تفاصيل جولة الرئيس السيسي بالأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية| صور    وزير الصحة يهنئ إيهاب هيكل ومجلس «أطباء الأسنان» للفوز في انتخابات النقابة    بعد حملة «خليها تعفن».. أسعار السمك اليوم السبت في سوق العبور للجملة    المركزي المصري يوجه 6 مليارات دولار من صفقة «رأس الحكمة» لدعم القطاع المصرفي    وزير التعليم العالي: الجامعة المصرية اليابانية تقدم تجربة تعليمية وبحثية مُتميزة    مطالب برلمانية بوقف تخفيف أحمال الكهرباء في أثناء فترة الامتحانات    الرئيس السيسي: مصر تدعم تعزيز العمل البرلماني المشترك على جميع المستويات    "بالشوكولاتة".. مارسيل كولر يحتفل بتأهل الأهلي لنهائي أفريقيا    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    بيريرا يكشف حقيقة رفع قضية ضد حكم دولي في المحكمة الرياضية    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    طبيب نفسي يوضح الأسباب وراء قضية مقتل طفل شبرا    الإعدام والمؤبد للمتهمين باللجان النوعية في المنوفية    وزيرة التضامن من الإسكندرية للفيلم القصير: فخورة بتقديم برنامج سينما المكفوفين    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    الليلة.. أصالة تلتقى جمهورها فى حفل بأبو ظبي    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    حان وقت الصفقة.. تحرك جديد لعائلات الرهائن الإسرائيليين في تل أبيب    وسط اعتقال أكثر من 550.. الاحتجاجات الطلابية المناهضة لإسرائيل بالجامعات الأمريكية ترفض التراجع    كوريا الشمالية: الولايات المتحدة تقوم ب«تشهير خبيث» عبر نشر تقارير مغلوطة عن حقوق الإنسان    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    رئيس البرلمان العربي يكرم نائب رئيس الوزراء البحريني    التنمية المحلية: تدريب 2034 قيادة علي منظومة التصالح في مخالفات البناء بالمحافظات    السيسي يتفقد الصالات الرياضية المجهزة بالأكاديمية العسكرية في العاصمة الإدارية.. فيديو    تعليم الإسكندرية تستقبل وفد المنظمة الأوروبية للتدريب    كرة اليد، موعد مباراة الزمالك والترجي في نهائي بطولة أفريقيا    مديرية الشباب بالشرقية تنفذ دورات لطرق التعامل مع المصابين    خالد بيبو: لست ناظر مدرسة «غرفة ملابس الأهلي محكومة لوحدها»    «شريف ضد رونالدو».. موعد مباراة الخليج والنصر في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    محافظة القاهرة تكثف حملات إزالة الإشغالات والتعديات على حرم الطريق    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    9 إجراءات للشهادة الإعدادية.. تفاصيل مناقشات "تعليم القاهرة" بشأن الامتحانات    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    تحرير 134 محضرا وضبط دقيق بلدي قبل بيعه بالسوق السوداء في المنوفية    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    رئيس مياه سوهاج يتسلم شهادات 6 محطات حاصلة على اعتماد خطط السلامة    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    رئيس جهاز العاصمة الإدارية يتابع معدلات تنفيذ حي جاردن سيتي الجديدة    بسبب البث المباشر.. ميار الببلاوي تتصدر التريند    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    الليلة.. أحمد سعد يحيي حفلا غنائيا في كندا    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية الجديدة - فيديو    بيان عاجل لهيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة ويأثم فاعله    «بيت الزكاة» يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة ضمن حملة إغاثة غزة    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    هيئة شئون الأسرى الفلسطينيين: الوضع في سجون الاحتلال كارثي ومأساوي    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    الكشف على 165 مواطنًا خلال قافلة طبية بالزعفرانة وعرب عايش برأس غارب    طلب إحاطة يحذر من تزايد معدلات الولادة القيصرية    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    «الأسد يشعر بضيق تنفس».. 4 أبراج تكره فصل الصيف (تعرف عليها)    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    "كنت ببعتله تحياتي".. كولر يكشف سر الورقة التي أعطاها ل رامي ربيعة أثناء مباراة مازيمبي    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى عشق «اللحمة»

للمصريين فى عشق اللحمة قصائد وأشعار وأمثال ووقفات احتجاجية وإضرابات ومقاطعات ونكات وهزار.. فهم عندما يريدون التعبير عن مدى حبهم لأمر ما يشبهونه باللحمة.. المدونات ومواقع الإنترنت والفيس بوك مليئة بالانتحاب والندب والبكاء بسبب تزامن (شح) اللحمة مع (شح) الحشيش.. الاتنين معزتهم كبيرة فى قلب المصريين.. وفى المناطق الشعبية يداعب أو يعاكس الرجال النساء فى الشارع بتشبيههن باللحمة فعندما تعبر امرأة جميلة ينادون: «يالحم ضانى مافيهوش مفاصل».
