للحكومة المصرية بدعة مسجلة باسمها تعرف ب "الخبراء الأجانب" الذين امتدت أياديهم البيضاء فى كل قطاعاتها تقريباً بدءاً من "الكورة" نهاية "بالزبالة" التى أفتى بشأنها البعض مؤكداً أن انتشارها فى شوارعنا يعود إلى ذبح الخنازير التى كانت تتغذى عليها؛ فيما يقول آخرون أن مدن "مصر" غرقانة فى الزبالة منذ تعاقدنا مع شركات أجنبية لرفعها!! إحدى مفارقات الخبراء الأجانب أن واحدة من شركات النظافة التى تعاقدنا معها "إيطالية" الجنسية؛ فى الوقت الذى تراكمت فيه أكوام الزبالة فى مدن "إيطاليا" الكبرى بارتفاع مترين إلى حد أعجز السكان عن الخروج من منازلهم؛ فيما لجأ آخرون إلى ترك الأحياء التى يعيشون فيها بعد أن أصبح الوضع لايحتمل! والحقيقة أن أزمة "الزبالة الإيطالية" تعود إلى نحو عامين حتى أن شبكة CBA الإخبارية العالمية نشرت سلسلة من التحقيقات عنها؛ فضلاً عن فيلم فيديو يضم مشاهد لن تصدق أنها مأخوذة لأحياء فى دولة "أوروبية"! أزمات متتالية: عقب احتفالات أعياد الميلاد لعام 2007 بدأت احتجاجات المواطنين فى التزايد وبدأوا يلقون القمامة فى الشوارع ويعلقونها على أغصان الأشجار؛ وتطور الأمر حتى تحولت شوارع "نابولى" وأغلب مدن الجنوب "الإيطالى" إلى "مقلب" نفايات ضخم؛ واستمرت الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ حتى أشهر قليلة مضت حيث يواجه "الإيطاليون"" مأزقاً حقيقياً بعد أن فاضت القمامة وتجاوزت قدرة "المدافن" التى خصصتها الحكومة لاستيعابها؛ كما رفض المسئولون بناء مدافن جديدة؛ كما ألمحت عدد من التقارير الإعلامية إلى تدخل عصابات المافيا للضغط على الحكومة لتحقيق مطالب خاصة فمنعت شركات النظافة من ممارسة عملها؛ فى الوقت الذى تشير فيه المتابعات الصحفية إلى تعرض "إيطاليا" إلى أزمات متتالية فيما يتعلق بتصريف زبالتها على امتداد العقد الماضى كان يجرى احتواؤها فى اللحظات الأخيرة. تشير الصحف العالمية ومن بينها "يولس إيه توداى" و "النيويورك تايمز" فضلاً عن الإعلام "الأوروبى" إلى أن "إيطاليا" تئن تحت وطأة أطنان من القمامة أدت إلى ظهور العقارب والثعابين والصراصير وغيرها من الحشرات والزواحف التى تحيا فى البيئات المشابهة وانتشارها فى شوارع مدن الجنوب، مما حدا بالمواطنين فى ظل تفاقم الأزمة إلى اللجوء لحرق الزبالة بأنفسهم فى الشوارع وهو ما أدى بدوره إلى انتشار "السحابة السوداء" فوق سماء "باليرمو" و "صقلية" و "نابولى" وانبعاث غازات وروائح خانقة وخطيرة فى سماء تلك المدن. فساد ومافيا الجرائد الأمريكية أشارت إلى أن مسئولين وقانونيين "إيطاليين" رفضوا الإفصاح عن هويتهم فضلوا إلقاء الكرة فى ملعب المواطنين واتهموا سكان الجنوب بالعجز عن إيجاد آليات مناسبة للتخلص من قمامتهم؛ فى الوقت الذى أفردت فيه صحيفة "كوريرا ديلاسيرا" الإيطالية عدة تحقيقات مسلسلة خلصت منها إلى أن الفساد وعدم كفاءة مسئولى الحكومة وراء تفاقم الأزمة بهذا الشكل؛ أما المفاجأة فهو ما قاله خبراء قانون رفضوا ذكر أسمائهم بشأن إنشاء الحكومة لمفوضية خاصة للتعامل مع قمامة "نابولى" فى عام ,1994 حيث أكد هؤلاء الخبراء أن تلك المفوضية تحديداً تسببت فى اتساع نطاق المشكلة مما يحمله إنشاؤها من شبهة فساد؛ أما وزير البيئة الإيطالى فقد شن هجوماً عنيفاً على تلك المفوضية متهماً إياها بالتورط مع "الكومورا" أو عصابات المافيا التى تضع قبضة من حديد على العديد من القطاعات الحيوية فى البلاد. الكاتب الإيطالى "سيلڤيا بوجيولى" درس بعناية دور المافيا فى تصعيد أزمة الزبالة فى بلاده منذ أكثر من 10 سنوات؛ ونشر عدة مقالات مهمة حول تلك القضية أكد فيها أن عصابات "الكومورا" حولت جنوب "إيطاليا" تحت سمع وبصر الحكومة إلى مقلب نفايات غير صالح للحياة الآدمية؛ "فالكومورا" لها أيد طويلة فى قلب الحكومة الإيطالية؛ كما أن لها نفوذاً سياسياً ومالياً يمكنها من السيطرة على الشركات