ألقت أزمة فيروس كورونا التى تضرب غالبية دول العالم، بظلالها على مشروع الموازنة الجديدة 2020-2021، التى أقرتها حكومة الدكتور مصطفى مدبولى خلال اجتماعها عبر الفيديو كونفراس أول أمس الخميس، حيث خفضت من توقعاتها فى النمو الاقتصادى، مع زيادة فى التضخم.. ورغم الأرقام المبشرة التى كشفت عنها الملامح الأولية فى مشروع الموازنة الجديدة، من حيث تخفيض العجز الكلى، مع تحقيق فائض من أجل خفض الدين العام، مع تخصيص موارد إضافية للصحة والتعليم وزيادة المخصصات المالية للرواتب، إلا أن هناك العديد من العقبات والتحديات تقف فى طريق الموازنة الجديدة.
الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أكد خلال اجتماع الحكومة، أنه طلب من وزراء المجموعة الاقتصادية سرعة الانتهاء من سيناريوهات للاقتصاد المصرى فى ظل انتشار فيروس كورونا على مستوى دول العالم، مشيرًا إلى أن الحكومة اضطرت لتعديل الموازنة العامة الخاصة بالعام المالى المقبل، بما يتماشى مع الوضع الراهن عالمياً، وستتم الموازنة بإجراءات تتضمن ضبط الإنفاق والحوكمة.
سيناريوهات الأزمة
وكشفت وزيرة التخطيط الدكتورة هالة السعيد عن السيناريوهات المتوقعة للعام المالى القادم 2020/2021 مع تطور الأزمة وكيفية التعامل معها، مُوضحة أنه من المتوقع تحقيق معدل نمو اقتصادى 4.5 % خلال العام المالى 2021/2020، فى حال انتهاء أزمة تفشى فيروس كورونا بنهاية العام المالى الحالى 2020/2019، والتى من المتوقع أن تمتد آثارها إلى الربع الأول من العام المالى 2021/ 2020 أو النصف الأول بأكمله، ولكن فى حال استمرار الأزمة لمنتصف عام 2021/2020 فسينخفض معدل النمو المستهدف إلى 3.5 %.
وفيما يخص معدل التضخم، أشارت إلى أنه من المتوقع أن يرتفع فى حال استمرار الأزمة حتى ديسمبر 2020 ليصل إلى 9.8 % نتيجة للطلب الزائد على بعض المنتجات (المستلزمات الطبية والمنظفات) ومحدودية زيادة الطاقة الإنتاجية فى الأجل القصير، فضلاً عن صعوبة إحلال مستلزمات الإنتاج من الواردات، وبالرغم من الارتفاع المتوقع فى ضوء السيناريو الثانى إلا أنه يظل ضمن نطاق معدل التضخم المستهدف من البنك المركزى.
وأشارت إلى أنه فيما يخص الاستثمارات الكلية، من المتوقع انخفاض حجم الاستثمارات الخاصة مما سيؤثر بدوره على حجم الاستثمارات الكلية، وفى حال استمرار الأزمة حتى منتصف العام المالى القادم 2020/2021، تنخفض الاستثمارات الكلية من 960 مليار جنيه إلى 740 مليار جنيه (انخفاض قدره 220 مليار جنيه -23%).
أما بالنسبة للاستثمارات الحكومية، فمن المخطط زيادة الاستثمارات الحكومية من 211 مليار جنيه فى عام 2019/2020 إلى 280.7 مليار جنيه بنسبة زيادة قدرها 33 %، وترتفع الاستثمارات الممولة من خزانة وقروض من 140 مليار جنيه إلى 230 مليار جنيه بزيادة قدرها 64 %.
الوضع الحالى
وأكدت الدكتورة هالة السعيد، أنه كان من المستهدف تحقيق معدل نمو بنهاية العام المالى الحالى يصل إلى 5.6 %، إلا أنه من المتوقع أن يصل إلى 5.1% فى أفضل الحالات مع تباطؤ نمو الربعين الثالث والرابع إلى 5.2 % و4% على التوالى، مشيرة إلى أن إجمالى الاستثمارات الحكومية المنفذة خلال الفترة من يوليو 2019 وحتى فبراير 2020 بلغت 90.9 مليار جنيه بنسبة نمو 12 % مقارنة بذات الفترة من العام السابق.
وسلطت الدكتورة هالة السعيد الضوء على القطاعات المُتوقع أن تتأثر بأزمة تفشى فيروس الكورونا والتى تشمل (خدمات الغذاء والإقامة، وخدمات أفراد الخدمة المنزلية الخاصة للأسر، والصناعة التحويلية، وتجارة الجملة والتجزئة، وخدمات أخرى)، مُوضحة أنه فيما يخص معدل البطالة، من المُستهدف خفض معدل البطالة إلى 8.5 % بنهاية عام 2020/2021 فى حال انتهاء الأزمة بنهاية العام المالى الحالى، ولكن فى حال استمرار الأزمة، من المتوقع أن تؤثر بالسلب على معدلات البطالة.
وأضافت أن هناك بعض القطاعات لديها نوع من المرونة والقدرة على احتمال الأزمة مثل قطاع الزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بينما هناك قطاعات سوف تتأثر تأثيرًا شديدًا بالأزمة مثل قطاع السياحة والمطاعم وقطاع الترفيه والخدمات عامةً، لافتة إلى أنه فى حالة التعافى فإن القطاعات لا تتعافى بصورة مماثلة ولكن من المتوقع أن التعافى سيكون بطيئًا فى معظم القطاعات، ومن ثم فإن السياسات المالية والنقدية المحفزة لديها القدرة على خفض تكلفة الأزمة، ولكن فى كل الأحوال سوف يشهد الاقتصاد العالمى والمصرى فترة ليست قصيرة من الركود.
