الفريق أسامة عسكر يشهد تنفيذ البيان العملي لإجراءات التأمين التخصصي بالجيش الثالث    القباج وجندي تناقشان آلية إنشاء صندوق «حماية وتأمين المصريين بالخارج»    رئيس جامعة الأزهر يبحث مع وزير الشئون الدينية الصيني سبل التعاون العلمي    الغضبان: بورسعيد تزخر بالفرص الاستثمارية الواعدة.. والعلم سلاحنا لبناء المستقبل    حزب الله: صواريخنا أجبرت مقاتلات إسرائيلية على مغادرة لبنان    التشيك: فتح تحقيق بعد مقتل 4 أشخاص وإصابة 27 جراء تصادم قطارين    رضا عبدالعال يكشف ل"مصراوي" مفاتيح تألق صلاح أمام بوركينا فاسو    استبعاد ماجواير وجريليش.. قائمة إنجلترا النهائية لبطولة أمم أوروبا 2024    رئيس بعثة الحج الرسمية: وصول آخر أفواج القرعة إلى المدينة المنورة غدا    إسعاف الفيوم توفر 81 سيارة بالمناطق السياحية خلال أيام عيد الأضحى    5 جثث و18 مصابا في حادث مروع بالعياط    مفاجأة في تقرير الطب النفسي عن سفاح التجمع    السرب يحقق 40 مليون جنيه في 5 أسابيع.. وفاصل من اللحظات اللذيذة يتخطى 59 مليونا    5 أبراج فلكية تعشق تربية الحيوانات الأليفة (تعرف عليهم)    "أيام تكبير وذكر وخير وبركة".. أزهري يكشف فضل العشر الأوائل من ذي الحجة    بالفيديو.. هاني تمام: لا تجوز الأضحية من مال الزكاة على الإطلاق    رئيس "الرقابة الصحية": الابتكار والبحث العلمي ركيزتان أساسيتان لتطوير الرعاية الطبية    رئيس هيئة الدواء يستقبل وزير الصحة الناميبى    البنك الأهلي يطلق حملة ترويجية لاستقبال الحوالات الخارجية على بطاقة ميزة    تكريم أبطال نادى ذوى الاحتياجات الخاصة بأسوان    أشرف زكي محذرًا الشباب: نقابة المهن التمثيلية لا تعترف ب ورش التمثيل    فصائل فلسطينية: استهدفنا مبنى يتحصن به عدد من جنود الاحتلال وأوقعناهم قتلى وجرحى    اعتماد مخططات مدينتى أجا والجمالية بالدقهلية    نقيب معلمي الإسماعيلية يناقش مع البحيري الملفات التي تهم المدرسين    على من يكون الحج فريضة كما أمرنا الدين؟    الفريق أول محمد زكى يلتقى منسق مجلس الأمن القومى الأمريكى    لاعب الإسماعيلي: هناك مفاوضات من سالزبورج للتعاقد معي وأحلم بالاحتراف    ياسمين رئيس بطلة الجزء الثاني ل مسلسل صوت وصورة بدلًا من حنان مطاوع    غرامة تصل إلى 10 ملايين جنيه في قانون الملكية الفكرية.. تعرف عليها    هيئة الدواء تستعرض تجربتها الرائدة في مجال النشرات الإلكترونية    "أوهمت ضحاياها باستثمار أموالهم".. حبس المتهمة بالنصب والاحتيال في القاهرة    "مكنتش مصدق".. إبراهيم سعيد يكشف حقيقة طرده من النادي الأهلي وما فعله الأمن (فيديو)    " ثقافة سوهاج" يناقش تعزيز الهوية في الجمهورية الجديدة    هل يحرم على المضحي الأخذ من شعره وأظافره؟.. الإفتاء تجيب    سوسن بدر تكشف أحداث مسلسل «أم الدنيا» الحلقة 1 و 2    وزير الخارجية يلتقى منسق البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا    للراغبين في الشراء.. تراجع أسعار المولدات الكهربائية في مصر 2024    تكبيرات عيد الأضحى 2024.. وطقوس ليلة العيد    نمو الناتج الصناعي الإسباني بواقع 0.8% في أبريل    لوكاكو: الأندية الأوروبية تعلم أن السعودية