راهنوا على ضياع الهوية وتغييب العقول وتشويش الوعى واندثار الوطنية.. أنفقوا فى سبيل ذلك وعلى مدار سنوات مضت مليارات الدولارات على قنوات فضائية وصحف ومواقع وكتائب إلكترونية فيما يُعرف بحروب الجيل الرابع.. ولكن فى لحظة معينة وبتأريخ عملية بطولية واحدة من مئات العمليات تتحول كل أموالهم وجهودهم إلى رماد محروق تذروه الرياح.. لتحرك تلك العملية البطولية الجينات الوطنية الأصيلة المحفورة فى نفوس ووجدان الملايين من شبابنا وأطفالنا بالوراثة وعبر الزمان ..تكرر الأمر مؤخرًا منذ رصد بطولات حرب الاستنزاف فى فيلم «الممر» ثم تسليط الضوء على واحد من أبطال رجال الصاعقة الشهيد أحمد منسى فى مسلسل «الاختيار»..لننتظر المزيد من الأعمال الدرامية الوطنية التى تعيد شحن بطاريات الروح الوطنية من جديد وتوضح الكثير من الحقائق الغائبة أو غير المرئية للناس ولتصنع حالة من التوحد النفسى بين كل أفراد الأسرة الواحدة حول القضية الأهم التى عنوانها.. «الوطن». على العهد يا رجالة
«خلوا بالكوا إنتوا من نفسكوا، العبوات فى الطريق، على العهد يا رجالة وزى ما اتفقنا، هدفن بأفرولى،الشهيد لا بيتغسل ولا بيتكفن»..الجملة الأشهر التى علقت فى أذهان الأطفال أثناء مشاهدة حلقة استشهاد البطل «أحمد منسى» فى مسلسل الاختيار، وعبر هؤلاء الأطفال عن مدى تأثرهم بهذا العمل الدرامى من خلال بث الفيديوهات على شبكة «تيك توك» الاجتماعية، وجسدوا خلالها العديد من المشاهد الخاصة بملحمة البرث. كما حرصوا على الحديث من خلال «اللاسلكى» وكانوا يمسكون سلاحًا فى أيديهم ليعيشوا الأجواء الحقيقة للملحمة، وبدت على وجوههم أيضًا علامات الإجهاد وأثر إطلاق القنابل، كما حرص أحد الأطفال على تجسيد اللحظات الأخيرة فى حياة «منسى» حتى إطلاق الرصاص عليه.
فيما ظهر طفل آخر بزى منقوش عليه «الصاعقة المصرية» وقام بتجسيد دور «منسى» .. أيضًا ظهر أحد الأطفال فى فيديو يقول: «اللهم إنى أحتسب هذا العمل عندك واجعله يا الله فى ميزان حسناتى،وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، مش عاوز أسمع كلمة إرهابيين يا حسين اسمهم تكفيريين اللى قالوا عليا وعليك وعلى أبوك إن إحنا كفار». «أنا لما هكبر هبقى ظابط»..قالها أحد الأطفال فى فيديو على «تيك توك» وأضاف: «أنا مش هخلى بلدى يحصلها كده، حتى لو مت، هبقى مت بدافع عن بلدى»، أما الطفل «كريم» فقد استعان ببندقيته التى يلعب بها، ووقف أمام شاشة التلفاز أثناء عرض حلقة كمين البرث وتخيل ذاته يحارب مع البطل منسى ورجاله. بينما ردد طفل آخر كلمات أغنية «قالوا إيه علينا دولا وقالوا إيه».
قام أحد الآباء بتسجيل فيديو لابنه وهو يسأله عن سبب رغبته فى الالتحاق بالقوات المسلحة المصرية حينما يكبر، فأجابه قائلًا: «عشان أدافع عن مصر زى المنسى،ومش هيهمنى لو مت، أنا هموت شهيد»، كما ارتدت مجموعة من الأطفال زى الجيش المصرى وقاموا بترديد الأغانى الوطنية.
من جانبها قالت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس إن الأعمال الوطنية الدرامية الأخيرة قامت بتصحيح مسار عقول الشباب لفترة طويلة، مؤكدة أن الآباء والأجداد كانوا مثقولين بعدد كبير من الأفلام والمسلسلات الوطنية: «مش رأفت الهجان ولا الطريق إلى إيلات بس، إحنا من أول ما فتحنا عنينا وشوفنا رد قلبى وفى بيتنا رجل، وشوفنا حاجات عظيمة وكنا لسه صغيرين أوى 10 سنين و15 سنة، إحنا أجرمنا فى حق الشباب لمدة طويلة وأتأخرنا عليهم أوى لحد ما أنتجنا أعمالا وطنية زى الممر والاختيار، الشباب مكنوش حاسين بقيمة البلد، أى حد يقولهم يلا نسافر ونسيب البلد يسمعوا كلامه، مكنش فيه انتماء ولا هوية».
ترى «خضر» أن مشاعر الشباب بدأت تستنير من جديد بعد مسلسل الاختيار، كما تولدت طاقة إيجابية كبيرة فى عقولهم: «كل ما أفتح الفيسبوك أشوف الكل بيتكلم عن منسى. وأوضحت أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الممر والاختيار قاما بعمل طفرة وطاقة من نور فى المجتمع المصرى،وقاما بمحو الغمة والداء من على كاهل الناس،
مشيرة إلى أن الدولة لابد أن تكون هى المؤسسة الأولى لنشر الفن النظيف: «إحنا نسينا الفن وسيبناه للمستثمرين، عبدالحليم كل أغانيه وطنية وفيها انتماء، أم كلثوم، نجاح سلام، ليلى مراد، كلهم بيغنوا وطنى.
تقليد منسى
قال الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة إن مسلسل الاختيار جاء فى توقيته الملائم، حيث إنه أثر على الشباب والأطفال والمراهقين أكثر مما كنا نتوقع، كما أنه أفضل من كافة الأعمال التى أقيمت فى إطار درامى شيق: «المسلسل قدر يوصل الرسالة للأطفال والشباب، والدليل إن التيك توك مليان فيديوهات للأطفال وهما بيقلدوا مشاهد من المسلسل، أنا ابنى الصغير ألزمنى أجيبله مدفعين عشان يبقى زى المنسى،قعدت فى الجيش 27 سنة من عمرى كنت دكتور فى الصاقعة، قولتله نسيت أمجاد ابوك ومسكت فى المنسى، قالى المنسى ده حاجة تانية».
وأشار فرويز إلى أن تأثير الأعمال الوطنية الدرامية ظهر أيضًا فى مطالبة الفتيات بالانضمام للجيش من جديد: «الكلية الحربية السنة دى الإقبال عليها هيبقى شديد، لو مثلا بيجى 150 ألف هيجى مش أقل من نص مليون.