سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 6 مايو 2024    16 شهيدا من عائلتين في غارات إسرائيلية على رفح    هشام يكن: خسارة سموحة محزنة.. ويجب أن نلعب بشخصية البطل ضد نهضة بركان    مصر وجنوب السودان.. خطوات هامة نحو تعاون مثمر في مجال المياه    «القاهرة الإخبارية»: 20 شهيدا وإصابات إثر قصف إسرائيلي ل11 منزلا برفح الفلسطينية    عاجل.. مقتل امرأة وإصابة 24 في قصف روسي على خاركيف ومحيطها    أول شهادةٍ تاريخية للنور المقدس تعود للقديس غريغوريوس المنير    حملات تموينية على المخابز السياحية في الإسكندرية    طالب ثانوي.. ننشر صورة المتوفى في حادث سباق السيارات بالإسماعيلية    أنغام تتألق ب "فنجان النسيان" في حفلها ب دبي (فيديو)    إلهام الكردوسي تكشف ل«بين السطور» عن أول قصة حب في حياة الدكتور مجدي يعقوب    بسكويت اليانسون.. القرمشة والطعم الشهي    150 جنيهًا متوسط أسعار بيض شم النسيم اليوم الاثنين.. وهذه قيمة الدواجن    محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان    مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد اليهودية    تخفيضات على التذاكر وشهادات المعاش بالدولار.. "الهجرة" تعلن مفاجأة سارة للمصريين بالخارج    رضا عبد العال ينتقد جوزيه جوميز بعد خسارة الزمالك أمام سموحة    خالد مرتجي: مريم متولي لن تعود للأهلي نهائياً    مدحت شلبي يكشف تطورات جديدة في أزمة افشة مع كولر في الأهلي    بعد ارتفاعها.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الإثنين 6 مايو 2024 في المصانع والأسواق    تزامنا مع شم النسيم.. افتتاح ميدان "سينما ريكس" بالمنشية عقب تطويره    من بلد واحدة.. أسماء مصابي حادث سيارة عمال اليومية بالصف    "كانت محملة عمال يومية".. انقلاب سيارة ربع نقل بالصف والحصيلة 13 مصاباً    ما المحذوفات التي أقرتها التعليم لطلاب الثانوية في مادتي التاريخ والجغرافيا؟    برنامج مكثف لقوافل الدعوة المشتركة بين الأزهر والأوقاف والإفتاء في محافظات الجمهورية    الجمهور يغني أغنية "عمري معاك" مع أنغام خلال حفلها بدبي (صور)    وسيم السيسي: الأدلة العلمية لا تدعم رواية انشقاق البحر الأحمر للنبي موسى    هل يجوز تعدد النية فى الصلاة؟.. أمين الفتوى يُجيب -(فيديو)    أقباط الأقصر يحتفلون بعيد القيامة المجيد على كورنيش النيل (فيديو)    قادة الدول الإسلامية يدعون العالم لوقف الإبادة ضد الفلسطينيين    أشرف أبو الهول ل«الشاهد»: مصر تكلفت 500 مليون دولار في إعمار غزة عام 2021    كشف ملابسات العثور على جثة مجهولة الهوية بمصرف فى القناطر الخيرية    نقابة أطباء القاهرة: تسجيل 1582 مستشفى خاص ومركز طبي وعيادة بالقاهرة خلال عام    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    طاقم حكام مباراة بيراميدز وفيوتشر في الدوري    فرج عامر: سموحة استحق الفوز ضد الزمالك والبنا عيشني حالة توتر طوال المباراة    رئيس البنك الأهلي: متمسكون باستمرار طارق مصطفى.. وإيقاف المستحقات لنهاية الموسم    بيج ياسمين: عندى ارتخاء فى صمامات القلب ونفسي أموت وأنا بتمرن    مصطفى عمار: «السرب» عمل فني ضخم يتناول عملية للقوات الجوية    حظك اليوم برج الحوت الاثنين 6-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    بعد عملية نوعية للقسام .. نزيف نتنياهو في "نستاريم" هل يعيد حساباته باجتياح رفح؟    