رئيس جامعة أسيوط يتابع إجراءات وخطة عمل اللجنة العليا للتدريب والتطوير    مؤشر الدولار يستقر عالميا بعد ارتفاعه 3 جلسات متتالية    وزير الصحة: 14 مليار جنيه لعلاج المواطنين على نفقة الدولة سنويا    تشكيل لجان فنية لسرعة البت في طلبات التصالح بمراكز وأحياء الجيزة    عاجل| سحب شقق الإسكان متوسطي الدخل لكل من يتخلف عن سداد دفعتين متتاليتين    قافلة زراعية وندوة إرشادية لمزارعي القطن والأرز بكفر الشيخ    مصدر ل"القاهرة الإخبارية": جار العمل على حل النقاط الخلافية في مفاوضات الهدنة بغزة    باحث: المفاوضات في مصر تتسم بالشمول.. والقاهرة تريد وقف إطلاق النار    بالفيديو.. رئيس حزب الشعب الديمقراطي: مصر هي أيقونة السلام في العالم    أول تعليق من خوسيلو بعد قيادة ريال مدريد للنهائي الأوروبي    بعثة الزمالك تتوجه إلى المغرب لخوض نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    ختام امتحانات النقل الثانوي والقراءات بمعاهد الشرقية الأزهرية دون شكاوى    «الداخلية»: ضبط قضايا اتجار في العملة بقيمة 21 مليون جنيه    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    «ثقافة روض الفرج» يشهد العرض المسرحي «إلكترا» اليوم    الكشف على 278 مريضا في قافلة طبية لجامعة بنها بقرية مشتهر    ألذ طريقة لتحضير الكشري المصري في المنزل بخطوات سهلة وبسيطة 2024    ضبط 5736 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24ساعة    خبير: إسرائيل تضلل العالم بأن عملية رفح ليست شاملة وتسعى لوقف المساعدات    الحوثيون يستهدفون 3 سفن إسرائيلية في خليج عدن وبحر العرب    رئيس جامعة حلوان يستقبل وفداً من جامعة 15 مايو    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    عبد الملك: هدف غزل المحلة العودة للمربع الذهبي في الدوري.. وما أسعدني فرحة الجماهير    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    وزير الري: زيادة الإيرادات تساهم في تحسين منظومة التدريب وبناء القدرات    وزير التجارة يبحث مع نظيره الأردني فرص تعزيز العلاقات الاقتصادية المشتركة    صور | طلاب أولي ثانوي بالوادي الجديد يؤدون امتحانات نهاية العام    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    مصرع شخص وإصابة 4 آخرين في حادث تصادم بسوهاج    باحثو شركة أبل يطورون نماذج الذكاء الاصطناعي داخل أجهزة آيفون    وزير التعليم العالي يتفقد جامعة السويدي للتكنولوجيا    طلب إحاطة بتعديل مكافآت طلاب الامتياز ورفع مستوى تدريبهم    بدء الدراسة بكليتي الفنون البصرية والطب البيطري بجامعة بنها الأهلية العام المقبل    طه حسين والبيرة والأزهر.. يوسف زيدان يرد على مهاجمة "تكوين" - فيديو    تعرف على إيرادات فيلم "السرب" بعد أسبوع من طرحه بالسينمات    رئيس مهرجان المركز الكاثوليكي: لا نمانع من وجود مشاهد جريئة طالما لها سياق درامي    "رجعوا لبعض".. فنانة تكشف عودة ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضي    قبل امتحانات نهاية العام 2024.. احرص على ترديد هذه الأدعية    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    بوتين يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية    فئات هم الأكثر عرضة للإصابة بمتحور كورونا الجديد.. المتعافين من الفيروس ليسوا بمأمن    وكيل التعليم بسوهاج يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تعرف علي الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالرمد الربيعي    شقيق العامري فاروق: نطق الشهادة قبل دخوله في غيبوبة    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله    الرئاسة الفلسطينية: وحدة الأراضي خط أحمر ونلتزم بالقانون الدولي ومبادرة السلام العربية    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    حكم الحج لمن يسافر إلى السعودية بعقد عمل.. الإفتاء تجيب    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذابح المساجد والحرب الصامتة فى غزة

سوف تظل غزة (كتلة نار) على حدود مصر لفترة طويلة أخرى من الوقت .. حتى لو لاحت نتائج طيبة فى جولات الحوار الذى تجريه مصر بين الفصائل الفلسطينية المتنازعة .. بأساليب وصيغ وأفكار مختلفة وبإشراف اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات .. ذلك أنه لايلوح فى الأفق أن هناك رغبة - وليس أولا إرادة - لدى أى من فتح وحماس فى الوصول إلى حل .. ولعل حماس أكثر من غيرها تسعى إلى إطالة الوقت وتمديد الأمد من أجل مزيد من الزمن الذى تشغله فى السيطرة على القطاع .. منذ انقلبت على السلطة القانونية قبل مايزيد على عامين.
غزة التى قال بعض من محتليها الإسرائيليين الكثير فى توصيف تعقيد أوضاعها .. ومنهم شيمون بيريز الذى تمنى أن يستيقظ ذات مرة وقد (ابتلعها البحر) .. وإسحق رابين الذى قال إن (حكم غابة من الأسود أهون من حكمها) .. غزة تلك تمثل تحديا للأمن القومى المصرى وأوضاع البلد الاستراتيجية .. لأن كل ما فيها ينعكس علينا بصورة أو أخرى .. إذ لايمكن أن تعيش إلى جانب (حقل النار) فلايصيبك منه الشرر.
لقد تعرضنا فى مصر السيناريو الأسوأ .. فى بداية عام 2008، عندما انجرف مئات الآلاف من أهل غزة، مدفوعين بضغوط متنوعة وتأليبات مؤكدة وتحريضات لا يمكن تجاهلها، لكى يقتحموا الحدود المصرية.. حيث وجدنا فجأة ما لا يقل عن 750 ألف فلسطينى فى شمال سيناء .. قبل أن يعودوا إلى حيث كانوا يعيشون .. ولولا حكمة إدارة الموقف من الرئيس مبارك لحدثت مشكلة كبيرة .. تتمثل إما فى بقائهم على أرض ليست لهم .. أو فى أن يخرجوا بعد أن تنشق الأرض عن بحر من الدماء دفاعا عنها وعن السيادة عليها من تداخل أشقاء.
