لم يكن الريف المصرى فى منأى عن الأحداث ذات يوم، ورغم ضعف الإمكانيات بالقرى، ظهر أبطال من بين الأهالى تصدروا المشهد، استطاعوا بجهودهم الذاتية أن يقوموا بمهام عظيمة دون طلب المساعدة من أى جهة، جمعوا التبرعات وبادروا بشراء أدوات التعقيم، لتبدأ رحلة كفاحهم ضد فيروس كورونا، كل قرية كان لها قصة مختلفة، لكنهم أجمعوا على التحدى والإصرار والرغبة فى مساندة من حولهم، لعبور هذه الأزمة. أهالى «كفر حانوت» بالغربية يعقمون الشوارع والمنازل
هنا الفلاح هو بطل المشهد، لم يقتصر دوره على متابعة الأحداث فقط بل قرر التفاعل معها ليحجز لنفسه دورًا مهمًا فى المشهد، إذ اتجه «عمرو نصار» و«جمال غانم» إلى كبار قرية «كفر حانوت بحرى»، التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية وقرروا أن يتعاونوا سويًا لتعقيم القرية بجهودهم الذاتية.
يقول «عمرو نصار»، مؤسس الحملة الوطنية للدفاع عن حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة: «البلد فيها مجموعة من الشباب بيحبوها ونفسهم يخدموها، روحنا لأخواتنا الكبار فى البلد، اللى ساهموا معانا وكان عندهم حرص يلفوا على جميع البيوت لتوعية الناس، وأنا كنت بلم الفلوس وفعلًا لقيت فى تجاوب من الناس ودفعوا الفلوس وكانوا شايفين مجهودنا بعنيهم».
قام أبناء القرية بشراء الماء والكلور والمطهرات والقفازات والكمامات للشباب وبدأت مهمتهم فى التعقيم منذ أيام يضيف عمرو: «لفينا البلد بيت بيت وشارع شارع، ورشينا كل شبر فيها لحد حيطان البيوت كمان، وشارك معانا فى التعقيم ضباط القوات المسلحة من أهل القرية سواء اللى فى الخدمة أو المتقاعدين».
ورغم إقامة عمرو فى القاهرة فإنه فضّل قضاء أيام العزل فى قريته وبادر بالسفر سريعًا، مشيرًا إلى أن مجموعة من أبناء القرية المتواجدين خارج مصر قاموا بإرسال تبرعات مالية إليهم: «بعتولنا فلوس من الإمارات والسعودية.. والناس لما لقونا واقفين فى الشارع كانوا متجاوبين جدًا، اللى يجيب لينا مية واللى يعملنا شاى، وتكلفة اليوم كله بتبقى ألفين جنيه، لإننا بنأجر جرار بالموتور بتاعه».
شملت عمليات الرش تعقيم المنازل والمساجد والمدارس والحضانات: «المساجد بنعقمها عشان وقت الأذان، والمدارس كلمنا أصحابها وتجاوبوا معانا وفتحوها عشان نعقمها». كانت النسبة الأكبر من المشاركين فى تعقيم القرية من رجال القوات المسلحة والشرطة، وهذا الشيء بث الطمأنينة والراحة فى نفوس السكان ويقول عمرو: « كل اللى شاركوا عملوا مجهودًا كبيرًا، والحمد لله فى الريف عندنا وعى وثقافة والناس حريصة والدليل على كده التجاوب اللى مكناش متوقعينه، وكل اللى يشوفنا يدعى لينا لأن دى أول حاجة تُقام فى بلدنا».
فى أجواء يسودها النشاط والحماس قررت مجموعة من أبناء قرية «القلج» التابعة لمركز الخانكة بمحافظة القليوبية المشاركة بجهودهم الذاتية لتعقيمها من أجل مكافحة فيروس كورونا، إذ بدأت الفكرة لدى عدد من شباب القرية وبادروا بتنفيذها بعد شراء أدوات التعقيم. عصام فهمى عمارة، صاحب ال 43 عامًا، فنى صيانة يقول: «الأول كان عددنا قليل، وبعدها انضم لينا ناس، حطينا المية مع الكلور المخفف وجبنا عربية رش، وكل ده كان متاح الحمد لله، وكان فى تعاون من الناس وأهالى البلد وإن شاء الله مكملين»، مؤكدًا أن فكرة التعقيم بدأت منذ أسبوع «بنبدأ تعقيم الساعة 7 ونص بالليل عشان الشوارع بتكون هادية، ورغم إن الناس مش ملتزمة بكل التعليمات لكن استجابتهم كانت بتزيد مع مرور الوقت».
ويشير عصام إلى أنهم انتهوا من تعقيم ثلاثة أرباع القرية فى يومين فقط: «ماشيين بخطة وكل يوم بنعقم مناطق معينة من القرية، وربنا كريم وإحنا خارجين لله وبنلبس الكمامات والسترات والجوانتى عشان نحمى نفسنا، كلنا اتعاونا مع بعض بعيدًا عن أى اختلافات بيننا عشان نقف جنب بلدنا ونحميها»، ويضيف :«من المواقف الطريفة طبعًا إن الناس عوزانا نعقم لحد السرير يعنى تلاقى واحد يقولى اتوصوا هنا شوية».