الإفتاء: احترام خصوصيات الناس واجب شرعي وأخلاقي    يمن الحماقي ل قصواء الخلالي: مشروع رأس الحكمة قبلة حياة للاقتصاد المصري    الأوقاف: تعليمات بعدم وضع اي صندوق تبرع بالمساجد دون علم الوزارة    تؤدي إلى الفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم.. الصحة تحذر من تناول الأسماك المملحة    عضو «المصرية للحساسية»: «الملانة» ترفع المناعة وتقلل من السرطانات    تعزيز صحة الأطفال من خلال تناول الفواكه.. فوائد غذائية لنموهم وتطورهم    لفتة طيبة.. طلاب هندسة أسوان يطورون مسجد الكلية بدلا من حفل التخرج    المدينة الشبابية ببورسعيد تستضيف معسكر منتخب مصر الشابات لكرة اليد مواليد 2004    سعرها صادم.. ريا أبي راشد بإطلالة جريئة في أحدث ظهور    بإمكانيات خارقة حتدهشك تسريبات حول هاتف OnePlus Nord CE 4 Lite    الإسكان: جذبنا 10 ملايين مواطن للمدن الجديدة لهذه الأسباب.. فيديو    وزيرة الهجرة: 1.9 مليار دولار عوائد مبادرة سيارات المصريين بالخارج    إغلاق مناجم ذهب في النيجر بعد نفوق عشرات الحيوانات جراء مخلفات آبار تعدين    أمطار خفيفة على المدن الساحلية بالبحيرة    أمينة الفتوى: لا مانع شرعيا فى الاعتراف بالحب بين الولد والبنت    "العطاء بلا مقابل".. أمينة الفتوى تحدد صفات الحب الصادق بين الزوجين    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خدمات الإخوان للحزب الوطني


انفجار الجماعة الذي بدأ بنصر سياسي كبير
علي الرغم من مرور نحو ثلاثة أشهر علي تفاعلات أزمة جماعة الإخوان، وبغض النظر عن تمكن الجماعة من أن تهدئ قسوة التغطية الإعلامية لتبعات تلك الأزمة ومدلولاتها وتفاعلاتها ونتائجها، إلا أن معضلة الانتخابات المطعون في قانونيتها ونزاهتها وحتي اللائحة التي نظمت علي أساسها، لم تزل تلقي بآثار عميقة علي كيان الجماعة .. وتوابع مهولة علي تركيبتها وفيما بين أجيالها .. فضلا عن كونها أدت أصلا إلي انهيار مصداقيتها أخلاقيا وسياسيا وإعلاميا.
وفي الأيام الأخيرة، اندلعت أزمة غامضة في موقع (إسلام أون لاين)، الذي يتبع جمعية قطرية من حيث التمويل، ويشرف عليه الشيخ يوسف القرضاوي، ويعج بعشرات من المحررين المصريين، الذين ينتمي بعضهم لأجنحة في جماعة الإخوان .. لقد صور الأمر علي أنه نوع من السيطرة السلفية القطرية علي الموقع .. بطريقة قسرية .. تدفن ما وصف بأنه اعتدال مضمونه .. غير أنه حتي وإن كان الأمر كذلك فإنه يمكن القول أن ما جري في الموقع هو أحد تبعات أزمة الإخوان .. ونوع من العقاب المتأخر لعدد من العناصر التي تقف ضد ما جري في انتخابات الجماعة. ذلك أن الموقع الرئيسي، كان قد تفرع منه في داخله موقع آخر اسمه (الإسلاميون)، كان معنيا بمتابعة شئون الحركات الإسلامية في العالم العربي وغيره، خصوصا في المغرب ومصر، مع إطلالات عابرة علي السودان والسعودية وباكستان والصومال، لكنه عمليا تحول في الأشهر الأخيرة للتركيز علي تفاعلات أزمة الجماعة.. وأصبح ساحة حقيقية للتعبير عن الجناح الرافض للقطبين المسيطرين الآن علي التنظيم.. وقد اعتمر بعشرات من المقالات الكاشفة بحرية غير متوقعة لحقيقة أزمة الإخوان العميقة.. وليس فقط ملف الانتخابات المطعون في مصداقيتها ونزاهتها. وتقديري الشخصي أن الجماعة بلغت صيغة ما مع الجمعية المشرفة علي الموقع، وأن تلك الصيغة ربما تكون صفقة، مؤداها كتم أصوات الانتقاد الصاخبة في (الإسلاميون)، لأنه بالفعل مداد حقيقي للتعرف علي ما يدور بين أجيال التنظيم خصوصا من يوصفون بأنهم ضد الفريق القطبي الذي استولي علي الجماعة في انقلاب تابعه الجميع .
