سيدى المجلس العسكرى... فيما يخص موضوع الطرف الثالث أستحلفك بالله أن تتحدث الآن، أو تصمت إلى الأبد؟ لقد صار الطرف الثالث يا سيدى مضغة فى أفواهنا لا نستطيع أن نمضغها ولا نستطيع أن نبتلعها على حد التعبير الشهير. بل إننى وملايين غيرى من أبناء هذا الوطن نود من أعماق قلوبنا أن يكون هناك طرف ثالث لأننا ببساطة لا نصدق ولا نريد أن نصدق أن ما حدث مؤخراً حدث بأيدى الرجال البواسل من أبناء القوات المسلحة. لا نريد أن نصدق ولا ينبغى لنا أن نصدق أن سبعة عشر شهيدا أطلقت عليهم النيران فى الأحداث الأخيرة قد حصدتهم رصاصات مصرية من سلاح نعرف أنه لا ينبغى أن يشهر سوى لحماية أرواح المصريين والذود عن أعراضهم. لا نريد أن نصدق ولا ينبغى لنا أن نصدق أن إخوتنا تورطوا فى قتل إخوتنا، وأن أبناءنا تورطوا فى قتل أبنائنا. لا نريد أن نصدق ولا نعرف أيضا ممن يمكن أن تطلب مصر ثأرها اليوم والقاتل والمقتول من أبنائها، فهل تفقع مصر عينها اليمنى ثأرا لعينها اليسرى؟ وهل يمكن لأم أن تقتل أحد أبنائها ثأرا له من أخيه؟ فى نفس الوقت يا سيدى نحن لا نصدق، ولا ينبغى لنا أن نصدق أن الثوار بلطجية، لا نصدق أن شيخ الأزهر وطالب الطب والهندسة والإعلام وحتى العامل البسيط وغيرهم من عشرات الشهداء فى مواضع مختلفة، هم بلطجية مأجورون، عقولنا تأبى أن تصدق ذلك، لا يوجد يا سيدى بلطجى يموت من أجل فكرة، الذين يموتون من أجل أفكارهم هم الأبطال والشهداء فقط لذلك هم أحياء عند ربهم يرزقون. لا نصدق ولا يمكن أن نصدق أن الشيخ عماد عفت وعلاء طالب الطب وأحمد طالب الإعلام وزملاءهم هم الذين أحرقوا المجمع العلمى أو اعتدوا على أبناء القوات المسلحة أو فعلوا أى شىء يستحقون أن يقتلوا من أجله لكل هذه الاسباب ولأسباب أخرى كثيرة نحن نريد أن نصدق أن هناك طرفا ثالثا، بل إننا نتمنى من أعماقنا أن يكون هناك طرف ثالث، لذلك عليك يا سيادة المجلس العسكرى أن تعلن لنا الآن وفورا من هو هذا الطرف الثالث الذى نتحدث عنه ولا نراه، عليك يا سيدى مع كامل الاحترام أن تفرغ فمك من الماء الذى يملأه وأن تتحدث وتخبرنا من هو الطرف الثالث؟ عليك يا سيدى مع كامل الاحترام أن تتوقف عن هذا الصمت العاجز وأن تعلن لنا بالوقائع والأسماء والتواريخ عن هذا الطرف الثالث. سيدى المجلس العسكرى أننا ومعى ملايين المصريين لانشك فى وطنية رجالك وإن كنا نشك أحيانا فى حسن تقديرهم للأمور، والمشكلة يا سيدى أن فى الميدان ثواراً وربما كان هناك بلطجية، لكن المشكلة الحقيقية أنك تعامل الثوار على أنهم بلطجية وتعامل البلطجية على أنهم ثوار، ونحن نريد للثوار أن يعاملوا معاملة تليق بالثوار ونريد للبلطجية أن يعاملوا المعاملة التى يستحقها البلطجية لكن ذلك لا يحدث حتى الآن، ومن هنا تنشأ المأساة التى نعيشها، ولهذا تبدو مصر مجروحة ومشروخة ومذبوحة من الوريد إلى الوريد. فلماذا يا سيدى لا تخبرنا من هو الطرف الثالث؟! إن كل هذا الحديث عن الطرف الثالث دون إعلانه لا يعنى سوى أنك تعلم الطرف الثالث وتتواطأ معه، أو أنك تعجز عن معرفته وتكتفى بالحديث عنه وكلا الأمرين لا يليق بسلطة ساقتها المقادير لرعاية شئون مصر، واستأمنها القدر على تاريخ ومستقبل هذا الوطن. كم مرة يا سيدى حدثتنا عن الطرف الثالث؟ وكم مرة ابتلعت لسانك قبل أن تعلن لنا حقيقة هذا الطرف الثالث؟ لقد كنا جميعا كما تذكر على قلب رجل واحد، وكانت الآمال تملأنا فى غد أفضل، ووطن أفضل بعد خلع الرئيس السابق، وبعد شهر واحد فقط من نجاح الثورة كان أن أطلت الفتنة برأسها وتم هدم كنيسة أطفيح ورغم أن الكنيسة أحرقت وهدمت على رؤوس الأشهاد، ورغم أن القوات المسلحة تطوعت بأريحية مشكورة لإعادة بنائها إلا أننا لم نعرف حتى الآن من الذى أحرقها، وهل هو الطرف الثالث أم الطرف الأول، وقد قلنا وقتها أن للموقف تقديراً خاص وأنه ربما كان للمجلس العسكرى دوافعه فى عدم الإعلان عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة، وتوالت حوادث صغيرة لم نعرف من الجانى فيها ومن المجنى عليه؟ ثم كانت أحداث كنيسة إمبابة بعد شهرين من أحداث كنيسة أطفيح وتبادل المصريون إطلاق النار فى الشوارع وسقط ضحايا ونشرت روزاليوسف شهادة لأحد البلطجية يعترف فيها أن أحد ضباط الشرطة حرضه على مهاجمة الكنيسة، وتحدثت جهات التحقيق عن تورط رجل أعمال ينتمى للحزب الوطنى فى الأحداث، ثم كانت النتيجة صفراً كبيراً ولم نعرف أى جديد عن هذا الاتهام حتى الآن. بعدها وفى 29 يونيو، وقعت أحداث مسرح البالون، وتحول احتفال تكريم أسر الشهداء إلى حدث دامى وسالت دماء المصريين وتناثر الحديث على استحياء عن الطرف الثالث، لكننا وكالعادة سمعنا عنه ولم نره. ثم وصلنا إلى شهر سبتمبر وفى عشرين منه تفجرت أحداث السفارة الإسرائيلية وأعلنت جهات التحقيق عن تورط رجل أعمال ينتمى للحزب الوطنى فى الأحداث ، بل إنها نشرت تفاصيل عن اجتماع عقده فى مزرعة بالطريق الصحراوى مع عدد من البلطجية وحددت المبلغ الذى دفعه لكل منهم وقيمته خمسة آلاف جنيه، ثم مرة أخرى كانت النتيجة صفراً كبير، ولم يعرف من هو هذا الرجل ولا من وراءه، ولا من هو؟ وظلت القضية فى الأدراج حتى وقعت واقعة مجلس الوزراء فتحركت أخيرا ونشرت الصحف أخبارا عن إحالتها للمحكمة بعد شهور فى إدراج النيابة ثم كانت كارثة ماسبيرو فى التاسع من أكتوبر وسالت دماء 25 مصريا وفاضت الأرواح الزكية إلى بارئها، وتحدث المجلس العسكرى بشكل واضح لا لبس فيه عن وجود طرف ثالث أشعل الأحداث، لكنه مثل كل مرة تركنا تائهين حائرين، لا نعرف من هو هذا الطرف الثالث ولا كيف نحاسبه، ولا كيف نمنعه من ارتكاب جرائمه مرة أخرى، والأهم أننا لم نعرف لماذا لم يعلن المجلس العسكرى عن هذا الطرف الثالث ولماذا تركه مبهما وغامضا ومبنيا للمجهول. نفس الأمر تكرر بحذافيره فى أحداث محمد محمود وكان عدد الضحايا أكبر والكارثة أضخم وسقط ضحايا بالرصاص الحى، وأنكرت الداخلية أنها أطلقت الرصاص الحى، وثار الحديث الذى اصبح مملا عن الطرف الثالث، ولم يتم الإعلان عن هذا الطرف الثالث. ثم كانت الأحداث الأخيرة وسقط شهداء فى ملابسات بوليسية وغامضة حيث انطلقت رصاصات مكتومة من أماكن قريبة بعضها عند الفجر لترى مصريين لا تدل أوصافهم على أنهم بلطجية أو موتورون أو معرضون يستحقون القتل، وسمعنا الحديث عن الطرف الثالث. فيا سيادة المجلس العسكرى تكلم الآن وأخبرنا من هو الطرف الثالث أو أصمت إلى الأبد ولا تحدثنا أبدا.