لقد تركت الأحداث الأخيرة آثارا نفسية سيئة في نفوس المصريين بعد أن أفاق الجميع علي حالات سطو ودمار كثيرة قبل إعادة انتشار أفراد الشرطة إلي الشارع مرة أخري.. ورغم تمكن المصريين في ظرف استثنائي من قلب الأمور بتشكيل اللجان الشعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة، اتجهت الأنظار إلي شركات الحراسة الخاصة كأقرب بديل لأفراد الشرطة. وكان في المقابل فتح شهية شركات الحراسة الخاصة للتنافس من أجل الفوز بصفقات الإشراف علي حراسة المؤسسات العامة والخاصة رغم ارتباطها بالعديد من حوادث القتل والسرقات في الفترة الأخيرة إلا أن الوضع بعد 25 يناير ساهم في دعم سوق الحراسة والأمن الخاص ليرتفع الطلب علي هذا السوق بنسبة 100% كما تؤكد المعلومات الرسمية. اخترقنا بيزنس سوق شركات الحراسة فاكتشفنا العديد من المفارقات. فتلك السوق التي تتنافس عليها هذه الشركات بين اثنين، الأول يتمثل في الحراسة الخاصة للأشخاص «البودي جارد»، والثاني يتعلق بالحراسة الخاصة بالمنشآت العامة والخاصة كالبنوك والتجمعات السكنية والفنادق والقري السياحية قوامها 300 شركة بها حوالي 5 أو 10 شركات فقط تعمل بجدية ولديها تنظيم إداري وبرامج تأهيلية ومدارس لتدريب أفراد الأمن علي التعامل مع السلاح وكيفية أداء مهامهم الوظيفية في التأمين كما أن لها مقار محددة وثابتة لا يتم تغييرها. بينما العدد الآخر عبارة عن مجموعة من الشركات العشوائية تمارس نشاطها دون ضوابط أو رقابة فهناك من يزاول الخدمة تحت بير السلم مما أدي إلي كثرة الحوادث التي تنوعت بين قتل وسرقات لم تكن موجودة قبل ظهور تلك الشركات العشوائية. فإنشاء شركة تعمل في مجال الحراسة لايتطلب سوي استخراج بطاقة ضريبية وسجل تجاري باسم المنشأة ومجرد تحريات شرطية تقليدية. • شركات الحراسة في مصر في البداية استعرض لنا اللواء عادل عمارة رئيس شعبة الحراسة بغرفة القاهرة التجارية نشأة شركات الأمن الخاصة قائلا: إن هذه الشركات موجودة في العالم منذ قرن من الزمان وقد تفاقم الطلب عليها عقب الحرب العالمية الثانية حيث أقبل الناس عليها كنتيجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار فكانت أولي الدول هي أمريكا وإنجلترا وانتشرت بعد ذلك في العالم كله. وفي مصر بدأ الطلب علي هذه الخدمة من خلال الشركات الأجنبية كما يشير عمارة قائلا: تواجدت في مصر بعد الانفتاح الاقتصادي في أواخر السبعينيات عندما دخلت الشركات الأجنبية بمشروعات عملاقة تستلزم حراسة أمنية ولتساهم في التنظيم والرقابة والإشراف. وكانت السفارة الأمريكية أول من طلبت تلك الخدمة في مصر في عام 1978 بتدبير شركة متخصصة لحراستها فكان ضباط القوات المسلحة المتقاعدون أول من رغب في العمل في هذا المجال وتولت الشركات الأجنبية إدارة وتنفيذ هذا النشاط الجديد في السوق المصري. وكان ذلك تحت رقابة وإشراف أجهزة الأمن السيادية وبدلا من أن تصبح الإدارة أجنبية تعاون ضباط الجيش المتقاعدون مع الأجانب في ذلك. وفي أبريل من عام 1979 تأسست أول شركة مصرية كير سيرفيس للأمن والحراسات الخاصة مستعينة بخبرات أجنبية لوضع الأسس الخاصة بممارسة هذا النشاط وكان أول عقد تم توقيعه هو العقد الخاص بتأمين السفارة الأمريكية في ذلك الوقت. وكان مع تدفق الاستثمارات الأجنبية في مصر والمشروعات الممولة من قبل صندوق النقد الدولي أن أنشأت الدول المانحة بنوكا أجنبية داخل البلاد مما أدي إلي تزايد الطلب علي خدمة الأمن الخاص التي امتدت لتشمل أيضا المنشآت الفندقية وباقي السفارات الأجنبية ثم القري السياحية والمطارات والمرافق الحيوية والسكك الحديدية وصولا إلي التجمعات السكانية كالأبراج والفيلات والعمارات مما كان السبب وراء تحفيز بعض الأشخاص إلي تأسيس شركات للحراسة والأمن لزيادة الطلب علي هذا النوع من الخدمة والذي ارتفع مع أوائل التسعينيات وخلال عشر سنوات حدث نمو كبير في هذا السوق خاصة مع التنشيط السياحي. وكان من أبرز السلبيات أن نري العديد من الشركات التي ظهرت علي عجل دون أي ضوابط فلا تدريب أو تأهيل للعناصر التي تعمل لديها فحدثت تجاوزات من بعض الشركات