قادمة.. المزيد يرغبون في اللعب هناك    مستعد لدعم الجزء الرابع.. تركي آل الشيخ يوجه رسالة للقائمين على فريق عمل فيلم "ولاد رزق"    التحقيق مع عاطل هتك عرض طفل في الهرم    فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بمركز بني مزار في المنيا    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    «التخطيط»: ارتفاع حجم التجارة بين مصر و«بريكس+» إلى 25 مليار دولار    رئيس الوفد فى ذكرى دخول العائلة المقدسة: مصر مهبط الديانات    عضو بالبرلمان.. من هو وزير الزراعة في تشكيل الحكومة الجديد؟    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    أبوالغيط يتسلم أوراق اعتماد مندوب الصومال الجديد لدى جامعة الدول العربية    كيفية تنظيف مكيف الهواء في المنزل لضمان أداء فعّال وصحة أفضل    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية يتابع سير العمل بمشروعات مدينة أخميم الجديدة    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. أولى صفقات الزمالك وحسام حسن ينفي خلافه مع نجم الأهلي وكونتي مدربًا ل نابولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سر الرغبة النفسية الجزائرية فى قتل «الأب المصرى»!
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 21 - 11 - 2009

(حقد بعض المصريين على كل ما هو جزائرى نابع من صراع غير بائن بين البلدين على ريادة العرب) - هذه ليست نكتة!، ولا هى طلقة نار جديدة فى فرح الحرب القبلية التى يشعلها الجزائريون منذ أسابيع، الجملة عبارة عن تصريح لسياسى جزائرى متوسط القيمة هو صديق شهاب الذى وصفته الصحيفة التى نشرت تصريحه (الشروق الجزائرية) بأنه قيادى بحزب التجمع الوطنى الديمقراطى (حزب يوصف بأنه معارض).
فى الأغلب الأعم فإن الرجل حاول أن يقول كلاما يبدو ضخما للصحيفة الجزائرية التى أخذت على عاتقها استنطاق السياسيين الجزائريين ودفعهم لإطلاق تصريحات كبيرة وضخمة بخصوص (موقعة) نهائيات المونديال بين مصر والجزائر، حيث استطلعت آراء زعماء الأحزاب والنواب والوزراء.. إلخ وشارك الجميع فى الفرح، فى الأغلب الأعم فإن الرجل لم يجد سببا حقيقيا كبيرا أو عميقا لما يحدث فأطلق مسألة (الصراع غير البائن) بين البلدين هذه لعلها تكون سببا مقنعا، خاصة أنه قدم تفسيرا أكثر تفاهة للتصريح التافه من الأساس شرح فيه أسباب الصراع (غير البائن) على الريادة بأن (الجزائر معروفة عالميا بثورتها الكبيرة! ومصر معروفة بحضارتها ومن هنا ينشأ الصراع (غير البائن)!
كلام السياسى المحلى الذى هو أقرب لأحاديث العوام يعبر عن حساسية موجودة تجاه مصر ليس فقط فى الجزائر، ولكن فى دول المغرب العربى بشكل عام وهى حساسية تجاورها محبة وهى أيضا واحدة من حساسيات كثيرة عربية عربية بين دول المشرق ودول المغرب وبين دول المشرق ودول المشرق وبين دول المغرب ودول المغرب وبين العرب جميعا لكن مصر دائما هى التى (تشيل) القضية ولهذا أسباب، وقبل أن نتطرق لقصة الحساسية المغربية تجاه الشرق وفى القلب منه مصر وإلى جانب آلاف المقالات التى كتبت ومئات الحلقات التليفزيونية التى حللت وناقشت وفندت وتوعدت وتمنت وناصرت وآزرت تبقى عدة ملاحظات على الهامش.