وللطرافة فإنني توقعت أن تؤدي هذه الأزمة، التي تشبه توابع الزلزال في موقع إسلام أون لاين بعد ما جري في الجماعة من هزة عنيفة جدا، أن تؤدي إلي حجب المقالات والحوارات والنقاشات التي تناولت الأزمة، فاحتفظت بها فورا.. وجمعت في ملف خاص ما يفوق مائة ألف كلمة.. تمثل بالتأكيد أرشيفا يمثل إزعاجا رهيبا للجماعة.
ليس هذا هو المقصد، لكنه مجرد مقاربة، لأحد أوجه ما جري، والأزمة الأخيرة نفسها لاينبغي تناولها هنا - علي الرغم من عمقها - إلا باعتبارها فصلا - وإن طال - من بين فصول مختلفة ومتتالية ضربت الجماعة في الخمس سنوات الأخيرة.. أو ما يمكن تسميته بأنه (لعنة انتخابات 2005).. حين حصل الإخوان علي 88 مقعدا في مجلس الشعب.. هذا التواجد البرلماني الذي أسكر الجماعة هو في حد ذاته كان (تفجيرا بركانيا ) في قلبها.. وأدي هو وأحداث حوله إلي مشكلات عويصة جدا لم تكن في حسبان التنظيم الذي عرف بأنه كيان سري الطبيعة منذ 1928 .
- انضمام الشباب
هذا التواجد البرلماني منح الجماعة زخما لم تقو علي احتماله.. وإن بدت مخمورة به.. وقد كانت قياداتها تظهر علي الشاشات في خيلاء وتقنع نفسها وتوهم الآخرين بأنها سوف تحكم البلد غدا.. في حين أن النتيجة التي تحققت في الانتخابات كانت بمثابة (قبلة التفجير غير المقصودة).. إذ أدي هذا إلي مجموعة من الظواهر:
- فصيل ملموس من قطاعات الشباب تصورت أن الإخوان قد تكون بديلا سياسيا مطروحا.. ليسوا متعاطفين حقا مع الإسلام السياسي.. لكنهم عمليا ضد الحزب الوطني.. وظهر سؤال موحٍ بالمعاني: (كيف انضم إلي الإخوان).. وزادت معدلات الإقبال علي عضوية التنظيم.. واستجابت الجماعة.. وربما تجاوزت عن معايير (ما) تطبقها في قبول العضوية.. فتحمل جسدها فوق طاقته.. وبدا أن الماكينة المجهزة واقعيا لتوليد طاقة تضيء لمبة غرفة عليها أن تولد طاقة تكفي احتياجات شقة كاملة.. وهو ما لم تكن مستعدة له علي الإطلاق.. فأصبح الوافدون الجدد عبئا علي الإخوان.. أكثر من كونهم إضافة لها .
هؤلاء الشباب لو جرت دراسة عليهم، شملت توقيت الالتحاق بالجماعة، وأيضا توقيت الخروج منها.. فكثيرون منهم لم يكملوا الطريق معها.. وشملت أيضا النقاشات التي طرحوها والأسئلة التي تركوها.. لتبين لنا أن هناك علاقه وطيدة بين هذا وبين ما تفاعل في بنيان الكيان في السنتين الأخيرتين .
- وبينما كان هؤلاء الوافدون من أسفل عنصر ضغط غير منظور.. فإن الملاحقات السياسية للجماعة من قبل القوي السياسية الداخلية.. سواء خاطبي الود توهما أنها سوف تحصل علي الحكم.. أو طالبي التقرب نكاية في الإدارة التي تتبع الحزب الوطني.. أو القوي الخارجية التي راحت تمد جسور التواصل مع الإخوان.. نقاشا وتفاعلا واتصالا.. كل هذا وضع الجماعة المحظورة في مساحة اكتشاف إجبارية لقدرتها ما بين الحقيقة والخيال.. المأمول والملموس.. وبينما كان الآخرون يكتشفونها.. فإنها أيضا كانت تكتشف نفسها.. وتفاجأ بالحقائق الصادمة.. وإن لم تعلن مواجهتها بصراحة.
