تكثيف جهود النظافة والتجهيز لاستقبال عيد شم النسيم وأعياد الربيع في المنيا    فيديو.. شعبة بيض المائدة: لا ارتفاع في الأسعار بسبب شم النسيم    ورش عمل مكثفة لمديريات الإسكان حول تطبيق قانون التصالح في بعض مخالفات البناء    إصابات بين المدنيين في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    حمدي فتحي: استحقينا التتويج بكأس قطر.. ولا أرى صعوبة في المنافسة على الدوري    حسام عاشور: رفضت الانضمام للزمالك.. ورمضان صبحي "نفسه يرجع" الأهلي    البحيرة: ضبط 240 كيلو دهون غير صالحة للاستهلاك و4 مخابز لتصرفهم في 95 شيكارة دقيق بلدي    البحر الأحمر تستعد لأعياد شم النسيم بتجهيز الشواطئ العامة وارتفاع نسبة الإشغال في الفنادق إلى 90%    العثور على جثة عامل ملقاة في مصرف مياه بالقناطر الخيرية.. أمن القليوبية يكشف التفاصيل    إيرادات فيلم السرب تتخطى 9 ملايين جنيه.. وشقو يقترب من 63 مليون    أخبار الأهلي: شوبير يكشف عن تحديد أول الراحلين عن الأهلي في الصيف    استعدادا لشم النسيم ..رفع درجة الاستعداد بالمستشفيات الجامعية    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    وزير المالية: 3.5 مليار جنيه لدعم الكهرباء وشركات المياه و657 مليون ل«المزارعين»    أوكرانيا تسقط 23 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    يصل إلى 50 شهاباً في السماء.. «الجمعية الفلكية» تعلن موعد ذروة «إيتا الدلويات 2024» (تفاصيل)    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الأحد في الأسواق (موقع رسمي)    الإسكان: 98 قرارًا لاعتماد التصميم العمراني والتخطيط ل 4232 فدانًا بالمدن الجديدة    «الري»: انطلاق المرحلة الثانية من برنامج تعزيز التكيف مع التغيرات المناخية في الساحل الشمالي والدلتا    مختار مختار يطالب بإراحة نجوم الأهلي قبل مواجهة الترجي    كرة طائرة - مريم متولي: غير صحيح طلبي العودة ل الأهلي بل إدارتهم من تواصلت معنا    «شوبير» يكشف حقيقة رفض الشناوي المشاركة مع الأهلي    استقرار ملحوظ في سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه المصري اليوم    اتحاد القبائل العربية: نقف صفًا واحدًا خلف القيادة السياسية والقوات المسلحة «مدينة السيسي» هدية جديدة من الرئيس لأرض الفيروز    العمل: توفير 14 ألف وظيفة لذوي الهمم.. و3400 فرصة جديدة ب55 شركة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    التصريح بدفن شخص لقي مصرعه متأثرا بإصابته في حادث بالشرقية    وفاة كهربائي صعقه التيار بسوهاج    تبدأ من 5 جنيهات.. أرخص 10 أماكن «فسح وخروج» في شم النسيم 2024    ضبط سيارة محملة ب8 أطنان دقيق مدعم مهربة للبيع بالسوق السوداء بالغربية    مسؤول أممي: تهديد قضاة «الجنائية الدولية» انتهاك صارخ لاستقلالية المحكمة    نجل الطبلاوي: والدي كان يوصينا بحفظ القرآن واتباع سنة النبي محمد (فيديو)    يعود لعصر الفراعنة.. خبير آثار: «شم النسيم» أقدم عيد شعبي في مصر    سرب الوطنية والكرامة    الكاتبة فاطمة المعدول تتعرض لأزمة صحية وتعلن خضوعها لعملية جراحية    حكيم ومحمد عدوية اليوم في حفل ليالي مصر أحتفالا بأعياد الربيع    رئيس «الرعاية الصحية» يبحث تعزيز التعاون مع ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة    صحة الإسماعيلية تنظم مسابقات وتقدم الهدايا للأطفال خلال الاحتفال بعيد القيامة (صور)    أخبار الأهلي: تحرك جديد من اتحاد الكرة في أزمة الشيبي والشحات    وزير شئون المجالس النيابية يحضر قداس عيد القيامة المجيد ..صور    إنقاذ العالقين فوق أسطح المباني في البرازيل بسبب الفيضانات|فيديو    كريم فهمي: مكنتش متخيل أن أمي ممكن تتزوج مرة تانية    مخاوف في أمريكا.. ظهور أعراض وباء مميت على مزارع بولاية تكساس    مصر للبيع.. بلومبرج تحقق في تقريرها عن الاقتصاد المصري    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. الأحد 5 مايو    حزب العدل يشارك في قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    الآلاف من الأقباط يؤدون قداس عيد الميلاد بالدقهلية    دار الإفتاء تنهي عن كثرة الحلف أثناء البيع والشراء    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    صناعة الدواء: النواقص بالسوق المحلي 7% فقط    أبو العينين وحسام موافي| فيديو الحقيقة الكاملة.. علاقة محبة وامتنان وتقدير.. وكيل النواب يسهب في مدح طبيب "جبر الخواطر".. والعالم يرد الحسنى بالحسنى    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذين باعوا الدين واشتروا الدين اميت

ربما لم يحملوا السلاح بأنفسهم .. بل هذا هو الأرجح للمتتبع لآرائهم وأحوالهم .. لكنهم رسموا «خريطة الدم» منذ وقت مبكر، لم يخطئوا إليها سبيلا.. كانت أفكارهم هي «البذرة» التي تحولت إلي «نبت شيطاني» ضخم لا يعرف الرحمة مع المختلفين أو المخالفين.. لا يري إلا طريقا واحدا وما عداه باطل .. إما أن تدخل «جنتهم»، أو تبقي في «حدائق الشيطان»!