اللحمة هى الهاجس والمحرك العاطفى الأول للمواطن المصرى وذلك - كما يقول الطب النفسى - لأن المرأة فى الثقافة المصرية الشعبية فى الأساس كتلة من اللحم.
اللحمة معشوقة الرجال
ولا يزال الرجال فى المناطق الشعبية متأثرين بالزمن الذى كان يقاس فيه جمال المرأة بمدى ضخامة وزنها تلك الثقافة التى عجزت عن تغييرها نجمات هوليود بأجسادهن النحيفة التى غيرت معايير تقييم الرجال حول العالم لجاذبية جسد المرأة لأنها لم تتمكن من تغيير الثقافة الشعبية المصرية.. وربما يكون ذلك هو سبب ولع الرجال المصريين بأكل اللحمة.. وأقول: ربما.. حتى أنه فى السينما كثيراً ما رمز للمرأة بكلمة «لحمة» مثل فيلم (لحم رخيص) وهو عن 3 نساء هن «إخلاص وتوحيدة ونجفة» اللاتى رخص الفقر منهن فبعن بأبخس ثمن. وأيضاً فيلم (ذئاب لا تأكل اللحم) بطولة ناهد شريف والذى كان به الكثير من المشاهد الجنسية الساخنة.. هذا فضلاً عن المفهوم الشائع خطأً بين البسطاء بأن اللحمة وأجزاء معينة من (الذبيحة) تزيد فحولة الرجل مثل (العكاوى والكوارع وغيرها) فاللحمة هى الهاجس والمحرك العاطفى الأول للمواطن.
شعبان عبدالرحيم غنى لها
ذلك لا ينفى أن اللحمة هى معشوقة الجماهير المصرية بشكل عام حتى أنه لا يرى المصريون فى عيد الأضحى غير أنه عيد اللحمة بالرغم مما تحمله الأعياد من مشاعر طيبة ودفء التجمعات العائلية والخروجات والإجازة الطويلة إلا أن اللحمة تظل هى صاحبة أسباب البهجة الأولى حتى أن شعبان عبدالرحيم المتحدث الشعبى الرسمى الأول يقول فى أغنيته الأخيرة بأسف شديد على أزمة اللحمة: «خلاص بطلت اللحمة خلاص هاكل فراخ» وحتى الأقباط الأرثوذكس الذين يصومون عن اللحوم ثلاثة أرباع السنة يلجأون إلى اللحمة النباتى التى لا تمت بصلة للحم العادى بل على العكس فالفول والطعمية والبطاطس والباذنجان غالبا ما يكون مذاقهما أفضل بكثير من هذه اللحمة النباتى التى لا يختلف طعمها عن طعم الورق الملفوفة فيه، لكن مثلما يقف زوار متحف الشمع فى لندن لالتقاط الصور مع تماثيل المشاهير الذين يحبونهم المصنوعة من الشمع فمسيحيو مصر يأكلون ذلك الغذاء الردىء المسمى باللحم النباتى فقط لتذكيرهم بمعشوقتهم اللحمة.. أى حاجة من ريحة الحبايب.. والدليل أننا لم نسمع مثلاً عن فراخ نباتى أو سمك نباتى ولا أظن أن العلم عاجز حتى عن صناعة فيل نباتى وليس سمكة أو فرخة فقط!