- طريق إجباري
- مسافة أخري كان علي الجماعة أن تقطعها بالإجبار وليس بالاختيار.. وهي تتعلق بكونها حين حصلت علي هذا العدد من المقاعد في الانتخابات كان لابد أن تقدم نفسها للرأي العام باعتبارها جماعة علنية في حين أن طبيعتها وتكوينها وتفاعلاتها سرية.. وتجاوزت قيادة الجماعة عن هذه المسألة الجوهرية.. وظنت أن تكثيف التصريحات والمشاركة الشكلانية في الأنشطة السياسية والصخب البرلماني سوف يغطي علي تسديد تلك الفواتير.. لكن تلك المسألة ظلت تتفاعل وتفجرت في مرات مختلفة كان أشدها وطأة ما جري في الأيام الأخيرة.
عمليا وقبل انتخابات 2005 كانت الجماعة تواجه حتما استحقاق ضرورة مراجعة (نصوص سيد قطب)، المرجع الأساسي لفكر الجماعة، لاسيما بعد الانتباه العالمي له باعتباره المصدر الأهم لفكر التطرف الديني لدي غالبية التنظيمات الإسلامية حول العالم.. ووجدت الجماعة نفسها بين قطبي رحي: إما أن تراجع ما كتب سيد قطب وصولا إلي انتقاده والتخلص من بعض قيوده.. خاصة مبادئ تكفير المجتمع الحديث.. أو أن تبقي عليه كما هو.. فتظل موصومة بأنها تؤمن بفكر ينتج الإرهاب.. هو نفسه الذي تعتمد عليه أدبيات تنظيم القاعدة.
ولم يحدث نقاش حقيقي أصيل حول سيد قطب في الجماعة.. وكما اتبعت مع كافة الظواهر الأخري طريقة (الهروب إلي الأمام) نحو اللاهدف.. وبدون ضمان الفرار مما تهرب منه.. فإنها في حالة (تحدي سيد قطب ) ظلت غير قادرة علي التعامل معه.. إلي أن كانت المفاجأة الكبري هي أن خضعت الجماعة لسيطرة القطبيين.. أشد المؤمنين بفكر سيد قطب.. وهي مسألة جوهرية تعبر عن أن التنظيم لم يستفد لا من الجدل الدولي الدائر منذ سبتمبر 2001 ولا من التبعات التي فرضتها انتخابات 2005 .
بالتوازي مع هذه الظواهر، ونتيجة لها، وبالإضافة إليها، أسفرت التفاعلات في السنوات الخمس الأخيرة عن مجموعة من الأزمات والتحديات التي تكثفت واحدة تلو أخري.. بدون أن تتعامل معها الجماعة بطريقة ناجعة.. مما أدي إلي فقدانها مصداقية لم تكن أصلا موجودة (وفق مقاييسي).. وهي كما يلي:
- نواب بلا تأثير
- التحدي السياسي المتمثل في أداء ال88 نائبا في مجلس الشعب: كان أمامهم أمران.. الأول هو أن يثبتوا للرأي العام قدرة ليست لديهم.. حين تبين أنهم في نهاية الأمر ليسوا سوي أقلية برلمانية لايمكنها أن تؤثر في المسار التشريعي.. في حين أنهم أوحوا للرأي العام أن ما حققوه في الانتخابات هو فوز كامل نقل مجلس الشعب إلي قبضتهم.. والثاني هو أنه إذا لم يكن بمقدورهم أن يؤثروا في القرار فإن عليهم أن يطرحوا علي الجمهور أفكارا ورؤي تعبر عن توجهاتهم.. وأنهم يتجاوزون الشعار الشهير (الإسلام هو الحل) إلي عمق الموضوعات التي تشغل الناس.. وهو ما لم يفعلوه حتي اليوم.
هكذا اقتصر الأداء في السنوات الخمس الماضية علي (صخب وشتم وعنف في الانتقاد).. ربما تسبب في تشويه ما للمنافسين إلا أنه لم يحقق للإخوان أيضا مكاسب حقيقية.. وفي ذات الوقت فإن النواب الإخوان واجهوا صعوبة مهولة في أن يقدموا خدمات حقيقية للناخبين.. لأن علاقتهم بالدولة شبه منعدمة.. وبالتالي عرفت ظاهرة جديدة في الحياة السياسية المصرية وهي: الاستيلاء المعني علي إنجازات الآخرين.. أي أن يعلن نائب إخواني ما أنه قد حقق إنجازا من أي نوع.. بأن ينسب لنفسه ما تقوم به الحكومة وأن هذا تم بسبب جهوده الشخصية.