وهي الحالة التي فرضت نفسها علي العديد من الأعمال الدرامية المختلفة، في مواجهة ساخنة مع «المد المتطرف».. حدث هذا في مسلسل «الجماعة» .. ولمسناه في «الحارة».. وانعكست تداعياته في «قصة حب».
فما كتبه «حسن البنا» لا يختلف في جوهره عما نادي به سيد قطب .. وما أفتي به عمر عبدالرحمن لا يبتعد كثيرا عما تمناه الاثنان .. وما روج له «المودودي» كان أن حولته قيادات الجيل الثاني من جماعة الإخوان إلي منهج رأوا أنه يقربهم إلي الله زلفي! ويبقي أن الجميع كانوا، بصورة أو أخري، محطات مختلفة الأشكال، لكنها - في النهاية - سارت في نفس الطريق .. كانت امتدادات متنوعة علي نفس الخط المستقيم !
مؤمن: (ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا)، متردد: (نتركه لتردده ونوصيه أن يتصل بنا عن كثب)، نفعي: (الله غني عمن لا يري لله الحق الأول في نفسه)، متحامل :(وهذا سنظل نحبه ونرجو فيئه إلينا وإقناعه بدعوتنا). (1)
كانت هذه هي الصورة التي رسمها حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان لأتباعه، حول الناس ومواقفهم المختلفة إزاء الجماعة .. إما مؤمن أو متردد أو نفعي أو متحامل.. وعليك أن تختار من بينها ما تشاء!
لم يضع «البنا» مساحة لمخالفيه تمكنهم من تفنيد آرائه أو مراجعتها.. فدعوته الحق التي يجب اتباعه !.. وفي أقصي تقدير للخلاف عنده فأنت «متحامل» يرجي اقتناعه! .. أما وإن كنت من المبادرين المنضمين إلي صفوف الجماعة فأنت من «المؤمنين» المبشرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.. وفي النعيم يرفلون!
هكذا أراد البنا.. تأميم الدنيا والآخرة، لكنه لم يقل لنا في حينه «ماذا سيفعل إذا بقي «المتحامل علي الدعوة» علي تحامله، ولم ينل من الهداية والإقناع مبتغاه؟».. لكن الإجابة عن هذا التساؤل لم يفصلها زمن طويل، عما نادي به البنا، لتظهر أمام العيان . كتب البنا في العدد الأول من مجلة النذير، وهي مطبوعة أسبوعية أصدرتها الجماعة في الفترة ما بين 30 مايو 1938،و16 أكتوبر من نفس العام، تحت عنوان «خطوتنا الثانية .. أيها الإخوان تجهزوا»:
«إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن .. وقال إنه سوف يتوجه بدعوته إلي كل المسئولين، فإن أجابوا آزرهم، وإن لجأوا إلي المواربة والمراوغات «فنحن حرب علي كل زعيم أو رئيس حزب أو هيئة لا تقوم علي نصرة الإسلام، ولا تسير في الطريق إلي استعادة حكم الإسلام ومجد الإسلام» (2)
وبحسب د. رفعت السعيد فإن البنا دعا إلي «الجهاد» وجعله الفيصل الذي يميز بين جماعته وبين الجماعات الإسلامية الأخري.. وهكذا بدأ البنا رحلة «شيخ مسلح» نحو العمل السياسي.
وهو قول دأب الإخوان أنفسهم علي وصفه ب «المتحامل».. لكن له شواهد من الواقع تؤيده بقوة وتدعم وجوده.. ففي ظل أوضاع سياسية مرتبكة جمعت بين القصر والإنجليز في العام 1940 كانت نتيجتها أن أجبر الإنجليز الملك فاروق علي حل حكومة علي ماهر وتشكيل وزارة جديدة .. أسس البنا «النظام الخاص» كتنظيم سري مسلح لا يخضع لباقي هيئات الإخوان العلنية نهايات نفس العام بحسب أكثر الأقوال ترجيحا.
ووضع علي رأس التنظيم الجديد صالح عشماوي، إذ كان أبرز شباب الجماعة آنذاك.. إلا أن البنا في مرحلة لاحقة أراد أن يفرض علي الجناح العسكري لجماعته قدرا أكبر من السرية، فأبعد عشماوي عن قيادته وأتي بفتي لم يكن معروفا بالقدر الكبير بين أفراد الجماعة، هو عبدالرحمن السندي.
وفي يناير 1948 عثرت قوات الأمن علي 165 قنبلة وصندوقا للأسلحة بمنطقة المقطم، بعد معركة ساخنة جمعت بين قوات البوليس وشباب الإخوان الذين ادعوا أن الأسلحة كانت في طريقها إلي فلسطين!
