لم يتعرض المجتمع المصري بمعظم طوائفه منذ سنوات عدة إلي موجة الخوف التي انتابت الكثيرين حتي هذا الأسبوع مع خروج قتلة الرئيس الراحل أنور السادات من السجن بعد قضاء عقوبة المشاركة في هذه الجريمة بالمساعدة، ولم يكن الخوف متعلقا بخروج «طارق» و«عبود» الزمر أحد قادة تنظيم الجهاد والجماعات الإسلامية. الخوف جاء نتيجة الاحتفاء من وسائل الإعلام بقتلة السادات وطبيعة الحوارات التي أخذت مسار المعاملة معهم وكأنهم أبطال قوميون، وهذه النظرة المرفوضة حتي من المعارضين للسادات أنفسهم في ظل وجود تنوع في الاتجاهات دينيا ما بين مسيحيين ومسلمين معارضين لتلك الأفكار، وسياسيا ما بين ليبراليين ويساريين وحتي الإخوان المسلمين. القلق والخوف جاءا مما ورد علي لسان عبود الزمر الذي استغل هذا الاحتفاء ليتحدث بنفس اللهجة التي كان عليها وقت الاغتيال وهي التلويح بعودة تيارات العنف بالتكفير التي ضربت مصر في عقود السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وهو النهج الجهنمي الذي فتح أبواب الدم.. وذلك عن طريق لجان التكفير التي دعا لها مع خروجه كتقنين - علي حد قوله - لما حدث في التسعينيات من خطأ من بعض أعضاء الجماعات بتكفير معارضيهم وتصفيتهم بدون سند فقهي أو فتوي شرعية، وهو ما أساء لفكر الجماعات ناسيا - عبود - أن مبدأ التكفير وما كان ينتج عنه من اغتيالات انتهي من وقت مبادرات نبذ العنف في السجون مع قادة الجماعات و المراجعات الفكرية التي بدورها قضت علي أفكار التكفير، لكن المفاجأة ما تحدث عنه عبود بأن هذه المراجعات: «كانت أسلوبا تكتيكيا لمواجهة الحملة التي كانت تشن علي هذه الجماعات من الخارج أو الداخل من النظام فرأينا ضرورة الخروج سالمين وأن نؤمن ناسنا!» الزمر الذي تحدث خلال 3 أيام بما لم يقله خلال 30 عاما في السجن، ارتبط كلامه بفكرة استخدام العنف إذا لزم الأمر، وكان أفزع ما خرج به ما دعا به من إنشاء لجان متخصصة في التكفير، مثل القضاة حتي لا يكون التكفير للعامة، وتكون اللجان من كبار العلماء والفقهاء الذين سيتدارسون ظروف كل حالة ويقدرونها وما إذا كان مرغما أم لا: «وعلماء الدين عادة يحتاطون جدا في قضية الدماء وقرار إهدار الدم قرار لا يتحدث فيه أي شخص ولا يؤخذ بسهولة وتتم مراجعة أشياء كثيرة جدا للتأكد من جواز قتل الشخص». الزمر الذي أعطي لهذه اللجان نفس اختصاصات المحاكم ووصف هذه اللجان بالمحاكم الشرعية لما بها من علماء وفقهاء، قال إنه لو حدث وأخطأ عالم الدين بعد اجتهاد وهو من حقه الاجتهاد فالأمر يحتمل الدية، ولهذا لابد أن يكون هناك مجلس علماء للبت في التكفير، والعالم المشارك في هذه اللجنة «مش أي كلام»، في التحقيق يكون دقيقا جدا، وعندما ينظر يمحص المسائل بطريقة دقيقة تماما حتي يطمئن قلبه في حكمه ولو كان مخطئا له أجر واحد لأنه أراد الحق وتحراه فأخطأ، وهذا يقطع الطريق علي من كانوا يتحركون في الحكم والتكفير بدون أدوات ويعطي لنفسه هذا الحق وهو ليس من أهل العلم ويكون متجاوزا ومخطئا. --- عبود أجاز استخدام العنف ضد الحاكم في اغتيال الرئيس السادات بعد تكفيره، بما رآه من قياس علي ثورة 25 يناير عندما قال: «أن وسائل استخدام العنف والقوة تكون ضرورة عندما تغلق كل الطرق ويستخدم معك العنف وترد بالقوة، مثلا ثورة يناير سلمية، لكن استخدم العنف عندما تعدي البلطجية علي المتظاهرين في معركة «الجمل» والتصدي كان بالحزم لأن