لقد كان من الممكن أن تستفيد الجماعة من هذا الحدث التاريخي - كونه تاريخيا لا يعني أنه إيجابي - بأن تنتهز الفرصة لكي تجد سبيلا إلي بنيان الدولة.. إما بتقديم نموذج مختلف للعمل السياسي الذي يؤكد رغبتها في التفاعل الديموقراطي.. أو من خلال التواصل المثمر مع الأجهزة التي يتعامل معها أي نائب علي مدار عمله اليومي.. لكن الجماعة قدمت خدمة جليلة للحزب الوطني.. ولبقية التيارات التي لا تثق في التطرف الذي يمثله الإخوان.. خدمة تمثلت في الانعزال والابتعاد.. في حين أنه واقعي كان الآخرون يبنون السيناريوهات الدفاعية علي أساس أن الإخوان سوف يحاولون استثمار الفرصة بكل السبل.
الجماعة، التي انشغلت حقا في أن تدرب نوابها، وتخصص لهم مقرا في القاهرة، استطاعت أن تسبب هلعا للناس من وجودها البرلماني.. خاصة أنهم تبنوا أجندة واضحة لاتراجع عنها تنطوي علي تشويه كامل لكل ما يقوم به الحزب الوطني دون أن يراعوا أن هذا الذي يقوم به يمثل منظومة مصالح.. ترتبط بها فئات كثيرة جدا في المجتمع.. فالاستقرار مصلحة عامة.. والسلام مصلحة وطنية.. والمكاسب الاقتصادية مصالح جماهيرية.. والمواطنة مصلحة دستورية.. وغير ذلك.. وبينما انخرط نواب الإخوان في انتقاد الأداء وتشويه صور نواب الحزب الوطني فإنهم دون أن يدروا قدموا أنفسهم باعتبارهم البديل الذي لايجب أن يأتي.. أخافوا الأقباط ورجال الأعمال وأصحاب الفكر المدني وخونوا الجميع.. وقدموا أنفسهم باعتبارهم الأتقياء لا أحد غيرهم كذلك.. وانقضت السنوات الخمس بدون أن يحققوا شيئا ملموسا.
- وهم القوة
- العقلية التي أدارت العمل الإخواني البرلماني انعكست بالتالي علي الأداء خارج مجلس الشعب.. ومن جانب أقنع الإخوان أنفسهم بأنه كان يمكن لهم أن يفوزوا بعدد أكبر من المقاعد البرلمانية لولا أن الدولة تدخلت ضدهم في المراحل التالية للانتخابات.. ومن جانب ثانٍ توهموا أن كل مكسبهم الانتخابي كان ناتجا عن إيمان الناس بهم.. في حين أن كثيرا من الأصوات التي ذهبت إليهم في الصناديق كانت تعبيرا عن الاحتجاج أكثر من كونها مؤيدة لهم. وبناء علي (وهم القوة)، وتصور أن العدد الكبير من النواب قد أعطاهم حصانة علي المستوي الداخلي وعلي المستوي الخارجي.. وتخيل أن هذا سوف يمكنهم من تحدي القانون.. فإن الجماعة دخلت في الأزمة التالية عن طريق (استعراض الطلبة الإخوان العسكري في فناء جامعة الأزهر ).
لقد تصرف الطلبة بناء علي إحساس نقل إليهم من قيادتهم.. وهو أنهم قد امتلكوا زمام الأمر.. وبالتالي فإنه يمكنهم أن يقوموا بما يشاءون.. وكان أن تجاسروا وطلبوا بأنفسهم كاميرات الصحافة والتليفزيون لكي تصورهم وهم يمارسون التدريبات العنيفة التي تعلموها داخل معسكرات الجماعة .
