احتكار النجوم للشاشة وإيرادات شباك التذاكر كان جزءاً من احتقار المرأة المصرية فى السينما واقتصاره فى فترات طويلة على دور « السنيدة» أو «الديكور» الجميل للبطل أما لقب سيدة الشاشة الأولى فهو مرفوع من السينما ربما على مذبحة سيدة مصر المخلوعة. إن واقعة سحل د. غادة وتعريتها فى شارع قصر العينى فتحت أمامنا قضية دور المرأة وتهميشها فى الشريط السينمائى والأفيشات ويحمل فى الوقت نفسه رسالة جديدة ونحن على أعتاب دساتير سلفية وإخوانية ربما ترد اعتبارها مرة أخرى بعد فترات من التواطؤ السينمائى والانحياز لبطولة الرجل. سالى زهران وإسراء عبد الفتاح وأسماء محفوظ وغادة كمال وغيرهن من نشطاء ثورة مصر اللائى تصدرن المشهد السياسى فتحن ملف بطولة المرأة فى السينما ولعل نضالهن كفيل بفتح صفحة جديدة لفنانات مصر فى الشريط السينمائى. تظل « فاتن حمامة» هى النموذج الاستثنائى والفريد الذى لم يتكرر فى تاريخ السينما المصرية ، «للبطلة» ولفترة طويلة بدأت فى الأربعينيات واستمرت حتى أوائل السبعينيات ولم يتوقف عطاؤها الإبداعى حتى أوائل التسعينيات عندما قدمت آخر أفلامها فى عام 39 «أرض الأحلام». رغم إبداعات « ماجدة» ومناورات « نادية لطفى» ثم نجلاء فتحى وميرفت أمين ولعل عدم اقتراب أحد من المساس بلقبها الأبدى كسيدة الشاشة العربية يعكس هذا المعنى وهذه المأساة التى حلت على نجمات السينما المصرية عبر مراحلها وحتى الآن. عرش البطولة النسائية ظل غائبا حتى جاءت سندريلا الشاشة «سعاد حسنى» لتقدم النموذج الاستثنائى للنجمة الشاملة فى فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات منذ أن قدمت رائعة «حسن ونعيمة» حتى «خللى بالك من زوزو» ومعهما حوالى 09 فيلما تمثل كلاسيكيات السينما المصرية.. وإذاكان «القدر» قد وقف أمام إكمال عطائها الإبداعى فإن خليفتها على عرش الاستعراش شريهان نالها نفس «القدر» وبنفس السيناريو وبعض التفاصيل «المرض والسياسة» ليحرم السينما من عطائهما.. وإن كانت ثورة مصر قد حملت بشرى جميلة بعودة «شريهان».. ونحن منتظرون لتواصل عطاءها الجميل. تعددت صور مقاومة نجمات السينما للشاشة الذكورية ووصلت لقمتها فى فترة التسعينيات وتصدرت المشهد النجمتان نبيلة عبيد ونادية الجندى، رغم احتكار «عادل إمام» لشباك التذاكر منفردًا والأفيشات، ونشأت بين نبيلة ونادية منافسة من نوع خاص تخللتها حروب على الألقاب أو تحديدا لقب نجمة مصر الأولى، الصراع بين «نبيلة» و«نادية» استمر فترة طويلة، فبينما كانت «نبيلة» تحمل توكيل تحويل الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية ظلت «نادية» تلعب على وتر أفلام المخدرات والجنس، فانحازت «نبيلة» إلى «الأدب»، كلاسيكات إحسان عبدالقدوس وتبنت مسئولية تقديمها على الشاشة فتفوقت فى أفلام «العذراء والشعر الأبيض» و«لايزال التحقيق مستمرا» و«الراقصة والسياسية» و«المرأة والساطور» و«الراقصة والطبال»، و«أرجوك أعطنى هذا الدواء»، فى حين قدمت «نادية» «الباطنية» و«وداد الغازية» و«الخادمة» و«وكالة البلح» و«رغبة متوحشة» و«بونو بونو»، والغريب أن النجمتين توقفتا عن الإبداع وأيضا الصراع معا تقريبا فى أوائل الألفية الثالثة، وإن عادت نبيلة لتؤكد قدرتها على العطاء عندما قدمت فيلمى «قصاقيص العشاق» ثم «مافيش غير كده»، بينما توقف عناد وإصرار «نادية» عند فيلم «الرغبة» منذ 01 سنوات.. قطار «نادية» و«نبيلة» لم تفلح فى اللحاق به «ليلى علوى» و«إلهام شاهين» وتمثلان الجيل التالى لهما ومعهما أيضا «يسرا» التى اكتفت بدور بطلة النجوم فى معظم الأحيان فى أفلام «عادل إمام» رغم النجاح الكبير الذى حققه الثلاثى يسرا وليلى وإلهام. وعلى خلفية ثورة المضحكين برز الجيل الثانى من النجمات وانفرد محمد هنيدى فى