أولا: من بين 45 صحيفة جزائرية أسبوعية ويومية توجد 4 تملكها الدولة فى الجزائر. ثانيا: على عكس الوضع فى مصر فإنه لا توجد سوى قناة واحدة تليفزيونية لايقبل عليها الجزائريون، فى حين أن متوسط توزيع بعض الجرائد الجزائرية الكبرى هو من 400 ألف إلى 500 ألف نسخة فى اليوم، فى حين أن صحيفة خاصة مثل الشروق أعلنت منذ شهور أنها توزع مليون نسخة يوميا زادت إلى مليون ونصف نسخة يوميا بعد أن بدأت الجريدة حملة (الفبركة) حول قتل الرجال وانتهاك أعراض النساء الجزائريين والجزائريات فى مصر، وأن الصحف الجزائرية تحديدا - بغض النظر عمن وراءها - فهى التى تدفع النخبة الجزائرية والشعب الجزائرى تجاه العداء مع مصر، بل إن ناشرى الصحف الجزائرية بادروا لإصدار بيان جماعى يدين ما أسموه (المساس بالكرامة الوطنية الجزائرية فى القاهرة).
ثالثا: ليس صحيحا أن وسائل الإعلام فى البلدين تتحمل مسئولية مشتركة فى (التسخين) على الأقل فى المرحلة الأخيرة منه، حيث إن سقف البرامج الرياضية المصرية كان الهجوم على رئيس الاتحاد الجزائرى محمد روراوة فى حين اندفعت الصحف الجزائرية فى رفع سقف الهجوم ليطال رئيس الدولة والحكومة المصرية ويتطرق لأشياء من عينة الصراع غير (البائن) على ريادة المنطقة العربية.
رابعا: هناك ثمة صراع عربى - عربى فى المنطقة تكون مصر فى أحيان كثيرة طرفا فيه، وهو ليس صراعا على الريادة بمعناها التقليدى المعروف فى الستينيات ولكنه صراع اقتصادى - اقتصادى، حيث تسبب التراكم الاقتصادى الذى حدث مؤخرا فى السنوات الأخيرة لخروج رؤوس أموال مصرية للاستثمار فى الدول العربية التى بدأت تتحول لاقتصاد السوق تحت ضغط المتغيرات الدولية ومن أهمها حاليا الجزائر وسوريا.
خامسا: لايمكن فى هذا السياق إغفال ما أشار إليه الأستاذ عبدالله كمال رئيس التحرير فى عموده اليومى حول احتمال وجود من يدفع الأمور إلى مزيد من الاشتعال فى الجزائر طمعا فى إزاحة الاستثمارات المصرية من الجزائر والاستيلاء على فرصها.
سادسا: يستطيع هذا الرأى أن يضئ المعلومات الأولية حول قطاع الاتصالات فى الجزائر والتى تقول أن هناك شركتين فقط تسيطران على سوق المحمول فى الجزائر أولهما ذات رأس مال مصرى (جازى) والأخرى ذات رأس مال جزائرى (النجمة).
سابعا: تكرر موقف مشابه فى سوريا منذ سنوات حين بدا أن ثمة فرصا للاستثمار الأجنبى فيها وتدافعت رؤوس أموال مصرية وقطرية، لكن تعقيدات السياسة أدت إلى خروج رؤوس الأموال المصرية وبقاء القطرية خاصة فى مجال السياحة، ولا يعنى هذا بالطبع أن المستثمر المصرى الذى بادر بالذهاب لسوريا ثم الجزائر هو ممثل الوطنية المصرية، لكن ربما كانت هذه طبيعة دوره الاقتصادى والوطنى.
ثامنا: لايمكن عزل كل هذا التصعيد الذى شهدته الجزائر عن فكرة المنافسة الاقتصادية، حيث إن مصر تتمتع بريادة اقتصادية حقيقية تجعلها المستثمر الأول فى الجزائر بعيدا عن مقولات الريادة الحضارية غير محددة المعالم التى تستفز الآخرين دون أن تترجم لمنافع ومكاسب حقيقية لا للشعب الرائد ولا للشعب المطلوب منه الاعتراف بالريادة.