متى يقاطع الشعب معشوقته؟
إعمالا بالمثل الشعبى القائل: «إذا غلى عليك الضانى ميل على الحمصانى» وإيمانا بالمثل القائل: «إن غلى اللحم فالصبر رخيص» يقرر الشعب المصرى من وقت لآخر قراراً شبه جماعى بمقاطعة معشوقته اللحمة «إللى بتتقل عليه ودلعها زاد عن حده» وطبقا لأحدث استطلاع أجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء فى الشهر الماضى أبدى قرابة ال80% من الأسر المصرية استعدادها لمقاطعة اللحوم لكن بالطبع الشعب المصرى عندما يقاطع اللحمة يقاطعها وقلبه ملهوف عليها، فالمقاطعة هنا ليس هدفها إعلان نهاية قصة الحب لكنه يقاطعها أملاً فى أن تضخ تلك المقاطعة بعضا من الحب الذى يكنه لها فى قلبه فتحن عليه وتعود كما كانت.. أما الفراخ والأسماك فهى بالنسبة له كفتيات جميلات.. «كوبرى» يلجأ إليه لإثارة غيرة محبوبته اللحمة.
فى الكاريكاتير .. الجنس ثم السياسة ثم اللحمة
الجنس ثم السياسة ثم اللحمة والجزارون هى الثالوث المقدس لرسامى الكاريكاتير فى مصر.. فاللحمة موضوع ثرى لرسومهم منذ عشرات السنين.
فتجد للفنان بهجت عثمان العديد من رسوم الكاريكاتير التى يعبر فيها عن حب المصريين للحمة على طريقة «العين بصيرة والإيد قصيرة» ومن ضمنها رسمة تعود إلى سنة 1967يقف فيها عدد من الرجال أمام محل للكباب لكنهم يقولون: «لا يا معلم احنا بنحب نشم وبس» كذلك تناول عدد من رسومات فنان النحت والكاريكاتير ناجى كامل أزمة اللحوم على مر السنين فنرى الهم الأول للموظف فى رسومه هو شراء اللحمة فهذه هى المهمة الأولى التى يقوم بها فور قبض المرتب وإذا لم يستطع يبكى كالأطفال.. ويسخر الفنان الكبير صلاح جاهين من التسعيرة الجبرية للحوم من خلال رسومات أطلق عليها «تأملات كاريكاتورية فى المسألة اللحومية'' عام 1980عندما كان كيلو اللحمة بمائة وثمانين قرشا! يقول الجزار فى أحد هذه الرسوم: «ماعنديش مانع أبيع بمية وتمانين قرش بس على أساس الكيلو بتلتميت جرام»! ويقتبس ناجى كامل نفس المعنى فيضع فى أحد رسوماته يافطة على محل جزارة تقول ''الأوكازيون الشتوى.. تخفيضات تصل إلى 50% وأحد المشترين يقول للجزار: «مش معقول دول 2 كيلو هو انت يا معلم عامل التخفيضات دى فى السعر ولا فى الوزن؟!»، وفى رسم أخرى يرسم التاجر الجشع وهو واقف على ظهر المستهلك المنحنى ويقول له «أثبت باه خللينى أعرف أثبتلك الأسعار»!
مقاطعة بقرار جمهورى
أكثر فترة كانت اللحمة فيها بطلة أغلفة الصحف والمجلات والكاريكاتيرات فى سبتمبر من عام 1980حينما قرر الرئيس أنور السادات مقاطعة اللحوم تماما.. إلى هذه الدرجة من الممكن أن يشكل ارتفاع سعر اللحمة أزمة تتطلب قرارا رئاسيا. فنشرت جريدة الأهرام فى عددها الصادر فى يوم الثلاثاء الموافق الثانى من سبتمبر عام 1980 حينما كان سعر الصحيفة 30 مليما نشرت البيان الرئاسى «فى بيان هام وجهه إلى الشعب أمس أعلن الرئيس أنور السادات وقف ذبح الماشية فى المذابح أو خارجها اعتبارا من أمس ولمدة شهر وذلك فى إطار خطة تستهدف الارتفاع الجشع والمجنون فى الأسعار. ودعا الرئيس السادات الشعب إلى عدم الاندفاع إلى شراء الدواجن والأسماك للمساعدة فى إنجاح الخطة. وأضاف الرئيس أنه بهذا القرار نقول للمستغلين والمتاجرين بأقوات الشعب قفوا مكانكم فالشعب لابد أن يحصل على حاجته بالأسعار المناسبة وأكد الرئيس فى بيانه الهام على ضرورة وقف الارتفاع الإجرامى فى الأسعار فورا وعلى ضرورة أن يصل الدعم لمستحقيه وليس للفنادق والتجار!