وبعد هذه الواقعة بشهر واحد فقط اغتالت الجماعة القاضي أحمد الخازندار، إذ كان قد أصدر حكما بالسجن علي شابين من الإخوان كانا قد اتهما بإلقاء قنابل علي نادي الضباط الإنجليز بالقاهرة ليلة عيد الميلاد.
وفي شهر نوفمبر، وبعد سلسلة من التفجيرات التي شهدتها العاصمة بين المحلات الكبري المملوكة لليهود مثل: شيكوريل وأريكو وبنزيون.. اشتبهت دورية شرطة في سيارة «جيب» كانت تقف أمام أحد المنازل بحي الوايلي، إذ لم تكن تحمل أرقاما .. ووجد بها كمية كبيرة من المتفجرات والأوراق، تخص النظام الخاص بالجماعة.
الأمر الذي دفع حكومة «النقراشي» لإصدار الأمر العسكري رقم 63 لسنة 1948 بحل جمعية «الإخوان» وجميع شعبها .. وبعد 20 يوما فقط علي قرار الحل، كان أن أطلق عبدالحميد أحمد حسن، عضو النظام الخاص النار علي رئيس الوزراء وأرداه قتيلا أمام وزارة الداخلية.. وهو ما انتهي باغتيال البنا نفسه كرد فعل مباشر علي نهج جماعته الدموي.
--
بصفة عامة، لا يدرك الكثيرون أن فكرة «جاهلية المجتمع» التي نادي بها فيما بعد سيد قطب كانت هي الهدف «الأثير» الذي دارت حوله أغلب توجيهات البنا لأفراد الصف الإخواني .. إلا أن الفارق بين الاثنين هو أن البنا قال بهذا الأمر تلميحا، بينما قال «قطب» به تصريحا بعد أن التقت أفكاره وأفكار رجل الدين الباكستاني «أبي الأعلي المودودي» في الهدف ! ففي رسالة (إلي الشباب) يقول البنا: إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل، واضح الخطوات، فنحن نعلم تمامًا ماذا نريد، ونعرف الوسيلة إلي تحقيق هذه الإرادة.
1- نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خُلُقِه وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، فهذا هو تكويننا الفردي.
2- ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره، وعقيدته، وفي خُلُقه، وعاطفته، وفي عمله وتصرفه، ونحن لهذا نعني بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونعني بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسري.
3- ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضًا، ونحن لهذا نعمل علي أن تصل دعوتنا إلي كل بيت، وأن يُسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القري والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهدًا، ولا نترك وسيلة. 4- ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هذا الشعب إلي المسجد، وتحمل به الناس علي هدي الإسلام من بعد.
5- ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كلَّ جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية، وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية، فمصر وسوريا والعراق والحجاز واليمن وطرابلس وتونس والجزائر ومراكش وكل شبر أرض فيه مسلم يقول: لا إله إلا الله، كلُّ ذلك وطننا الكبير الذي نسعي لتحريره.
6- ونريد بعد ذلك أن تعود راية الله خفاقة عالية علي تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حينًا من الدهر، ودوَّي فيها صوت المؤذن بالتكبير والتهليل، ثم أراد لها نكد الطالع أن ينحسر عنها ضياؤه فتعود إلي الكفر بعد الإسلام، فإن من حقنا أن نعيد مجد الإمبراطورية الإسلامية التي قامت علي العدالة والإنصاف ونشر النور والهداية بين الناس.
7- نريد بعد ذلك ومعه أن نعلن دعوتنا علي العالم، وأن نبلغ الناس جميعًا، وأن نَعُمَّ بها آفاق الأرض، وأن نُخْضِع لها كل جبار؛ «حَتَّي لا تَكُونَ ففِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ» (الأنفال: الآية 39).
وبقراءة بسيطة للمساعي التي كتبها البنا بنفسه كأهداف لجماعته، فإن الملاحظ هو إسقاطه صفة «الإسلامية» عن النماذج التي طرحها جملة وتفصيلا.. فلا يعني أنه يريد الفرد المسلم، سوي أنه ليس موجودا من حيث الأصل .. ولا يفهم من أنه يريد البيت المسلم، إلا أنه لم يعد هناك من يشيّد كيانه الأسري علي نهج «قويم».. وكذلك الأمر بالنسبة للشعب والحكومة اللذين هجرا - بحسب تصوره - التعاليم الإسلامية إلي حيث لا رجعة !
وفي السياق نفسه يمكننا أن نفهم ما صرح به ذات يوم أحد قيادات الإخوان «صلاح شادي»: بأن حسن البنا كان البذرة الصالحة للفكر الإسلامي، وكان سيد قطب الثمرة الناضجة لهذا الفكر .(3)
يقول قطب في مقدمة كتابه المثير للجدل «معالم في الطريق» (4): الإسلام لا يملك أن يؤدي دوره إلا أن يتمثل في مجتمع، أي يتمثل في أمة .. فالبشرية لا تستمع - وبخاصة في هذا الزمان - إلي عقيدة مجردة، لا تري مصداقها الواقعي إلا في حياة مشهودة .. و«وجود» - هكذا كتبها قطب بين علامات تنصيص - الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة.