وعلى ما يبدو فإن مسألة الريادة هذه تسبب حساسية مفرطة للجزائريين رغم أنها حقيقة تاريخية حيث إن لفظ الريادة يفاد به السبق فى مجال ما وهى حقيقة تاريخية لا نستطيع أن ننكرها حتى لو كان البعض يرى أن الحاضر أقل من الماضى، ومع ذلك ستجد أن صحيفة الشروق الجزائرية تخصص افتتاحيتها يوم الاثنين الماضى لتتحدث أيضا عن المباراة التى ترى أنها (كانت كفيلة بإعادة ترتيب البلدان فى العالم العربى! فلا ريادة بالحديد والنار مثلما يرى المصريون، بل بالورود وحسن الاستقبال مثلما شاهد ملايين الجزائريين فى مطار الخرطوم!) والمعنى أن ريادة العالم العربى انتقلت للسودان الذى أحسن استقبال الفريق الجزائرى بدلا من مصر التى أساءت استقباله! ولاشك أن كلا من التفكير والتعبير ينطويان على سذاجة مفرطة أو ربما سطحية فى التحليل هدفها الرغبة فى طرح مسألة (ريادة مصر) هذه على الشعب الجزائرى خصوصا، وعلى الشعوب العربية عموما، كل فى مناسبته سواء كانت المناسبة رياضية كما هو الحال الآن أو حدثا سياسيا مثل أحداث غزة أو ضرب لبنان.. إلخ، والجديد هنا هو أنه يتم استخدام معايير الماضى لهزيمة مصر فى معارك الحاضر، حيث تقاس قومية مواقف مصر فى الألفية الثانية بمدى تطابقها مع باترون الستينيات المصرى أيضا فى الأساس وتستخدم الفارق فى المواقف ضد مصر أيضا فى ملاعب الألفية الثانية، حيث المعارك على الاستثمار والريادة فى التعاون الاقتصادى وتحقيق المكاسب المشتركة بين مصر وبين شعوب المنطقة العربية، حيث يتم استخدام وسائل الإعلام ذات الحس الشعبوى ليس فقط لتسميم الأجواء وزرع بذور لكراهية حقيقية، ولكن أيضا لإهدار الرصيد التاريخى لمصر لدى كثير من الشعوب العربية، وفى هذه الحالة فقط يمكن أن يتساوى النفوذ المصرى بنفوذ دولة مثل قطر أو أى دولة أخرى، ونستطيع أن نعتبر الحالة الجزائرية نموذجا لصحة هذا الافتراض، حيث جهود مصر فى مساندة الثورة الجزائرية منذ استقبالها لقادة الثورة فى 52 ثم أول إعلان عن الثورة الجزائرية من إذاعة صوت العرب فى نوفمبر 1954 ثم تبنى القضية الجزائرية فى الأمم المتحدة عام 55 وتدريب قادة الثورة الجزائرية - كان من بينهم الرئيس بوتفليقة نفسه - على حمل السلاح، ثم الإمدادات العسكرية المتواصلة ثم إمداد الجزائر بآلاف المدرسين والخبراء الذين ساهموا فى إعادتها لوجهها العربى والإسلامى الذى كانت تبحث عنه وتشعر بالضياع بدونه، ولعل الأهم فى كل هذا أن الدعم المصرى للجزائر كان سببا مباشرا ومعلنا لاشتراك فرنسا فى العدوان الثلاثى على مصر وهو ما لم ينكره أى طرف من الأطراف، بل كان من اللافت حرص كل الرؤساء الجزائريين المتعاقبين على تجديد هذا الاعتراف والإشادة فى احتفالات الاستقلال المختلفة والمتعاقبة وهو جميل ظلت الجزائر تعترف به وتحاول رده ولعلها فعلت من خلال الموقف الشهير فى حرب 73 حين ذهب الرئيس هوارى بومدين لمقابلة الرئيس الروسى برجينيف وهو يحمل فى يده شيك على بياض طالبا منه أن يمد مصر وسوريا بالدبابات المطلوبة فى موقف احتجاج رمزى على تعطيل السوفييت للأسلحة المطلوبة، والأكثر من هذا أن الجزائر أرسلت ما يقرب من ثلاثة آلاف جندى وضابط حاربوا بالفعل إلى جوار القوات المصرية والسورية