ملامح الموازنة
ووافق مجلس الوزراء، خلال اجتماعه الأسبوع الماضى،على مشروع موازنة العام المالى الجديد 2020/2021، الذى يستهدف الحفاظ على أكبر قدر من الاستقرار المالى مع دعم النشاط الاقتصادى من خلال خفض العجز الكلى إلى 6.3 % من الناتج وتحقيق فائض أولى يسمح باستمرار مسار خفض دين أجهزة الموازنة.
الدكتور محمد معيط، وزير المالية، كشف أن مشروع الموازنة الجديد يستهدف مبادرات محددة وإجراءات تعمل على تحسين الأحوال المعيشية للمواطنين، خاصةً الطبقة المتوسطة، والمساهمة الإيجابية فى تعزيز أنشطة ومجالات التنمية البشرية فى مجالى الصحة والتعليم، واستمرار التوسع فى التسعير السليم للسلع والخدمات، فضلًا عن استهداف توسيع القاعدة الضريبية وتعظيم العائد من أصول الدولة من خلال زيادة الفوائض المحولة إلى الخزانة العامة.
وتستهدف موازنة العام المالى (2020 – 2021) خفض معدل الدين العام كنسبة من الناتج المحلى ليصل إلى 82.7 % بحلول نهاية يونيو 2021 وهو ما يتطلب تحقيق فائض أولى نسبته 2 % من الناتج خلال عام 2020/2021، كما تستهدف الموازنة خفض معدل العجز الكلى ليصل إلى 6.3 % من الناتج المحلى فى 2020/2021.
يعمل مشروع الموازنة على زيادة المخصصات المالية لباب الأجور وتعويضات العاملين، بما يحقق زيادة فى دخول العاملين بأجهزة الموازنة، واستهداف معدل نمو سنوى للأجور يفوق معدل التضخم المستهدف، مع التركيز على تحقيق معدل نمو سنوى أعلى لإجمالى الأجر المُستحق للعاملين بالدرجات الوسطى.
وقال وزير المالية إن مشروع الموازنة الجديد يعمل على ضمان استمرار زيادة مخصصات الاستثمارات العامة الممولة من الخزانة بشكل يفوق أى زيادات أخرى على جانب المصروفات العامة لضمان تحسين البنية التحتية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
وتشمل حزمة الإجراءات الاجتماعية بالموازنة الجديدة توفير اعتمادات تغطى تكلفة توصيل خدمات الغاز الطبيعى للمنازل لعدد 1.2 مليون وحدة سكنية، ومخصصات التنفيذ التدريجى لمنظومة التأمين الصحى الشامل، وزيادة مخصصات تكلفة العلاج على نفقة الدولة، كما تم تخصيص نحو 36 مليار جنيه لمبادرات دعم قطاعات الصحة والتعليم قبل الجامعى والتضامن الاجتماعى.
ويشير مشروع موازنة العام المالى الجديد، إلى توجيه مخصصات لدفع النشاط الاقتصادى، من بينها مخصصات لدعم تنشيط الصادرات بزيادة قدرها مليار جنيه عن مخصصات العام المالى الحالى، ومخصصات مبادرة تشجيع المنتج المحلى ودعم الاستهلاك، ودعم تنمية الصعيد، وترفيق المناطق الصناعية. عوائق إجرائية المطبات فى طريق الموازنة الجديدة لن تتوقف عند تحديات أزمة كورونا فقط، بل إن عملية إقرار الموازنة يحيط بها الغموض خاصة بعد تأجيل الجلسات التى كانت محددة سلفًا فى 29 مارس، إلى 12 أبريل المقبل، وهو ما يؤكد وجود إشكالية كبيرة تتمثل فى مناقشة مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2020/2021، وضرورة إقرارها قبل 30 يونيو المقبل عملًا بما نص عليه الدستور والقانون.
سيكون أمام مجلس النواب، تحد فى إقرار الموازنة الجديدة، من حيث اختصار الوقت من ناحية فى ظل الظروف الصحية الراهنة، ومن حيث الوفاء بكل الالتزامات والدقة فى كل بنودها، لاسيما وأن البرلمان لن يكون أمامه سوى 45 يومًا فقط من بينها شهر رمضان وإجازة عيد الفطر وأعياد الربيع لمناقشة الموازنة وإقرارها.
وتوقعت مصادر برلمانية أن يصل مشروع الموازنة العامة إلى مجلس النواب الأسبوع الجارى، بعد موافقة مجلس الوزراء عليها، إلا ان مناقشتها تبدأ باحالتها إلى الجلسة العامة والتى ربما ستكون مع عودة جلسات الانعقاد فى 12 أبريل، ليقوم وزير المالية بعرض مشروع الموازنة، وكذلك وزارة التخطيط تعرض خطتها فى العام المالى، وبعدها يقرر البرلمان إحالتها إلى لجنة الخطة والموازنة والتى تبدأ مباشرة أعمالها فى مناقشة مشروع الموازنة، وكل لجنة نوعية فى البرلمان تناقش الجزء الخاص بها.
وأكدت المصادر أن الموازنة ستشهد مناقشات مُكثفة وذات طابع خاص تحت قبة المجلس، خاصة فيما يتعلق بمعدلات النمو المتوقعة وسعر الدولار الذى سيتم احتسابه الموازنة وسعر برميل النفط وحجم الإيرادات المتوقعة ونسبة التغير فيها، مؤكدة أن النقاش سيكون أكثر تدقيقًا بسبب الظروف المحيطة التى يشهدها العالم كله والتى أدت إلى انكماش اقتصادى.