مجانا.. قوافل بيطرية لعلاج مواشي صغار المربين مجانا بسوهاج    وزير الرياضة يفتتح ملتقى الشباب الدولي للإبداع والابتكار في الذكاء الاصطناعي    أسعار الحج السياحي والجمعيات الأهلية 2024    جامعة جنوب كاليفورنيا تحظر الدخول لغير طلاب السكن الجامعى بسبب المظاهرات    محلل سياسى ل التاسعة: هناك ضغوط كبيرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة    سول وبكين تناقشان تفاصيل زيارة وزير الخارجية الكوري الجنوبي إلى الصين    إتحاد العاصمة ينسحب من مباراته أمام نهضة بركان في نصف نهائي كأس الكونفيدرالية    حدد الأسماء.. سبورت: بايرن يشترط إجراء صفقة تبادلية مع برشلونة لرحيل كيميتش    ضبط راكبة بمطار القاهرة بحوزتها 3 كيلوجرامات لمخدر الكوكايين    بالصور.. نادية مصطفى وعلي الحجار يغنيان "شحات الغرام" في الأوبرا    فيديو.. عمرو أديب يستعرض رواتب المبرمجين في مصر مقارنة بمختلف دول العالم    سامي مغاوري يتحدث عن حبه للتمثيل منذ الصغر.. تفاصيل    3 حالات لا يجوز فيها الإرث شرعًا.. يوضحها أمين الفتوى    محافظ الإسماعيلية يُوَجِّه بتقديم الخدمات الطبية لمواطني قرية الضبعية (صور)    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    محافظ بني سويف يلتقى وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    منة فضالي: اكتشفنا إصابة والدتي بالكانسر «صدفة»    تريزيجيه يصنع في فوز طرابزون برباعية أمام غازي عنتاب    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    وظائف خالية ب الهيئة العامة للسلع التموينية (المستندات والشروط)    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية مجانية ضمن مبادرة حياة كريمة    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    بعد أزمة صلاح وكلوب.. حسام حسن يحسم مصير صلاح للمعسكر المقبل    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي بمحافظة الأقصر    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    فيلم «شقو» ل عمرو يوسف يتجاوز ال57 مليون جنيه في 19 يوما    تأجيل إعادة إجراءات محاكمه 3 متهمين بفض اعتصام النهضة    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    وزير الصحة يشهد الاحتفال بمرور عامين على إطلاق مبادرة الكشف المبكر وعلاج سرطان الكبد    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    بصلي بالفاتحة وقل هو الله أحد فهل تقبل صلاتي؟..الإفتاء ترد    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    البوصلة    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«السفينة» و«الطوفان» دولة تحيط بها الحروب وتواجه عواصف نارية من ثلاث جهات كيف استطاعت الصمود؟ مصر التى.. فى «أوسط» الشرق المحترق!! Last Country Standing

يصدر هذا العدد فى 11 نوفمبر ذكرَى انعقاد مؤتمر «COP-27» العام الماضى فى شرم الشيخ.. فى التوقيت نفسه؛ كانت أنظارُ العالم تتجه إلى سيناء لترَى كيف قُمنا بتغيير وجهة مدينة السلام لتستحق استضافة حدث عالمى وكيف يجرى العمل على قدم وساق فى تنمية سيناء وربطها بباقى الدولة.. كانت المناقشات والأخبار كلها عن تحسين أحوال البَشر فى كل أرجاء الكوكب ومنحهم حياةً أفضل.. كانت مصر تتعاقد على مشروعات وتخطو خطوات فى طريق البناء والتنمية.
اليوم؛ بَعد عام بالضبط تتوجّه أنظار العالم كله إلى البقعة نفسها، وإلى أبعد منها بعدة كيلو مترات إلى قطاع غزة الذى أتصوّر أنه قد يبدو من الفضاء كبقعة حمراء كبيرة بَعد أن تحوَّل إلى بِركة من الدماء تتخللها جبال من ركام أنقاض.
عام يفصل بين تردُّد أصداء أصوات الآملين فى الحياة وبين صرخات الباحثين عن النجاة على جانبى البقعة نفسها من الأرض.
