د. صبري الشبراوي أستاذ الإدارة بالجامعة الأمريكية أكد علي ضرورة وضع رؤية جديدة نعيد من خلالها بناء المواطن المصري حتي نتمكن من أن نستثمر طاقاته المختلفة.. وحتي يصبح قادرا علي الإنتاج والمنافسة بعيدا عن النعارات الهدامة التي أفقدتنا قيادة المنطقة العربية. وقال الشبراوي في الحوار الذي أجريناه معه علي خلفية أحداث مباراة مصر والجزائر أن لدينا ثروة بشرية هائلة ومخزوناً حضاريا مذهلاً ومقومات حياة غير موجودة في أي مكان آخر، لكننا نعاني من فشل الإدارة وسوء التخطيط الذي يرجعنا دائما إلي الوراء! - بداية ما هو تقييمك للأحداث التي صاحبت مباراة مصر والجزائر؟ - شيء مؤسف ومحزن للغاية، فأحداث الشغب التي صاحبت المباراة لا ترقي لما حدث وعلينا أن نترفع عنها.. ليس ضعفا ولكن لأن القوة ليست في العشوائية والشحن العصبي والإعلامي غير المدروس.. فهذا لا يحقق أي فائدة وعلينا التحرك بطريقة مختلفة. - وماذا عن ردود الفعل علي المستويين الشعبي والرسمي؟ - علي المستوي الشعبي كان كل ما حدث مجرد كلام ليس من ورائه أي منفعة.. فالمظاهرات صحية ولكنها لم تأت إلا بالمزيد من الإحباط للناس البسطاء الذين تعلقت أحلامهم بالفوز وكأنها نصر تحقق في حرب ما أو تحرير لبلد محتل! أما علي المستوي الرسمي فالعقلانية مطلوبة.. وحتي تستطيع أن تأخذ حقك عليك دراسة ثغرات القوانين التي تؤهلك للحصول علي العقوبات الاقتصادية والقانونية المطلوبة تجاه الجزائر. - وهل تعتقد أن لمسألة الحساسية أبعاداً سياسية وثقافية أم أن الأمر لا يتعدي كونه مباراة كرة قدم؟! - الأمر لم يكن علي الإطلاق مباراة كرة قدم.. وإنما المسألة تاريخية ولها جذور وأبعاد قديمة.. فنحن دولة مستقرة سياسيا واقتصاديا ولكن الغيرة هي التي تحكم.. هنا المفترض أن تكون مشروعة لأنها بين أشقاء وأخوة عرب. ولكن المشكلة التي تسيطر علي بعض الشعوب العربية هي نكرانهم للجميل وعدم الاعتراف بقيمة الأمر.. حتي عندنا عندما نري شخص ناجحاً فنقول حظه كويس أو فيه زيه كتير هو مش فلتة فعلينا أن نثق في أنفسنا بعض الشيء.. ليس بالكلام وإنما بالبحث والدراسة المستمرة حتي نستطيع مواكبة مصاف الدول الكبري. - البعض دعا لأن تعيد مصر حساباتها السياسية تجاه المنطقة العربية بعدما حدث.. هل تؤيد هذا الاتجاه أم لا؟ - لا أعتقد أن هذا الحدث سوف يجعلنا نعيد ترتيب حساباتنا.. فمن المفترض أننا نقوم كل سنة بإعادة تقييم نظرتنا لأنفسنا أولا قبل مراجعتها مع الآخر وفي طريقة تعاملنا مع سياسات الغير، التي تختلف ما بين الدول العربية والأوروبية، ولكن للأسف العشوائية في ترتيب الأولويات هي دائما التي تقودنا إلي الوراء فنحن ننتظر الكارثة حتي نتحرك فعليا. فاستعادة دورنا في المنطقة العربية لن يأتي إلا بعد أن تتحول جميع مؤسسات الدولة إلي هيئات منتجة وأن تقدم إنتاجا قابلا للبيع وله سوق بل منافسا بجودة عالية وسعر أقل.. في هذه الحالة سوف يلجأ إليك الكبير قبل الصغير. - البعض رأي فيما حدث وجها إيجابيا تجلت فيه روح الوطنية المصرية والتكاتف الوطني.. كيف يمكن أن نستغل هذه الروح والبناء عليها؟ - علينا أن نشحنهم أولا بأن التقدم والتفوق لن يحدث بالحرب ولا بالعضلات، وإنما بتغيير الفكر.. فعلينا الاستثمار في العقول حتي تصبح مبتكرة وقادرة علي التطوير.. ولنبدأ بتحديد عدة حملات أولها علي سبيل المثال أن ننظف جميع شوارعنا.. فوجود الحلم والأمل دائما ما يكون الدافع القوي للتغيير.. فالأمريكان السود كانوا عبيدا والآن أصبح من يرأسهم أسود، فعلينا أن نحفز الشباب بدعوتهم للتغيير الذي يبدأ بعقولهم أولا ثم ندعوهم لتبني عدة حملات عجز المسئولون عن حلها مثل الأمية التي أصبحت عدو التقدم، وما أقصده بالأمية ليست فقط أمية القراءة والكتابة وإنما الأمية الجامعية! وكذلك سوء الإدارة ولنبدأ بالإعلان عن المراكز التي تحتاج إلي مديرين، ولنشكل مجموعات علمية محايدة لوضع معايير الاختيار ثم نختار أفضل الأشخاص الذين تنطبق عليهم هذه المعايير.. وهذا ما يحدث في جميع دول العالم المتقدم. - لماذا تظهر هذه الروح في كرة القدم فقط ولا تظهر إزاء التصريحات الأخري؟! - أعتقد أن الشحن الإعلامي الزائد والحديث في مختلف البرامج والصحف يجعلنا نتعلق بشيء ما.. وهذا دائما ما يحدث مع مباريات الكرة، ولا نجده في القضايا الأخري لأن الذي يتبني هذه الموضوعات أشخاص ليست لديهم الحماسة والجدية والقدرة علي إقناعي بسلوك ما.. فنحن شعب عاطفي، لذلك علينا استغلال هذه المسألة بإعادة الخريطة البشرية في مصر لتقوم علي العلماء والباحثين والمبدعين والمفكرين من أصحاب الرؤية المبتكرة، بعيدا عن التقليدية في التفكير التي تجعلنا نقلد دون أن نفجر بداخلنا الطاقات المختزنة حتي تخرج في شكل سليم. - وكيف نطرح أهدافا أكبر يمكن جمع الناس حولها؟ - أولا بوضع برنامج علمي في جميع المجالات التي من الممكن أن نتفوق فيها وتضيف قيمة للعالم الخارجي في صناعات نحن رائدين فيها، مثلا السياحة والزراعة والصناعة والثقافة.. فعلي سبيل المثال شركة نوكيا العالمية كانت في الأصل شركة لبيع الأحذية وعندما أفلست تولي أمرها مجموعة من الشباب الواعي فغيروا نشاطها من الأحذية إلي العمل في التقنية الجديدة للتليفون المحمول، حتي أصبحت بفضل 231 ألف عامل ومهندس أكبر شركة علي مستوي العالم وتعدت مبيعاتها ال15 مليار يورو. وبالتالي نستطيع استغلال الطاقات البشرية للمصريين بدفعهم نحو الأعمال الإيجابية وبناء الثقة داخلهم بأنهم قادرون علي النجاح وهزيمة الفشل وبالتالي سيحققون النجاح بقوة وليس بمساعدة أحد. - هل المطلوب أن ننكفئ علي أنفسنا حتي نحدث النهضة المطلوبة أم نفكر في صيغة أخري للقومية العربية أم نطرح أنفسنا كجزء من العالم الكبير؟ - ليس صحيحا إننا حتي نحقق النهضة ننعزل عن العالم الخارجي، فانخراطنا فيه مطلوب حتي نصل إلي المعايير القياسية في التقدم، أما بالنسبة لصياغة أفكار أخري للقومية العربية فهذا لن يفيدنا كثيرا لأن تقدمنا هو الذي سيجعل الدول العربية تلجأ إلينا من جديد وتحاول التقرب منا حتي تستخلص ما حصلت عليه من تكنولوجيا. - مرت بنا مواقف مشابهة ولم نستفد منها لأن الحماس الذي كان يواكبها فتر وخفت كيف نستطيع الاستمرار دون توقف؟ - علي الفضائيات والقنوات الخاصة والحكومية أن تضع لها رؤية واحدة في كيفية النهوض بالبلد.. وهذا لن يتعارض مع مصالحها، فالإعلام سلاح خطير قادر علي النهوض بشعوب.. وتخلف بعض الشعوب الأخري كان وراءه ما تبثه من برامج من شأنها تغييب الشعب خلف أفكار بالية هدفها إحباطه وزراعة اليأس في نفوسه! - ما القضايا التي يجب أن نوجه لها هذه الطاقة؟ - أولا التعليم ثم البحث العلمي.. في الستينيات تفوق الاتحاد السوفيتي علي أمريكا في مجال علوم الفضاء، وهذا دفع أمريكا إلي أن توجه سياستها التعليمية لتتقدم في علوم الفضاء.. هكذا تم توجيه السياسية التعليمية بناء علي الرؤية الجديدة للدولة. ثانيا: الاهتمام بالابتكار بالبحث عن العقول القادرة علي الإنتاج.. وثالثا نطبق الديمقراطية لاختيار من يدير أي مؤسسة، فإذا شعر الفرد بقيمة الاختيار فسوف يحمل مسئولية اختياره.. وها هو النظام الديمقراطي الحقيقي، وأخيرا أن نغرس قيمة الاحترام وقبول الخلاف لأن الاخلاف ليس معناه الخلاف.. فالتنوع يزيد من قوة الشعب وحسن اختياره. - وما الأولويات المطلوبة بالنسبة لنا في الوقت الحالي.. الاهتمام بالقضايا القومية أم الداخلية أم الاثنين معا؟ - بالتأكيد اهتمامنا بأوضاعنا الداخلية سينعكس علي سياستنا مع جميع الدول العربية بالمنطقة.. فالانعزال ليس صحيحا والتكامل مطلوب في المرحلة القادمة.. فكفانا رفع شعارات دون أي عمل! - هل تعتقد أن هناك دولا يمكن أن تستعيض بها عن العلاقات العربية؟ - هذا كلام فارغ لأنك لا تستطيع في هذه المرحلة أن تستعيض عن أي دولة عربية.. فلابد أولا أن تبني دولتك وفق الرؤية الجديدة التي طرحناها، ثم عندما تصبح في مركز قوة تستطيع آنذاك أن تقيم علاقات مع دولة دون أخري، أما الآن فالوضع لا يتحمل أي خسارة. - في رأيك هل مازالت شعارات القومية العربية والأخوة والتسامح إزاء ما تفعله بعض الدول العربية صالحة للاستخدام أم أنه آن الأوان لتعديل هذه الشعارات لتكون هناك مشاركة من كل دولة بما تتميز به؟ - أنا ضد هذه الشعارات من حيث الأصل.. فقديما كنا نساعدهم في أن يتعلموا وكيفية أن يحصلوا علي التكنولوجيا وأن ينتجوا، أما الآن فهم لم يريدوا منا شيئا.. لذلك علينا استعادة ما فقدناه أولا من خلال دراسة ما كنا نتميز به في الماضي لنجعله هو الحاضر والمستقبل.. فهذا أقصر طريق للنجاح.