وما إن انكشف الخبر، ونشرت الصور، حتي تجسد الرعب الذي يمثله تنظيم متطرف واقعا، وتصاعدت عشرات الأسئلة الحالية تعيد إلي الأذهان عديدا من أسئلة الماضي الذي تورط الإخوان في جرائمه.. وأصبحت الجماعة أمام تحدٍ رهيب لا تستطيع أن تتعامل معه أو تديره.. تبرره بطرق مضحكة.. ولا تقوي علي مواجهة الاستفسارات الخاصة به.. ولا يمكنها أن تعيد الاطمئنان إلي نفوس من تخيلوا أنها يمكن أن تمثل طرفا في التفاعل الديموقراطي.. وكانوا قد طالبوا لها بألا تبقي محظورة وأن تمنح الحرية القانونية في الحركة.
الأكيد، أنه رغم مضي سنوات علي هذه الواقعة، إلا أنها لم تزل حاضرة في الأذهان، ولا يمكن محوها ببساطة من الذاكرة، حتي لو كان تعامل الجماعة معها يتم بطريقة (الاستخفاف)، أو (الغلوشة)، لكنها لاشك تسببت في مخاوف رهيبة لكل راغب في أن يحافظ علي استقرار البلد ولا يريد له أن يعود إلي عصور العنف والإرهاب .
- عبث إخواني
- ومن المثير في الأمر أن كل ما تعتقد الجماعة أنه يعبر بطريقة ما عن تأثيرها وعن قوتها.. له في حقيقة الأمر جوانب سيئة عديدة أخري.. لا تأبه بأن تقيمها.. أو تدرك أنها تسبب لها أزمة أخري.. وفي هذا السياق أشير إلي التداخل الإخواني الحاد في أزمة نادي القضاة قبل سنوات.
لقد بدا واضحا أن عددا من أصوات النادي - لا أقول أصوات القضاة - إنما يعبرون عن مواقف سياسية لا علاقة لها بالشأن القضائي.. وأن التصعيد الحاد تجاه الدولة. ربما يمثل تحديا لها.. وصولا إلي حافة الهاوية.. وإجبار أنفاس الجمهور علي اللهاث المتوتر في تفاعلات متتالية تثير مخاوف رهيبة علي الاستقرار.. والقلق علي الغد.. كل هذا يؤدي إلي خصم ضمني ولو لم يكن غير علني من أي رصيد مفترض لجماعة الإخوان .
إن قيادات النادي السابقة كانت تنتمي إلي تيارات مختلفة.. لكن الجماعة قدمت الأمر للرأي العام علي أنه نابع منها.. وأنها تذهب إلي آخر مدي في مواجهات مع الإدارة لها صور مختلفة.. وبالتالي تحمل الإخوان مسئولية تلك الأزمة ونتائجها.
أولا من حيث إن المحصلة الأخيرة لم تكن وفق الأهداف المعلنة من أصوات قدمت نفسها علي أن تتحدي سلطة الدولة (خلف غطاء استقلال القضاء).. وفي السياسة قد ينجح المعارض في أن يسبب حرجا ما لمن يعارضه.. لكنه إن لم يحقق هدفه فهو يؤكد كل يوم أنه غير قادر علي تنفيذ ما يعلن لأسباب مختلفة.
وثانيا من حيث إن التوتر الذي سببته الأزمة أحدث قلقا كبيرا.. في المؤسسة المعنية والقطاعات المرتبطة بها.. وفئات الرأي العام المتابعة.. وبينما تصدي الإخوان لكي يقدموا أنفسهم علي الشاشات والصفحات بأنهم مسئولون عن هذا التدبير كله فإنهم بالتالي تحملوا تبعات النتائج.. حتي لو لم يكن معلنا عنها في مساحات منظورة.. فالتراكم له تأثيراته علي المدي البعيد.. نقطة تلو نقطة.
وثالثا كشف هذا العبث الإخواني عن رغبة في إلهاب مؤسسة قانونية قضائية مستقرة لها تقاليدها.. لم يسعد المصريون بالطبع وهم يرون تلك التفاعلات تكشف عن جوانبها فيها.. بينما هم يمنحونها ثقتهم غير المحدودة.. واهتزت التقاليد.. وترنحت المعايير.. وتقدم عدد من قيادات نادي قضاة القاهرة إلي الساحة علي أنهم رموز في عالم السياسة.. وقد صب كل هذا في خانة الخصم من جماعة الإخوان.