توقفت الحياة فى غزة ((حَرفيًا))؛ حيث أصبح «الجميع شهداء لا توجد إصابات»..
ولكن الأثر لم يبقَ خلف خطوط الحدود الجغرافية الفاصلة على الخرائط، فعلى أرض الواقع لا شىء يحجب انتقال الأثر والتبعات لهذه الحرب من خارج حدودنا الشرقية إلى مصر..
ليس هذه الحرب فقط.. ولا هذه الحدود فقط..
فلا الحدود مع السودان الجار الجنوبى منعت انتقال الآثار والتبعات كاملة لمصر..
ولا الحدود مع ليبيا جارنا الغربى منعت انعكاسَ ما تعانيه تلك البلاد من تفكك على اقتصاد مصر واستهداف أمننا القومى انطلاقًا من أراضيها..
ولا المسافات الطويلة منعت تأثرَنا المباشر أو غير المباشر بما يحدث فى الدوائر الأبعد مثل لبنان والعراق وسوريا، أو فى اليمن والصومال ضلفتى باب المندب مدخل العمق الاستراتيچى البحرى لمصر من جهة البحر الأحمر.. أو فى إثيوبيا ومَنابع نهر النيل وجنوب السودان؛ حيث لا يزال النيل يَغلى!
وبمناسبة الجغرافيا فاسمحوا لى أن أعيد تعريفَ موقع مصر بطريقة «چيوسياسية» إذا ما استخدمنا علم (Political geography) أو الجغرافيا السياسية.
فإذا كان تعريف «شبه الجزيرة» وكما درَسنا عبارة عن قطعة من اليابسة يحيط بها الماء من ثلاث جهات..
فمصر حاليًا دولة تحيط بها الحروب من ثلاث جهات.. وبالتعويض عن (البحر) ب(الحرب) تصبح مصر حاليًا ((شبه جزيرة حربية)).
وشبه الجزيرة غالبًا ما تكون معزولة وإن كانت البحار يمكن عبورها حتى مع العواصف الشديدة، لكن الحروب المحيطة بنا حوَّلت الحدودَ إلى حدود من نار.. فمصر دولة تواجه عواصف متنوعة من الجنوب والشرق والغرب؛ مما يُهدد تماسُك الدولة فى صيغتها الجغرافية والسياسية فى آنٍ واحد.
خصمت كل هذه الدول التى سقطت وتحطمت من قائمة الأسواق التى كنا نُصَدِّر لها بمليارات الدولارات وأضافت علينا أعباءَ استقبال لاجئين وزيادة مخصَّصات الحماية على تلك الحدود عسكريًا وأمنيًا واستخباراتيًا فى ظل غياب مؤسّسات تلك الدول بالتفكك عقب سقوطها.. ولن أتحدّث عن بَند المساعدات الإنسانية فهو واجبٌ إنسانىٌ لا نمِنّ به على أحد، وإن أُعلن فهو للرّد على بعض مثيرى الفتن، ولكن اقتصاديًا فى النهاية هو عبءٌ.
تخيّل تكرارَ نفس الخسائر والالتزامات مع الدول الحدودية الثلاث؛ بل قبلها دول الدائرة الأبعد للأمن القومى المصرى (العراق ولبنان وسوريا واليمن والصومال).. لم تتخيّل تعالَ أشرح لك.
فوهة بركان فى الغرب!
الجار الغربى أو حدودنا الغربية دولة ليبيا قال عنها الرئيس السيسى فى كلمته لتقديم التعازى للشعب المصرى فى حادث استهداف الأقباط بالمنيا: (بعد سقوط النظام الليبى، كنّا نعلم أن هناك شرًا كبيرًا سيأتى لمصر، وكانت القوات تتواجد على الحدود لتأمين البلاد).
فالحدود الغربية كانت ولا تزال بُركانًا يَغلى مُرشحًا للانفجار فى أى وقت.. إذا أردت أن تستشعر جزءًا بسيطًا من الخَطر إليك بعض الأرقام التى توضّحه لك:
- خَط الحدود الفاصل بين مصر وليبيا يمتد لنحو 1100 كيلومتر، وهو أحد المَصادر التى تؤرق دومًا الدولة المصرية، لِما يمثله من مَصدر نشط للتهريب بأنواعه كافة (سلاح وبَشر ومخدرات) ويمر به أكثر من 45 دربًا للتهريب.
