«يواقيم» و«حنة» جدا السيد المسيح والدا العذراء مريم، توجد كاتدرائيات عديدة فى العالم تحمل اسميهما، منها كنائسهما فى إسبانيا وروسيا وأيرلندا والقدس وكندا وبودابست. لكن فى مصر وعلى مستوى الطوائف المسيحية لا توجد غير كنيسة أرثوذكسية صغيرة بقرية «دماريس» بمحافظة المنيا تحمل اسم «العذراء مريم ويواقيم وحنة» يرعاها القس يواقيم سامى يعقوب.. وهو كاهن نشط له العديد من المؤلفات الروحية منها كتاب صغير بعنوان «ظاهر الأصداء فى أبوى العذراء»، عرض فيه لحياة جدى المسيح، وهو الكتاب الذى اعتمد عليه السيناريست سعيد يوسف فى كتابة الفيلم الذى أخرجه ماجد توفيق، ويعد الفيلم رقم «41» فى سلسلة الأفلام القبطية التى أخرجها توفيق من إنتاج الكنيسة القبطية التى تعثر إنتاجها مؤخرا، نتيجة سرقتها على الإنترنت، مما تسبب فى خسائر فادحة للمنتجين، وجعل من الإقدام على إنتاج فيلم جديد مغامرة خطرة، إلا أن بعض الكنائس تنتج من حين لآخر فيلما كنوع من الخدمة المجانية التى لا تنتظر تحقيق أى أرباح من ورائها وحتى عودة رأس المال، خاصة أن الفضائيات المسيحية تشترى حق عرض هذه الأفلام بمبالغ ضئيلة، أو تحصل عليها «مجانا»، مما جعل الكثير من العاملين فى هذا الوسط يؤكدون أن «السينما القبطية انتقلت إلى الأمجاد السماوية»! لذلك كان من الغريب أن يبلغنى المخرج ماجد توفيق بأنه انتهى من إخراج فيلم قبطى جديد، بعد أن تعطل عن العمل لأكثر من خمس سنوات، وكانت العودة بفيلم عن جدى المسيح.. «يواقيم وحنة». مشكلة هذا الفيلم فى ندرة المعلومات المتاحة عن «يواقيم وحنة»، مما يضعف «القماشة الدرامية» التى تعتمد عليها الأحداث وهذا صعَّب جدا دور السيناريست سعيد يوسف الذى استخدم العديد من الحيل مثل سد الفراغ التاريخى بقصص ثانوية حتى يخرج الفيلم فى مساحة زمنية معقولة. ينتسب القديس يواقيم إلى نسل داود النبى الملوكي، أما حنة فتنتسب إلى نسل هارون الكاهن، وبذلك جمعت العذراء مريم سيدة نساء العالمين فى شخصها ما بين عظمة الانتساب الملوكى والكهنوتى. وقد قام بدور يواقيم فى الفيلم الممثل الشاب إيهاب صبحى، أما حنة فقامت بدورها نرمين ماجد ابنة المخرج. وقد عبرت أحداث الفيلم بمهارة عن كتاب الأب «يواقيم سامى» الذى كتب الفصل الأول بعنوان «يواقيم وحنة الأبرار»، وجاء أكثر من مشهد بالفيلم ليعبر عن عطائهما للفقراء ورفقهما بالمساكين، أما الفصل الذى حمل عنوان «صبر وطول انتظار» فهو ذروة الدراما بالفيلم لأن حنة كانت عاقرا ولم تنجب على مدار 50 عاما من زواجها، وقد شرح الفيلم الفكر والنظرة اليهودية للعواقر، وكيف أن العاقر كانت تحمل العار والذل لأن فرصة أن يأتى المسيح من نسلها ضاعت منها. فكان لا يقبل من زوج العاقر أى ذبيحة، لذلك طرد الكاهن اليهودى يواقيم من الهيكل ورفض ذبيحته فى تجريس وفضيحة كبرى، جعلته يهرب إلى الصحراء فى تعبد مستمر لكى يرفع الله عنه هذا العار. كانت لقطة ذكية من المخرج أن يتعرض إلى الطلاق عند اليهود لكى يقول إنه كان متاحا ليواقيم أن يطلق حنة بحجة أنها لم تجد نعمة فى عينيه، كما تقول الوصية بالعهد القديم التى فسرتها مدرسة المعلم اليهودى «هليل» بالتطليق لأى سبب فى حين اقتصر المعلم «شمعى» على التطليق لسبب علة «الزنى» فقط، لكن يواقيم كان متمسكا ب «حنة»، وقال للكاهن اليهودى: وما ذنبها إذا كان الله قد أغلق رحمها؟! وتتوالى الأحداث لتعبر عن الفصل الذى يقول «عطية أقرت الأبصار»، عن البشارة بميلاد العذراء مريم، التى انتظرها يواقيم وحنة لمدة 50 عاما، لكن لم يفرحا بها غير ثلاث سنوات، حيث أوفيا بنذرهما وقدماها للهيكل، ورزقهما الله بطفلة ثانية سمياها أيضا «مريم»، الفيلم تعرض أيضا لذل اليهود تحت الاحتلال الرومانى. الأداء جاء بسيطا كقصة الفيلم، وقد تميز فيه إيهاب صبحى الذى استمعنا إليه مرنما أيضا بصوت جميل ومعبر، وكذلك نرمين، وظهرت المشاركات المتميزة لماهر لبيب وسمير فهمى وعاصم سامى وجميل برسوم. ولابد من تقديم التحية لفادى فوكيه عن الديكور والملابس التى عبرت بدقة عن هذا العصر. وإن كانت لجنة المشاهدة المنبثقة عن لجنة التعليم والإيمان بالمجمع المقدس قد أشادت بالفيلم مؤكدة على «جودة مستواه وسط الأعمال الفنية الرثة التى نشاهدها من إنتاج الكنيسة»، إلا أن إشارتها إلى عيوب النطق بالعامية كانت فى محلها، وهى عيوب تصل إلى حد يجب «الخجل» منه!؟