وكان (أسوأ الأسوأ) هو ما تعرضنا له فى يناير الماضى حين اندلعت حرب غزة على حدودنا .. وبعيد ذلك تناثرت مشكلات كثيرة .. على الرغم من كونها أصغر حجما إلا أنها لا تقل تأثيرا على الاستقرار والأمن فى مصر .. ومنها معضلة الأنفاق التى اتهم البعض فيها مصر بأنها تتغاضى عنها، ولم يكن ذلك صحيحا .. ومنها أن تصبح غزة مركز تدريب ومأوى لمرتكبى الجرائم الإرهابية ضد مصر .. ومنها أن تكون الحجة التى برر بها حزب الله تعديه على سيادة مصر من خلال خلية إرهابية ستحاكم قريبا .. ومنها أن تكون مقصدا لخلايا تتبع تنظيم القاعدة بكل مشكلاته وتعقيدات أفعاله وكوارث إرهابه.
إمارة على الحدود
إن حقل النار يبدو هادئا الآن .. يضمر الاشتعال تحت رماد ساكن .. ولكنه ينفجر كما بركان قرر أن يخرج عن خموده من حين لآخر .. وقبل أسابيع كان أن وقع حدث مروع .. انتبه إليه الجميع .. أعلن تنظيم سلفى عن تأسيسه لإمارة إسلامية فى منطقة قريبة من رفح المصرية .. وفجأة قامت حماس بعملية مروعة أسفرت عن صدام هائل لم يفت على أى مراقب مع هذه الحركة السلفية الجهادية التى أعلنت الإمارة ونافست حماس فى أتون النار الذى تديره .
وإعلان مثل هذه الإمارة من فوق منبر مسجد فى رفح ليس بعمل غريب فى ظل المناخ الذى خلقته حركة حماس فى القطاع .. ذلك أن مجرد وصول الحركة إلى السيطرة على غزة بالطريقة التى قامت بها وصولا إلى سحل المعارضين فى الشوارع وتصوير ذلك وإذاعته على شاشة تليفزيون الأقصى .. إنما كان يعنى أن طالبان بالفعل قد تواجدت على حدودنا .. وبالتالى أيا ما كانت تطوراته ليس سوى تنويعات على نغمة العنف الأساسية.
وقبل أيام صدر فى الأردن عن (مركز القدس للدراسات السياسية فى عمان) الذى يرأسه الصحفى عريب الزينتاوى دراسة بعنوان (حرب حماس على السلفية الجهادية .. صراع بقاء ورسائل لمن يهمهم الأمر فى مصر والغرب) .. وليس لأن اسم مصر ورد فى عنوان الدراسة علينا أن نهتم بها ونعرض لها هنا .. وإنما لأن أى تحليل عن مجريات وتفاعلات حقل النار لابد أن يشغلنا وننتبه إليه ونفهم ما فيه .. فإننى أتناوله هنا بالعرض والتحليل.
تقول الدراسة فى التمهيد :تستعرض حماس قبضتها الحديدية فى وجه السلفيين الجهاديين، وعلاوة على نفس الشدة التى اتبعتها مع "جيش الإسلام" لدى تفكيكه.. قبل عام .. ها هى تعيد الكرة .. ولكن بسرعة خاطفة إذ لم تتخط عملية الإجهاز على "جند أنصار الله" فى غزة الساعات العشر.
إن الحركة معنية بلجم كل متحدٍّ لاستفرادها السلطة فى غزة، وهى معنية فى لحظاتها الحرجة، حيث تتفاقم المشاكل الداخلية والخارجية نتيجة الحصار أن تبرهن أنها على قدر الالتزام بالخيار المصيرى الذى اختطته بعد الحرب على غزة، أى خيار (ديمومة الهدنة) - حماس لم تطلق صاروخا واحدا على إسرائيل منذ حرب غزة - وتثبيت قدر من الاعتراف الدولى، كما أنها معنية بثنى كل جماعة تتجاوز الخطوط الحمراء التى وضعتها الحركة، لأن ما كان قبل الحرب على غزة ليس هو نفسه.
واليوم يدور جدل حول مدى قدرة حركة حماس على لجم الحركات السلفية الجهادية المعارضة لحكمها، وهى الحركات التى بدأت بالتفريخ فى نهايات الانتفاضة الثانية بمسميات مختلفة، وبدأت تجاهر بمناوأتها للحركة على قاعدة رفض حماس إعلان غزة إمارة إسلامية وتخليها عن المقاومة.
والمعنى هنا يشير إلى أنه لا نهاية لدوائر التنافس على التحدث باسم الإسلام .. فكل جماعة يمكنها أن تقول إنها أكثر إسلاما من غيرها .. وأياً ما كان قدر التطرف فهناك من سوف يكون مزايدا أكثر .. ويرى فيما يجرى أنه أقل من مستوى الإسلام الذى يعتقده.
تهديد غير قوى
وتقول الدراسة: ثمة من يراهن على أن التحديات الداخلية والخارجية المتفاقمة التى تواجهها حركة حماس كفيلة بإضعاف قبضتها، وتذليل موقفها، وثنيها عن ثوابتها التى تؤمن بها فيما يخص القضية الوطنية وحصتها فى القرار الوطنى، وبالمقابل فإن البعض يرى خلاف ذلك فالحركة بعد مرور ما يزيد على العامين من توليها مقاليد إدارة الأمور فى القطاع لاتزال تبدى سيطرة محكمة، والحصار وضغط الخارج والداخل لم يأت بأُكله بعد، ومواقفها التى أعلنها رئيس مكتبها السياسى خالد مشعل لا تختلف كثيراً عما سبق أن أتى بها مرشدها الروحى الراحل الشيخ أحمد ياسين والقاضية بالاعتراف بدولتين.