البلطجية تعدوا علي حق المواطن الذي هزم البلطجية بالرد وثبت الناس في أماكنهم» ويرهن عبود المراجعات ونبذ العنف في التسعينيات بما رآه من منطق شرعي بأن الإسلاميين تعرضوا لحروب في التسعينيات ووجدنا القضية تحولت للمستوي الدولي فأوقفنا العنف حتي نخرج سالمين من هذه المرحلة. --- تصريحات الزمر ووجهت بمعارضة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من القادة التاريخيين للجماعات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين وأثارت الخوف والقلق داخل المفكرين والساسة، علي الرغم من الترحيب بحقهم في الخروج من السجن بعد أن قضوا 5 سنوات زائدة علي عقوبتهم، لكن بشرط ألا يأتي وجودهم وممارستهم السياسية علي حقوق الآخرين في الحياة بعيدا عن فكرة لجان التكفير الجهنمية! --- د. ناجح إبراهيم منظر الجماعة الإسلامية وعضو مجلس شوري الجماعة وأحد أبرز قادتها رفض بشدة هذه الأفكار بضحكة تحمل استياء من ذلك، وقال إنه لن يخوض في أفكار الزمر مراعاة لعلاقة المودة التي كانت تجمعهما، وأكد أن الجماعة الإسلامية تلتزم وستظل ملتزمة بالمراجعات الفكرية ومبادرات نبذ العنف وأن أي آراء ضد فكرة المبادرة فهي شخصية وهو المسئول عنها مع احترامنا لشخصه. وأكد ناجح أنه لا يوجد شيء في الإسلام اسمه «تكفير» وهذه نقطة يجب التأكيد عليها، والمراجعات لم تكن صفقة مع النظام، وليس معني أن النظام سقط أن تسقط المراجعات، فالمراجعات تجارة مع الله وإصلاح داخلي لا علاقة لدولة بها، وليست دورانا حول النظام، لكنها حول الشريعة وأفكار المبادرة باقية مستمرة حتي لو سقط النظام وأزيل جهاز مباحث أمن الدولة. وطالب ناجح المجتمع بأن يطمئن لعدم عودة أفكار التكفير، وقال: نحن قادة الجماعة الذين صنعوا المبادرة متمسكون بها، وأؤكد أن المبادرة إصلاح داخلي لا علاقة له بالحكومات، صنعنا المبادرة قربا إلي الله وهدفا في تطوير أداء الجماعة وتصحيحا للأخطاء مع التمسك بالصالح والدعوة للخير والدعوة السلمية، ولا نرضي بالتكفير للحاكم أو المحكوم وأيضا لمن له ذنب أو معصية. ومهمتنا ليست تكفير الناس أو الحكام، لكنها هداية الخلق والإسلام أقر الأديان الأخري والاختلاف سنة كونية وليس معني أنك مختلف معي أن أعتدي عليك أو أبغي، فهذه من ثوابت الدين. --- القيادي بالجماعة وعضو مجلس شوري الجماعات عصام دربالة رفض هذه الدعوة متمسكا أيضا بالعلاقة التي كانت تربطه بالزمر، وقال: نحن كجماعة نري أن المسائل المتعلقة بتحقيق هذه الأحكام لا يختص بها سوي سلطة القضاء فقط حتي لا تترك المسألة هكذا بها تقديرات خاطئة وهرج ومرج، الحكم علي شخص يحتاج أدلة إثبات والنظر في هذه الأمور لا يتم إلا من خلال الهيئات القضائية والنيابة التي تملك هذه الآليات، ونحن غير معنيين بأفكار التكفير والدعوة تكون بالخير والإصلاح حيث نعرض الإسلام إن قبله فهذا خير، وإن لم يقبله يحاسبه الله. وأكد دربالة علي استمرار فكرة المراجعات التي وصفها بأنها تأصيل لحالة التعايش مع المجتمع وحالة التعامل وفقا للآليات الإسلامية التي تجعل الحركات تمتزج بالمجتمع. وقال إن المراجعات قامت علي أسس شرعية باعتماد الطرق السنية في المعارضة السياسية والاختلاف في وجهات النظر، وغير ذلك من عنف لا يكون من الإسلام، والمراجعات حالة دائمة بالتواصل مع الآخرين من مختلف الفئات. وعن آلية تكفير الحاكم إذا سدت كل الطرق يقول دربالة: نواجه الحاكم