- طبقًا لتصريحات الرئيس السيسى عقب حادث المنيا الإرهابى فإنه خلال عامَىْ 2016 و2017 وصل عدد عربات الدفع الرباعى التى عبرت الحدود إلى مصر، ما يقرب من ال1000 عربة، ووقتها صرّح الرئيس أنه تم تدمير نحو 300 عربة فى ثلاثة شهور وكلها سيارات تهريب لأسلحة وعناصر قادمة للإضرار بمصر.. هذه أرقام عن عامَيْن فقط وثلاثة شهور تخيَّل الإجمالى!
- فى تقديرات أمَميّة عقب سقوط نظام القذافى قُدّرت قطع السلاح المنتشرة فى ليبيا، والخارجة عن سيطرة الدولة بنحو 6 ملايين قطعة سلاح، لتتجاوز مَخاطر الخَط الفاصل أمْنَ البلدَيْن، إلى أمْن المنطقة بأكملها.
فعلى مدار السنوات الماضية ومنذ سقوط النظام الليبى وهى معسكر تدريب مفتوح للجماعات الإرهابية والمرتزقة، فبَعد أن تفككت مؤسّسات دولة ليبيا وصارت السيطرة على أراضيها لعَدد كبير من هذه الجماعات؛ فتقريبًا ليبيا كانت تنافس سوريا والعراق على مَن يضم أكبرَ عدد من الجماعات الإرهابية.
وقتها تحوّلت إلى منصة هجوم إرهابى موجّهة تجاه مصر، ولا أعتقد أن أحدًا ينسَى جرائم «داعش» من ذبح العمال المصريين إلى تبنّيهم للعملية الإرهابية فى المنيا، ولكن لا ننسَى أيضًا الرد الفورى والحاسم من الدولة والجيش والقيادة السياسية. أيضًا القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر كان قد أعلن فى وقت لاحق أنه نصح السُّلطات الحاكمة فى طرابلس بأن يتركوا تأمين الحدود مع مصر لمصر نفسها؛ لأنهم غير قادرين عليها.
فالعمليات الإرهابية فى الجزء الغربى من مصر، كانت قد وصلت معدلات غير مسبوقة بعد عام 2013، إلاّ أن الجهد الخارق للأجهزة الأمنية المصرية وقوات الجيش والشرطة خلال الأعوام الماضية تصدّى لعمليات التهريب والعمليات الإرهابية، ولكن.. هل تتخيّل ما تكلفة ذلك من المال وأيضًا من أرواح شهداء الواجب الأبرار؟
كل ذلك بخلاف ما نتج عن وجود صراع بين حكومَتَيْن فى ليبيا كاد أن يصل إلى حرب شاملة كان البعض يحاول دفع مصر إلى خوضها، ولكن أجهضت مصر ذلك المخطط فتم تفعيل خطة إشعال حدودنا الجنوبية لإكمال الحصار، ولكن نار ليبيا لا تزال تحت رماد ورُكام وأنقاض الدولة التى دُمّرت تمامًا وقابلة للاشتعال فى أى وقت.

فى الجنوب.. لا يزال النيل يغلى!
الجار الجنوبى.. السودان الشقيق.. لطالما اعتبرت مصرُ السودانَ حليفًا لا يمكن الاستغناء عنه فى نزاعها الطويل مع إثيوبيا حول سد النهضة، كما أنها تتمتع بأهمية كبيرة بالنسبة لمصالح مصر الاستراتيچية.

لكن؛ هذا ليس هو السبب الوحيد الذى يجعل إرساء السلام والاستقرار فى السودان قضية مهمة بالنسبة لمصر.

- السودان يُعَد بوابة إنفاذ الصادرات المصرية إلى أسواق دول حوض النيل وشرق إفريقيا، ومع استمرار الحرب وانعدام الأمن؛ تأثر حجم التبادل التجارى بين البلدَيْن، وهو ما انعكسَ سلبًا على الاقتصاد المصرى الذى يعانى بعض الأزمات فى الوقت الراهن.