فالأمة المسلمة ليست «أرضا» كان يعيش فيها الإسلام . وليست «قوما» كان أجدادهم في عصر من العصور يعيشون بالنظام الإسلامي .. إنما «الأمة المسلمة» جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي.
وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ أن انقطع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا.
ولابد من إعادة هذه «الأمة» لكي يؤدي الإسلام دوره المرتقب في قيادة البشرية مرة أخري. لابد من «بعث» لتلك الأمة التي واراها ركام الأجيال وركام التصورات، وركام الأوضاع، وركام الأنظمة التي لا صلة لها بالإسلام، ولا بالمنهج الإسلامي .. وإن كانت لاتزال تزعم أنها قائمة فيما يسمي «العالم الإسلامي»!
وبين المقدمات والنهايات، كانت فكرة «الحاكمية» هي الأظهر بين صفحات الكتاب، حيث لا حكم إلا لله .. ولا يوجد إلا حزب واحد لله لا يتعدد، وأحزاب أخري كلها للشيطان والطاغوت. يقول قطب في الفصل الذي يحمل عنوان «جنسية المسلم وعقيدته»: إن هناك طريقا واحدا يصل إلي الله وكل طريق آخر لا يؤدي إليه .. وأن هناك نظاما واحدا هو النظام الإسلامي، وما عداه من النظم فهو «جاهلية» .. وأن هناك شريعة واحدة هي شريعة الله، وما عداها فهو هوي .. وأن هناك حقا واحدا لا يتعدد، وما عداه فهو ضلال.
وأن هناك دارا واحدة هي دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتقام فيها حدوده، ويتولي المسلمون فيها بعضهم بعضا، وما عداها فهو «دار حرب»، علاقة المسلم بها إما القتال، وإما المهادنة علي عهد أمان، ولكنها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين.
وبين تكفير المجتمع ووصمه ب «الجاهلية» .. وبين نفي الآخر نفيا تاما، إذ لا يمكن التعامل معه إلا من باب «المحاربة» .. كانت أفكار قطب هي الأساس الذي اعتمدت عليه «التنظيمات المسلحة» التي شهدتها الساحة المصرية في فترتي السبعينيات والثمانينيات، وما تبعها من جماعات وخلايا وصفت ب«الجهادية» في فترات لاحقة علي هذا الزمن.
وهي الأفكار التي بلورها قطب بشكل عام، استنادا إلي رافدين أساسيين، هما: كتابات حسن البنا وأطروحات أبي الأعلي المودودي .. عندما كان في السجن.
يقول مرشد الجماعة الأسبق «مصطفي مشهور» في حواره مع د. كاريمان المغربي أثناء إعداد رسالتها للماجستير في التاريخ تحت عنوان «الإخوان المسلمون من حسن البنا إلي سيد قطب»: «بدأت ألفاظ الجاهلية والحاكمية تظهر في كتابات سيد قطب عندما كان يعيد تفسيره «في ظلال القرآن» للطبعة الثانية أثناء وجوده في السجن حيث تأثر بكتابات «أبو الأعلي المودودي»، وتفاعل مع المحنة فأضاف هذه الألفاظ إلي الظلال».(5)
لكن ما لم يقله مشهور في حواره، هو أن هذه الفترة مثلما أنتجت مصطلح «جاهلية المجتمع»، و«الحاكمية»، وأعطت ذريعة «العنف» لتنظيمات السبعينيات وما تلاها .. كان لها انعكاس مباشر علي طريقة تفكير قيادات الجماعة وتنظيمها الدولي بشكل مباشر.. إذ أفرزت إعادة تفسير «الظلال» ظهور ما سمي ب«المنهج الحركي» للجماعة، والذي رسخ لفكرة أن «الجماعة» هي «المناظر المعاصر» لدعوة الرسول (ص) قبل 14 قرنا .. وعليها حتي تصل إلي مرحلة «التمكين» أن تتبع نفس المنهج النبوي الذي صاحب ظهور الرسالة!
كان لرؤية أبي الأعلي المودودي، الباكستاني الأصل، تأثيرها الفعال في بلورة فكرة الجهاد التي اعتمدت عليها العديد من الحركات الإسلامية في أغلب بلدان العالم الإسلامي .. وقد أتي تأثير المودودي في طرحه رؤية ذات أربعة مستويات مثلت النموذج الذي احتذاه الكثيرون. وتنحصر مستويات الرؤية للمودودي في الآتي: إن حاكمية الله ضد حاكمية البشر .. وأن ألوهية الله في مواجهة ألوهية البشر .. ثم ربانية الله في مقابل العبودية لغيره من البشر .. وأخيرا وحدانية الله في مقابل الاعتماد علي أي مصدر آخر في تسيير أمور الحياة.