بالكلمة والنصيحة ونخرج نقول لا إذا فشلنا في استخدام الآلية القانونية، وهنا يتم اللجوء إلي الآلية الشعبية، فهناك الحل السحري وهو ثورة 25 يناير التي خرج بها الشعب للمطالبة بحقوقه وسقط النظام. --- ويري القيادي بجماعة الإخوان المسلمين صبحي صالح أنه يعتقد أن خروج مثل هذه الأفكار من عبود الزمر جاء لعدم التكيف مع الواقع، فلقد ظل هذا الرجل أكثر من 30 عاما بالسجن والمجتمع طرأ عليه العديد من التغيرات والتحولات ولم يتواصل مع المجتمع ومن الطبيعي أنه لن يستوعب المجتمع في يوم وليلة، ولذلك أنا من رأيي أن نصبر علي الرجل.. لا نأخذ انطباعا عنه «وهو لسه خارج من السجن»! ويتفق مع إطار رؤية صبحي صالح المفكر صلاح عيسي الذي قال إن مجمل كلام عبود الزمر نتيجة طبيعية لشخصية معزولة عن المجتمع، وجاءت منطلقة من أفكار ورؤي قريبة مما دخل بها السجن، ولو كان أتيح له الجلوس فترة قليلة قبل إلحاح الإعلام عليه بالحديث لكان ما يجهر بهذه الآراء. ويري عيسي أن تصريحات الزمر جاءت بردود فعل سلبية ومباشرة داخل الجماعات الإسلامية والجهاد ترفض هذه الأفكار، ويعتبر ذلك مقيدا لتحريكه قوة كبيرة تتبرأ من هذه الأفكار وتدفعه أن يعيد النظر في مثل هذه الأمور. --- وكان لابد من الحديث مع نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد الذي كان له دور في إتمام المراجعات الفكرية للجماعات الإسلامية في التسعينيات والذي تم تكفيره في التسعينيات وإهدار دمه، وعلي أثر ذلك تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها، ويقول مكرم أنه مندهش جدا ومصدوم لما يحدث في مصر من عبود وأخيه، كان من الممكن أن يتابع الإعلام خروجهما، لكن أن يتحول الأمر لهذه الحفاوة فهذا لم يحدث في أي بلد يعرف معني العدالة والقانون، لأننا احتفينا بشخصين اغتالا رئيس الجمهورية في وضح النهار وأيا كانت الملاحظات حوله فلولا السادات لكان المصريون أسري كما هو حادث في سوريا الآن! ويستكمل: من حق الزمر أن يقول آراءه، لكن المرفوض أن يتحدث عن لجنة للتكفير، فالعلاقة بين الإنسان وربه يستحيل أن يتدخل فيها أحد، فهو بذلك يتعامل بأنه الأقرب لروح الله، فضلا عن أن الإسلام لم يتحدث عن تفتيش النوايا، ليصل بنا الأمر إلي أن من لهم سوابق وقاموا بالقتل يصبحون أصحاب الفتوي في البلاد، لذلك فأنا أتخيل الآن حالة القلق البديهية التي يعيشها 10 ملايين مسيحي، فضلا عن المسلمين، ونعرف جيدا جميعا التجربة المريرة التي عاشتها السودان والجزائر التي أدت للحرب الأهلية علي طريقة التكفير، ولذلك نحن هنا سنجد أمامنا آية الله عبود الزمر، ومرشد الإخوان آية الله بديع، جو غريب لم تعشه مصر من قبل، هل هؤلاء سيعطوننا الرؤية؟ السياسة شيء والدين شيء آخر، السياسة تتعامل مع النسبيات ولهذا من الممكن أن أخطئ، ولكن من الخطر أن أخطئ في الدين، وهنا نجد الخلط في هذه الحركات الأصولية التي جعلت عبود يخرج من السجن بعد 30 عاما ويطالب بلجان التكفير. وقال مكرم أنه لا يريد اتهام قادة الجماعات بالتلون لما صدر من عبود حول فكرة المراجعات بعد خروجه من السجن، علي الرغم من أنه شارك في صياغة الكتاب الأول من المراجعات، هم كانوا يتصرفون معي علي أساس أنني آخذ موقفا منهم لأنهم ضربوا علي الرصاص، لكن عندما وجدوا موقفي الموضوعي توصلنا للتوبة الحقيقية التي أفرج بسببها عن معظمهم، والدليل أنه بعد خروجهم لم تضرب رصاصة واحدة!