- حجم التبادل التجارى بين مصر وأسواق القارة الإفريقية كان قد بلغ نحو 2.12 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجارى، فقيمة الصادرات السلعية المصرية إلى القارة بلغت 1.61 مليار دولار، كما بلغت قيمة الواردات المصرية من القارة 506 ملايين دولار؛ وفقًا لتصريحات للمهندس أحمد سمير وزير التجارة والصناعة المصرى.
- السودان نفسُه يحتل المَرتبة الثانية بقائمة أكبر 5 أسواق مستقبلة للصادرات المصرية بقيمة 226 مليون دولار.

- السودان يُعَد مَوردًا رئيسيًا للمواشى واللحوم الحية، وهى إحدَى السلع الاستراتيچية لمصر؛ حيث تمد السودان مصر بنحو 10% من احتياجاتها من هذه السلع، وهو ما يزيد الضغط على أسعار اللحوم محليًا والتى ستنعكس على معدلات التضخم المرتفعة.
«التناحر السودانى الداخلى»، لم يكن مَشهدًا غريبًا؛ فهى خطة مُجَرّبة من قَبل لإسقاط الدول، وهى تجارب تاريخية مؤلمة، مثل التجربة اللبنانية والصومالية والعراقية واليمنية والسورية، وكلها تجارب بدأت بصراعات داخلية، ثم تمدّدت تداعياتها على المستوى الإقليمى.
والسودان نفسُه مَرَّ بتجربة أدّت إلى فقدان جنوبها واستقلاله بثروات البترول فى مخطط أمريكى كان درسًا لمَن يَعتبر.

وبدلاً من الحفاظ على ما تبقى من وحدة السودان وأراضيه اندلعت حرب أهلية على مدار سبعة أشهر، راح ضحيتها ما يجاوز العشرة آلاف قتيل لينافس غزة فى حجم الدماء المُراقة والأرواح المزهَقة، ولكنهم سودانيون قُتلوا على يد سودانيين.

ومن الطبيعى مع هذا الوضع شديد التوتر المتشابك مع مُلابسات دولية مُعقدة أن يشكل ذلك تهديدًا حيويًا لبنيان الدولة ومستقبلها، وبالتالى تهديدًا مباشرًا لمصر.

الجبهة الشرقية.. 75 عامًا من الحرب!
فى الشهر الماضى انفجر الوضع فى فلسطين وتحديدًا غزة عقب إطلاق الفصائل الفلسطينية لعملية «طوفان الأقصى» والتى ردت عليها إسرائيل بعملية إبادة جماعية وتطهير عرقى فى قطاع غزة وحملة اعتقالات واسعة فى الضفة الغربية والتى سقط بها شهداء أيضًا.
الوضع برمَّته جذبَ الأنظارَ بعيدًا عن الاقتتال الداخلى السودانى؛ حيث فرضت فصائل من المقاومة الفلسطينية حربًا لم تكن متوقعة، ولكن البيئة الخالقة والدافعة إليها موجودة طالما كان المُحتل الصهيونى موجودًا مغتصبًا ومعتديًا ستكون هناك مقاومة تكر وتفر وتشعل الموقفَ من حين لآخر لتحريك القضية ما دامت غير قادرة على إنهائها بحرب حاسمة تقضى على الاحتلال، فالأمر مستمر منذ قيام العصابات الإسرائيلية المسلحة باحتلال فلسطين فى عام 1948 ثم توسع الاحتلال فى عام 1967 ومرورًا بسنوات طويلة من الاستيطان وسرقة منازل أصحاب الأرض والقيام بمجازر تحت سمع وبصر العالم.
75 عامًا والحرب قائمة على حدود مصر الشرقية امتدت نيرانها لتطال سيناء لسِت سنوات قبل أن نحرّرَها، وهى التى عادت لتلمع فى عين المحتل الصهيونى ليقترح تصفية القضية الفلسطينية وتهجير سكان غزة لسيناء تمهيدًا لتهديدها لاحقًا بدعوَى حقه فى الدفاع عن النفس ضد المقاومين الفلسطينيين؛ ولكن مصرُ رفضت هذا المُخَطط الذى كان مَدعومًا من أمريكا التى تقف بوارجُها الحربية أو على الأقل أكبر قطعتين هما فورد وأيزنهاور فى مياه شرق المتوسط وعلى مقربة من حدود مصر البحرية وإلى جوار حقول الغاز المكتشفة حديثًا.
