أصبح خبر إلقاء القبض على مراكب صيد مصرية فى المياة الإقليمية لدولة أخرى خبرا متكررا وصل لدرجة الظاهرة فلم تكد مشكلة المراكب الأربعة المحتجزة فى تونس تنفرج بقرار من الرئيس التونسى بإلغاء الغرامات والعفو عنهم والسماح لهم بالعودة لمصر حتى ألقت السلطات التونسية القبض على مركب صيد أخرى ومن قبلهم كانت مشاكل مراكب الصيد المصرية فى مياه ليبيا الإقليمية وحتى إسرائيل. هذا بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط أما فى البحر الأحمر فنجد مراكب الصيد تعمقت فيه خارج مياهنا الاقليمية ليتم القبض عليهم أمام شواطئ السعودية واليمن وأخيرا وقعوا فى قبضة القراصنة الصوماليين، وإن كانت مركبتان منها قد استطاعتا الفرار والهرب إلا أنه لايزال هناك مركب فى قبضة القراصنة وهى المركب بدر. السؤال الذى طرح نفسه بعد تلك الأحداث هو: ما الدافع وراء ترك الصيادين للمياة الأقليمية المصرية فى البحرين الأبيض والأحمر والتوغل للصيد فى أماكن غير مسموحة مغامرين بأنفسهم ومراكبهم ليكونوا عرضة للغرق أو الوقوع تحت طائلة القانون فى دول أخرى أو الوقوع فى أسر القراصنة الصوماليين.. سؤال آخر طرح نفسه عن بدائل للصيد فى أعالى البحار وإمكانية قيامهم بالصيد فى البحيرات المصرية. روزاليوسف ذهبت لتبحث عن إجابة لكل تلك الأسئلة بين الصيادين والمسئولين لتجد بين الإجابات عشرات المشاكل الأخرى ومئات الأسئلة.. ذهبنا إلى عزبة البرج بدمياط حيث ميناء الصيد وهى تقع شمال مدينة دمياط بحوالى 15كم على الضفة الشرقية لنهر النيل عند مصبه بالبحر المتوسط. ويوجد بها طابية عرابى الأثرية فى عام 9681أنشئ بها منارة لإرشاد السفن المارة فى البحر المتوسط بارتفاع 081 قدماً ويرجع سبب تسميتها إلى البرج الذى كان يحرس شواطئها. ويضم ميناء الصيد بهذه العزبة 06٪ من أسطول الصيد المصرى حيث يبلغ عدد المراكب بها 539 مركبا مسجلة فى مكتب الصيد بالمنطقة تعمل فى حرف الصيد المختلفة وهى (الجر - الشانشولة - الصنار - الكنار - القانونية) الغالبية العظمى منهم تعمل فى حرفتى الجر والشانشولة وتتراوح قوة محركات المراكب التى تعمل فى هاتين الحرفتين بين 05 و360 حصانا أما المراكب التى تعمل فى الصنار والكنار فتتراوح قوتها من 01 إلى 80 حصانا بحد أقصى. تصاريح الخروج للصيد تمنح على أساس قوة المحرك، فالمركب التى لا تزيد قوة محركها عن 01 أحصنة لا يسمح لها بالصيد أكثر من يوم فتخرج وتعود فى نفس اليوم، أما من 50 إلى 360 فهى تمنح تصاريح مفتوحة المدة . التقينا "عصام البراوى" شيخ صيادى عزبة البرج سألناه عن سبب خروج تلك المراكب للصيد فى المياه الدولية، وهل تصلح للصيد فى مياه البحيرات، والمشكلات التى تواجههم كصيادين فقال: تراخيص الصيد فى مصر إما ترخيص صيد بالبحر الأبيض أو ترخيص صيد بالبحر الأحمر، والذى ينقسم لترخيص صيد بخليج السويس وترخيص صيد خارج الخليج وكان من حق أى مركب تحمل أى ترخيص أن تمر للصيد فى أى مكان من الثلاثة. فكان الصيادون يعملون موسم الشتاء 6 شهور فى البحر الأحمر ثم يعودون بالمراكب إلى عزبة البرج لعمل ال3 عين (عمل وعمرة وعودة) فكنا نعمل موسم الصيف أيضا هنا ثم نقوم بعمل عمرات للمراكب ثم نعود للبحر الأحمر مرة أخرى بعد انتهاء موسم الصيف وال6 شهور التى نقضيها بالبحر الأبيض فكان الصيادون يعملون طوال العام ولا يوجد بطالة بينهم. ولأن معظم أصحاب المراكب فى السويس والبحارة من عزبة البرج ولديهم مراكب مرخصة بحر متوسط وموجودة فى عزبة البرج فلا يكون أمامهم سوى خيارين عند انتهاء موسم الصيد فى البحر الأحمر الأول ترك المركب فى السويس والعودة لدمياط لمتابعة المراكب الأخرى و(هى ونصيبها تتسرق ولا تخرب أو تتلفها العوامل الجوية لوقوفها بدون صيانة"، أو الحل الآخر أن يعودوا بها إلى دمياط وهى عملية مكلفة جدا فلكى تعبر بمركب صيد متوسطة قناة السويس يتعامل على أنها قاطرة صغيرة وندفع لها 30 ألف جنيه رسوم عبور.. طبعا الغالبية بيقولوا فى الأزمة دى إحنا أولى ب03 ألف جنيه نعمر بيها أو نصرف منها على بيوتنا فى فترة الإيقاف ويتركون المراكب فى السويس ويعودون. ويكمل شيخ الصيادين كلامه بقوله: يبقى الصياد ماقدموش غير إنه ياخد المركب ويطلع فى البحر بره بعيدا عن تلك المشاكل ويغامر، و كل مركب حسب ترخيصه اللى معاه.. ترخيص بحر أحمر بيواجه حظه مع القراصنة الصوماليين، وإللى فى البحر الأبيض يا تطلع عليه عاصفة ويموت يا يتقبض عليه فى سواحل ليبيا أو تونس أو إسرائيل حتى. كان هناك قرار أيضا بأن أى مركب تحمل ترخيصا سواء بحر متوسط أو أحمر داخل الخليج أو خارجه من حقها أن تدفع رسوما وتذهب للصيد فى البحر الأحمر أمام منطقة اسمها برانيس بعد مرسى علم خارج الخليج وبها خير وفير جدا وتغنى عن دخول المياه الدولية بالنسبة لمراكب صيد البحر الأحمر، ولكن أيضا تم إلغاء هذا القرار وكأن الهدف هو القضاء على الصيادين!! أما إذا قررنا الخروج للصيد فى المياه الإقليمية لدول أخرى بشكل رسمى فيجب علينا الحصول على تصاريح صيد لديهم وهى لا تأتى إلا عن طريق سماسرة، فتكون تكلفة التصريح باهظة إذا ما أضفتها لتكاليف الرحلة وأيضاالنسبة التى تحصل عليها الدولة التى تصطاد فى مياهها وهى نسبة عالية جدا ستجد أن الموضوع تحول لموت وخراب ديار. سألنا "عصام البراوى" شيخ الصيادين بعزبة البرج عن أشهر أصحاب المراكب وكبارهم فقال بالطبع عائلة البراوى التى أنتمى إليها وعائلة مايلو والقشاوى والتوارجى وحسن خليل والشاعرى وهؤلاء هم من يمتلكون أكبر عدد من المراكب فى دمياطوالسويس والباقى، أما ملكية فردية لشخص أو عدة أشخاص يشاركون على مركب. وشرح لنا "ناصر الجن" أحد قائدى المراكب طريقة الصيد وتكاليفه التى تؤدى لارتفاع أسعار السمك فقال: هناك تكاليف لصيد السمك باهظة فبرميل الجاز الواحد وصل سعره إلى 022 جنيها بعد أن كان 80 جنيها والمركب الواحدة تحرق حوالى برميلين ونصف يوميا يعنى فى 10 أيام 0005 جنيه جاز و3 آلاف زيت و0081 جنيه أومانية (طعام وشراب) بالإضافة إلى تكاليف الثلج الذى يوضع فيه السمك وتغيير زيوت المركب وإصلاح الغزل (شبك الصيد) لأن الحجارة فى الأرض تمزقة كل خروجة فيتكلف من ألف إلى 8 آلاف جنيه إذا تم إحلاله بالكامل بالإضافة إلى بند مصروفات تحت مسمى هوالك إضافية وهى أى شىء قابل للتلف والتغيير مثل شمعات احتراق الموتور و الأسلاك وغيرها، أضف إلى ذلك المخاطر التى نتعرض لها فى البحر دون أى تأمين أو حماية. ومركب متوسط زى مركبنا فى الأيام العادية بيصفى دخل من 01 إلى 31 ألف جنيه بعد خصم كل التكاليف يتبقى من 5 إلى 7 آلاف جنيه النصف لصاحب المركب والنصف للبحرية الطاقم الذى يتكون من 01 أفراد فيكون الصافى للبحار بعد عمل متواصل 10 أيام 300 جنيه. أما عن قيمة تلك المراكب وهل تساوى مبالغ ضخمة فعلا تصل إلى مئات الألوف أو الملايين قال: مركب صغير 082 حصانا يحتوى خشبا ومعدات صيد ومعدات ملاحة وتراخيص وغيرها تتراوح تكلفته من 008 ألف إلى مليون بينما تتراوح تكلفة المراكب الأكبر والتى تزيد قوتها علي 003 حصان من مليون ونصف إلى 2 مليون، أما المراكب التى تكون من الحديد وتكون قوتها فوق ال 400 حصان فتزيد علي3 ملايين جنيه. ربما لا تصدق أن مركب بهذا الشكل تساوى كل هذا المبلغ لكن لا تنس أن الخشب سعره (مولع) وأيضا باقى الخامات المستخدمة كما لا يمكن أن تصدق أننا ننفق كل هذه الأموال ولا نحقق سوى هذه الأرباح لذلك لا يفهم الناس سبب خروجنا للصيد فى المياه الدولية والمجازفة بحياتنا خرج للصيد فى مالطة أو ليبيا أو اليونان أو تونس أو اليمن كلها سواحل غنية بالسمك لأن سواحلها بها جزر وكهوف تحوى السمك بكثرة وتساعده على التكاثر. المهندس محمد الطويل مدير الإرشاد بالإدارة المركزية لشئون الثروة السمكية بدمياط قال: الإيقاف لم يأت فجأة.. هذا هو العام الثالث وكل عام يتدخل القرار السياسى لتخفيض مدتة وفى العام الأول طبقنا نظام إيقاف حرفة والسماح لأخرى بالعمل فقمنا بإيقاف حرفة الجر لأنها الأكثر ضررا بالأسماك الصغيرة و سمحنا لحرفة الشانشولة ولكن فوجئنا أن مراكب الجر كانت تخرج من الميناء وهى تحمل عدة صيد شانشولة وتخفى معها عدة صيد جر وتقوم بالصيد بنظام الجر فقمنا بإيقاف كل الحرف فى العام التالى لأنهم لم يلتزموا وتحايلوا على القرار.