ولقد مثلت فكرة «الحاكمية لله» ببساطتها وحدتها، أداة فاعلة في ضرب «ما دون الله» خلال فترات مختلفة .. إذ كانت بمثابة «المسلّمة الفكرية والحركية» بالنسبة للتنظيمات «الجهادية» .. فقد كانت الحاكمية تعني تكفير الحاكم والمؤسسات المحيطة به وشرعية الانقلاب عليه .. لأنه يستند إلي «حاكمية البشر» التي تسمح أحيانا بالديموقراطية، وأحيانا أخري بالاشتراكية أو العلمانية (6) .. إذ قدم المودودي في كتابه «المصطلحات الأربعة» تفسيرا صارما لمفاهيم «الإله - الرب - العبادة - والدين»، رابطا بين الإيمان بالإله الواحد والحاكمية المطلقة للشريعة في الاجتماع الإسلامي، إذ بغير ذلك ينحدر المجتمع الإسلامي إلي حالة من الجاهلية.
ولد المودودي (7) الذي قاد الجماعة الإسلامية في باكستان، أو «جماعة إسلامي» كما تنطق بالأردية، في أورانج آباد بجنوب الهند في العام 1903 لأسرة تنحدر من سلالة شيوخ الطريقة الصوفية «الششتية» .. أكثر الطرق الصوفية نفوذا وانتشارا في شبه القارة الهندية.
وبينما حرص أبوه علي تنشئته نشأة إسلامية بعيدة عن التأثير الغربي الناتج عن الاحتلال الإنجليزي للبلاد، درس المودودي العلوم الإسلامية الأولية، وأجاد العربية .. وكان لايزال شابا صغيرا عندما ترجم إلي الأردية كتاب قاسم أمين «المرأة الجديدة».. إلا أنه ترك الدراسة وهو في السادسة عشرة من عمره نظرا لمرض والده ووفاته.
ودفعه اهتمامه بالسياسة إلي العمل بالصحافة .. وكان مؤيدا لحزب «المؤتمر» ودعوة المهاتما «غاندي»، إذ كانت عواطفه في هذه الفترة تتمحور حول فكرة «القومية الهندية» واستقلال الهند بكل فئات شعبها الإثنية والدينية.
إلا أنه سرعان ما انخرط بعد ذلك في صفوف حركة الخلافة التي قادها مولانا محمد علي الذي توفي في لندن ,.1931 ومنذ «1921-1924» ارتبط المودودي بجمعية «علماء هند»، الرابطة الأم للعلماء المسلمين في شبه القارة الهندية.. وأصبح رئيسا لتحرير صحيفتها «مسلم».
--
كان عام 1925 عقب اندلاع اشتباكات طائفية بين المسلمين والهندوس، نقطة تحول فارقة بالنسبة للمودودي، إذ شنت الصحف الهندية «القومية» والهندوسية، هجوما حادا علي الإسلام، عقب اغتيال أحد الزعماء الهندوس، وكان يوصف بالتطرف.. وهو ما دفع المودودي لتأليف كتابه «الجهاد في الإسلام» الذي أسس لموقعه الفكري بين المسلمين في الهند .
وغادر المودودي «دلهي» للإقامة في «حيدر آباد»، آخر الإمارات الإسلامية في الهند البريطانية .. وهناك كرس وقتا أطول للدراسة الدينية.. وقد أطلق لحيته وارتدي الزي التقليدي للمسلمين الهنود.
وعندما سأل نفسه: لماذا ضعف حكم المسلمين في الهند؟.. كانت إجابته هي: أن المسلمين تأثروا بالتقاليد المحلية التي أدت إلي إضعاف الروح والقيم الإسلامية.. وبالتالي بدأ طريقه لتأسيس فكر مقاطع للثقافة الهندوسية .. كانت نتيجته «جماعة إسلامي» التي أصبح أميرا لها .
إلا أنه بعد أن حصلت شبه القارة الهندية علي استقلالها،.1947 وانقسمت إلي دولتين: الهند وباكستان .. انقسمت جماعة إسلامي هي الأخري .. فاختار المودودي باكستان .. لكن سرعان ما دبت الخلافات بينه وبين محمد علي جناح، أول رئيس لباكستان، إذ كان الأخير يري أن باكستان وطن للمسلمين لا للإسلام، تحكمه دولة قومية لا دولة إسلامية.. بينما يري الأول - الذي انضم إلي تحرك العلماء المطالب بصياغة دستور إسلامي لباكستان - العكس من ذلك تماما.
ورغم دخول باكستان في سلسلة من الاضطرابات الداخلية واستيلاء الجيش علي الحكم بقيادة الجنرال أيوب خان، وتجميد الانقلابيين العمل بالدستور، الذي كانت جماعة إسلامي تعتبره انتصارا، إذ اعترف بإسلامية باكستان .. إلا أن الجماعة عجزت عن أن تقدم إنجازات سياسية ملموسة علي الساحة الداخلية !
ومع ذلك كانت أفكار المودودي وكتاباته قد أصبحت محل اهتمام واسع بين دول العالم الإسلامي، وأصبح شخصية بالغة التأثير داخل باكستان وخارجها.
لكن المتتبع لسياق خطاب أبي الأعلي - الذي كان في المقام الأول ابنا لبيئته السياسية والعرقية - يجده قد أخذ في التخفف شيئا فشيئا، من حدته وشموليته، إذ توارت مقولات الانقلاب الإسلامي الشامل، وحل محلها الالتزام بالنهج الديموقراطي .. ورفض استخدام وسائل العنف والانقلابات العسكرية.
