فى قلب القاهرة وعلى بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير يقع المبنى الحكومى الأشهر المعروف باسم «المجمع» -الذى يقع بجانبه مكان يعتبر ملاذا للصمت والجمال الذى يمكنك فيه العثور على دراسات الخرائط والأطالس الإنجليزية. أنا أتكلم عن الجمعية الجغرافية المصرية- المكتوب اسمه على إفريز القصر الاستعمارى القديم الساحر باللغتين العربية والفرنسية، بأقل من ثلاثة يوروهات وبإرشادات «رجب» المرشد والدليل لى دخلت عالما لم أكن على استعداد له، حيث حذرنى أحد الأصدقاء قبل دخولى للمكان أن أترك العالم ورائى، إلا أننى أعتقد أنى فى بعض الأحيان من تلك الزيارة لم أفعل ذلك. المال والتاريخ والجغرافية ونفحة من الماضى يزينها القليل من الإحساس بالحنين، كل ذلك اجتمع تحت سقف من الألواح الخشبية الغنية المزينة بالزخارف العربية والإسلامية وبألوان حيوية بشكل غير متوقع، وهى ألوان متعددة وحالمة، الطابق الأرضى هو طابق ضخم ينقسم إلى قاعة الجمعية العامة والمكتبة التى أسست بمنح من مؤسسات غير حكومية فى عهد الخديو إسماعيل وتضم 2500 مجلد باللغة العربية، بالإضافة للغات أخرى كلها موضوعة على أرفف ملتصقة بالجدران والموجود بها أيضا خرائط دلتا النيل من العصور القديمة وبعض تلك الخرائط مهداة من سفراء دول مثل ألمانيا وهى خرائط عتيقة تظهر صورا لأوروبا الوسطى، فى المكتبة تجد فتاتين مصريتين تدرسان وتتشاوران حول الكتب والأطالس الموجودة، هناك صمت جميل، وسؤال وجهته لنفسى: ماذا أريد أن أفعل بالمجىء إلى هنا للعمل والتشاور؟ أدفع رسوما رمزية لأرى الجنة من وراء زجاج نوافذ ملونة وأرى شوارع القاهرة فى مكان لا تصلنا فيه أنفاس الموت. هنا سوف تجد بالإضافة إلى السلام النفسى أفضل ما ترك الاستعمار من كتب وخرائط ومعرفة وأهم ما فى الثقافة المصرية من براعة وتطور والتى تعانى الآن تهديدا من جانب بعض الهمج المتعصبين، هناك طاولة تستخدم لدراسة الخرائط، ومن الممكن أن أصف المكان بقداس فنى صمم من جانب الجمعية الجغرافية بحساسية شديدة فى منطقة واسعة، وهى على هيئة مستطيل، ويسارا ويمينا اثنتان من الاسطوانات الصغيرة المجهزة لوضع لفافات الخرائط وبالطريقة التى يرغب مستخدمو الخرائط فى استخدامها كل بحسب ذوقه. هناك العديد من الأشياء القديمة والقيمة فى المكان من مصر العليا والسفلى، لكن هناك جوهرة واحدة فى المكان والموجودة فى غرفة قد لا يستطيع الزائر التنفس أمامها بكل فخر وهى واحدة من الأسباب الرئيسية لوجود أحد أهم الأشياء فى هذا البلد، إنها قناة السويس وسيناريوهاتها ومشاهدها بأبعاد مختلفة بمؤثرات وضعت فى تحفة هندسية، إنه الحنين إلى الماضى تستدعى فيه ذاكرتك مشاهد فلاش باك لأوقات وأماكن لا تعرف أى منها شيئا سوى أنك قرأت عنها، ولمدة عشر دقائق تعيش فى مشهد تشعر فيه أنك على إحدى البواخر تتحرك فى القناة وتظل تعيش بانطباع الواقع الحقيقى أنك تدخل البحر الأحمر ومنه إلى آسيا على اليسار وأفريقيا على يمينك. صدقونى لاتزال هناك أشياء فى الحياة تكلفك مالا قليلا وتعطيك الكثير من الشعور بالارتياح وزيارة الجمعية الجغرافية فى مصر هى واحدة من تلك الأشياء. نقلا عن آل باييس الإسبانية ترجمة: هاشم عبدالحميد