أزمات سياسية مفاجئة تتورط فيها مصر بدون مبرر، بسبب مغامرات الصيادين غير المحسوبة دون احترام لأى قوانين ؛فاحتجاز مراكب الصيد المصرية لدى دول الجوار أصبح أمرا مقلقا لما له من نتائج سلبية على العلاقات بين مصر وهذه الدول ، وعادة ما تكون المواجهة وإنهاء هذه الأزمات عبر رصيد مصر الدبلوماسى والسياسى عند هذه الدول، ولكن هذا الرصيد لا تكونه القيادة السياسية حتى يتم استنزافه فى استعادة الصيادين المصريين الذين يخترقون المياه الإقليمية لتلك الدول خاصة أن بعض هذه الدول أبدت فى الفترة الأخيرة تشددا واضحا فى إطلاق سراحهم، خاصة أن وزارة الخارجية فى العشر سنوات الأخيرة أنهت العديد من تلك الأزمات قبل وصولها إلى قضاء هذه الدول. وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية أحمد أبوالغيط فى أغسطس الماضى بأن هناك جهدا كبيرا للدبلوماسيين المصريين خاصة العاملين فى الدول المطلة على البحر الأحمر والبحر المتوسط، مخصصا لحل مثل تلك الأزمات، والتى تتمثل فى خروج الصيادين المصريين للصيد عادة بسواحل الصومال واليمن وإريتريا والسعودية وليبيا وتونس، ونحن نستعرض فى هذا التحقيق بعضاً من هذه الحوادث التى تورط مصر فى أزمات صعبة بالفعل، يجب أن نواجه هذه الظاهرة ونحل أسبابها، خاصة أنه يصل متوسط تكلفة الرحلة الواحدة إلى حوالى 200 ألف جنيه وتستهلك المركب الواحدة نحو 700 برميل من السولار وتستغرق ما بين 40 و 50 يوما حسب الرزق وعوامل الجو ومضايقات البحر. وكان آخر اختراق مركب مصرى للمياه الإقليمية السعودية فى29 يوليو الماضى عندما ألقت السلطات السعودية القبض على عدد من المراكب عندما كانوا على متن مركب صيد قادمة من مرسى علم وتوغلوا فى المياه الإقليمية السعودية بمحافظة أملج التابعة لمنطقة تبوك بدون تصريح، وكان على متنها 9 صيادين بينهم 5 قد سبق إلقاء القبض عليهم من قبل السلطات السعودية خلال عامى 2007 و 2008 للسبب نفسه، وانتهت الأزمة بصدور عفو ملكى سعودى عن الصيادين التسعة! وتعتبر أكثر الدول تأثرا باختراق الصيادين لمياهها الإقليمية او الاقتراب منها ليبيا والصومال ، ونبدأ من الصومال صاحبة الأزمة الكبرى الأخيرة التى كان لها تأثيرات عديدة على العمل الدبلوماسى المصرى وكان آخرها، استدعاء الخارجية للخبراء المصريين فى الصومال خوفا من انتقام القراصنة منهم بعد تحرير الصيادين المصريين لأنفسهم فى منتصف الشهر الماضى ، وقبل هذا الحادث كان هناك حادث آخر فى نفس المنطقة ولكن قبل تفاقم أزمة القراصنة فى البحر الأحمر قبالة السواحل الصومالية حيث كان الاحتجاز من قبل السلطات فى ولاية بونت لاند الصومالية التى لها تشكيل إدارى منفصل عن الصومال، وقامت وقتها السلطات الصومالية باحتجاز 44 صيادا مصريا بسبب الصيد والدخول فى المياه الإقليمية لولاية بونت لاند الصومالية دون تصريح ، وهما سفينتا الصيد "كرم غربية" التى تحمل رقم 1271 و"سيف الدين علوش" التى تحمل رقم 1110 . وقال الصيادون المصريون بعد العودة إن الصوماليين أجبروا المركب التى كانت فى المياه الدولية على الدخول إلى المياه الإقليمية للصومال ثم احتجزوها ورفضوا