واستشهد بعضهم، لكن الواقع والمشكلة أيضا أن هذه مجرد ذكريات والثورات لم يتبق منها شئ يذكر غير التاريخ وربما المرارة، ومع المقاطعة العربية لمصر لم تلعب جزائر هوارى بومدين دورا خاصا ضد مصر لكنها أيضا لم تلعب دورا معها، قاطعت مع الذين قاطعوا وعادت مع الذين عادوا وجفت المياه فى النهر وفى عهد الرئيس الشاذلى بن جديد انشغلت الجزائر بتصفية تركة اقتصادية وسياسية ثقيلة ورثها بن جديد من هوارى بومدين وفى 1988 انفجرت فى وجه الرجل (ثورة الكسكسى) حيث إن (الكسكسى) هو بديل الخبز بالجزائر، وفى محاولة لتلافى اضطرابات جديدة كانت انتخابات 1989 التى أعقبتها عشر سنوات من الإرهاب تعرف فى الجزائر بالعشرية السوداء، ولم تبدأ الجزائر فى التقاط أنفاسها إلا مع بداية الألفية الجديدة وهى مثل كثير من الدول العربية تحكمها بقايا حزب جبهة التحرير وهو حزب يستمد شرعيته من ثورة بدأت فى الخمسينيات وانتهت إلى لاشئ.
ورغم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية يفخر الخطاب الرسمى فى الجزائر بأنها صاحبة ثانى أعلى دخل قومى فى أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، حيث يبلغ دخلها القومى 120 مليار دولار سنويا معظمها من البترول الذى يشكل 97% من صادرات الجزائر، وربما كان سر تصاعد النغمة (الشعوبية الجديدة) فى الجزائر هو الإحساس بدور تاريخى ما أو بوجود مؤهلات وإرهاصات لم تتحول إلى واقع بأن الجزائر تستحق أكثر مما هى فيه، وربما كان السبب هو أزمة الهوية الدائمة التى يعيشها الجزائريون ودول المغرب العربى كافة بدرجات متفاوتة وهى أزمة لم يتعرض لها مجتمع مثل المجتمع المصرى كان فى كل الظروف يعرف أن لغته هى العربية ودينه هو الإسلام والمسيحية ودوائره معروفة ثابتة رغم اختلاف التوجهات، أزمة الهوية هذه خلقها ما يزيد على 130 عاما من الاستعمار الاستيطانى الفرنسى الذى حول الجزائريين لمواطنين فرنسيين من الدرجة الثانية أو إن شئنا الدقة رعايا فرنسيين، وخاض الجزائريون غمار ثورة عنيفة مثل كل ما هو جزائرى عرفت بثورة المليون شهيد وصمم الجزائريون على أنهم مليون ونصف مليون شهيد، وشهدت الثورة نفسها تصفيات عنيفة أدت فى النهاية إلى غلبة الفصيل اليسارى ذى الرافد القومى على قيادة الثورة بعد تصفية العناصر التقليدية الوطنية (عباس فرحات ورجاله) وتم إعلان الاستقلال بعد تضحيات هائلة وحكم الحزب الذى تولى الثورة وبذلت مجهودات رهيبة فى التعريب وقطع الأواصر مع فرنسا، وكانت النتيجة لاشئ على كل المستويات وتحول الثوار إلى حكام فاسدين، ومع انخفاض أسعار البترول فى منتصف الثمانينيات انكشف الاقتصاد الجزائرى وقامت اضطرابات عنيفة ونشط الإسلاميون الذين كان ظهورهم رد فعل عكسيا على سنوات الفرنسة وعلى فشل حزب جبهة التحرير معا، ومع إيقاف نتائج الانتخابات ظهر إرهاب على النمط الجزائرى إرهاب عنيف ودموى وقاسى لا يمكن مقارنته حتى بنوعية العمليات الإرهابية التى شهدتها مصر فى التسعينيات ولو بدرجة واحد إلى مئة، وظل الشباب الجزائرى يجد مخرجه فى الهجرة إلى فرنسا التى مات مليون ونصف مليون جزائرى من أجل الاستقلال عنها، حيث يبلغ عدد المهاجرين الجزائريين لفرنسا خمسة ملايين مهاجر.