وبجوار مناطق لا تزال مرشحة لاستكشاف الغاز فيها فى المياه المصرية بالمتوسط، وهو ما سيؤثر بالطبع على خِطط مصر للتنقيب فى حدودها البحرية فى المتوسط.. فكيف يمكن أن تقنع شركة بالتنقيب عن الغاز إلى جوار بوارج حربية واحتمال نشوب حرب إقليمية وتحوّل المياه إلى أتون من اللهب؟!
هذا بخلاف الفاتورة الضخمة التى تتحمّلها مصرُ لهذه الحرب كما حدث فى كل المواجهات السابقة بين المحتل وأصحاب الأرض.
مسلسل تساقُط الدول!
بشكل مُجمَل وباستخدام Eye bird angle أو بنظرة عامّة بأكبر ارتفاع ممكن للمنطقة ككل يمكنك أن ترَى أن مصرَ هى الناجى الوحيد حتى الآن من ظاهرة تساقُط الدول أو ما يمكن أن يطلق عليه ''Last Country Standing''، وهو المُعادل الأممى لفكرة الرجل الأخير الواقف على أرض المعركة.
فحتى الدول الأبعد مسافة- ولكنها تشكل دائرة من دوائر الأمن القومى المصرى- سقطت بشكل أو بآخر.
فمثلاً؛ لبنان الذى تأتى أهميته باعتباره صمامَ أمان شمال الشرق من البحر المتوسط، وتأتى الخطورة من كونه حاليًا منطقة صراعات بين أطراف متنوعة لها علاقات بالخليج والعراق وفلسطين ومنطقة اكتشافات الغاز فى المتوسط والتنافس عليها.
كما أنه يُعَد ساحةً لمجموعة حروب بالوكالة وصراعات للنفوذ تسببت فى عدم قدرة الصيغة الديمقراطية المميزة له على الصمود أمام حدة التفاعلات؛ حيث فشل اللبنانيون فى اختيار رئيس على مدار عام مضى منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبنانى السابق ميشال عون فى أكتوبر 2022.
وربما يكون ذلك أقل مشاكلها، فهى دولة تواجه يوميًا تحديّات مختلفة وتمردًا على سطوتها وقوتها من مختلف القوَى والحركات اللبنانية وأيضًا من الفصائل الفلسطينية اللاجئة فى مخيمات وأشهرها عين الحلوة.
ضلفتا باب المندب!
أمّا اليمن التى شهدت أعوامًا من التفاعلات مع إرهاب الأفغان العرب ولم تكد تتجاوز ذلك حتى دخلت فى مرحلة المواجهة الطويلة والتى تمتد منذ سنوات حتى الآن مع التمرد على سُلطة الدولة الذى انتهى بالسيطرة على البلاد من جانب الحوثيين، وهو تمرد له أبعاد دينية وخارجية ولا تزال اليمن مفككة بلا أى مؤسّسات وتحت سيطرة طرفَيْن متصارعَيْن على الحُكم كل منهما مدعوم بقوَى خارجية بينهما هدنة مؤقتة قد يخرقها أى منهما ويعودان للاقتتال فيما بينهما فى أى وقت.
وفى المقابل لليمن على الجانب الآخر من البحر الأحمر دولة الصومال المنكوبة سواء بفعل الطبيعة أو الصراعات الداخلية، فهذا البلد الواقع فى منطقة القرن الإفريقى والذى يعانى من تمرد جماعة متطرفة وجفاف غير مسبوق استمر لسنوات طويلة، وعندما بدا أن مشكلة الجفاف قد حُلت بنزول الأمطار تحوّلت لموجة سيول تسببت فى كارثة طبيعية نهاية الأسبوع الماضى، وبالطبع فإن حربَها مستمرة مع حركة الشباب المتمردة، وهكذا لا تكاد تتوقف الصومال عن الدوران فى حلقة الصراع والجوع المُفرغة.