الاعتراف بالتصاريح التى كانت معهم والتى حصلوا عليها من إحدى الشركات الأجنبية حيث لا تمنح مثل هذه التراخيص فى مصر معترفين بأن تدخل الخارجية ساعد فى إنهاء المشكلة مبكرا، بعد ان تمكن السفير المصرى بالصومال سعيد مرسى الذى يعمل فى نيروبى من الاتفاق مع سلطات ولاية بونت لاند على تخفيض الغرامة المطلوبة للإفراج عن الصيادين إلى 250 ألف دولار بدلا من 403 آلاف دولار ، وقدرت وزارة الثروة السمكية بولاية بونت لاند فى البداية الغرامة بمبلغ 800 ألف دولار، لكن المحكمة فى بونت لاند خفضت الغرامة إلى 403 آلاف دولار، إلا أن السفير المصرى تمكن من تخفيض مبلغ الغرامة إلى 250 ألف دولار، واستدعت وزارة الخارجية ملاك السفن الثلاث إلى مقر الوزارة لحثهم على دفع الغرامات المقررة وإنهاء المشكلة فورا حفاظا على الصيادين المصريين ، وأهابت الخارجية بعد هذا الحادث بملاك سفن الصيد بضرورة الحصول على تصريح للصيد ودخول المياه الإقليمية للدول التى يرغبون فى الصيد داخل مياهها والالتزام بالقوانين الدولية منعا لتعريض سفنهم والمواطنين لأية أخطار. ويسيل لعاب الصيادين المصريين على الشواطئ الليبية أيضا، وكانت آخر أزمات الصيادين التى قضت بها محكمة طبرق الليبية فى 24 ديسمبر الماضى ببراءة طاقم مركب "حودة يا عسل"، المكون من 6 بحارة من تهمة دخول المياه الليبية والصيد بدون ترخيص، بينما قامت نيابة طبرق باحتجازهم داخل سجن الجلاء بطبرق، لحين الرد على مذكرة دفاع الصيادين المصريين التى تقدم بها أثناء المحاكمة، يذكر أن الصيادين المصريين ال6 ألقى القبض عليهم بداية ديسمبر الماضى قبالة مرسى الملك بمدينة مساعد؛ سافر وقتها صاحب المركب الى ليبيا لحضور المحاكمة وكلف محاميا ليبيا وانضم اليه محام مصرى لرفع قضية على السلطات الليبية لإهمالها فى إنقاذ مركبه وتركه فى عرض البحر لعدة أيام بعد إنقاذ الصيادين والقبض عليهم، مما تسبب فى غرقه، حيث أكد طاقم المركب أن المركب ترك سليما عند القبض عليهم، ولم يكن به سوى عطل فى محركه ، قال المحامى الليبى فى مرافعته أمام المحكمة بأن طاقم المركب لم يدخل المياه الليبية بغرض الصيد وإنما دخلوا عندما تعطلت المركب بالمياه المصرية قرب الحدود ودفعتها الرياح الشرقية باتجاه ليبيا، مما ينفى الاتهام الموجه إليهم. قبل هذه الواقعة بحوالى 4 شهور كانت الفرحة قد عمت قرية مغيزل بمحافظة كفر الشيخ لعودة 16 صيادا احتجزوا بالسجون الليبية فى بنى غازى لمدة30 يوما بعد تحطيم مركبهم "الحاج حامد" بتهمة اقتحام المياه الإقليمية للصيد بطريقة غير شرعية، عودة الصيادين جاءت بعد أن تناثرت الشائعات فى قريتهم حول غرقهم وقاموا بمخاطبة وزارة الخارجية والجهات الأمنية وتبين أن السلطات الليبية قامت باحتجازهم، وتدخلت الخارجية وطلبت سرعة الإفراج عنهم من السجون الليبية وتم بالفعل الإفراج عنهم وتسليمهم إلى السفارة المصرية هناك وتم ترحيلهم عن طريق منفذ السلوم على الحدود الليبية وعودتهم إلى قريتهم مرة ثانية. وكانت من أصعب المشاكل لعودة الصيادين المصريين فى نوفمبر1999 عندما تأخرت السفارة المصرية فى ليبيا فى استعادتهم وترحيلهم الى