يعتقد البعض أن مولد الانتخابات حقق نجاحا باهراً بما حدث به من نزاهة انتخابية واختفاء التزوير، وتراجع التجاوزات إلى نسب هامشية وضئيلة، وتأمين اللجان وعدم وقوع حوادث وأنهار دم كما كان متوقعا وشائعاً، وهو ما يستحق عليه التهنئة والإشادة- بحق المجلس العسكرى والأمن والقضاة إلى آخر قائمة الكابتن لطيف رحمه الله خاصة لما صار متوقعا من تحقيق نفس النجاح حتى نهاية الانتخابات. إلا أن هذا النجاح فى تقديرنا لا يمثل سوى الإطار الخارجى أو البرواز المحيط بالنتائج الحقيقية للعملية الانتخابية بينما الاستقراء الحقيقى يثير المخاوف. فالواقع أو المسكوت عنه ما ينذر بالخطر هو تحول البرلمان القادم إلى جماعات دينية هو ماكان واضحا قبيل الانتخابات، سواء إسلامية بداية من الدعوة فى المساجد بانتخاب من يتقى الله، وهى دعوة ظاهرها مجرد الحث على المشاركة الانتخابية واختيار الأصلح بينما المقصود بمن يتقى الله الإخوان والسلفيون أو الحرية والعدالة والنور دون غيرهما حتى لو كان أى حزب يعلن أنه ينتهج روح مبادئ الشريعة الإسلامية ولذا لم يكن غريباً أن تدعو بعض الكنائس إلى انتخاب حزب «ساويرس» أو قوائم الكتلة المصرية أو المصريين الأحرار. وعليه سوف تتوارى البرامج الحقيقية فى البرلمان، رغم الزعم بأن البرامج الحزبية وراء تخصيص نسبة ثلثى أعضاء البرلمان للانتخابات بنظام القوائم بدعوى تشجيع انتخابات برامج أكثر من أشخاص، وهو ما سقط منذ بداية التحالفات المتعارضة لبرامجها مثل تحالف حزب الكرامة الناصرى الأقرب لليسار مع الإخوان علي سبيل المثال وهو ما يمثل تعارضا إيدلوجيا واضحاً، ونفس الأمر فى تحالف فلول النظام السابق مع الوفد وبعض الأحزاب الهامشية، وكلها لا يجمع بينها سوى الانتهازية السياسية حتى لو حاول البعض تبرير التحالفات بتعبيرات فى حقيقتها ممجوجة وانتهازية سياسية. ونتيجة لهذا فمن المتوقع أن تتوارى البرامج الاقتصادية الطموحة للنهوض بالوطن داخل البرلمان، وتتحول الأولويات إلى أيديولوجيات وإلى استعرض للتمسك بالمظاهر الدينية، وتتسابق دعاوى إغلاق محلات الخمور وتحريم التماثيل - الآثار - التفتيش بين سطور الكتب وعليه يتم استبدال الأولويات فى وطن يتهاوى اقتصاديا وتنتشر البطالة ويهدده مخاطر خارجية إلى معارك من أجل كسب ود العامة لانتخابات قادمة. ولا يوقف عند هذا الحد، فقد يرى كثير من ثوار التحرير أن المجلس لا يعبر عنهم رغم أنهم السبب الحقيقى فى الإتيان به، وأنهم أصحاب السبق، حيث لم يشارك حزب النور فى الثورة بل كان يكفر الخروج على الحاكم، حتى الإخوان لم يشاركوا فى بداية الثورة سوى كأفراد وبعدها كانوا أول من قفزوا على المنصة، وكانوا يتوجهون إلى الميدان فى المليونيات المختلفة حسب بوصلة المصالح، وقد سقط فى الانتخابات الكثير من رموز الثورة أمام الإخوان والسلفيين وأبرز مثال سقوط جورج إسحاق القائد المعروف فى حركة كفاية والذى شارك فى بذور الثورة منذ سنوات إلى أن نجحت الثورة وتحمل المخاطر ليفوز بدلا منه الشيخ الدكتور أكرم الشاعر الذى ربما لم يسمع عن الثورة إلا بعد نجاحها بشهور، وقس على ذلك جميلة إسماعيل وغيرهما. وبالتالى يمكن أن يحدث الصدام بين البرلمان وثوار التحرير بل يمكن أن يحدث الصدام بين البرلمان والمجلس العسكرى إذا ما حدث الاستعلاء المعروف عن الإخوان خاصة أنهم جاءوا بالانتخاب، كما يمكن أن يحدث صدام مع شرائح كبيرة من الرأى العام والتى ترفض هذا النهج. كما أن هناك مخاطر خارجية فالسؤال المطروح كيف تظل أمريكا والغرب فى موقف المتفرج من فوز التيارات الإسلامية من المغرب حتى سوريا بالإضافة لوجود دول إسلامية من الأصل مثل السعودية بينما يتم الرفض ليهودية إسرائيل؟ فى كل الأحوال إذا حدث هذا الصدام فإن البرلمان القادم سوف ينطبق عليه قول أمير الشعراء «فى مجنون ليلى» جئت توقد ناراً.. أم تشعل البيت ناراً.