- بالتوازي مع هذه التصرفات المخططة، والموجهة، فإن قيادة الجماعة السابقة أدخلتها في أزمة جديدة.. بفعل الغرور الذي انتابها بعيد الفوز ب88 مقعدا في الانتخابات.. وعلي سبيل المثال فإن الحوار الذي أدلي به مرشد الجماعة السابق محمد مهدي عاكف.. وأهان فيه البلد.. وقال (طظ في مصر.. واللي جابو مصر).. ولم يمانع من أن يتولي شئون البلد (ماليزي أو باكستاني أو إندونيسي).. ثم تصريحه بأنه قادر علي أن يشحن عشرة آلاف مقاتل إلي لبنان للمشاركة في الحرب هناك ضد إسرائيل.. كل هذا وغيره أدي إلي رسوخ الانطباعات العامة بأن هذا الكيان يضمر ما يخفي.. ويناقض في مكنون عقله مع ما يكشف عنه .
في البرلمان نحن أمام حالة أداء سياسي هادم.. وفي جامعة الأزهر كنا أمام تعبير عملي عن العقيدة المتطرفة.. وفي أزمة نادي القضاة تجسدت الرغبة في توظيف المؤسسات العريقة وإقحامها في الصراع السياسي.. وفي التصريحات المغرورة والطائشة تبين للرأي العام أن لكل هذا سياقا يجمعه وأهدافا يسعي إليها.
تصريحات عاكف التي يعتقد الإخوان أنهم تجاوزوها بأبعاده تمثل جرسا معلقا في رقابهم إلي اليوم.. وسوف يظل كذلك.. فالمصريون علي سبيل المثال لم ينسوا للمرشد مصطفي مشهور أنه قال إنه ليس علي الأقباط أن يؤدوا الخدمة الوطنية في جيش مصر.. ولم يزل هذا متذكرا رغم موته.. كما أن بقاء عاكف في استراحة مزرعته قرب الإسماعيلية لا يعني أنه قد تخلص هو أو التنظيم من عبء ما كان يقول ويصدم به الجميع.
ولم تكن هذه التصريحات مجرد انفلاتات لفظية.. لأنها تكررت مرارا.. ولم تكن تعبيرا عن توجهات شخص واحد.. لأن كافة قيادات الجماعة دافعت عنها وراحت تبررها وتفسرها.. بل إن كثيرا من الإخوان ظلوا يقبلون أيدي المرشد الذي قال إنه ليس لديه مانع من أن يحكم مصر ماليزي أو إندونيسي.. وأنه (طظ في مصر) .
لقد طرحت هذه التصريحات علي الجماعة أسئلة لم تجب عنها حتي اليوم.. وهي: - إلي أي مدي تؤمن بفكرة الخلافة الإسلامية.. ووجوب تنفيذها.. ومدي ملاءمتها للعصر؟
- ما هو تقييم الجماعة لمبدأ المواطنة.. ليس فقط علي مستوي المفاضلة ما بين المصري والماليزي في بلد المصري.. وإنما بين المسلم وغيره في مصر؟
- ما هي ضوابط التشارك في الصراعات التي يندفع إليها المسلمون في بلاد أخري.. وإذا كان المرشد قد قال إنه يمكنه أن يرسل عشرة آلاف مقاتل إلي لبنان لولا قيود الدولة.. فماذا حين يكون في يده هو إدارة الدولة؟
والأخير سؤال جوهري، إذ رغم أن المرشد عاكف قد ترك موقعه، إلا أنه لم يزل الإخوان يدعون إلي الاشتراك في صراعات غير مصرية ويجدون أن الدولة تقوم بفعل خائن حين لاتندفع إلي ساحة غزة مثلا لكي تشارك مع الفلسطينيين في المقاومة هناك.
- شقاق الفرقاء
-وبينما يفرض الإخوان علي المجتمع تحديات مهولة.. باعتبارهم خطرا حقيقيا علي الحياة السياسية المدنية.. كان من الطبيعي أن تواجه التعديلات الدستورية هذا الأمر.. فتضمنت في 2007 نصا يؤكد أنه لا استخدام للدين في السياسة.. وقد كان هذا النص المرسخ لقيم الدولة المدنية والمؤكد عليها بمثابة تحدٍ حقيقي إن لم يكن أزمة مستمرة لجماعة الإخوان المسلمين.. ولم يزل كذلك.