واعترض علي ثورة الخميني التي أسست للجمهورية الإسلامية في إيران، معتبرا إياها طريقا للفوضي، فضلا عن أن الشريعة لا تفرض فرضا، بل يجب أن تكون تعبيرا عن إرادة الأمة.
لكن أفكار «المودودي»، الذي توفي في سبتمبر 1979،التي صاغها في المرحلة «الوسيطة» من حياته، هي التي انتشرت بين ربوع العالم الإسلامي أكثر من غيرها .. وباتت آراؤه عن الحاكمية والجاهلية، هي الغالبة في الذيوع علي تصوراته الأكثر رحابة، التي زخرت بها كتاباته في مجلة «ترجمان قرآن»، وذلك بعد أن قرر - طواعية - الابتعاد عن الجماعة التي أسسها، عام ,1972 ليخلفه في إمارتها «طفيل أحمد» أحد مؤسسي الجماعة الأوائل!
في كتابه «المنهج الحركي للسيرة النبوية»، الذي يعد بمثابة «الدستور» للعديد من الحركات المتدثرة بالإسلام.. يقول منير الغضبان: إن أقدر الناس علي تنفيذ عمليات الاغتيال، أبعدهم عن الشك فيه، ومن يمت بصلة قرابة أو صداقة من هذا المجرم - يقصد مخالفي الدعوة وفقا لإسقاطات منهجه المعتمدة لدي جماعة «الإخوان» - وهذا السبب نفسه هو الذي مكن محيصة بن مسعود رضي الله عنه من قتل ابن سنينة - بعد أن أعاب الأخير في حق رسول الله - لأن ابن سنينة حليف أخيه حويصة، فهو يتردد دائما عليه! . وإنها لمسئولية ضخمة لأولئك الإخوة المنبثين في صفوف العدو حيث يأمن العدو جانبهم للقرابة أو موقع الوظيفة، وهم أقدر من غيرهم آلاف المرات علي الثأر من أولئك الطغاة.
(8)ورغم أن النتيجة التي أراد «الغضبان» إيصالها لأفراد صف الجماعة، كانت بادية، بشكل لا لبث فيه لمن يطالعها للوهلة الأولي، إذ عنون مبحثه ب«عمليات الاغتيال وأثرها في بث الرعب في صفوف العدو»، إلا أن القيادي السوري، الذي ولد في العام 1942،وشغل - في وقت سابق - موقع المراقب العام لإخوان سوريا، أبي إلا أن يدعم أفراد جماعته بمزيد من الجرعات ال«لا أخلاقية» إذا ما تمت قراءتها بعيدا عن سياقها، مؤكدا أن عمليات الاغتيال التي شهدتها «السيرة» اعتمدت أسلوبا جديدا هو «الخديعة والاحتيال»، إذ إنها - بحسب تعبيره- هي الصورة التي تقتضي الكذب واختلاق الحوادث لتحقيق الهدف، لأن العملية من العسير جدا أن تتم بعيدا عن هذه الصورة!
والمنهج الحركي للغضبان، يعد بصورة أو أخري، امتدادا للأفكار «القطبية» التي تمت صياغتها أثناء ما يسمي ب«المحنة»، وقتما كان سيد قطب بالسجن - هناك تشكيكات متعددة في أن فترة السجن كانت تمثل محنة حقيقية لقطب، اذ كان أقل الإخوان تعرضا للاعتداء!- وهي الفترة التي شهدت صدور كتاب «معالم في الطريق» والطبعة «المعدلة» من كتاب «في ظلال القرآن».
يعتمد المنهج في تكوينه علي تقسيم مراحل السيرة النبوية إلي خمس مراحل رئيسية، يجب أن تتبعها الجماعة الدعوية «في العصر الحديث»، هي: سرية الدعوة وسرية التنظيم، وجهرية الدعوة وسرية التنظيم، ومرحلة قيام الدولة، وتثبيت دعائم الدولة، ثم مرحلة «التمكين». وفي المرحلة الأولي تكون الدعوة عن طريق «الاصطفاء» أو الاختيار، إذ يكون محورها هو الداعية نفسه ومركزه الاجتماعي .. وبعد تكوين النواة الدعوية القادرة علي تحمل أعباء المواجهة، تبدأ المرحلة «الثانية»، إذ تنتهي «سرية الدعوة»، إلا من يعمل في هذا الحقل بأوامر من قيادات التنظيم.. فيظل علي سريته إلي أن يتلقي أوامر أخري.
وفي هذه المرحلة يتم حمل «الدعوة» إلي المقربين، والإعراض عمن تراه الجماعة من المشركين .. لكن تبقي «سرية التنظيم» جزءا أصيلا من هذه المرحلة .. إذ كان المسلمون علي عهد رسول الله يجتمعون إبان هذه المرحلة في «دار الأرقم» سرا .. علي أن تكون هذه اللقاءات منتظمة ومتصلة.
وتكون حماية أفراد الصف هنا عن طريق «الهجرة»، إلي جانب التكاتف بين الإخوة، والبحث عن مكان آمن للدعوة وقاعدة جديدة للانطلاق.. وتجيز الجماعة هنا لعناصرها الاستفادة من قوانين «المجتمع المشرك»، مع إعمالها سياسة الاغتيالات بين صفوف أعدائها.