وبخصوص الداخل فإن منطلق حماس فى أسلمة القطاع تدريجياً يقطع الطريق على دابر الحركات السلفية الجهادية، وبالتالى فمن الصعب المراهنة على تشكيل هذه الحركات خطراً داهماً على حكم حماس ذات الباع الدينى الأمنى والتاريخى القادر على تفكيك المنفلت من الحركات الإسلامية الطارئة فى حقلها، لما تتمتع به من دراية بشعاب هذه الحركات مقارنة بالحكومة المدنية.
ليس للسلفية فى فلسطين جذور ممتدة .. فهى حركات طارئة وتفتقد لشيوخ ومراجع محلية أصيلة باستثناء بعض الشبان المتحمسين ينهلون من الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، وفى المقابل فإن هناك وجودا حقيقيا ومؤثرا لكل من حركة الإخوان المسلمين أولاً وحزب التحرير ثانياً، واللذين يعود نشاطهما إلى ما يزيد على نصف قرن إلى الوراء .
وتقول الدراسة إن التيارات السلفية بشقيها (العلمية والجهادية) ترتبط بمناكفة أو معاداة حركة حماس، وبخلاف أن الأولى تعتبر الرئيس محمود عباس ولياً للأمر فإنها تعتبر حماس من الخوارج، وأما الثانية فتعتبرها حزباً علمانياً كافراً، وحكومتها "تحكم بقوانين وضعية ما أنزل الله بها من سلطان".
وتقول مصادر أخرى إن الجماعات الفلسطينية السلفية بدأت فى الظهور فى غزة فى الثمانينيات .. بعد عودة عدد من الطلبة والمدرسين الذين درسوا فى الخليج .. وعندما عادوا إلى غزة، اختاروا مواصلة الدعوة التى حملوها من علماء كبار آمنوا بالنهج السلفى طريقا لإعادة الناس إلى ما يصفونه ب"طريق الإسلام القويم".
وبقى نشاط السلفيين فى غزة شبه محدود فى الثمانينيات، إلا أنه ازداد توسّعا، وبشكل ملحوظ، مع عودة السلطة الفلسطينية عام 4991، التى منحت التراخيص لبعض الجمعيات التى أقامها السلفيون، بل دعمت (السلطة الفلسطينية) أحزابا إسلامية صغيرة، فى محاولة لإضعاف حركة حماس الإخوانية (بحكم الخلاف المستحكم بين السلفيين والإخوان المسلمين) التى بلغت أوج قوتها فى السنوات الأخيرة، ومع زيادة إقبال الناس فى غزة على التدين، اتسع نشاط السلفيين، لتنبثق منهم تنظيمات مختلفة، منها جماعة جند أنصار الله.
تنظيم جيش الإسلام
وتقول دراسة مركز القدس إنه قد بدأ الحديث الواضح عن نشاط التنظيمات السلفية الجهادية خلال الانتفاضة الثانية " 2000 - 2004 "، وظهرت مجاميع، وتحدثت تقارير عن نشاط لتنظيم القاعدة تحت مسميات مختلفة، ولكن ذلك لم يكن كفيلاً بتأكيد قدرة الفكر السلفى على تثبيت جذوره لدى شعب فلسطين.
من الناحية الفعلية يعد تنظيم (جيش الإسلام) الذى ظهر فى منتصف 5002 أول الأطر التنظيمية العسكرية للجماعات السلفية فى فلسطين، وبرز اسمه لمشاركته فى عملية (الوهم المتبدد) التى أسر فيها الجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، وتنازل عنه كما تقول بعض التقارير لصالح حماس لقاء مبلغ كبير من المال..
وهذه الصفقة فى حد ذاتها تعنى أن حركة حماس قد استفادت من وجود تلك الجماعات السلفية .. بدليل تفاوضها حتى اللحظة على شاليط.
لقد ظهر تنظيم (جيش الإسلام) لعدة عوامل، أهمها تراخى قبضة (حركة فتح) عقب إنهاء الانتفاضة، وتركيز اهتمامها بتحجيم (حركة حماس) مباشرة أو غير مباشرة، وتوافر بيئة اجتماعية مسحوقة تعتمد على العشيرة، إذ كان الجيش أقرب لفصيل عشائرى أكثر منه جماهيريا، وكان (آل دغمش) عماد هذا الجيش، بمعنى أنه كان يمثل مصالح العشيرة على حساب مصالح عموم المجتمع فى القطاع.
أدت مشاركة حماس فى العملية السياسية الفلسطينية وخوضها الانتخابات - قبل الانقلاب على السلطة فيما بعد - إلى عوامل فتحت أعين النخب السلفية الجهادية لاختبار فرصة تحقيق حضور لها فى بيئة غزة الرخوة، وفى غمرة الصراع بين فتح وحماس كان لافتاً دخول (القاعدة) على الخط، ومن اللافت أن الرجل الثانى فى التنظيم الإرهابى الدولى أيمن الظواهرى لم يتوقف عن مهاجمة حماس فى إطلالاته خلال الأعوام الأخيرة التى استطاعت خلالها حماس تثبيت أقدامها فى غزة.
وقد استغلت حماس بعد سيطرتها على القطاع حادثة اختطاف (جند الإسلام) للصحفى البريطانى آلان جونسون لتفكك المربع الأمنى للتنظيم والعشيرة قبل عامين.. وخلَّصت الصحفى من قبضة مختطفيه.
وارتبط اسم الجماعات السلفية الجهادية بعدة حوادث تفجير ضد منشآت ومصالح مدنية، وفى العام الماضى وحده جرى تفجير62 مقهى للإنترنت، وأحرقت مؤسسات مسيحية، كما تعرضت مدارس أجنبية لاعتداءات واستهدفت صالونات تجميل.
اتهامات متبادلة
وفى حين أن حركة فتح تلقى بمسئولية ظهور تلك الحركات والجماعات السلفية على حماس كحركة دينية تفرخ هذه الظواهر، وأن حكمها للقطاع سبب رئيسى لهذه الظاهرة .. فإنه بالمقابل تنفى حماس ذلك .. وتتهم فتح وإسرائيل بالوقوف خلف بعض هذه الجماعات.