وصاحب الخبر الرئيسى على الصفحة الأولى أخبار فرعية ذات صلة بنفس الموضوع حيث أعلن السيد أحمد نوح وزير التموين والتجارة الداخلية آنذاك الحد الأدنى لعقوبة المخالفين لقرار حظر ذبح الماشية والأغنام أو حتى نقلها عبر المحافظات وهو الحبس 6 أشهر وغرامة 100 جنيه مع المصادرة وحتى لا تكون مصيبة قوم عند قوم فوائد أعلن وزير التموين إجراءات رادعة ضد المستغلين مع غمر الأسواق بالسلع البديلة كما نشر خبر أكد فيه مسئول على سريان القرار الرئاسى على البسطرمة واللانشون والسجق وتضمنت الأخبار أيضا إعلانا لنائب رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محيى الدين عقب اجتماعه مع مجلس المحافظين لإجراءات جديدة لضمان وصول السلع المدعمة إلى مستحقيها وفى نفس الوقت أعلن مجلس الوزراء اجتماعه فى نفس اليوم لمناقشة طلبات الفنادق الكبرى لاستيراد اللحوم لتقديمها لنزلائها خاصة السياح.
هكذا احتلت أخبار وإجراءات المقاطعة السياسية للحمة معظم عناوين الصفحة الأولى من الجريدة الرسمية الأولى وعلى هوامش الصفحة ذكرت أخبار تصريح موشى ديان بأنه على إسرائيل منح الفلسطينيين حكما ذاتيا واسع النظاق واحتمالية تأجيل بيجن لقرار نقل مقر رئاسة وزارة إسرائيل إلى القدس واستقبال الرئيس السادات لمبعوث الرئيس الأمريكى كارتر.. هكذا كان قرار مقاطعة اللحوم أهم حتى من أخبار الكرة التى اكتفت الجريدة بوضع إشارة صغيرة لها «اتفاق الأهلى والمصرى والإسماعيلى على تسوية الخلافات».. التفاصيل ص10».
وفى اليوم التالى لنشر البيان الرئاسى رسم صلاح جاهين فى الأهرام كاريكاتيرا يطلب فيه المدرس من تلميذ صغير تفسير البيت القائل «منىً إن تكن حقا تكن أحسن المنى وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا!» فأجابه التلميذ «يعنى إذا رخصت اللحمة فى آخر سبتمبر يبقى كويس وإذاما رخصتش يبقى على الأقل استريحنا من غلائها شهر بحاله» وإلى جانب الرسمة تحقيقات من القاهرة والإسكندرية عن ردود أفعال قرار المقاطعة حيث أجمعت ربات البيوت على استعدادهن للمقاطعة بشرط أن تؤتى بنتائجها بردع الجزارين.
ولم تقف الإجراءات الحكومية عند هذا الحد لكن ذكرت أيضا جريدة الأهرام أنه فى الإسكندرية اتخذت مديرية الأمن إجراءات حاسمة لسرعة مواجهة الموقف وتنفيذ القرار حيث عقد اللواء محمد فوزى معاذ مساعد وزير الداخلية ومدير أمن الإسكندرية اجتماعا موسعا بإدارة مباحث التموين والمباحث الجنائية حضره مدير البحث الجنائى ومدير المباحث الجنائية ورئيس مباحث التموين بالإسكندرية لوضع خطة محكمة على الأسواق ومحاربة ارتفاع الأسعار وصرح العقيد على زين العابدين رئيس مباحث التموين بأنه قد تم تعيين ضابط من مباحث التموين والشرطة على جميع حدود المحافظة لمنع تهريب مواشى أو أغنام أو لحوم.. «وفى خبر آخر أعلن المهندس عثمان أحمد عثمان رئيس اللجنة العليا للتنمية الشعبية بالحزب الوطنى مع محافظ الجيزة إنشاء شركة خاصة لإنتاج 100 مليون بيضة و12 مليون دجاجة سنويا..» «كما تقرر تخصيص 2 كيلو فول كحد أدنى على البطاقة التموينية ومن ناحية أخرى تم صرف إعانات اجتماعية عاجلة لعمال المجازر والمدابغ».
اختفاؤها أخطر من أنفلونزا الخنازير
توالت التغطيات الإخبارية على مدار شهر سبتمبر فى الصحف وكأن نقص اللحوم هو وباء داهم قد يتسبب فى فناء الشعب المصرى.. ولم تتوقف القرارات الرئاسية عند هذا الحد لكن وفى نفس الشهر أعلن المهندس عثمان أحمد عثمان أن الرئيس أنور السادات سوف يحضر توقيع عقود بنك الجيزة الوطنى برأس مال قيمته 35 مليون جنيه لتمويل المشروعات الاستثمارية للأمن الغذائى وإنشاء مجموعة شركات وطنية مساهمة للمنتجات المحلية من اللحوم.. وبنظرة خاطفة إلى أسفل صفحة الجريدة التى نشر فيها هذا الخبر يمكن أن تدرك قيمة ال35 مليون جنيه فى ذلك الوقت حيث تجد إعلانا عن التنازل عن شقة 8 غرف بقصر النيل بالتليفون بإيجار 12جنيها فى الشهر و180 جنيها لإيجار شقة مفروشة بعمارة المريلاند بهليوبوليس الدور ال18 بالكماليات و20 ألف جنيه لشراء عمارة عائدها 100 جنيه فى الشهر وقابلة للتعلية.
ربما كانت هذه المقاطعة هى أول مقاطعة تتم بناء على قرار سياسى.. الأمر الذى أدى بمجلس الوزراء إلى اعتبارها مقاطعة سياسية لكنها بصفة عامة لم تكن المقاطعة الأولى من نوعها فقد سبقتها عدة مقاطعات شعبية منها دعوة تنظيم نسائى فى مارس من عام 1973 ربات البيوت لمقاطعة اللحوم وصاحب المقاطعة تقديم وصفات لأطباق يومية بديلة عن اللحوم.
سيد بيه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه
ويتذكر الكاتب الصحفى صلاح عيسى أنه فى عام 1972 خرجت المظاهرات ضد سيد مرعى وزير الزراعة وقتها وهتف المتظاهرون «سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه» على الرغم أن سعر اللحوم وقتها كان 60 قرشا! .. وفى الوقت نفسه والكلام لصلاح عيسى كانت الدولة تُدعم اللحوم عبر ما يُعرف بالمُجمعات الاستهلاكية، وهو الدور الذى لا تقوم به الدولة حالياً، فأقصى ما ستجده فى المُجمعات الاستهلاكية اليوم هو الأرز والشاى وخروج الدولة من نطاق تدعيم سلعة غذائية هامة كاللحم فى نظر المصريين كما يرى عيسى أدى إلى حدوث كُل هذا الكم من الفوضى ودعاوى المقاطعات الشعبية.. لكن عيسى يرى أن هذه المقاطعات الشعبية التى تتم الآن ليست مؤثرة لأن من يقومون بها هم غير القادرين على شراء اللحمة بالأسعار المرتفعة التى آلت إليها أما القادرون فلا يقاطعون والقادرون هم الذين يشكلون القوة الشرائية التى تهم تجار اللحمة ولا يهمهم الباقون غير القادرين والذين لديهم قناعة خاصة أنه لن ينمو أطفالهم بشكل مكتمل ولن يصلب شبابهم طوله إلا بأكل اللحمة وهنا تحدث الأزمة ويرى عيسى أنه قبل قانون الإصلاح الزراعى وتفتيت الأراضى بين الفلاحين لم تكن هناك أى مشكلة.