مصر، وكان على متن المركب14 صيادا وضربت بلنش حربى ليبى فانقسمت إلى جزءين أثناء وجودها بالمياه الدولية المقابلة للسواحل الليبية وتم احتجازهم فترة كبيرة بسجن الكوفية ببنى غازى بتهمة التسلل للمياه الإقليمية، وأثيرت هذه الأزمة وقتها داخل البرلمان ووجه نواب المعارضة هجوما شرسا ضد وزير الخارجية السابق أحمد ماهر فتحركت وقتها الخارجية وتم الإفراج عنهم وكانت المفاجأة أنه فى عز أزمة الصيادين المصريين فى الصومال، تبلورت أزمة الصيادين مع السلطات التونسية حينما احتجزت 4 مراكب صيد مصرية بعد أن رأت السلطات أن المراكب دخلت فى مياهها الإقليمية وقامت باصطياد كميات كبيرة من الأسمالك بطريقة غير مشروعة، ولولا متانة العلاقات المصرية التونسية لكان الأمر تطور خاصة أن السلطات التونسية طلبت من مصر فى البداية سداد مبلغ 160 ألف دينار تونسى بما يعادل 800 ألف جنيه كرسوم إفراج عن مراكب الصيد الأربعة التى تم اقتيادها إلى ميناء صفاقس محملة ب80 صيادا هم جميعا من أبناء قرية برج مغيزل مركز مطوبس محافظة كفر الشيخ. الإفراج عن مراكب الصيد المصرية الأربعة المحتجزة وهى (أبو أمين) و(الحاج حبيب) و(عباد الرحمن) و(الأميرصالح) جاء بقرار من الرئيس التونسى بمناسبة رمضان قبيل إحالة الصيادين إلى القضاء التونسى، فى إطار العلاقات الأخوية والمتينة التى تربط بين البلدين على المستوى الرئاسى والشعبى، وهذا العفو الرئاسى التونسى لم يكن الأول حيث سبق وأن أصدر الرئيس التونسى زين العابدين بن على عفوا عن صيادين مصريين دخلوا إلى المياه الإقليمية بدون تصريح قبيل عيد الأضحى الماضى. فى المشكلة الأخيرة أجريت اتصالات مصرية تونسية لضبط وتنظيم مثل هذه الأمور على كافة المستويات لعدم تكرار دخول الصيادين المصريين للمياه الإقليمية التونسية، وكان تدخل وزارة الخارجية سريعا فى متابعة الصيادين وإنهاء إجراءات الإفراج عن الصيادين والاطمئنان عليهم والإفراج عن مراكب الصيد عن طريق السفارة المصرية بتونس، ومع انتهاء الأزمة وإحساس الخارجية بخطورة ذلك حفاظا على متانة العلاقات مع دول الجوار أصدرت بيانا لم يكن الأول فى مثل هذه الحالات أهابت فيه بأصحاب مراكب الصيد بعدم الدخول فى المياه الإقليمية للدول الاخرى بدون الحصول على التصاريح اللازمة حتى لا تتعرض للاحتجاز والمساءلة القانونية خاصة أن بعض مراكب الصيد اعتادت تكرار انتهاك المياه الإقليمية لدول الجوار والصيد بها بصورة غير قانونية وأوضحت فى بيانها أن الوزارة وبعثاتها المعنية تعمل على استثمار العلاقات الطيبة مع الدول الشقيقة والصديقة للإفراج عن المراكب والصيادين خاصة أن هذه الدول الصديقة بدأت تبدى تشددا واضحا فى التعامل مع تلك الخروقات مما يجعل تسامح هذه الدول مع مثل تلك الحوادث أمرا صعبا ويزيد من تعقيد التعامل معها. أما عن الأزمة الأخيرة مع اليمن فكانت فى يوليو الماضى بعد ان اقتربت 3 مراكب صيد مصرية من المياه الإقليمية اليمنية على بعد ثمانية أميال بحرية من سواحل مديرية قشن وتم احتجازها بواسطة خفر السواحل بتهمة اختراق المياه الإقليمية والصيد بطريقة غير مشروعة دون تراخيص مسبقة من الجهات