنك المركزي وهي المادة التي تعطي للبنك حق إعفاء المتعثر من عقوبة الحبس بالنسبة لرجال الأعمال الذين حصلوا علي قروض وعند قيامهم بتسوية مديونياتهم يتم إعفاؤهم من عقوبة السجن، وهذه المادة استفاد منها رجال الأعمال المتعثرون والهاربون لأنها أعطت للبنك المركزي سلطة التسوية والتصالح وتصبح النيابة مرغمة علي حفظ القضايا. يرجع سبب تعديل هذه المادة 133 من قانون البنك المركزي تمهيدًا لإصدار قانون الإفلاس الذي ينظم عملية الخروج من سوق العمل بالنسبة للشركة أو الفرد الذي يعلن إفلاسه. تأتي هذه التعديلات في ضوء فحص ودراسة عدد من الأجهزة الرقابية للتسويات المالية التي تمت علي مدي العامين الماضيين بعد رصدها قيام أولاد «أبو المكارم الزغل» بتأسيس شركة جديدة قبل تسديد مديونياتهم، مما أدي إلي تشكك مصادر بنكية في عدم جديتهم في تسديد المديونية التي عليهم بعد أن كشفت التقارير الرقابية عن أن مجموعة «أبو المكارم» لم تلتزم بتسوية تمت بينه وبين بنك «أمريكان إكسبريس» بعد أن حصلت 6 شركات من مجموعة أبوالمكارم علي 40 مليون جنيه قرضًا بدون ضمانات. في هذا الإطار بدأت قضية «أبوالمكارم الزغل» بعد بلاغ من بنك «أمريكان إكسبريس» عن وجود مديونية مستحقة لدي البنك بمبلغ 27 مليون جنيه من خلال 6 شركات. في هذا الإطار قدم بنك مصر بلاغا يتهم فيه «رامي لكح» بعدم تسديده لبنود العقود المبرمة بينه وبين بنك مصر لتسوية مديونياته. وعلي الجانب الآخر تقدم «لكح» ببلاغ ضد بنك مصر بالمبالغة في تنفيذ بعض بنود التسوية المبرمة بينهما لسداد المديونية. علي خلفية هذه البلاغات طلب عدد من الجهات الرقابية ومنها البنك المركزي بيانات عاجلة من البنوك حول مديونيات عدد من رجال الأعمال أصحاب التسويات الحديثة ومواعيد استحقاقهم ومن هؤلاء «رامي لكح» و«حسن أبوالمكارم»، والأخير عقد اتفاقاً لتسوية مديونيته التي بلغت 485 مليون جنيه مع 5 بنوك هي التنمية الصناعية والبنك التجاري الدولي وبنك تنمية الصادرات، والمصرف العربي الدولي، وبنك مصر إيران. يذكر أن نائب رئيس مجلس إدارة بنك التنمية الصناعية «حسام ناصر» قد قال إن اتفاقية التسوية بين «حسن أبوالمكارم» ومجموعة البنوك الخمسة قد تمت في أغسطس 2006 علي أن يتم تسديد القرض بعد 7 سنوات، وقد مضي من هذه الفترة 4 سنوات وبهذا الاتفاق يصبح بنك التنمية الصناعية مالكًا بنسبة 90% من 10 مصانع كانت تملكها مجموعة أبو المكارم الزغل. جدير بالذكر أن نيابة الأموال العامة كانت قد انتهت إلي حفظ التحقيقات في قضية «أبو المكارم الزغل» التي تحمل رقم 608 لسنة 2000 في شهر نوفمبر 2008 وفقًا لتقرير لجنة الرقابة علي البنوك. وكانت الرقابة الإدارية قد كشفت عن أن شركات أبو المكارم تتعمد تشابه مسمياتها وأوجه أنشطتها بهدف التحايل علي البنوك بهدف الحصول علي أكبر قدر من التسهيلات الائتمانية التي بلغت مليارا و300 مليون جنيه بالمخالفة للأعراف المصرفية.