الجزارون: نعرف أننا نبيع أفيون الشعب
لكن المعلم محمد سعيد صاحب جزارة (الأمانة) بمدينة نصر كان له رأى مختلف عن رأى الكاتب الصحفى صلاح عيسى فيقول إن ارتفاع أسعار اللحمة وقع عليه بالخسارة فقبل زيادة الأسعار والمقاطعات كان يبيع بدلا من الكيلو 10 كيلو.. فتأثير ارتفاع الأسعار كما يقول المعلم سعيد قد امتد إلى الطبقات القادرة لكنه يعود وكأنه يطمئن نفسه قائلا: «استمرار مقاطعة المصريين اللحمة مستحيل لأن الشعب المصرى مدمن للحمة ولا يستغنى عنها كما لا يستطيع الطفل الرضيع الاستغناء عن اللبن»
وفيما يبدو أن المعلم محمد سعيد ليس الجزار الوحيد الذى يدرك حالة العشق التى يكنها المصريون للحمة والتى تصل إلى حد الإدمان فيتحدث المعلم مجدى عتريس عن اللحمة بأسلوب بليغ رغم بساطة الرجل «اللحمة عصب البيت المصرى والمصرى بدون لحمة يكون تعيس وتائه فهو لا يشعر بذاته إلا عندما يأكل اللحمة».
باللحمة وحدها تنفرج الأسارير إن كانت ريش ضانى أو فشة أو مواسير
الجزارون يعرفون مكمن قوة سلعتهم وأكثر الأجزاء التى يدمنها المصريون.. فيقول المعلم محمد سعيد «معظم سكان المناطق الشعبية يفضلون اللحمة الملبسة لكن سكان المناطق الهاى كلاس يفضلون اللحوم الحمراء الخالصة مثل الاستيك والاسكالوب وأكثر القطع طلبا بشكل عام هى الفخذة ويندر الطلب على السرة التى ربما لا يشتريها الناس من الجزار بشكل مباشر لكنهم يشترونها فى هيئتها الجديدة كشاورمة أو لحمة مفرومة.
وبشكل عام الزيارة إلى الجزار لا تكون واحدة أبدا فالفقراء يشترون الشغت والغضاريف والمواسير والكوارع والدوش أما القادرون فيشترون الموزة والريش الضانى وكباب الحلة ومعظم المصريين يفضلون الزند وهى لحم كتف البقرة.
لكن بعد ارتفاع الأسعار لم يعد الحال على ما هو عليه فيقول المعلم عبده على عبده جزار بمنطقة عبود إن عددا من زبائنه الذين كانوا يشترون منه الضانى وكباب الحلة أصبحوا يشترون أحيانا المواسير لعمل شوربة.. حيث يعتبرونها حاجة من ريحة اللحمة وأحيانا يشترون البوش أو الروف والقرشة والفشة والراس خاصة قرب نهاية الشهر.. وذلك يذكرنا بالمثل القائل «عين فى اللحم وعين فى المرق» وآخر شبيه يقول «من فاته اللحم عليه بالمرق».
الرفاعى ومشاهير عشاق اللحمة
عشق اللحمة المبالغ فيه ليس مقصورا على الطبقات الفقيرة والمتوسطة فقط لكننا يمكن أن نضع اللحمة فى المرتبة الثانية بعد الكرة من حيث شعبيتها التى تجمع كل أطياف المجتمع.. ومن على شواية الرفاعى - أشهر كبابجى فى السيدة زينب - والذى رغم بساطته يمكن أن نطلق عليه «كبابجى المشاهير» حكى لنا الحاج محمد الرفاعى عن أشهر الشخصيات التى تناولت وتتناول عنده الكباب والكفتة والنيفة بشكل منتظم.. فيقول «من المشاهير السابقين كان فريد شوقى والشيخ الشعراوى من زبائنى المنتظمين.. فلم يكن يمر يوم إلا ويأكلون عندى والشيخ الشعراوى كان يحب المخاصى تحديدا أما فريد شوقى فكان يفضل النيفة».
ومن زبائنه الحاليين كما يقول الحاج محمد الرفاعى الإعلاميان عماد أديب وعمرو أديب وهما من مفضلى الريش والطرب ونادرا ما يأتى عمرو وعماد أديب بمفردهما فأكل اللحمة يحب اللمة لذلك عادة ما يتصلان بالحاج الرفاعى قبل مجيئهما لحجز أكبر عدد ممكن من الترابيزات فى الداخل لهما ولأقربائهما لأنهما بطبيعة الحال يفضلان الجلوس بعيدا عن الأنظار.