والثابت أن هجوم السلفية الجهادية على حماس وجد فى صفوف بعض الفتحاويين آذانا صاغية بعد تراجع رصيدها شعبياً وفقدانها السيطرة على القطاع، وللآن لم يظهر شخص قيادى من حماس انشق عنها وشكل ظاهرة فى هذا الإطار، فى حين ظهر من صفوف فتح منشقون عنها تبنوا اتجاهات السلفية الجهادية.
والمؤكد أن مخاوف حماس ستبقى قائمة من أن يكون النشاط المناوئ لها فى القطاع بغض النظر عمن يقف وراءه سيكون على أيدى الجماعات السلفية الجهادية أو تحت مسمياتها، وبالتالى فهى منشغلة باجتثاث هذه الجماعات وتقويض فكرها.
لكن أصواتا سلفية تدافع عن نفسها فى مواجهة تلك الاتهامات بأنها عميلة لحركة فتح .. ويقول أحدهم: حزمة الاتهامات التى توجهها حماس لمعتقلى السلفية أو ضحاياها هى تهم أمنية بامتياز. فهم، بالنسبة لها، إما مخترقون وإما عملاء وإما أنهم يعملون لحساب أطراف خارجية.
وهذا يعنى أنهم إما "كاذبون" أو "مجرمون" أو "جهلة" أو "لصوص" .. . ليس بينهم "شريف" ولا "طاهر" أو "عفيف". فقبل اغتيال الشيخ أبو النور المقدسى (فى عملية مسجد ابن تيمية التى سنورد تفاصيلها فيما بعد) على يد حماس لم تكن ثمة تهمة واحدة توجه للرجل الذى لم تشب حياته شائنة تذكر حتى قبل مقتله بقليل.
لكنه بعد المذبحة "تبين" أنه يتلقى راتبا من حركة فتح .. بل هو أكثر من ذلك. فهو يتلقى حينا راتبا من "دايتون" وحينا آخر من "فتح" وثالثا من "فياض" ورابعا من "جهات خارجية". وكل من يفعل ذلك فهو مثل أبى النور على علاقة بدايتون وبالموساد الإسرائيلى.. أما من يتلقى راتبا من حماس وإيران فهو وطنى شريف!
قائمة متنوعة
وتقول دراسة مركز القدس: بعد سيطرة حماس على القطاع ظهرت جماعات مختلفة، ولكنها بقيت ذات تأثير محدود لا يخرج عن إطار الفرقعات الإعلامية الموسمية، مثل جماعة أنصار السنة "جلجلت"، وجيش الأمة، والتوحيد والجهاد، وفتح الإسلام، وجيش الله، والتكفير، وعرين الأسد للمجاهدين المقاتلين.
والقاسم المشترك بين منتسبى هذه الجماعات أن أغلبهم ذوو خلفية إسلامية، بعضهم نشط فى الأجنحة العسكرية لحماس والجهاد وفصائل وطنية مدنية أخرى، وأيضاً فى جيش الإسلام المنحل خصوصاً من عائلة دغمش وبعضهم الآخر فى جمعيات دعوية.
ويبدو أن (جند أنصار الله) هم التتويج الفعلى لنشاط مجمل تلك الحركات والمنفلتة عن إرادة حماس سواء من داخلها أو خارجها، وقد نشأت (جند أنصار الله) فى رفح وخان يونس بجنوب قطاع غزة، تحت إمرة طبيب الأسنان عبداللطيف موسى الملقب ب "أبوالنور المقدسى"، حيث كان هذا فى بداية انطلاقته سلفياً علمياً وشغل منصب نائب رئيس "جمعية الكتاب والسنة" السلفية، وأهم ما ظهر له كتاب "اللؤلؤ والمرجان فى عقيدة أهل الإيمان".
وعبداللطيف بلغ من العمر 05 عاما، وهو من مواليد غزة ودرس الطب فى الإسكندرية وحصل على دبلوم متخصص فى طب العائلة، وكان قياديا فى جمعيات دينية قبل أن يتحول إلى إلقاء خطب الجمعة، خصوصا فى خان يونس ثم فى مسجد النور على الحدود مع مصر، وبعدها فى مسجد ابن تيمية الذى شهد الواقعة الأخيرة.
وتقول أوساط حماس - حسبما تقول دراسة مركز القدس - إنه حتى عهد قريب لم يسجل أنه تصادم مع إسرائيل أو السلطة الفلسطينية، وكانت معظم خطبه تركز على الجانب الدعوى وسيرة السلف الصالح، وتلفت إلى أنه تبنى فى مرحلة لاحقة الفكر السلفى الجهادى حيث استولى على مسجد ابن تيمية الذى بنى وأسس على منهج سلفى يدعو سلماً الناس إلى الرجوع والاحتكام إلى الكتاب والسنة.
وتطالب جماعة أبوالنور المقدسى بتطبيق الشريعة الإسلامية فى غزة، وانتقدت حماس لاجتماعها بعدد من الوفود الأوروبية والأمريكية، من بينها الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، ورغم أن تنظيم القاعدة لم يتبن نشاطهم، إلا أنه تردد أنهم كانوا بصدد تنفيذ عملية عسكرية كبيرة ضد إسرائيل لتكون عربونا على انضوائهم تحت لواء تنظيم القاعدة، أو إعلانهم إمارة إسلامية فى القطاع.
وقد بدأ اسم الجماعة بالظهور على أثر ما أسمته ب "غزوة البلاغ"، حيث قتل ثلاثة من عناصرها فى غارة إسرائيلية قرب الحدود قبل ثلاثة أشهر، عندما حاول عشرة مقاتلين امتطوا ظهور الخيول حاملين أسلحة وقذائف هاون محاولة منهم لقتل وأسر إسرائيليين، لكنها أحبطت بسبب انكشاف المنطقة التى تم فيها الاقتحام، وعدم التخطيط الجيد.
جريمة حفل الزفاف
وفى الآونة الأخيرة تنامى دور (جند أنصار الإسلام) واكتسبت مؤيدين، وبدأت مشكلاتهم مع حماس، حيث أخذ أمير الجماعة فى مهاجمة حماس، واتهامها بأنها سلمت رقبتها للشيطان، وأن الحزب عندها أصبح إلها يعبد من دون الله، وأخذ أنصاره يرددون هتافات "الله مولانا ولا مولى لهم" فى إشارة لحماس.
