من دهشة الثورة إلى صدمة المنع من السفر، ومن تكريم عبدالناصر إلى إقصاء مبارك ومن عبقرية فك الحصار الروسى على التصنيع العسكرى إلى تشييد صرح النصر للسيارات وتصدير مصانع السكر لإيران، ومن ونقل التجربة الإيطالية فى التخلص من القطاع العام إلى مقاومة الخصخصة وتفكيك الدولة.. الدكتور محمد عبدالوهاب وزير الصناعة الأسبق يقف متفائلا بأن مصر ستعبر زلزال 52 يناير وتتخلص سريعا من توابعه. رغم مسحة عدم الرضا الكامل عما يجرى فى مصر من تطورات إلا أنه مقتنع بأن الثورة كانت أمرا ضروريا لعلاج ليس فقط أخطاء 30 عاما من حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، بل لتصحيح أوضاع مقلوبة يرجع بعضها إلى ثورة 23 يوليو 1952 .. الوزير السابق فتح قلبه وتحدث ل «روزاليوسف» فى الحوار التالى عن ملفات عديدة بدأت بالاقتصاد وبالبيزنس انتهت بأسباب وضع اسمه على قوائم الممنوعين من السفر. * هل ترى أن فاتورة تكاليف الثورة لن تقوى مصر على تحملها فى ظل توقف تدفق الاستثمارات الخارجية وإصابة النشاط الاقتصادى بالشلل؟ - طبعا لكل ثورة فاتورة وتكلفة وأملنا أن نجعل التكاليف أقل من الخسائر. أن يتم محاصرة أى محاولات خارجية أو داخلية لإحباط الناس وجعلهم يشعرون بالندم والسعى لعمل ردة ثورية فهذا أكبر تهديد لهذه الثورة العظيمة، فلا يعقل أن تقوم كل مجموعة بالتعبير عن غضبها بقطع الطرق أو إغلاق الشوارع الرئيسية أو اقتحام المؤسسات الحكومية أو غيرها من التصرفات التى تنشر أجواء الفوضى والإحباط ومن ثم يهرب المستثمر المحلى والخارجى ونحن بلد لا يمكن أن يعيش بدون استمرار تدفق الاستثمارات والأموال الخارجية. * كيف يمكن تقليل خسائر الثورة اقتصاديا؟ - لا بديل عن الاجراءات الحازمة ومنع الاحتجاجات الفئوية تماما، وربط أى زيادة فى الأجور بالإنتاج، وهذا الأمر يتطلب حكومة قوية تتمتع بثقة أكبر فى النفس من الحكومة الحالية التى ينقصها الحزم والجدية فى مواجهة الأخطار التى تتعرض لها البلاد من الداخل ومن الخارج أيضا لكى نقلل من حجم الخسائر الاقتصادية للثورة يجب على الحكومة أن تقوم فورا بتطبيق برنامج تقشف ضخم فى كل نفقاتها ومراجعة الدعم الوهمى للطاقة الذى ابتكره وزير المالية السابق يوسف بطرس غالى الذى وصل إلى 70 مليار جنيه، إلى جانب إلغاء الأجهزة والنفقات التى لا مبرر لها، ووقف استيراد أى سلع أو بضائع أو مواد غذائية لها بديل محلى مهما كانت الظروف. * ما خريطة الطريق للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تعصف بالاقتصاد المصرى حاليا؟ - حتى نكون منصفين الأخطاء التى ندفع ثمنها حاليا والتى كانت سببا فى اندلاع ثورة 25 يناير ليست وليدة 30 سنة من حكم مبارك وحده، بل يرجع بعضها إلى ثورة 1952 خاصة فيما يتعلق بالقرارت والتوجهات الاقتصادية فمثلا قرارات «التأميم» كانت كارثة اقتصادية وفكرة سيطرة الدولة على أدوات الإنتاج وغيرها من التوجهات التى كانت سائدة فى تلك الفترة، ثم جاءت فترة الرئيس السادات التى كان عنوانها «سداح مداح» فلم تكن تحكمها أفكار محددة المعالم وكانت الأوضاع الاقتصادية تخضع للعشوائية. إلى أن جاء عصر مبارك وللحقيقة كانت سنوات حكمه الأولى جيدة بالنسبة للتوجهات الاقتصادية حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضى، عندما بدأ مشروع «الخصخصة»، وتم بيع مئات الشركات بتراب الفلوس بطريقة غير مفهومة الهدف ولا واضحة المقاصد. هنا أبديت تحفظات عديدة وبدأت فى إعلان رفضى لأسلوب تصفية القطاع العام. * كيف كانت بداية دخولك الوزارة وما سبب خروجك منها وما علاقتك بالرئيس السابق حسنى مبارك؟ - عملت مع الرئيس مبارك لمدة عشر سنوات ولم يحدث أى خلاف بينى وبينه، بل العكس كان فى السنوات الأولى دائما منحازا لصالح البسطاء ومحدودى الدخل، لكن بعد رفضى لطريقة الخصخصة بدأ يشعر بالضيق والغضب حتى قال لى: «لم أعد أفهم شيئا مما تقوله» بعدها خرجت من الحكومة إلى الأبد، وأتصور أنه كان بدأ يشعر بالملل من مناقشة القضايا الفرعية والتفاصيل، وهذا أمر طبيعى لبقاء المسئول فى منصبه لسنوات طويلة وهو يدرك تماما أنه لن يحاسب على أى قرار يتخذه. * من المسئول عن الانحراف والفساد الذى واكب عمليات تصفية القطاع العام وتحول بعض رجال الأعمال إلى مليونيرات فى لمح البصر؟ - عمليات البيع وطريقة التقييم للكثير من المصانع والأصول شابتها شبهات عديدة لأن هدف الدولة كان الانتهاء من هذه المهمة بسرعة وإثبات حسن نواياها للمؤسسات الدولية، ولم أكن طرفا فى هذه العمليات بل كنت متابعا لها وأتحسر على ما يجرى، ومع ذلك يجرى حاليا خلط الأوراق بما يضر بسمعة الاقتصاد ويشوه الكثير من رجال الأعمال الناجحين، المثال على ذلك قصة منع أحمد نجل الكاتب محمد حسنين هيكل من السفر بدعوى أنه اشترى مصنع أسمنت حلوان بملاليم ثم باعه بملايين وحقق أرباحا ضخمة فى صفقة مشبوهة، لكن بحكم قربى من هذا الموضوع لزم على توضيح الحقيقة. قبل سنوات كانت الشركة العربية السويسرية «أسيك» وهى هندسية متخصصة فى تأسيس وتشغيل المصانع.. هذه الشركة اشترت مصنع أسمنت حلوان ضمن عدد من الشركات الأخرى، بعد رحيل مؤسسها والعضو المنتدب لها رجل الأعمال عمر جميعى ودخلت فى أزمات وبدأت تتعثر، ثم تقدم أحمد هيكل لشرائها بما فيها مصنع أسمنت حلوان، بما أنه متخصص فى شراء وبيع الشركات فقد عرضها للبيع وحقق من وراء ذلك أرباحا كبيرة فعلا، لكن كل خطوات البيع والشراء تمت بالطرق القانونية المشروعة، على الجانب الآخر نجد أن قرار منع أحمد هيكل من السفر ترتب عليه بقاؤه فى لندن وأصبح غير قادر على العودة للقاهرة رغم كل ما بذل من جهد لتوضيح الأمر للمسئولين، لكن النتيجة أنه كان يستعد لإنشاء مشروع ضخم لتصنيع المواد البترولية برأسمال يابانى خليجى، بعد هذه الواقعة تجمد المشروع ولم يستطع أحد الحديث عنه فى ضوء وضع اسمه على قوائم الترقب فى المطارات والموانئ. * أبناء المسئولين حققوا فوائد عديدة من وجود آبائهم فى المناصب العليا. ماذا استفاد أبناؤك من منصبك؟ - بالعكس تماما أبنائى بعيدون تماما عن مجالات عملى وكانوا دائما يعايروننى بمرتباتى الضعيفة وتمسكى بالعمل مع الحكومة ورفض العروض التى كانت تنهال علىّ من الشركات والبنوك الخاصة، حتى إنهم اختاروا العمل فى مجالات تتعلق بتأسيس الشركات والتمويل وغيرها من الأنشطة الاقتصادية التى تعلموها فى الجامعات الأجنبية وهى بعيدة عن الجهاز الحكومى لدرجة أننى فى بعض الأحيان كنت لا أعرف عن أنشطتهم سوى قدر محدود من المعلومات، وتعودت على قبول اختياراتهم وتفهمها باعتبارهم جيلا جديدا تعلم بأسلوب مختلف ولديه طريقة تفكير لم أجد أمامى مفرا من احترامها، لأننا سبق أن تعرضنا مع آبائنا لنفس الأزمة التى تفصل دائما بين الأجيال. * ما قصة وضع اسمك ضمن قوائم الممنوعين من السفر وكيف تعاملت مع هذه المشكلة ؟ - كنت عضوا فى مجلس إدارة شركة خاصة لتصنيع الزجاج يضم مجلس إدارتها مستثمرا أمريكيا وآخر أمريكى من أصل أردنى.. هذه الشركة صدر بحقها حكم بالغرامة فى قضية احتكار بما قيمته 10 ملايين جنيه وجرت مفاوضات بين مجلس الإدارة ووزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد وانتهت المفاوضات بتخفيض المبلغ بقرار من الوزير ثم رأت بعض الجهات أن قرار الوزير مخالف ويدخل ضمن قضايا الفساد فتم وضع اسم الوزير رشيد وأعضاء مجلس إدارة الشركة على قوائم الممنوعين من السفر وبالمصادفة فإن رشيد وعضوى الشركة الأمريكى والأردنى كانوا خارج مصر ولم يكن هنا سواى، وانتظرت أن تستدعينى أية جهة للتحقيق ولم يحدث وبناء عليه لم أقم بأى إجراء ولم تتصل بى أية جهة حتى الآن.