من 23 يوليو 1952 إلى 25 يناير 2011 جرت فى النهر مياه كثيرة. ورغم هذا فإننا يمكن أن نلحظ بعض التشابه: هذه هى الذكرى الأولى لثورة يوليو بعد قيام ثورة يناير.. والمناسبة تفتح الباب لعشرات الأسئلة.. فالبعض يرى أن الثورتين تتشابهان من حيث الفساد الذى طغى وقاد إلى الثورة.. ومن حيث دور الجيش فى الثورتين وهو دور كبير ومهم رغم اختلاف التفاصيل. البعض يرى أن ثورة يناير جاءت لتؤكد شرعية يوليو.. والبعض يرى أن ثورة يناير يجب أن تؤسس لشرعية جديدة.. هذا فضلا عن بعض التشابه فى التفاصيل هنا وهناك.. فى هذا الملف يكتب لنا الكاتب الكبير سعد هجرس عن أوجه الاختلاف والاتفاق ويتساءل الكاتب الكبير صلاح عيسى عن موقف جماعة الإخوان من الثورتين كما ننشر دراسة للدكتور صلاح جودة عن أداء على ماهر أول رئيس وزراء بعد ثورة يوليو مقارنة بالدكتور عصام شرف أول رئيس وزراء بعد ثورة يناير والجهد الذى بذله كل منهما من أجل تحقيق أهداف الثورة. ننشر أيضاً مقالا تكريما للراحل أحمد بهاءالدين كتبه عام 52 يكاد يصف فيه بعض ما يحدث اليوم.. من 52 إلى 2011 كل عام وأنتم ثائرون روزاليوسف
هل من الضرورى ل «يناير» أن يكره «يوليو»؟! كتب: سعد هجرس هل من الضرورى لكى تكون من مؤيدى ثورة 52 يناير أن تعادى ثورة 32 يوليو وتقذفها بالطوب وقذائف الكراهية؟! السؤال مطروح للمرة الأولى فى تاريخ بلادنا، والسبب ببساطة هو أن هذه أول مرة تحل فيها ذكرى ثورة 32 يوليو بعد سقوط رأس تحالف الاستبداد والفساد، بقيادة حسنى مبارك. وشاء البعض ألا يترك هذه المناسبة تمر دون أن يضعنا على قرنى الإحراج - كما يقول المناطقة - ويجبرنا على تلاوة قسم هؤلاء لهذه أو تلك! وهذه نظرة تفكيكية لتاريخ الشعب المصرى، تضع حواجز وأسوارا عازلة بين مراحل الكفاح الوطنى، والتى هى بطبيعتها حلقات متشابكة.. ولا يمكن الفصل بينها بهذا النحو التعسفى. ولا أقول هذا هربا من الإجابة عن السؤال المستفز: 23 يوليو أم 25 يناير؟ فلولا ثورة 23 يوليو لما أصبحت واحدا من الجماعة الصحفية المصرية، بل ربما لما تمكنت أصلا من دخول الجامعة التى كان الالتحاق بها فى العهد الملكى حكرا على مجتمع النصف فى المائة. ولا يمكن أن أتحدث بنزاهة عن سلبيات ثورة 23 يوليو مع إسقاط هذه الحقيقة، التى ليست مجرد مسألة «ذاتية» لأن هذا كان حال الأغلبية الساحقة من المصريين وأبناء الطبقات الشعبية فى الريف والحضر. وانطلاقا من التأكيد على هذه الجملة الاعتراضية يمكن الحديث عن إيجابيات وسلبيات ثورة 23 يوليو ومحاولة البحث عن أوجه التشابه والاختلاف بينها وبين ثورة 25 يناير. ونقطة البدء - فى رأيى - هى ملاحظة أن الجيش هو الذي قام ب «انقلاب عسكرى» يوم 23 يوليو وأن الشعب هو الذى أيده وسانده، وكان هذا التأييد الجماهيرى الكاسح كلمة السر التى حولت الانقلاب العسكرى إلى ثورة. أما فى 25 يناير فقد حدث العكس، حيث قام الشعب بالثورة ثم جاء الجيش ليؤيدها ويعلن انحيازه إلى جانب الثوار ورفضه أوامر الرئيس المخلوع إطلاق الرصاص على الشعب. أى أن الجيش لعب فى الحالتين دورا مهما وحاسما، وإن تكن صورة هذا الدور مختلفة، فهو فى الحالة الأولى كان «مفجر» الثورة وكان فى الحالة الثانية «حاميها» وحارسها. ؟؟ هذا الملمح الأساسى فى تاريخ مصر الحديث، المتعلق بوضع المؤسسة العسكرية ودورها، يأتى فى سياق ملمح أكبر، وهو أنه إذا كانت هناك تضاغطات كثيرة ينطوى عليها هذا التاريخ الحديث لمصر، فإن من أهم هذه التضاغطات الصراع بين أنصار بناء دولة مدنية حديثة على ضفاف النيل وبين مؤيدى الإبقاء على دولة غير مدنية، وهذه الدولة غير المدنية هى «الدولة العسكرية» لدى البعض و«الدولة الدينية» لدى البعض الآخر. وإذا تتبعنا هذا الخيط قبل 23 يوليو وبعده، سنرى أننا عشنا قبل 23 يوليو 1952 فى كنف دولة مدنية لكنها ليست حديثة. وبسبب التناقض المستحكم بين حدى هذه المعادلة وصلت الأمور إلى مرحلة الأزمة، وكانت «حركة الجيش المباركة» - كما كانت تسمى فى البداية - هى المخرج. وبعد 23 يوليو تم هدم جهاز الدولة القديم وإقامة دولة جديدة، كانت بالقطع دولة حديثة، لكنها لم تكن دولة مدنية، لأن المؤسسة العسكرية كانت هى المحور الرئيسى والركيزة الأساسية لدولة الرئيس جمال عبدالناصر ومن بعده الرئيس أنور السادات. وبعد وصول حسنى مبارك إلى قمة السلطة، فى أعقاب اغتيال السادات - الذى مازالت كثير من تفاصيله غامضة وتكتنفها تساؤلات حائرة - أصبحنا نعيش فى ظل دولة عجيبة، لا هى مدنية ولا هى حديثة، لأنها باختصار كانت دولة مملوكية. هذه الدولة المملوكية المليئة بجوانب كثيرة من الشذوذ السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى، هى التى دقت ثورة 25 يناير آخر مسمار فى نعشها. لكن الأهم من تشييع جثمان الدولة المملوكية هو إرساء دعائم دولة الحق والقانون، أى الدولة المدنية والحديثة لأول مرة فى تاريخ مصر. وقد كان هذا الهدف الثورى هو الاختبار الكبير الذى لم تنجح فيه ثورة 23 يوليو، وهو الاختبار الكبير الذى يواجه ثورة 25 يناير الذى يتلمظ دعاة الدولة غير المدنية إلى قطع الطريق أمامه سواء كان هذا التحدى يتمثل فى دولة عسكرية أو فى دولة دينية، أو دولة تجمع الاثنين معا. والأمل أن تنجح ثورة 25 يناير فيما فشلت ثورة 23 يوليو فى تحقيقه، وهناك مقومات وحيثيات لهذا الأمل، من أهمها أن ثورة 25 يناير - مع ثورة تونس - هى أول ثورة عربية فى ظل ثورة المعلومات، بينما ثورة 23 يوليو وشقيقاتها من الثورات الوطنية الديمقراطية فى خمسينيات وستينيات القرن الماضى هى كلها نتاج ثورة الصناعة، وبين الثورتين الكونيتين «الصناعة والمعلومات» فروق هائلة يناظرها بالضرورة فروق موضوعية بين الثورتين المصريتين «23 يوليو و25 يناير»، فضلا عن فوارق موضوعية وذاتية كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها. وعموما.. فإن الماضى ليس هو الفردوس المفقود، والأمل أن تنجح ثورة 25 يناير فى صياغة رؤية مستقبلية تحل عقدة التناقض بين «مدنية» الدولة و«حداثتها». لقد كان ممكنا أن أكون فلاحا فى ريف المنصورة لولا ثورة 23 يوليو، ولا أعرف ما إذا كان ذلك من حسن حظى أم العكس. وكل ثورة.. والمصريون طيبون.