تقديمهن فى الخمسة أفلام الأولى التى انفرد بها بعرش الكوميديا والنجومية، وفى مقدمتهن منى زكى فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» ومعها غادة عادل وأيضا «حنان ترك» فى فيلم «جاءنا البيان التالى»، ثم بدأت ياسمين عبدالعزيز فى الإعلان عن نفسها فى خط متواز معهن.. وإذا كانت غادة عادل قد سبقت الجميع فى فيلم «خليج نعمة» فإن مشوار منى وحنان تعثر لأسباب سينمائية وسوق العرض والطلب الذى لم ينظر إلى الكوميديا، وبروز الجيل الثالث من النجوم وفى مقدمتهم أحمد السقا ثم أحمد عز وكريم عبدالعزيز والثلاثى أعاد لقب فتى الشاشة للظهور فى حين تراجعت البطولة النسائية بشكل غريب وغامض لأسباب إنتاجية تارة وأسباب أخرى ترتبط بكسل وقلة طموح هؤلاء النجمات على مذبحة السيناريو المفقود وغياب كتاب السينما الذين يجيدون صناعة أفلام للنساء. قبل ثورة مصر ظهر فى الأفق مشروع استنساخ نجمات جديدات على خلفية المجتمع الآيل للسقوط من خلال الإثارة ولتنجيب الجمهور عن قضايا الفساد، فظهرت غادة عبدالرازق وكانت كل العوامل مهيئة أمامها للانطلاق بعد الانتشار الواسع الذى حققته فى التليفزيون، وأيضا مع المخرج خالد يوسف الذى قدمها فى حين ميسرة ودكان شحاتة بعد أن صنفها موقع «اليوتيوب» بأنها تمثل الأنوثة الساخنة وكانت قاعدة انطلاقها تحمل العديد من المشروعات منها ما سوف تقدمه قريبا وهو فيلم «ريكلام» عن فتيات الليل لكن مصير الفيلم ونجاحه وحتى نجاحها يطارده شبح القائمة السوداء الذى تصدرته بعد العداء الغريب والمستفز لها لثورة مصر وشرفاء ميدان التحرير. «هند صبرى» كسرت حاجز الصمت فى عام الثورة فى الشارع السينمائى عندما قدمت نفسها فى فيلم «أسماء» كبطلة بموضوع إنسانى حساس فى ظاهرة قضية اجتماعية مسكوت عنها فى المجتمعات الشرقية ولكنه يحمل بداخله رسالة وقضية أخطر وهى «الخوف».. الخوف من المواجهة والهروب من الحقيقة وهى المشكلة التى يعانى منها الجميع فى المجتمع إلى جانب مشكلة تقبل الآخر باختلافه وهى من أخطر المشاكل الاجتماعية المتأصلة فى المجتمع المصرى طوال ال 03 عاماً الأخيرة. «هند» وجهت أيضاً رسالة شديدة الذكاء لبنات جيلها وشجاعة كبيرة لفاقدات للطموح والمشاركة رغم الإمكانيات التى تحملها كل منهن فى مقدمتهن «منى زكى» «ومنة شلبى» و«ياسمين عبدالعزيز» و«نيلى كريم» وغيرهن.. ويلخص أزمة «منى» تعثر فيلمها أسوار القمر، على مدار الثلاث سنوات الأخيرة ما بين أسباب فنية أو إنتاجية.. منى استسلمت تماماً للمشاكل والعقبات وظلت فى انتظار الفرج لخروج أول تجربة بطولة مطلقة لها على الشاشة.. أما ياسمين عبدالعزيز فقد تقمصت دور النجمة الشجاعة عندما فاجأت الجميع منذ عامين بفيلم «الثلاثة يشتغلونها» ورغم نجاحه فى مجاراة نجوم الشباك فإنها توقفت لتحقيق طموح أسرى وظلت فى إجازة وضع طويلة.. ياسمين فى فيلم «الثلاثة يشتغلونها» قدمت موضوعاً جاداً فى قالب كوميدى حذرت فيه من خطورة تسلل الجماعة الإسلامية فى الحرم الجامعى، أما «حنان ترك» فقد جاءتها الفرصة على طبق من ذهب تحت حماية إخوانية وسلفية لتقديم موضوعات جادة قوية وهى بذكاء نجحت فى إثبات نفسها فى الدراما التليفزيونية بموضوعات تتسق وطبيعة توجهها الحالى. أمام النجمات وكتاب السينما أيضاً فرص من ذهب لكتابة تاريخ جديد من قلب ميدان التحرير لإضافة إبداع فوق إبداع ثوار مصر يؤصل أجمل اللحظات فى تاريخ مصر.. احترق المجمع العلمى بتراثه الإنسانى والعلمى لكن بقى تراث «ميدان التحرير» الذى حمل ثقافة جديدة للمصريين ثقافة المواجهة وكسر حواجز الخوف.. وأبطال شرفاء من دم ولحم إلى جانب شهداء ضحوا بحياتهم من أجل المستقبل من سالى شاهين وقبلها والدة الشهيد خالد سعيد وحتى د. غادة كمال والشيخ عماد شهيد الأزهر.