وترافق هذا التطور مع مطاردة حماس لأنصاره بدعوى علاقتهم بالتفجيرات التى وقعت فى غزة، وبالأخص اتهام حماس للجماعة بأنها خلف الانفجار الذى استهدف حفل زفاف عائلة دحلان فى خان يونس الذى أسفر عن إصابة العشرات، وهو ما نفته الجماعة، وقالت إن عناصرها اتهموا "ظلما وزورا"، ومما زاد الطين بلة امتناع أمير الجماعة عن تسليم مسجد ابن تيمية لوزارة الأوقاف التابعة لحكومة حماس.. فى إطار السعى لاحتكار السيطرة على المساجد، وبحسب مصادر حماس فإن المتبرع بالمسجد وافق على تسليمه، ولكن الجماعة التى وسعت المسجد وبات أهم معقل لها وللسلفيين جنوب القطاع رفضت.
وتحدثت مصادر عن وساطات علماء دين وقياديين فى لجان المقاومة الشعبية باءت بالفشل، وهدد أمير الجماعة الشيخ موسى بالمقاومة فى حال اقتحام حماس للمسجد، حيث طالب أنصاره بالمجىء إلى المسجد بكامل سلاحهم وأحزمتهم الناسفة.
وتوج أمير الجماعة التوتر مع حماس فى أغسطس عندما فجر الموقف فى خطبة الجمعة فى مسجد ابن تيمية برفح، بإعلانه إمارة إسلامية فى أكناف بيت المقدس داعيا أنصاره لمبايعته إلى الموت، وصرح، وهو يحيط به عدد من المقاتلين "سنقيم هذه الإمارة على جثثنا، وسنقيم بها الحدود والجنايات وأحكام الشريعة الإسلامية".
ثم توجه إلى حكومة حماس مؤكدا أن "هلاكها اقترب"، وقال "إما أن يطبقوا شرع الله ويقيموا الحدود والأحكام الإسلامية أو يتحولوا إلى حزب علمانى"، وسلط حديثه على "تطهير المجتمع من المنكرات"، وقد دعا إلى حمل السلاح وتجنيد الشباب فى معركة "نصرة الإسلام وتمكين الشريعة من الحاكمية فى قطاع غزة"، ولم تتأخر حكومة حماس فى الرد وحذرت من أن "أى مخالف للقانون يحمل السلاح لنشر الفلتان ستتم ملاحقته واعتقاله"، وشددت على أنه غير مسموح لأى جهة أو أفراد أخذ القانون باليد.
وفى رواية بعض الحمساويين أن الشرطة التى كانت تحاصر المسجد لم تعمد لمنعه من إلقاء خطبته رغم معرفتها بمضمونها، وتركت مجالاً للمفاوضات، وأنها استمرت بحصار المسجد لما بعد العصر بهدف إخراج المتحصنين، حيث استطاع القيادى فى القسام محمد الشمالى إقناع البعض بالخروج، وفى روايتهم أنه قتل فى حين أنه لم يكن مسلحاً برفقة ذوى المتحصنين فى المسجد، وهو الذى دفع كتائب القسام للتدخل بقوة لأن أكثر ما يستفزها بحسبهم مقتل أحد مجاهديها.
وتعلق روايات سلفية لم ترد فى دراسة مركز القدس على هذه الواقعة وغيرها بمزيد من التفصيل .. وتوجيه الاتهامات لحركة حماس .. إذ تقول: وقعت مجزرة حى الصبرة ضد عناصر جيش الإسلام خلال شهر رمضان الماضى وأسفرت عن مقتل أحد عشر شخصا. والفيديوهات التى نشرت عن المذبحة أظهرت شبانا داخل منزل نُصِبوا على امتداد الجدار وأطلق الرصاص على ركبهم قبل أن يعدموا رميا بالرصاص. بل إن بعضهم كانوا أحياء، وفيما طلب أحد المهاجمين من عناصر كتائب القسام إسعافا لأحدهم رد آخر بعبارة "خليه يموت".. وآخر سخر من جريح يتشهد بالقول: "خلى ممتاز دغمش يشفعلك فى جهنم"!
وفى منطقة أخرى ظهرت عملية سحل للضحية جميل دغمش وقتل فى الشارع، وأطلق الرصاص على أرجل نساء، وذهبت قذيفة صاروخية بنصف رأس طفل ذى أربع سنوات.
وخلال العدوان الصهيونى المجرم على قطاع غزة قتل سعيد صيام وزير داخلية حماس بخيانة من داخل حماس نفسها. والحقيقة أن للرجل أعداءه خاصة من فتح، وفى الضفة الغربية وزع بعض السفهاء حلوى احتفالا بمقتل صيام ولم يستطع أحد أن يمسهم لا من حماس ولا من فتح بطبيعة الحال كون الرجل أحد خصومها، لكن فى غزة وقع أحد المغفلين فى ورطة لما اكتشفت حماس أنه فرح بمقتل صيام. "جريمة الفرح" التى ارتكبها هذا "المغفل" كان ثمنها قصاصا وحشيا فى وسط الشوارع قضى بتكسير أرجل الشاب بعصا فأس غليظة عدة مرات. فهل صدر قرار إدانة عن محكمة شرعية اشترطت تنفيذ القصاص على مرأى من العالم بهذه الوحشية؟!