والحاصل أن هناك أزمة هوية حادة تجعل الجزائريين فى خصومة مع الجزائر نفسها وليس مع مصر فقط، والعلاقات المصرية الجزائرية هى علاقات (باردة) وعلاقاتهم بالمغرب هى علاقة عداء ومع تونس هى علاقة جوار ومع ليبيا هى علاقات كيفما اتفق وحسب الأحوال، ومع كل هذه البرودة فالجزائريون يقدسون أم كلثوم ومحمد الغزالى ويحبون يوسف القرضاوى ومحمد أبوتريكة وحتى الآن لايعرض التليفزيون الجزائرى سوى المسلسلات المصرية، من بين العوامل التى يمكن أخذها فى الاعتبار أيضا أن سنوات الاستعمار الفرنسى خلقت نوعا من التغريب الثقافى والارتفاع فى مستوى التعليم ومعدلات القراءة، حيث يجد الفرد الجزائرى والتونسى واللبنانى أيضا نفسه كفرد أكثر تعليما ووعيا من العامل أو الفلاح المصرى الذى يقابله ويتساءل لماذا المصريون هم الرواد؟ لكن هذه مسألة معقدة جدا يتطلب شرحها كتابا من نوعية عبقرية مصر، ولعل جزءا من الأزمة الأخيرة سببه أن النخبة الحاكمة فى الجزائر تنظر إلى نفسها على أنها نخبة تاريخية شاركت فى حركة تحرر كبرى وعاصرت أحداثا كبيرة وأنها يجب أن تعامل وتقدر على هذا الأساس، وعلى الجانب المصرى ستجد تجاهلا وتكاسلا وتعاليا أحيانا لدرجة دفعت مخرجاً جزائريا محبا لمصر مثل أحمد راشدى يكاد يتوسل لعرض أى مسلسل جزائرى فى التليفزيون المصرى ولو بعد دبلجته للهجة المصرية وهى مسألة غير مضرة إطلاقا ويمكن النظر لها بتفهم، خاصة أن التليفزيون الجزائرى لايعرض سوى المسلسلات المصرية فقط، المركزية المصرية تجعلنا أيضا لا نعرف سوى أقل القليل عن الأدب الجزائرى رغم أن الجزائر قدمت للأدب العربى أدباء فى حجم واسينى الأعرج والطاهر وطار وأحلام مستغانمى على مستوى الكتابة التجارية، ومع ذلك لم نسمع أن أحدا منهم تم تكريمه فى مصر أو دعوته لأى فعالية ثقافية وهى أشياء لاغنى عنها إذا كنا نطمح فعلا لتأكيد معنى الريادة بعيدا عن قصص التاريخ، نفس الأمر ينطبق على المغنين والفنانين وباستثناء وردة الجزائرية التى جاءت فى زمن ماض لانعرف سوى مطربى الراى الذين هاجروا لفرنسا الشاب خالد والشاب مامى، بل إننا أيضا لانعرف شيئا عن الصحافة الجزائرية وهى بغض النظر عن الأكاذيب التى روجتها، ظاهرة مهمة جدا فى تأثيرها وفى توزيعها، ولعله من اللافت للنظر أن ينفق بعض رجال الأعمال الذين لهم استثمارات فى الجزائر الملايين على وسائل الإعلام فى مصر ولا ينفق دولارا واحد على صحفية تدافع عن استثمارات بالمليارات ثم يبكى البعض بعد ذلك ويقول أن منافسيه دفعوا للصحف الجزائرية كى تقود الحملة ضد مصر.
وكل ما حدث فى الجزائر مؤخرا يقول أن هناك شعوبية وكراهية ورغبة نفسية فى قتل الأب المصرى، لكنه يقول أيضا أن علينا أن نبذل مجهوداً أكبر لتحقيق الريادة بمعناها الحديث والواقعى وليس بمعناها التاريخى، حيث كثيرا ما يتحول التاريخ إلى عبء على المشاركين فيه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.