اليمنية المعنية. وزارة الخارجية تابعت القضية مع السلطات اليمنية بواسطة السفير المصرى فى صنعاء محمد مرسى عوض الذى عرض تطورات وملابسات احتجاز المراكب مع النائب العام اليمنى وكبار المسئولين فى وزارة الثروة السمكية وطلب من المسئولين اليمنيين إنهاء إجراءات التحقيقات الجارية مع الصيادين وقادة السفن الثلاث بسرعة وبحسن معاملتهم، والإفراج عنهم إذا ما ثبت عدم ارتكابهم لأى مخالفات قانونية، ولكن تقدم وقتها مكتب الثروة السمكية بالمحافظة بعريضة استئناف مطالبا بمليون وخمسمائة ألف دولار تعويضا عن الأضرار البيئية والبحرية التى أصابت المخزون السمكى، بحسب ما جاء فى تقرير الهيئة اليمنية العامة للعلوم وأبحاث البحر بعد تفتيش الجهات الأمنية للمراكب الثلاثة تم ضبط 38 طناً و 400 كيلوجرام من الأسماك المتنوّعة ومعظمها من سمك الحبار صغير الحجم المحظور اصطياده على متنها وحولت الجهات اليمنية المشكلة الى القضاء بشكل تصعيدى فى 8 يوليو 2009 بناء على تقرير النائب العام اليمنى الذى أشار فيه الى أن هذه ليست المرة الأولى التى تدخل فيها سفن صيد مصرية الى المياه الإقليمية اليمنية المحاذية لسواحل المهرة للصيد بطريقة غير مشروعة، وقضت محكمة استئناف محافظة "المهرة" شرق اليمن، بتغريم ثلاثة مصريين ملاك سفن هم: "كريم من الله"، "وقمر الإيمان"، "ونور الإسلام" 150 ألف دولار موزعة بالتساوى بينهم، وذلك لاتهامهم باختراق المياه الإقليمية اليمنية والاصطياد منها دون تصريح قبل ثلاثة أشهر. واحتجاز مراكب الصيد أحدث بعض الأزمات من أشهرها ما حدث فى فبراير 2002 عندما تم احتجاز أربع سفن صيد مصرية تحمل ثمانين بحارا قبالة سواحل عدن وهى تقوم بعملية صيد غير مشروعة داخل المياه الإقليمية وخضع أفرادها الثمانون للتحقيقات من قبل الجهات المختصة فى محافظة عدن، ولكن تلك المرة على بعد قليل جدا لم يتعد ال3 أميال، وكان تدخل الخارجية سريعا ممثلة فى القنصلية المصرية وقامت القنصلية وقتها بإبعاد المشكلة عن القضاء باعتراف الصيادين بالخطأ ودفع الغرامات المقررة طبقا للقانون اليمنى. المخالفات تكرّرت مرات عدة وكان آخرها خلال 2008 فى يناير عندما احتجزت السلطات اليمنية 18 صيادا من عزبة البرج عندما اقتربوا من المياه الإقليمية بعد حصول صاحب المركب على تصريح من أحد السماسرة بالإسكندرية، وأثناء رحلة المركب فوجئ صاحبها بخروج عدد من اللنشات اليمنية اعترضت المركب واصطحبت البحارة الذين معه إلى سجن ميناء الحديدة وتم احتجازهم وأفرج عنهم بعد تدخل القنصل المصرى باليمن. ومن أصعب هذه الأزمات السياسية اقتحام مراكب الصيد المصرية للسواحل الإريترية وكان آخرها مركب "أبو زكريا" التى تم احتجازها فى أبريل 2008 وكانت تحمل على متنها 21 صيادا وظلت عالقة حوالى 5 شهور، وقبل احتجاز هذه المركب ب 3 شهور احتجز أيضا على السواحل الصومالية مركب الصيد "خادم الحرمين" التى كانت تحمل 18 صيادا، وبالرغم من أن هذه المراكب كانت تبعد عن السواحل الإريترية بحوالى 45 ميلا إلا أنها تعرضت لهجوم من جانب لنشين مسلحين إريتريين أحدهما كان مزودا بمدفع والآخر مزودا برشاشات ثقيلة .