ليس هناك أسعد من أن يرى مهر صغير الدنيا لأول مرة، بين يديك، وليس هناك أتعس من أن يموت آخر قبل أوانه فى حضنك، ودائماً ما يبدو الأوان مبكراً جداً.. هكذا يتحدث «نصر مرعى» عن عشقه للخيل فى كتابه «حصان مصر العربى» الصادر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة. نصر مرعى هو ابن «سيد مرعى» وزير الزراعة ورئيس مجلس الشعب الأسبق والذى كان له الفضل فى إنقاذ الخيل العربى المصرى من خلال إنشاء اسطبل «البادية» الذى قام فيه بضم خيل عائلة محمد على باشا بعد ثورة 23 يوليو التى اعتبرت أن امتلاك الخيول رفاهية تتعارض مع مبادئ الاشتراكية.. فقام سيد مرعى بجمع أنقى السلالات لإنتاج أفضل أنواع الخيل العربى الأصيل.. مما جعل مصر تتميز بوجود أنقى أجناس الخيل العربى على مستوى العالم حتى باتت مقولة «أجود الخيل: العربى، وأجود الخيل العربى: الخيل العربى المصرى!» منتشرة فى مجتمعات محبى الخيول. يقول «نصر مرعى» فى كتابه: عندما تنظر إلى صورة حصان فأنت لا تشاهد مجرد حصان فحسب.. بل سيتجسد أمام عينيك تاريخ جاد علينا بهذا الحصان اليوم. وفيما يتعلق بالجواد العربى فقد نشأ جواد حرب، يعيش فى صحراء قاسية، قليلة الماء والزاد، حرها نهاراً وبردها ليلاً لا يرحمان.. كما كان هذا الجواد يتمتع بحساسية عالية لما يدور بخلد راكبه فى قلب المعارك العاتية.. فولد ذلك علاقة حميمة بين الخيل وراكبه. - من قلب مرهف أصبح الخيل العربى المصرى مصدر جذب لمحبى هذا الجمال الفريد من جميع أنحاء العالم، من مؤرخين وفنانين وشعراء ألهمهم هذا الرونق البديع، وهذا التراث الرومانسى الآسر. استطاع «نصر مرعى» تحويل شغفه وولعه بالخيل الذى وهبه حياته إلى صور التقطها قلبه العاشق قبل أن تلتقطها كاميرته لتروى قصة حبه مع هذا الكائن الحالم الجميل. وفى كلمتها الافتتاحية للكتاب تقول الأميرة الأردنية «عالية بنت الحسين» ابنة الملك الراحل «الحسين بن طلال» وإحدى أشهر محبى الخيول عن مرعى: إنه خبير ذو صيت وشهرة فى الحكم على أصالة الحصان العربى.. دائماً يختار دماء جديدة ليزاوجها مع خيله.. وتضيف: فى تصويره يتضح تقديره وحبه الصادق لموضوع صوره.. بعين المصور المرهفة يبرز أجمل ما فى الجياد من جمال وروح حرة ونفس أبية وذكاء وخفة. ويروى مرعى الابن فى الكتاب عن طفولته التى ألف فيها أصوات الخيل من صهيل واصطدام الحدوات بالأرض فى تحدٍّ. كما يحكى عن بداية «مزرعة البادية» التى بدأت بأول مهر عربى أتى به والده سنة .1935 ويستطرد الكتاب فى وصف الخيول العربية فيقول إن أجسادها تتميز بانسيابية وتوازن وتتمتع بمرونة فى الجزء العلوى وظهرها قصير.. مما يعطيها قدرة على حركة أدق وأسرع، أما ذيلها فهو شامخ يرفرف كالعلم حين يمشى الجواد أو يتمخطر وإن ركض يتحول ذيله إلى لهيب نار مشتعل خلفه.. وهذه هى واحدة من الصفات التى تميز الخيل العربى عن غيره. وبالرغم من قصر قوام الخيل العربى النسبى مقارنة بنظيره الأوروبى، إلا أنه أقوى بكثير منه.. والفضل يعود لكثافة عظمه وقدرته الخرافية على حمل ركاب من