وهناك محاولة شهدتها حركة مجتمع السلم الجزائرية - العام الماضي- لترسيخ هذا المنهج عبر ما اسموه «أكاديمية جيل الترجيح» ، كان الغضبان أحد شهودها.
--
ربما كانت أحدث هذه «المنسوجات التربوية»، والتي جرت علي نفس الوتيرة، ما ألفه د.عبدالحي الفرماوي عضو مجلس شوري الإخوان والأستاذ بجامعة الأزهر، تحت عنوان «دروس حركية في الهجرة النبوية» .. وذلك في أعقاب المحاكمة العسكرية التي شملت قيادات بالجماعة «المحظورة» منهم خيرت الشاطر نائب مرشد الجماعة - آنذاك - بتهمة «غسل الأموال».
وفي هذا المؤلف «صغير الحجم» الذي طبعته دار البشير بطنطا، التابعة للجماعة.. روج الفرماوي إلي ضرورة تكثيف عناصر التخابر بين صفوف «أعداء الدعوة» - الدولة من وجهة نظر المنهج الحركي- والتشديد علي ضرورة السمع والطاعة من أفراد الصف للقيادة.. حتي وإن تطلب الأمر أن يدفعوا أرواحهم فداء هذا الأمر .. إذ إن الإمام علي - كرم الله وجهه - افتدي الرسول (ص) بحياته عندما نام في فراشه يوم الهجرة.. رغم أنه كان يعلم أن المشركين يتربصون ببابه! ويعد كتاب «المتساقطون علي طريق الدعوة» الذي ألفه «فتحي يكن»، أول أمير للجماعة الإسلامية بلبنان، امتدادا أصيلا لنفس المنهج .. وبحسب رؤية قريبة من الإخوان .. فإن مؤلفات «يكن»، خاصة كتابه «ماذا يعني انتمائي للإسلام» كان لها أثر سلبي علي الحركة مازالت تحتاج إلي عقود أخري حتي تتعافي منه.
«فقد كان هذا الكتاب تحديدا من أسوأ ما أنتجته أدبيات الحركة الإسلامية في نزعتها للتوحد مع الإسلام، وعدم التمييز بين الإسلام كدين وبين رؤيتها الخاصة واجتهادها البشري في فهمه.. ومن ثم كان مسئولا عن موقف التشدد لحد التكفير غير الصريح لكل من يختلف معها» (9).. إذ لم يكن هناك فارق فيما كتبه «يكن» تحت عنوان «ماذا يعني انتمائي للإسلام»، و«ماذا يعني انتمائي للإخوان»!
أمام النيابة العسكرية، أثناء التحقيق في قضية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات قال عبود الزمر «إن الدكتور عمر عبدالرحمن (ضرير).. وإقامته في الفيوم (رئيس قسم التفسير بجامعة أسيوط) قد نصبوه أميرا عاما في مصر كلها .. وهو الذي أفتي بأن مال النصاري حرام بصفة عامة، ولكنه حلال بالنسبة لمن يثبت أنه محارب للإسلام أو مظهر العداء له، أو معاون للكنيسة، وكل تجار الذهب من النصاري يعاونون الكنيسة.
وقد استفتوا الدكتور عمر عبدالرحمن في شرعية قتال الحاكم وقتال الأمن المركزي والشرطة وغنم أسلحتهم .. كما أفتي بحل دم الرئيس أنور السادات».(10)
وكانت فتوي عبد الرحمن، كما أكد علي «مضمونها» كل من ناجح إبراهيم، وفؤاد محمود حنفي، وعلي محمد الشريف، هي أن الرئيس «كافر»، وأن نظام الحكم القائم «جاهلي» - لاحظ هنا أن المصطلحات التي أصّل لها سيد قطب - مخالفة للشريعة .. وأنه أجحد أصلا من أصول الدين بمحاولته التفرقة بين الدين والسياسة.
لكن كيف كانت طبيعة التشابكات الفكرية في هذه المرحلة الحرجة؟
بوجه عام يمكن رصد عدد من الحقائق بشأن التنظيمات القائلة بالمواجهة المسلحة مع النظام (11):
في عام 1958 خرج شاب من صفوف جماعة «الإخوان» يدعي نبيل برعي من داخل السجن .. وتأثر بآراء «ابن تيمية» كمنهاج للحركة.. وطالب بالعنف المسلح .. وانضم إليه فيما بعد كل من: إسماعيل الطنطاوي، محمد عبدالعزيز الشرقاوي، أيمن الظواهري، حسن الهلاوي، علوي مصطفي .. وأصبح إسماعيل الطنطاوي قائدا للمجموعة.
وفي عام 1973 انشق علوي مصطفي ومعه بعض كوادر المجموعة .. وكونوا «تنظيم الجهاد» لمحاربة اليهود علي حدود القناة .. وانضم إليه الملازم عصام القمري، الذي أصبح فيما بعد أخطر عناصر الجهاد الإسلامي التي خططت لاغتيال «السادات» عام .1981 ولقي مصرعه عام 1988 أثناء محاولة هروبه من السجن واثنين من زملائه.