والدولتان- اليمن والصومال- كلتاهما تقعان فى الدائرة الحيوية لأمن البحر الأحمر فى مجال الأمن القومى المصرى، فهما ضلفتا باب المندب المَدخل المتحكم فى البحر الأحمر.
أضف إليهما العراق وسوريا اللتين تسببت الأوضاع بهما بترتيب الأحداث ووقت حدوثها بكل منهما فى توجيه ضربات قاصمة لنظام الأمن العربى الشامل، فكلتاهما، بالإضافة إلى ليبيا واليمن وغيرهما من الدول المتساقطة، تمثل بيئات تفريخ إرهابى بعد انهيار سُلطات الدول أو عدم قدرتها على السيطرة الأمنية على كيانتها.
أمريكا وبلاد «الغاز والنفط»
كما كان الشرق الأوسط قديمًا فى نظر الأوروبيين هو بلاد (تفيض باللبن والعسل) فهو الآن فى نظر الأمريكان بلاد تفيض (بالنفط والغاز)، فنحن فى نظرهم خزان وقود العالم، ورُغْمَ أن العقل والمنطق يقولان إنه طالما كنا نمثل لهم مجرد مَصدر للطاقة فالأمر يستدعى التأكد من عدم اقتراب أى محفز على الاشتعال بالقرب من خزان الوقود حتى لا ينفجر.. ولكن متى كان الأمريكان عقلاء؟!
فالثابت أنهم حرصوا منذ عقود على إشعال المنطقة بالحروب والفتن فى محاولة خَلق شرق أوسط جديد يتكون من دويلات صغيرة مفككة وبلا جيوش كبرَى ذات قوة تفوق قوة أصغر قاعدة لهم فى المنطقة.
والثابت أيضًا أنهم هم مَن صَكُّوا مصطلح (الشرق الأوسط الجديد)، هذا المصطلح الذى تحدّثت عنه وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندوليزا رايس، لصحيفة «واشنطن بوست» عام 2005 وعاد لدائرة الضوء مرّة أخرَى بعد قيام السفاح «نتن ياهو» فى كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها ال78، تمحورت حول آفاق وآثار التطبيع والسلام مع الدول العربية، ودَوره فى تغيير الشرق الأوسط، وكان يحمل معه خريطة مكتوبًا عليها بالإنجليزية المصطلح نفسه.
مطامع الولايات المتحدة فى المنطقة ليست الوحيدة، فكل هذه الملفات المعقدة فى حد ذاتها تمثل عوامل جذب لتدخُّل أطراف غير عربية مثل تدخُّل روسيا فى سوريا.
إلاّ أن هذه الملفات لا تخلو من تنافسات عربية بعضها سرّيّة وبعضها مُعلنة، وبعضها يُعتبر مناطق نفوذ مباشرة لبعض الدول؛ لكنها إجمالاً ولأسباب جغرافية وتاريخية هى مناطق حيوية لمصر ويُعتبر عدم التعامل معها نوعًا من الترف خطير الأبعاد، ولا يقتصر تأثير تلك الملفات على بلدانها فقط؛ وإنما يمتد إلى ما يحيطها.
ونتيجة لكل ما سبق؛ قد تكون فهمتَ الآن كيف ومتى ولماذا استطاعت دول ناطقة بالعربية أن تكون متواجدة فى مشهد تفجير كل من الدول التى تَحَدّثنا عنها إلى جوار تحصُّلها على مَنافع من ذلك وتوجيه هذه المنافع لصالحها؛ بينما مصر تستهلك وقتها ومواردها فى إطفاء حرائق تحيط بها من كل الجهات، وإن لم تفعل لكانت تلك النيران لا قدّر الله قد طالتنا منذ زمن.
أمّا كيف استطاعت مصر أن تصمد فى أوسط هذا الشرق المحترق؟؛ فالإجابة واضحة، فلم يكن يمكننا التعامل مع منطقة كتلك التى نعيش فيها من دون جيش قوى عصرى يمثل عامل ردع قويًا ويحفظ مصرَ من أىّ احتمالات ويَحول دون تأثر مصر بظاهرة إسقاط الدول المنتشرة فى المنطقة.. تلك هى السفينة التى أعدت من قبل لمثل هذا الطوفان.
1
3
4


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.