أما فى مسجد ابن تيمية فقد تمت مذبحة أشد فتكا من سابقتها، حيث دارت معركة شرسة قتل فيها تسعة عشر شخصا من بينهم إمام المسجد الذى تم تفجير منزله على رأسه. كل ما فى المشكلة أن حماس تريد السيطرة على المسجد ووضعه تحت إشراف وزارة الأوقاف. وعلى حد علمنا لم يكن إمام المسجد إلا طبيبا وطالب علم شرعى وخطيبا وواعظا أبى أن يتخلى عن مسجده خاصة أن لكل فصيل فى غزة مساجده. لكن المحلل على بلابل الدوح محرم على الطير من كل جانب. وقد تلقى المسجد وسكانه عشرات القذائف الصاروخية (ا..ز) ، وكأنه مسجد ضرار أو كنيس يهودى فى مستوطنة. فهل كان المسجد هو الاتجاه الصحيح كى يتلقى كل هذه القذائف المسعورة؟
وبعض المعلومات المتعلقة ببتر الأطراف فى غزة تقول إن هناك ظاهرة معاقين فى البلد وصلت إلى ما بين 350 – 400 معاق فقدوا أرجلهم جراء تصرفات وحشية من عناصر حماس. وثمة 14 منهم يعيشون الآن فى إحدى الدول العربية. والقصة تبدأ من خلاف أو خصومة أو شكوك ثم تنتهى بوضع فوهة المسدس أو البندقية خلف غضروف الركبة ثم ثنيها وإطلاق النار عليها كى تفسد الساق برمتها ولا يعود بالإمكان علاجها إلا بالبتر.
انتهى الاقتباس .
معركة حربية
وتبريراً للأسلوب العنيف الذى اتبعته حماس فى الحسم اتهمت الجماعة بال "تكفيرية" ورفضت أن تكون سلفية، ويقول المدافعون عن الأسلوب الذى اتبعته حماس إن الخسائر كانت ستكون أكبر لو تلكأت حماس بالنظر لما تتمتع به الجماعة من تسليح كبير، وأن فى تجربة مخيم البارد فى لبنان عبرة.
وفى التفاصيل أسفرت المواجهات عن مصرع 42شخصاً، منهم ستة من حماس وستة مواطنين، بالإضافة إلى 021 جريحاً، و05معتقلاً، ومن بين القتلى أمير الجماعة ومساعده الرجل الثانى "أبو عبدالله السورى" المهاجر .. وهو بحسب مصدر فلسطينى سورى الأصل، كان مقيماً فى الخارج، ولكن عائلته تقيم فى قطاع غزة، وتسلل للقطاع عبر أحد الأنفاق التى تربط بين قطاع غزة ومصر قبل عام ونصف العام.
واللافت فى هذه المواجهات أنها سجلت أول حادثة تفجير ذاتى لسلفى جهادى وهو عبدالله عوض الله فى شرطة حكومة حماس.
وفى رد جند أنصار الإسلام على أحداث رفح أصدرت بيانين، ادعت فى أحدهما أن 51 من ضحايا الجماعة كانوا سابقاً أعضاء فى القسام، ومنهم ابن شقيق موسى أبو مرزوق نائب خالد مشعل، وشخص ظهر يحرس الشيخ موسى وهو قائد سابق لوحدة التصنيع فى القسام، بل ومضت إلى أن المهاجر كان مقرباً من القسام، وأسهم فى تدريبها بوسائل متطورة، وعاودت الجماعة لتؤكد على أنها لا تتبع للقاعدة، وزعمت أن أميرها كان يرفض ضم ذوى النزعة التكفيرية إلى صفوف الجماعة، ونفت التهم التى كالتها حماس كالتخطيط لمهاجمة حماس، وتهم استهداف الحفلات والمحال التجارية والارتباط بالسلطة الفلسطينية.
وقالت فى بيان صدر فى 42أغسطس إن إعلان أبوالنور المقدسى عن الإمارة كان رمزيا لأنه يعلم أنه سيقتل ومن معه كما حصل مع السلفيين قبلهم فى حى الصبرة برمضان الماضى، وليؤكد أن حماس ترفض فكرة الإمارة الإسلامية وتحاربها، ونبهت فى البيان إلى أن حماس تدفعهم للعمل السرى بعد السيطرة على آخر مساجدهم وهو مسجد ابن تيمية، ولكنهم أكدوا على عدم انجرارهم للثأر رغم أن القصاص حق، ولكنهم سيفرغون غيظهم فى الصهاينة المجرمين "استمرارا على نهجهم" ونكاية فى المدافعين عن الهدنة الموهومة المزعومة الرخيصة التى أعطوها لليهود ليسلم لهم الحكم والسلطة.
واللافت أنه رغم نفى الجماعة نيتها الثأر من حماس وقوع انفجارين ليلة الثلاثين من أغسطس الماضى بالقرب من مواقع أمنية لحماس أحدهما قرب مجمع أنصار، والثانى قرب مسجد الأمين المقابل لمنزل الرئيس الفلسطينى محمود عباس الذى تسيطر عليه أجهزة أمن حماس، فيما أكدت مصادر أمنية أنها عثرت على عبوة ثالثة بالقرب من مقر الأمن والحماية التابع لحماس القريب من شاطئ بحر غزة.
أسباب تورط حماس
وقد أخضع كثير من المحللين هذه الواقعة إلى البحث .. سعيا وراء معرفة أسباب قسوة حماس المفرطة فى ملف السلفيين الجهاديين .. وخلص التحليل إلى أن أبرز الأسباب التى دفعت حماس لاتخاذ قرارها المصيرى بتصفية جند أنصار الله .. هى ما يلى:
ترسيخ قواعد سلطة حماس : إذ دفعت حماس الغالى والنفيس حتى تنتزع كرسى سلطة غزة، وهى معنية أولا أن تثبت فى قلوب القاصى والدانى أنها السلطة التى لا يشق لها غبار، وعلى جميع القوى الالتزام وعدم تخطى الخطوط الحمراء التى تضعها هى . والمؤكد أن حماس بدأت منذ فترة فى انتهاج قبضة حديدية فى الداخل لتثبيت السيطرة والأمن، خصوصا أن سلسلة التفجيرات والاعتداءات على مقاهى الإنترنت وصالونات التجميل ومؤسسات مسيحية، وغيرها تؤثر على مسعى الحركة فى تبديد صورتها كحركة ظلامية.
ويقول المدافعون عن حماس إن من أسباب القسوة هو وجود عشائر تعودت أن تكون فوق القانون، وأن هذه العشائر مستعدة للتفاهم مع حماس كما كان الحال مع فتح وإسرائيل بحيث لا يطبق القانون عليهم.