ذوى الأحجام الكبيرة لمسافات بعيدة. أما سر حضور الحصان العربى وسحره القوى فيكمن فى رأسه المثلثة بعينيه السوداوين المستديرتين والمعبرتين وأنفه الواسع وأذنيه الرشيقتين الصغيرتين. ورأس الحصان العربى المصرى يكون جلده مشدودا مبرزا من تحته العروق مما يعطيه شكلا حادا. أما ألوان الخيل فهى تتنوع بين الأبيض والأسود والكستنائى والرمادى وهو اللون الغالب على الفرس العربى. - سلاح لكل عصور «معرفة الحصان العربى المصرى، فرصة نادرة لاختبار كنز من كنوز الزمن الحية!»، هكذا تحدثت المؤرخة سينثيا كلبرستون شارحة رحلة الخيل العربى الأصيل فى مصر: ظهر الخيل على جدران المعابد الفرعونية حيث كان له دور كبير فى توسع مملكة الفراعنة الذين اشتهروا بكونهم أول من ركب مركبات تجرها خيول مما شكل لهم قوة حربية على مدى عصور. لكن البدو هم الذين عرفوا بأنهم أبرع من احتفظ بأنقى وأفضل سلالات الخيل العربى الأصيل، فكان الخيل بالنسبة لهم وسيلتهم للدفاع عن النفس والحصول على المأوى والمأكل فى ظروف الصحراء القاسية القبلية. وبالفعل اعتبر الخيل فى ذلك الوقت من أثمن الممتلكات، بل جزء لا يتجزأ من العائلة. ومع ظهور الإسلام احتفظ الفرس بمكانته حيث انتصرت جيوش المسلمين على ثلثى العالم فى الفتوحات الإسلامية وهى تمتطى ظهور الخيل العربى. وفى فتح مصر كانت الفروسية هى السلاح الرئيسى للجيش الإسلامى وتوالت العهود على مصر لكن ظلت مكانة الخيل ثابتة لا تتغير. ففى العصر العباسى، كتب ابن أبى خزام كتاب «الفروسية والبيطرة» الذى تناول أهمية معاملة الخيل برقة وحساسية. كما نسب الكاتب أى سوء تصرف من قبل الخيل إلى الخطأ فى طريقة تربيتها، وليس لعيب فيها. وفى العصر الفاطمى كان الخيل رمزا للثراء والكرم والشرف.. لذا منح الخليفة المعز لدين الله «علية القوم» هدايا من الخيل العربى الأصيل، مثقلة بسرج مرصع بالذهب والعنبر والأحجار الكريمة وكان ذلك سبيله لكسب ولائهم فى بداية حكمه. وفى عصر المماليك كانت الخيل الملجمة بلجام مزخرف تعلن وصول السلطان فى عرض مبهر. - عدو الثورة أما فى عهد محمد على باشا فيعود الفضل فى نجاة أمين بك المملوكى من مذبحة القلعة، لحصانه الباسل الذى أمره أن يقفز من على سور القلعة العظيم فأطاع الحصان الأصيل «أمين بك» لاقياً حتفه فى سبيل إنقاذ صاحبه.. وكان ولع محمد على بالخيل العربى النقى عظيماً، فكان يسعى للحصول عليها بأى ثمن حتى إن اضطر إلى تعذيب صاحبه، إن رفض بيعه. ومن بعده انتقل هذا الولع لحكام مصر بدءا من عباس باشا الأول، وصولاً للملك فاروق الذى امتلك اسطبلا شهيرا فى «إنشاص» شمال شرق القاهرة. كادت الثورة بمبادئها الاشتراكية التى رأت فى الخيول صورة من صور الغنى الفاحش أن تعرض هذا الكنز للهلاك، لولا تدخل المهندس «سيد مرعى».. والآن أصبح الخيل العربى المصرى أساسا لكل عمليات تحسين السلالة. حتى فى الخليج العربى نفسه. ويبقى أن نقول أن صاحب هذا الكتاب «مرعى الابن» هو أول مصرى وعربى يقدم دراسة أدبية فنية مصورة بهذه القيمة عن الحصان العربى المصرى.