والهيئات والمؤسسات الكبرى؛ وهذه العصابات دأبت على جمع زبالة الشمال الإيطالى من مخلفات صناعية تشمل أحبار الطباعة وتونر طابعات الكمبيوتر ومخلفات مدابغ الجلود وغبار النفايات الناتج عن تصنيع الدواء، ومخلفات المستشفيات وغيرها من أطنان المواد الصناعية التى يتم خلطها بالأسمنت وإطارات السيارات التالفة، بل حتى رفات الموتى التى يجرى إخراجها من الجبانات بشكل دورى كل 50 عاماً كما يقضى القانون "الإيطالى" لإعادة استغلالها ويجرى نقل كل ذلك بشكل منظم لدفنه فى مقالب الجنوب التى لم تعد تستوعب المزيد، ونتج عن هذا الوضع إنقسام "إيطاليا" إلى جزءين شمالى صناعى نظيف وجنوبى هو فى الحقيقة ساحة نفايات غير معقولة ارتفعت فى ظل وجودها نسب الإصابة بالسرطانات بين المواطنين فى السنوات الأخيرة إلى ما يقترب من نسبة المرضى فى الولاياتالمتحدة كلها!! إضراب الزبالين جامعو القمامة بدورهم أعلنوا عصيانهم ورفضوا مزاولة مهام عملهم لأكثر من مرة فى السنوات الثلاث الأخيرة ليس بسبب قضية مهنية أو مسألة رواتب أو ما يشابه ذلك؛ وإنما لأنهم لايجدون مكاناً يلقونها فيه حسبما تشير الصحف "الإيطالية"؛ الإضرابات أدت إلى نزول فرق الجيش "الإيطالى" إلى الشوارع من أجل "لم" أكثر من 3000 طن زبالة تراكمت فى شوارع نابولى وحدها حول الكنائس وبجوار دار "الأوبرا" وتحت "الكبارى"؛ وأمام المنازل والمحال والهيئات الحكومية؛ وبحسب تقديرات اقتصاديين إيطاليين فإن المخلفات تدر ما لا يقل عن 22 مليار "يورو" سنوياً كعائد من التعامل معها! أزمة الزبالة وتداعياتها أدت إلى إعلان حالة طوارئ مستمرة منذ عام 1995 فى مدن جنوبية بأكملها نتيجة لأن الوضع لم يعد من الممكن السكوت عنه حتى أن خبراء البيئة يؤكدون أنه فى حالة تطهير تلك المناطق ستظل التربة والجو المحيط يحمل روائح المخلفات لسنوات قبل أن يمكن التأكد من نظافة المكان فعلياً؛ حالة الطوارئ فرضها الاتحاد الأوروبى على قطاع "كامبانيا" الإيطالى لإجبار الحكومة على التدخل والانصياع لشكاوى مواطنيها من ناحية والرضوخ للمعايير البيئية من ناحية أخرى، فضلاً عن إعلان المفوضية الأوروبية لشئون البيئة فى "بروكسل" لنيتها فرض عقوبات مالية وغرامات كبيرة وإجراءات عقابية صارمة على "إيطاليا" ما لم يتم حل مشكلة تراكم الزبالة فى مدنها الفقيرة! الشركة الإيطالية على الموقع الإلكترونى الرسمى "للهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة" ستجد جدولا بالشركات الأربع التى تتولى جمع القمامة وقطاعات الأحياء التى تختص بكل منها؛ ومن هذه الشركات اثنتان "مصريتان" وواحدة "أسبانية" والثانية "إيطالية"، ذكرت الهيئة 5 أسباب للاستعانة بها تحت بند "لماذا شركات أجنبية"؟ من بينها أن تكلفة الخدمة تفوق عائدها الحالى مع محدودية كفاءة نظام جمع القمامة السابق وفقاً للمعايير البيئية والصحية؛ وتحت بند خدمات والتزامات الشركات المتخصصة فهناك 10 نقاط تمثل ورقة عمل هذه الشركات وتنص على جمع القمامة من المساكن والمحال والأسواق ومواقف الأتوبيس ودور السينما؛ والوحدات الطبية والتخلص منها بطريقة آمنة؛ فضلاً عن جمع "مخلفات" هكذا دونت على الصفحة الإلكترونية المصانع والورش؛ غسل وكنس الشوارع بالكامل التخلص من القمامة بالدفن الصحى فى المقالب، رفع الملصقات من على المبانى وأعمدة الإنارة وتنظيف سلال القمامة بها؛ وتقدم هذه الخدمات 7 أيام أسبوعياً! المفاجأة أنه بالبحث عن الشركة الأسبانية على الإنترنت تبين أن جل نشاطها يتعلق بصناعات الكمبيوتر والطوابع وغيرهما؛ أما الشركة الإيطالية التى توصلنا لموقعها الإلكترونى بعد عناء فقد تبين أن بياناتها كلها باللغة الإيطالية وبترجمتها تكشف أنها أصلاً شركة لتصنيع الحاويات العملاقة وآليات حفظ الوقود الخاصة ومن بين أحد نشاطاتها تصنيع حاويات القمامة ومعدات رفعها دون أن يكون للشركة أية علاقة بعملية جمع أو لم الزبالة نفسها!