وتثير نزعة حماس الاستفرادية بشئون القطاع مخاوف حلفاء لها، ولعل انتقاد حركة الجهاد الإسلامى للأسلوب القاسى الذى اتبعته الحركة مع جند أنصار الله لا ينعزل عن المخاوف من نوايا حماس التحكم فى البنى التحتية للقوى الأخرى، كالمساجد وأماكن الدعوة، ويشار إلى أن حماس والجهاد تصادمتا فى أكثر من مرة، وقامت حكومة الأولى باعتقال عدد من ناشطى الجهاد، واتهمت هذه الأخيرة الحركة بمنعها من الاستمرار بالمقاومة.
وبالنسبة لحماس فإن مخاوفها من الاشتباك مع تنظيم كالجهاد الإسلامى هو أكبر من مخاوفها من تصادم مع المجموعات السلفية الجهادية، لأن الجهاد له حضور تاريخى أصيل فى القطاع على عكس هذه المجموعات الطارئة، ولكن وكما يقال رب ضارة للجهاد نافعة لحماس، فالأزمة المالية التى يعانى منها الفريقان، وبالأخص الجهاد، وغير المستبعد بعلاقتها بالأزمة فى إيران تقلص من حضور التنظيم الأخير الذى لم يعد يقوى سوى على الإنفاق من خلال الدعم المالى الإيرانى على عوائل قتلاه .. وحسب تقرير فإن شرخا يسود قيادة الجهاد بين معسكر يؤيد الاندماج مع حماس، ومعسكر آخر يعارض ذلك ويخشى من أن يؤدى الاندماج إلى فقدان استقلال الحركة فى المستقبل وخضوعها لحماس.
السبب الثانى: تعزز النهج البراجماتى لدى حركة حماس.
دفعت الحرب الأخيرة على غزة مؤتمر حماس الأخير لتبنى سياسة أكثر براجماتية، وأظهرت الحركة خلال الشهور الأخيرة مرونة سياسية بعرضها هدنة طويلة الأمد، وكأنما تريد القول إنها لن تطلق العملية السياسية منذ دخولها اللعبة بمشاركتها فى الانتخابات التشريعية.
ويرى مراقبون أن اجتثاث جماعة جند أنصار الله له علاقة أيضا برسائل قيادة الحركة الداخلية بعد مؤتمرها الأخير بأنها معنية بتعزيز التوجه البراجماتى وضرورة تحجيم الأصوات الأكثر تطرفا فى الحركة على طريق التبرؤ منها إن شقت عصا الطاعة.
السبب الثالث : التصادم التاريخى بين مشروعى الإخوان المسلمين والسلفيين .. وأن توقيت التصادم واجتثاث الجماعة، فيبدو أن حماس لم تكن مغمضة عن محاولات السلفيين الجهاديين توحيد صفوفهم، حيث تشير مصادر سلفية جهادية إلى محاولات لتوحيد الجماعات المتناثرة قبل رجب الماضى تحت مسمى جماعة جند أنصار الله فى أكناف بيت المقدس، وأن أحداث يوم الجمعة 14 أغسطس جاءت فى الوقت الذى كانت تتم الخطوات العملية لتنفيذ المرحلة العملية من المشروع.
السبب الرابع: الحيلولة دون مواجهة عسكرية مع إسرائيل
حماس معنية بتهدئة يطول انتظارها لتثبيت حكمها كما هو ديدن الإخوان، وبالتالى فقطع دابر الجماعات التى تعكر صفو التهدئة مع إسرائيل له أولوية، كما أن حماس بحاجة لكبح جماح المنقلبين عليها من ضمن صفوف الحركة، ومن خارجها بوصفها حزبا علمانيا، ومن المعتقد أن قرار الاجتثاث لم يكن وليد قرار عفوى أو نتيجة اللحظة، وإنما جاء بعد أن غضت الحركة النظر عن نشاط هذه الجماعات ما دامت تمسك بأعنتها فى مواجهة إسرائيل وتوظفها كما تشاء خلال المواجهات العسكرية معها، ولكن يبدو أن الحركة حسمت ترددها بعد أن فشلت فى تدجين هذه الحركات التى لها مشروعها الداخلى الخاص بإنشاء إمارة إسلامية، وهى معنية أن لا تتحول فترة التهدئة لسلاح داخلى ضد الحركة تستغله هذه الحركات فى التعبئة والتحريض بغية نزع السيطرة.
- السبب الخامس: تبديد التقارير الإسرائيلية التحريضية على حماس .. إذ تزايدت فى الشهرين الأخيرين تقارير إسرائيلية تداولتها وسائل إعلام غربية، وتدعى تحول القطاع إلى بؤرة للقاعدة، وتزعم أن العشرات من أتباع الجهاد العالمى تسللوا إلى القطاع خلال السنة الأخيرة ومنهم من نشط ضد الأمريكيين فى العراق، وأنهم أخذوا يعملون فى إطار منظمات متطرفة تتماثل مع شبكات الجهاد العالمى.
وتوقع الكاتب عاموس هرئيل فى 7 يوليو الماضى أن تزيد هذه الفصائل من نشاطها بموازاة انخفاض وتيرة مواجهة الفصائل السنية للأمريكيين فى العراق قبيل الانسحاب خلال السنتين القادمتين.
ولا شك أن لحماس أيضاً مصلحة فى تبييض صفحتها أمام هذه التقارير فى أعقاب "غزوة البلاغ" التى قامت بها "جند أنصار الله"، حيث زعمت معاريف أن التنظيم قام فى الأيام الأولى له بشراء قواعد تدريب من قادة فى الذراع العسكرية لحماس، ولفتت إلى أنه "اجتذب إلى صفوفه عشرات الشبان الغزاويين، خصوصاً أولئك الذين يعتبرون حماس تنظيماً براجماتياً تنازل عن الجهاد من أجل مناعم الحكم وهولت الصحيفة من تقديراتها وذهبت إلى أن التنظيم يضم أكثر من 500 جندى، وزعمت أنه "خلافا للتنظيمات الأخرى فقد جند جند أنصار الله فى صفوفه أشخاصا غير فلسطينيين منهم يمنيون ومصريون وباكستانيون وأفغان".
السبب السادس: تبرئة حماس لنفسها أمام مصر .