أما المذيع (محمود سعد) فلا يكتفى بزيارته الأسبوعية للرفاعى لكنه يحرص على عمل دعاية له بين معارفه وأصدقائه فيقول الرفاعى: «الأستاذ محمود سعد يحضر لى زبائن من أرقى الطبقات» ودائما ما يطلب محمود له ولأصدقائه الممبار والمخاصى وعلى عكس معظم المشاهير يفضل الجلوس فى الخارج لكى يشعر أنه فى مصر الشعبية خاصة أنه أصبح يعيش معظم الوقت فى بيته بمدينة الشروق.
أما الفنان فاروق الفيشاوى فيفضل الكباب (زى عينيه) كما يقول الرفاعى ويأتى دائما بصحبة الفنان شريف منير ويفضل الجلوس فى الخارج ودائما ما يحب الفيشاوى أن «يحبس بكوباية شاى» عقب تناول الكباب.. ويكمل سهرته فى المحل حتى الصباح.
كذلك الفنانة ليلى علوى.. فهى تعشق الكباب والكفتة وتأتى بصحبة زوجها.. ومن الزبائن المترددين على كبابجى الرفاعى بانتظام أيضا الفنان حسن حسنى الذى يعشق اللحمة بكل أنواعها لكنه يعرب فى كل مرة يأتى فيها عن أسفه لعدم قدرته على تناول الطرب لظروفه الصحية.
أما الفنان الشاب أحمد عز فيطلق عليه الحاج الرفاعى لقب «عاشق المخاصى» كما يحب النيفة والريش وله طاولة مخصصة يجلس عليها دائما مع الفنان محمد فؤاد.
تصلب شرايين وفشل كبدى ونقرس.. لكن الحب أعمى
على الرغم من التأكيدات الطبية المستمرة على أضرار كثرة تناول اللحوم وعلى كونها ليست مصدر الغذاء البروتينى الوحيد إلا أن ذلك لا يؤثر بأى شكل على تناول ما تطوله أيدى المصريين من اللحوم فالصفة الأشهر للحب هو أنه أعمى.. فيقول الدكتور محمد درويش الأستاذ بالمركز القومى للبحوث إن مقاطعة المصريين للحوم سوف تتسبب فى تحسين صحة المصريين لأن اللحوم تتسبب فى تصلب الشرايين وإضعاف عضلة القلب وتكوين الدهون على الكبد والضغط على الكلى والسمنة والنقرس ويؤكد الدكتور إسلام جابر الأستاذ بالمركز القومى للتغذية أن فوائد الفول وكل الأغذية الأخرى التى بها بروتين لا تختلف عن فوائد اللحوم إلا أنه فى الثقافة المصرية فوائد اللحم لا تضاهيها فوائد فأى طفل نحيف دائما ما يسأله الناس «انت مش بتاكل لحمة ولا إيه؟».
غيابها هم يضحك المصريين
لذلك يعتبر المصريون ارتفاع أسعار اللحمة هما كبيرا لكن ولأنهم مصريون «الهم كما يبكيهم يضحكهم» فيطلقون النكات.. فيقول لك «مرة 2 بيحششوا واحد قال للتانى تخيل كيلو اللحمة أصبح بجنيه.. فرد عليه صديقه متسائلا «إزاى؟» فأجابه الأول «باقولك تخيييييييييل!».. ومثلما يقول الزوج لزوجته الناشز «نظر فقير إلى اللحمة المعلقة فى محل الجزارة بتمعن وقال لها «هاتروحى النار».. وقبل إسقاط نظام صدام حسين سألوا مصرى وسودانى وعراقى «ما رأيك فى أكل اللحمة؟» فأجاب المصرى «يعنى إيه لحمة؟» وأجاب السودانى «يعنى إيه أكل؟» وأجاب العراقى «يعنى إيه رأى؟».. ويقول لك «محشش راح للجزار وأصر أن يشترى بقرش لحمة.. حمل القدر الضئيل الذى أعطاه له الجزار وذهب إلى محل تصوير وقال له''كبرلنا دى خروف والنبى عشان العيال» .. ومن النكت القديمة والشهيرة أيضا والتى تربط سوء الأحوال الاقتصادية بسوء أحوال البلد عموما وعلى رأسها الأحوال التعليمية النكتة التى تقول ''موظف حكومى ماشى مع صاحبه وبيشتكى من ارتفاع أسعار اللحمة ومعديين جنب مدرسة فسمعوا المدرس يسأل التلميذ 7 فى 7 بكام؟ فأجاب التلميذ: 60 يا أستاذ فقال الموظف لصديقه «اتفضل يا عم أهه لسة لحد امبارح كانت ب49مش قولتلك الدنيا ولعت!».