وفي العام نفسه كون صالح سرية تنظيمه المعروف إعلاميا ب «الفنية العسكرية» وانضم إليه «حسن الهلاوي» .. وفي عام 1977 ظهر تنظيم «التكفير والهجرة» الذي أسسه شكري مصطفي .. وفي 1979 تكونت جماعة «الجهاد الإسلامي» - قبل أن تنقسم لاحقا - من ثلاث مجموعات: الأولي بقيادة محمد عبدالسلام فرج، صاحب «الفريضة الغائبة» وعبود الزمر .. والثانية بالوجه القبلي بقيادة ناجح إبراهيم وكرم زهدي وفؤاد الدواليبي.. والثالثة بقيادة سالم الرحال «أردني الجنسية» .. وخلفه في قيادة المجموعة بعد ترحيله من مصر د. كمال السعيد حبيب .. وكانت كتابات قطب والمودودي هي الرافد الفكري لمعتقدات أصحاب التوجهات الجهادية، عبر هذه المراحل المختلفة.
---
كيف - إذاً- حدث التقارب بين الجماعة والشيخ عمر (1938م)، الذي أصبح أميرا للجماعة الإسلامية فيما بعد؟
كان الشيخ منذ مرحلة مبكرة يبدو أكثر تأثرا بأفكار الخروج علي الحاكم .. وهي الأفكار التي راجت في أعقاب ما تسميه «الأدبيات الإخوانية» بمحنة الستينيات التي أعدم فيها سيد قطب .. وبدا الشيخ ناقما علي النظام الناصري في هذه الأثناء.. حتي إنه يتردد أنه أفتي بعد وفاة الرئيس جمال عبدالناصر بعدم جواز الصلاة عليه!
ونظرا لمواقفه «الحادة» أوقف الشيخ عن العمل بكلية أصول الدين التي عين معيدا بها عام .1969 وفي أواخر تلك السنة رفعت عنه عقوبة الاستيداع، لكن تم نقله من الجامعة إلي إدارة الأزهر بدون عمل تقريبا.
وبعد وفاة الرئيس عبد الناصر في سبتمبر عام .1970 تم إلقاء القبض عليه في أكتوبر من نفس العام .. وفي هذه الأثناء حصل علي درجة الدكتوراة.. وكان موضوعها: «موقف القرآن من خصومه كما تصوره سورة التوبة».. إلا أنه لم يعد لكليته مرة أخري ..إنما عاد في صيف 1973 إلي كلية البنات وأصول الدين، بأسيوط، ومكث بالكلية أربع سنوات حتي 1977،ثم أعير إلي كلية البنات بالرياض حتي سنة 1980،ثم عاد إلي مصر .. وهنا كانت مرحلة التقارب الفكري مع الشيخ «الناقم علي الدولة».
وفي سبتمبر 1981 تم اعتقاله ضمن قرارات التحفظ .. إلا أنه تمكن من الهرب، حتي تم القبض عليه في أكتوبر 1981 .. وتمت محاكمته في قضية اغتيال السادات أمام المحكمة العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا، وحصل علي البراءة في القضيتين، لعدم ثبوت إصداره فتوي إباحة دم الرئيس .. وخرج من السجن في أكتوبر.1984 وسافر إلي الولايات المتحدة ليقيم في ولاية نيوجرسي.. وهي مرحلة «ملتبسة» إلي حد كبير في حياة الشيخ .. فلماذا أمريكا؟.. ولماذا سمح له بالدخول والإقامة؟!.. وهل كان لدعم توجهاتها في الحرب «الروسية - الأفغانية» فقط أم كان للأمرثمة أبعاد أخري؟!.. أياً كان الأمر، فقد وجد الشيخ نفسه، فيما بعد، بين يدي قوات الأمن الأمريكية بتهمة التورط في تفجيرات نيويورك عام .1993 ليقضي عقوبة السجن مدي الحياة بولاية «كلورادو».
(1) مرشدك الأمين في التعرف علي جماعة الإخوان المسلمين .. وهو من الكتب المعتمدة لدي الجماعة.
(2) د. رفعت السعيد«حسن البنا .. الشيخ المسلح» - ط «أخبار اليوم».
(3) صلاح شادي «الشهيدان.. حسن البنا وسيد قطب» .
(4) سيد قطب «معالم في الطريق» - نسخة إلكترونية عن موقع «منبر التوحيد والجهاد http://www.tawhed.ws.
(5) تمت طباعة الرسالة عام 1997 - وليس عليها اسم دار نشر .
(6) (11) د. رفعت سيد أحمد «النبي المسلح» - ج 1 الرافضون»- رياض الريس للكتب والنشر «بتصرف».
(7) د. بشير موسي «الإسلاميون» - الدار العربية للعلوم ناشرون - ط 2010 «بتصرف».
(8) د. منير الغضبان «المنهج الحركي للسيرة النبوية» - دار المنار «الأردن» - ط 1990 «السادسة».
(9) حسام تمام «مع الحركات الإسلامية في العالم» - مكتبة مدبولي 2009 «الأولي».
(10) موسي صبري «السادات الحقيقة والأسطورة» - المكتب المصري الحديث - 1985 «الثانية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.