وجدير بالذكر أن مصادر مصرية كانت قد ذكرت بأن منفذى العملية التى جرت فى حى الحسين قبل بضعة أشهر تلقوا تدريباتهم فى غزة .. ويبدو لمراقبين - حسبما تقول الدراسة الصادرة عن مركز القدس - أن حماس معنية بزرع الثقة مع الجانب المصرى وهى على استعداد لمكافحة الجماعات السلفية الجهادية، وبينما لا يزال من المبكر معرفة عمق هذا التعاون، إلا أن مصادر مصرية كانت قد كشفت النقاب عن أن التحقيقات مع محمد فهيم الذى تتهمه السلطات المصرية بقيادة تنظيم التكفير والجهاد تشير إلى أن تنظيمه كان يدعم ويجمع التبرعات ل "جند أنصار الله"، وأنه نقل على مدى بضعة شهور مبلغ 40 ألف دولار عبر ابن خالته الفلسطينى تامر أبو جزر.
- السبب السابع: مراهنة على كسب ثقة المجتمع الدولى
اصطدام حماس لم يكن معزولا عن برنامجها لتثبيت نفسها دوليا، كقوة قادرة على الالتزام بتعهداتها تجاه إسرائيل غير المبرمة بوقف القتال، والاصطدام مرتبط بمزيد من مراهنة حماس على التحرك الدبلوماسى مقارنة بالعسكرى بعد الحرب الأخيرة على غزة.
ويعتقد البعض أن حماس أعطت الأوروبيين من خلال اجتثاث جند أنصار الله خطوة كانوا ينتظرونها لتبرير تغير مواقفهم تجاه حماس، وهو ما قد يعزز من هذا التواصل بين الجانبين.
- السبب الثامن: حاجة حماس لهدوء طويل لاستعادة قوتها العسكرية.
فى تقدير ضابط كبير فى الجيش الإسرائيلى أن لحماس مصلحة مؤقتة فى إحباط العمليات، لأنها معنية بمهلة طويلة بهدف ترميم قدراتها العسكرية، ومواصلة تثبيت حكمها فى القطاع، ولذلك فهى معنية بتحاشى الاصطدام مع الإسرائيليين لدى توغلاتهم المحدودة، كما تبرهن عليه الوقائع فى الشهور الأخيرة
أسلمة غزة
ولعل احد أهم الأسباب التى قادت إلى تلك التطورات أن تقوم حركة حماس بالتغطية على تقارير إسرائيلية عن شروع حماس فى خطة متدرجة ل"أسلمة غزة"، وارتكنت فى ذلك على عدة تغيرات شهدها القطاع، أبرزها فرض اللباس الشرعى على مؤسسات المجتمع المدنى، حيث بدأت بسلك القضاء وفرضت على المحاميات اللبس الشرعى أمام القضاء، قيل إنها للحفاظ على الصورة الجمالية لشعبنا وحماية الآداب والقيم والأخلاق وعدم الخروج عن قواعد السلوك السوى، بالإضافة إلى "فلترة" الإنترنت من المواقع الإباحية عبر وزارة الاتصالات، وصدور تعليمات من الشرطة لأصحاب المحال بمراعاة الذوق العام دون فرض عقوبات أو قوانين مباشرة.
ورغم أن حكومة حماس تنفى نيتها أسلمة المجتمع فى غزة، إلا أن الوقائع والتبليغات الشفوية والملصقات تؤكد على ذلك، ولكنها للآن لا تزال فى إطار الإقناع وليس الفرض والإجبار، فمع انطلاقة العام الدراسى بدأ تطبيق اللباس الشرعى أو الزى الإسلامى فى المدارس، ويتردد أن هذا يتم تحت طائلة التهديد بالطرد، وللآن فإن القرار شفوى على لسان المديرات والمدرسات، وهو ما أثار ردود فعل متباينة فى أوساط الطالبات، وصلت إلى حد تفكير بعضهن فى التوجه إلى الدراسة فى المدارس الخاصة.
وبحسب التقارير فإن إجراءات الحكومة لاقت تأييداً كبيراً فى أوساط الحمساويين، وحتى أنصار جماعات إسلامية صغيرة متشددة دأبت على انتقاد حماس لعدم تطبيقها أحكام الشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوضعية، مثل الجماعات السلفية الجهادية، ومع هذا ظلت هذه الجماعات تطالب بالمزيد وفرض قوانين إسلامية مباشرة وتطبيق الشريعة بالكامل، وهو ما ترفضه حماس لاعتبارات محلية وإقليمية ودولية.
لكن ماجرى فى أغسطس الماضى، بكل ملابساته ورغم انتصار حماس فيه، يؤدى كما يقول محللون إلى أنها قد وجهت ضربة قوية لنفسها .. وأن سعيها جاهدة لإثبات هيمنتها على غزة منذ انفصالها بالقطاع عن السلطة الوطنية الفلسطينية منذ أكثر من عامين يكلفها الكثير، لأنها بمراهنتها على ديمومة الهدنة تحبط جماهير وناشطين عبأتهم بثقافة الاستشهاد ومقارعة إسرائيل.
وقد لقى أسلوب حماس العنيف انتقادا من كل حدب وصوب حتى من حلفائها كالجهاد الإسلامى، وحذر البعض من عواقب انتهاك حرمة المساجد على حماس، والكل يكاد يكون أجمع على أنه كان من الأجدر على الحركة اتباع أساليب أخرى لحقن الدماء، واختلفت الدوافع بين منبع الحرص على حماس والتشفى منها.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
www.rosaonline.net
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]
بخلاف الدراسة المشار إليها فى بداية المقال .. راجع الكاتب فى مادته المصادر التالية:
* ترجمة دراسة القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية - جلين روبنسون - عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
* مقال د.أكرم حجازى - يا حماس هذه سياسة ونهج دموى وليست فتنة - موقع المراقب المؤيد لأبى النور المقدسى.
* منتدى حنين وفيه رواية لأحداث مسجد ابن تيمية فى أغسطس الماضى نقلا عن الجماعات السلفية وتعليقات من حركة حماس.
* مدونة آمال عكيفى وقد وصفت نفسها بأنها باحثة فى شئون التنظيمات السرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.