لم تكن «الأورطة المصرية» فى المكسيك - التى أرسلها الخديو إسماعيل - مجاملة لنابليون الثالث - هى الحملة الوحيدة التى دفعت بالجندى المصرى عبر البحار ليدافع عن جنسيات أخرى.. معلومة أكدها لنا ا+لدكتور أشرف مدحت إبراهيم - استشارى طب الأعماق وحوادث البحار ورئيس اللجنة الطبية بالاتحاد المصرى للغوص -.. لأن شجاعة الجندى المصرى وبلاءه الحسن جعلته مشاركا حتى فى معارك الحرب العالمية الأولى! لاشك أنها كانت مفاجأة بالنسبة لى حين أطلعنى الدكتور أشرف على صور ومواقع وأسماء الشهداء المصريين الذين ضحوا بحياتهم بعد أن ذهبوا للدفاع عن أوروبا بجوار الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، ودفنوا كعسكريين بمقابر «الكومنولث» جثثهم تزين العديد من المقابر بفرنسا وإيطاليا واليونان وكريت وبلجيكا، وأسماء مكتوبة باللغة العربية مع آيات قرآنية على شواهد القبور. د . اشرف مدحت يقرا الفاتحة على الشهداء المصريين بفرنسا مليون ومائتا ألف مصرى تم تجنيدهم عامى 1917 و1918 وأرسلوا منهم 100 ألف جندى من فيالق العمال والهجانة للمشاركة فى الحرب العالمية الأولى فى أوروبا! الدكتور أشرف مدحت إبراهيم يحدثنا عن اكتشافه المثير: كيف توصلت إلى مقابر الجنود المصريين الذين استشهدوا فى أوروبا؟ - عن طريق المصادفة، فمنذ عام 2000 وأنا أبحث عن السفن الغارقة فى الإسكندرية أثناء الحرب العالمية الأولى، وأثناء البحث كنت أتردد على دار الوثائق والكتب وصورت كل ما يتعلق بالحرب العالمية الأولى. ووجدت وثائق تؤكد أن مصر أرسلت 100 ألف جندى من العمال والهجانة إلى 5 دول أوروبية أثناء الحرب العالمية الأولى: فرنسا، بلجيكا، إيطاليا، بلغاريا، اليونان، وهناك آلاف الشهداء فى مقابر «الكومنولث» فى هذه الدول، وعلى كل مقبرة أسماؤهم ومعظمهم من الصعيد. وهناك بعض الصحف مثل «الجارديان» كتبت عنهم عام ,1917 وذكر صحفى فى «الجارديان»: «أتعجب فى فرنسا من حيوان غريب لا يهتز من طلقة رصاصة، أو انفجار قنبلة» وكان يقصد بهذا الحيوان «الجمل» حيث سافرت الجمال مع الهجانة. كما ذكرت الجريدة: «ونتعجب من ذلك الجندى المصرى الذى يقود ذلك الحيوان، ولا يعرف استسلاما أو تراجعا وبعد أن يقفز على خطوط العدو، لكننا نندهش منه حين يرجع بعد تقدمه ليأخذ «الكوفية» التى وقعت منه! وهل لديك حصر لعدد مقابر المصريين فى أوروبا؟ - لقد توصلت إلى بعض أعدادهم، حيث يوجد 5 مقابر فى فرنسا وهى: مقبرة «بلونى الشرقية - بادى كليه ومقبرة بارى العسكرية وسومية، المقابر العسكرية باراك، مقابر مزارجاس الحربية، مارسيليا، مقابر سابت سيفير روان، مقابر سانت مارى، مقابر ترزيدكوت العسكرية، ومن المصريين المدفونين فى مقابر فرنسا على سبيل المثال لا الحصر: «عبدالجواد فرج على» - جندى فيلق العمال المصرى رقم 7867 استشهد فى 4 يوليو 1917، وكذلك «بركات حميد نعمان» جندى فيلق العمال المصرى رقم 257 استشهد فى 29 مارس .1917 كما توجد مقبرتان فى إيطاليا وهما مقابر امتداد تارنتوتاون ومقبرتان فى اليونان وهما زيدكوت العسكرية كالاماريا، والمقابر التركية العسكرية فى مالطا. كما توجد أيضا مقبرتان فى بلجيكا وواحدة فى بلغاريا وأعتقد أن هناك بعض مقابر المصريين فى أوروبا لم أصل إليها. شاهد مقبرة لجندى مصرى وهل زرت هذه المقابر؟ - نعم، فأنا أعيش فى فرنسا وزرت مقابر المصريين هناك، وكذلك بعض مقابرهم فى دول أخرى ولفت انتباهى أنها مزدانة بآيات قرآنية باللغة العربية. وهل يزور المصريون فى أوروبا هذه المقابر؟ - لا أحد يعلم شيئا بخصوصها ولو كان المصريون فى أوروبا يعلمون بوجودها لزاروها وقرأوا الفاتحة على أرواح الشهداء وافتخروا بأنهم ساهموا فى جلب الحرية لأوروبا. وهل هناك معلومات موثقة خاصة بالجنود المصريين فى أوروبا أثناء الحرب العالمية الأولى؟ - نعم، هناك كثير من الوثائق فى هذا الشأن، وهناك كتاب عن الجنرال الإنجليزى «هربرت كيتشنر» وكان القائد الأعلى للجيشين المصرى والإنجليزى، وهو الذى قاد الجيش المصرى أثناء فتح السودان، وهو أيضا الذى قاد الجيش المصرى أثناء الحرب العالمية الأولى، وأمر بإرسال 100 ألف جندى مصرى لأوروبا بعد أن شاهد «إعجاز» الجندى المصرى فى غزو السودان. حيث ذكر فى مذكراته «أن الجيش الإنجليزى أثناء فتح السودان نزل فى المراكب النيلية، بينما الجيش المصرى كان يسير على الأقدام فى موازاة المراكب فى طريقه للسودان، ويقوم بإنقاذ المراكب حين ترتطم بالصخور، حيث توجد الشلالات ويقوم بسحبها، وطوال الطريق يواجهون أخطار غابات السودان، ورغم ذلك وصل الجيش المصرى سيرًا على الأقدام إلى السودان قبل الجيش الإنجليزى! ولذلك اختار هذا الجنرال 100 ألف جندى مصرى ليسافروا إلى أوروبا ويشاركوا فى الحرب العالمية الأولى. كما ذكر اللورد «اللنبى» العسكرى البريطانى الشهير فى مذكراته عن الحرب العالمية الأولى: «لو أن هناك نهرا يصل بين إنجلترا ومصر لملأته دماء المصريين»! كما نشر الكاتب الأمريكى مستر «جورج كريل» فى 27 سبتمبر 1919 .. أن هناك مليونا ومائتى ألف مصرى من الملحقين للخدمة فى فرقة العمال والنقل كانت معاملة السلطة العسكرية لهم أسوأ من معاملتها لدواب النقل. وهل لأحفاد هؤلاء الشهداء حق فى التعويضات رغم مرور ما يقرب من «قرن» على الحرب العالمية الأولى؟ - نعم، فالتعويض لا يسقط بالتقادم، ومن حقهم الحصول على تعويضات عما تعرض له أجدادهم كما يفعل اليهود مع ضحايا الهولوكوست، وأقوم حاليا بالبحث عن عائلات هؤلاء الشهداء وخاصة أن نسبة كبيرة منهم تنتمى ل «جرجا» بمحافظة سوهاج. كيف تساعدك الحكومة المصرية بعد اكتشاف هذه المقابر؟ - أطالب بحقنا بأن يرفع علم مصر فى الاحتفال بذكرى الحرب العالمية بجوار أعلام إنجلتراوفرنسا واليابان وإيطاليا وأمريكا وبلجيكا، خاصة أن هناك احتفالية كبيرة بمناسبة مرور قرن على الحرب العالمية الأولى، ومن أبسط حقوقنا أن تطالب الحكومة المصرية بنصب تذكارى للشهداء المصريين فى الحرب العالمية فى إحدى العواصم الأوروبية ورفع العلم المصرى بجوار الدول الست فى الاحتفالية. وقد توجهت لسفير بريطانيا فى مصر وطلبت منه أن يرفع علم مصر فى احتفالية الحرب العالمية الأولى. وكان رده: وهل طلبت منا الحكومة المصرية ذلك ورفضنا؟!