ذلك أنه إذا كان نواب الجماعة إنما يلجأون إلي الصخب والاتهامات المطلقة التي تتيحها الحصانة البرلمانية في مجلس الشعب.. فإنه لن يكون متاحا لهم في المرة التالية أن يستخدموا الشعار الديني لخداع الناخبين.. وعليهم أن يضعوا بديلا موضوعيا يشرحونه للناس ولايقدمهم للناخب علي أنهم الأتقياء الوحيدون.
ومن الطبيعي أن النص الدستوري حقق نقلة نوعية في الحياة السياسية سوف يبين أثرها بمضي الوقت ومع الاستمرار في التطبيق.. ولكنه ألقي بالكرة في ملعب الإخوان.. مع بضع كرات أخري.. ما أدي إلي طرح فكرة تأسيس حزب للإخوان بقوة في داخل التنظيم.. وهكذا عكف فريق من الجماعة ومستشاريها علي كتابة برنامج.. تحول هو بدوره إلي أزمة داخل الجماعة.. وأزمة لها مع المجتمع.. ومع العالم الخارجي.
لم يتفق الفرقاء في الكيان الإخواني علي النصوص . وحتي حين خرجت مسودة بهذه الأفكار التي قيل إنها برنامج الحزب بدا أنها لا تعبر عن الجميع.. وفوق ذلك هي تشبه في مضمونها الشامل عشرات من البرامج المطروحة.. وبما في ذلك نصوص مقتبسة من برنامج الحزب الوطني.. ولكن البرنامج الإخواني بقي علي مواقف الجماعة من الأقباط ومن المرأة.. فتبين للجميع أن الإخوان تنظيم يريد دولة للرجل المسلم فقط.. ويرفض كل ما هو دون ذلك.
وإذا كان قد مضي أكثر من عامين علي ظهور هذا البرنامج الذي صدم البقية الباقية من مروجي فكرة الحوار مع الجماعة في الخارج.. ثم ابتلعته.. متخيلة أن الجميع سوف ينسي أمره.. فإن المسألة لم تزل مطروحة.. خاصة أن المتحدثين عن الإخوان لم يصلوا إلي إجابة من أي نوع يمكن أن يقولوها حتي علي أنها آراؤهم وليس من مواقف الإخوان وأفكار الجماعة.
إن كل هذا الذي مضي تفصيله ناتج في الأصل عن أن التنظيم السري اقتحم الانتخابات البرلمانية في 2005 وحصد منها ما استطاع دون أن يستوعب المعني أو يفهم المبرر وراح يبني علي أسس خاطئة ووهمية.. وراح الآخرون يبنون معه.. فوق أسس هشة.. فانهار وتكاثرت أزماته.. وانكشف مرة تلو أخري.
لقد أدي دخول الإخوان إلي مجلس الشعب بهذه الكثافة إلي وضعهم تحت المرصد العام بطريقة لم يستعدوا لها من الأصل.. ولاهم قادرون عليها.. وبالتالي فإن خمس سنوات كانت كافية جدا لكي يكتشف الجميع الحقيقة.. والمتابع للحراك السياسي المصري يدرك ما هو الفارق بين ديسمبر 2005 عندما انتهت الانتخابات.. وبين مارس 2010 وقبل انتخابات جديدة.. ويدرك جيدا كيف ضاعت قوة مزيفة للجماعة عاشت فيها زمنا حين كانت تصر علي التخفي.
ولهذا فإن الشباب الذين أقبلوا عليها خرجوا منها ولن يعودوا إطلاقا.. وقياداتها التي استفادت إعلاميا - ليس أكثر - من السنوات الخمس الماضية انهارت في الانقلاب الذي قاده القطبيون مؤخرا.. والذين بنوا تصورات علي أساس أن الجماعة رقم في مستقبل مصر كان عليهم أن يعيدوا حساباتهم.. كما كان أن تفجرت كل الألغام التي حاولت الجماعة أن تتجنبها بإطلاق سحب الدخان وتعلية الصوت بالصخب.
إن الإخوان الذين سنراهم في نهاية 2010 لن يكونوا هم علي الإطلاق الذين رأيناهم في نهاية 2005.. وهذا معني يهم الجميع ودرس لكل اللاعبين علي الساحة.
وسوف أستكمل هذا الملف في مقالات جريدة روزاليوسف خلال الأسبوع الحالي.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الأراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.