فى أحد أرجاء القرية يقف مجموعة من الشباب يحملون فى أيديهم الماء والكلور وأدوات تعقيم، يستعدون لبدء مهمتهم اليومية حيث يتنقلون بين المنازل والمصالح الحكومية من أجل تعقيمها.. «إسلام محمد» أحد أبناء القرية، أكد أن جميع الأهالى ملتزمون بقرار مجلس الوزراء حفاظًا على سلامتهم من الفيروس: «فى تعاون مشترك بين كل الشباب بقرى النوبية على متابعة التعقيم والتزام بموعيد إغلاق المطاعم والقهاوى بنصر النوبة، وبنقوم بالتعقيم بشكل يومى، والفكرة جت بعد اجتماع الشباب مع بعض واتفقنا إننا نعقم القرية كلها بنفسنا».
بلغ عدد الأهالى المشاركين فى مهمة تعقيم قرية «توشكى» غرب نصر النوبة التابعة لمحافظة أسوان 100 شخص، يستخدمون «الجرار الزراعى» لمعاونتهم فى التعقيم، ويقول إسلام إنهم يواجهون مشكلة فى شراء الكمامات حيث إن الصيدليات تقوم ببيعها بأسعار مرتفعة: «الكمامة الواحدة ب 10 جنيهات، والعلبة بنشتريها ب 500 جنيه، وعملنا شكوى لحماية المستهلك بس محدش رد علينا، وعشان نوفر على الأهالى بنوزع كمامات أثناء العمل ولكبار السن بالمجان».
لم يقتصر التعقيم فى قرية «توشكى» على المنازل والمصالح الحكومية فقط، حيث شمل مواقف السيارات أيضًا: «السيارات لما توصل الموقف بننزل الناس ونعمل تطهير على الفور، كل شاب بيساهم باللى يقدر عليه، وكل يوم الصبح بنجمع نفسنا عند الموقف ونبدأ تعقيم من 10 صباحًا حتى أذان العصر، في الشوارع الرئيسية والبيوت، وبنساعد السيدات يعقموا بيوتهم من الداخل، وكل مجموعة فى شارع، وكلنا مبسوطين من المشاركة، وأجمل المواقف إن الناس فى كل شارع بتوزع علينا عصير وحلويات».
«محلة أبو على» بالقنطرة توزع وجبات على المنازل المتضررة
بدأت مهمة أهالى قرية «محلة أبو على القنطرة» منذ لحظة دخول فيروس كورونا إلى مصر، إذ بادر عدد من الشباب بتوزيع أوراق تحتوى على إرشادات ونصائح لتوعية الأهالى، فى المصالح الحكومية ومواقف السيارات ومحطات القطار، وحتى داخل المصانع، حيث تحتوى القرية على 500 مصنع للملابس الجاهزة والبطاطين والنسيج.
«السيد أبو سلام» أحد سكان القرية، يقول: «فكرت فى حاجة نعملها نفيد بها الناس الغلابة لأن الدولة مش هتقدر توصل بإمكانياتها لحد عندنا، أسست جروب على الفيسبوك باسم «الحملة الشعبية لمكافحة فيروس كورونا» بقرية محلة أبو على الساعة 2 بالليل، وبعت دعوات لأصحابى، صحيت لقيت الجروب فيه 1500 عضو».
تضاعف حماس «السيد» وبدأ يناقش العديد من الأفكار مع السكان وتوصل إلى أنهم فى أمس الحاجة لرش القرية وتعقيمها: «نشرت إننا محتاجين كلور ومكنة رش، اتصل بيا شخص معرفهوش وقابلته ولقيته جايبلى مكنة رش جديدة بكرتونتها، وبدأت أتلقى تبرعات بعبوات كلور، وبدأت أتحرك وأنا معايا 2 فى مناطق البلد، عقمنا الأماكن العامة والمصالح الحكومية والمساجد وبالفعل يوم الجمعة عقمنا مساجد القرية وكل المدارس، ومكتب البريد والشئون الاجتماعية والوحدة الصحية وجميع المحال التجارية، ورشينا كل التكاتك بالقرية وجميع سيارات السرفيس بالموقف والميكروباص وعقمنا محطة الكهرباء وجبنا مكنة كبيرة بعربية ورشينا كل شوارع القرية».
انضم عدد من شباب القرية للمبادرة واستطاعوا منع إقامة السوق الرئيسى بالمنطقة، حيث يقع على الطريق العام، ويشهد ازدحامًا شديدًا فى يومى الجمعة والثلاثاء يضيف السيد: «يوم الخميس جمعت عددًا من الشباب معايا وسهرنا طول الليل لحد صلاة الجمعة تانى يوم وقدرنا نمنع إقامة السوق، جروب الحملة وصل ل 3400 عضو وكل يوم بيزيد الحمدلله والناس متفاعلين بجهود ذاتية».
ويشير إلى أنهم قاموا بعمل وجبات وتوزيعها على الأسر المتضررة من حظر التجوال وإغلاق المصانع: «أكتر حاجة بتفرحنا دعوات الناس، وأكتر حاجة بسطتنى وبكيتنى فى نفس الوقت ست كبيرة فى السن وحالتها المادية ضعيفة جدًا لما شافتنى غرقان كلور وبرش الشارع رفعت إيديها للسما وفضلت تدعيلى وطلعت 10 جنيهات وقالتلى دى مساعدة منى وهى كل اللى معايا».
واجه الشباب عددًا من المواقف السلبية أثناء حملتهم فى القرية أيضًا: «اللى يقولى تعالا رش بيتى وهديك اللى إنت عاوزه، واللى يقولى كان فى زبالة فى الشارع مشيلتهاش ليه، واللى يقولى فى مجارى قدام بيتى، طيب هما ميعملوش ليه ويساعدونا، ورغم قلة أمكانياتنا كل الناس بتناشدنا نروح مناطقهم ونعملهم كل حاجة».