بدون بفتيك.. العزومة ماتشرفش
وفى السينما والمسرح اللحمة هى دليل على المستوى الاجتماعى فكلنا نتذكر عبارة «كريمة مختار» فى فيلم «الحفيد» لزوجها عبدالمنعم مدبولى عندما كانت تصر على شراء البوفتيك لأن دون بوفتيك العزومة ماتشرفش ومن هنا يتردد الإفيه المعروف فى الفيلم «لازم بوفتيك.. ماهه لازم بوفتيك» وفى مسرحية الواد سيد الشغال يتساءل عادل إمام - أى سيد الشغال القادم من حى فقير لا يذوق اللحمة إلا فى الأعياد متعجبا وساخرا من ولائم الأثرياء التى يتمنظروا فيها على بعض قائلا «بقى ناس عندهم لحمة يعزموا ناس عندهم لحمة عشان ياكلوا لحمة؟!» وحتى فى الأمثال الشعبية وجود اللحوم أمر ضرورى للدلالة على مستوى العزومة فيقول المثل «عزومة وزحمة وطبيخ بلا لحمة» للدلالة على أى أمر يتسبب فى ضجيج ليس على قدر العائد منه.
ومن ناحية أخرى وفى السينما أيضا يستخدم الفول الذى هو من المفترض أنه البديل الغذائى المعادل للحمة على أنه غذاء الفقراء فإذا أراد أى مخرج أن يعبر عن الفقر فالفول هو العلامة وذلك ليس مقصورا على الأفلام القديمة فنشاهد فى فيلم خيانة مشروعة تتصارع أسرة سمية الخشاب على طبق الفول ورغيف العيش وفى فيلم (حين ميسرة) لخالد يوسف نجد أن أحد مشاهد أغنية «ممدوح مداح» تحضر أسرة عمرو سعد لوليمة الفتة لكنها تكون خالية من اللحم على مقطع الأغنية القائل ''عيشة الزحمة فول أو لحمة.. مش هاتغير أصلى الطين''
اللحمة مقدسة فى التراث المصرى
عن تأصيل ارتباط الشعب المصرى بأكل اللحوم يقول الدكتور صلاح الراوى أستاذ الأدب الشعبى أن الغذاء الحيوانى بشكل عام شديد الأهمية فى المجتمع المصرى فالذبائح هى مكون أساسى لمختلف المناسبات فهناك عقيقة المولود وهناك عقيقة الفقراء وهى فى الأصل عادة عربية يقطع بها الصائم بين صومه وإفطاره وفى الثقافة البدوية تحدد كميات اللحم بالشكل الذى يتناسب مع مكانة الضيف وفى بعض هذه المناطق والشرح مازال للدكتور صلاح الراوى يتم تعظيم قيمة اللحم لدرجة ألا يُسمح للمرأة بالذبح إذا لم تكن مختونة.. وهناك أمثال شعبية حتى على أسلوب الذبح فيقول المثل حسبما يتذكر الراوى «التنور يشعل والسكين تحد والكبش يتعلف» مما يعنى أنه يجب علف الماشية أثناء التحضير لذبحها حتى تذبح على غفلة.. ومن ناحية أخرى ترتبط اللحوم فى ذهن المصريين بالذكريات فدائما ما نتذكر اللحمة التى تطبخها أمهاتنا ومذاقها يكون مميزا جدا لدى كل واحد منا.؟
فريق التحقيق
حاور أساتذة التراث الشعبى وجمع المعلومات السينمائية: محمد عادل
أجرت حوارات الرفاعى وجمعت رسوم الكاريكاتير: لينا بركات
ساهمت فى جمع المادة الأرشيفية: إسراء نصر الدين
حاور الأطباء والجزارين: جرجس فكرى
جمعت الأمثال الشعبية:مريم وجدى
تم الاستعانة بكتاب الأمثال الشعبية لأحمد تيمور باشا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.