ولهذا كان علينا تأسيس شعبة لهذا النشاط داخل الغرفة التجارية من أجل تنظيم القواعد والأسس العامة التي تعمل تحت مظلتها هذه الشركات. ويذكر أسباب تأسيس الشعبة قائلا: لأننا استشعرنا أن الخطورة تكمن في أن يندس داخل هذه الشركات عناصر خارجة عن القانون عليها أحكام أو لها صلة بتنظيمات إرهابية وقد حدثت تجاوزات تدلل علي عدم التزام العديد من الشركات بالضوابط، مما يشير إلي أننا في أمس الحاجة لقانون ينظم أمور تلك الشركات الذي كان يتحايل أصحابها علي القانون باستخراج سجل تجاري علي أنها شركات خدمية دون تحديد نوع الخدمة التي تقوم بها وأصبحنا نري أي شخص يرتدي يونيفورم للحراسة ويضع «بدج» غير معلوم الهوية وقد يتفق مع بعض المجرمين أو اللصوص علي سرقة المكان الذي كلف بحراسته. • مشروع قانون ولهذا قمنا في شعبة الحراسات بتقديم مشروع قانون للبرلمان في شأن تنظيم أعمال الأمن والحراسة بالمنشآت يتضمن بعض الاشتراطات في مقدمتها ألا يجوز ممارسة أعمال الأمن والحراسة لحساب الغير إلا عن طريق الشركات التي يرخص لها في ذلك من وزير الداخلية علي أن تكون شركة مساهمة وليس مشروعا فرديا وأن تسجل في الجهات الحكومية كهيئة الاستثمار وسوق المال ويشترط أن يكون لها سجل تجاري وأن يتوافر فيمن يديرها عدة شروط منها أن يكون محمود السيرة وألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة جنائية أو جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة أو مضرة بالأمن علي أن يكون له خبرة في أعمال الأمن والحراسة تقدرها السلطة مانحة الترخيص ولا تقل عن عشر سنوات مع الوضع في الاعتبار أن مدة الخدمة بالشرطة والقوات المسلحة خبرة في أعمال الأمن والحراسة. وأن يشترط في العناصر التي تزاول هذا النشاط أن يكون لها حد أدني في السن وأن تتلقي التدريبات الأساسية التي تؤهلها داخل وحدات تدريب مجهزة تابعة لهذه الشركات وفقا لمنهج تقره وتوافق عليه جهات الأمن المعنية بحيث يتلقي التدريبات بوحدات ومعاهد تابعة لوزارة الداخلية أو جهات متخصصة وتتحمل الشركات تلك النفقات. علي ألا يكون فرد الأمن قد سبق الحكم عليه أو اتهامه في جريمة ما. كما أنه علي الشركة أن تخطر الداخلية بالمعلومات الكافية عن العناصر التي تستخدمها وأن يتم فحصها جنائيا بصفة دورية. ويأسف عمارة علي تعطيل صدور هذا القانون وتأخيره علي مدار 5 دورات برلمانية رغم الحاجة الماسة له الآن. وينصح بضرورة الحصول علي رخصة وموافقة الجهات الأمنية لتمارس تلك الشركات نشاطها لأن ما يحدث علي أرض الواقع يتمثل في أن تعطي الموافقة الأمنية بدون تدقيق أو تحريات كافية مجرد استخراج بطاقة ضريبية وسجل تجاري باسم المنشأة ومجرد تحريات شرطية عادية. علي عكس ذلك فإن دولاً عربية أخري تعمل فيها تلك الشركات وفق ضوابط وتخضع لإشراف الجهات الأمنية في إطار قانوني. في دبي مثلا حدثت تعديلات في القوانين فألزم كل ضابط أمن خاص أن يستخرج رخصة وتكون لها مواصفات بحيث تتعدد التخصصات للرخص التي تستخرج لضباط الأمن وفق النشاط الأمني الذي سيمارسه ولكل تخصص كود معين يتم الرجوع إليه ويستلزم كل كود تدريبا خاصا يدل عليه البدج الذي يرتديه صاحبه. • شركات بير السلم لكن في مصر انتشرت الشركات التي تعمل في ظل عدم وجود قانون لذلك نجد هناك من يرتدي يونيفورم مجهول الهوية مما أدي إلي حدوث تجاوزات في بعض البنوك منها اتفاق بعض أفراد الأمن مع عناصر إجرامية للاستيلاء علي أموال خارج الخزن ووقائع سرقة مشابهة في تجمعات سكنية والمولات وكثرت عمليات السطو أثناء نقل الأموال إلي فروع البنوك المختلفة. • الأسلحة وكاميرات المراقبة وعن الأسلحة التي يستخدمها فرد الأمن الخاص أكد العميد ممدوح هاشم المسئول بشركة كير سيرفس للأمن والحراسة أنه يتم الحصول علي تراخيص للأسلحة المستخدمة والتي تستخدم في البنوك ونقل الأموال من إدارة التراخيص بوزارة الداخلية وهناك دورات تدريبية علي استخدام السلاح بالإضافة إلي دورات الدفاع المدني والإسعافات الأولية. المنافسة بين شركات الحراسة وصلت ببعضها إلي خفض أسعارها للحصول علي صفقات حراسة جديدة كما يؤكد العميد ممدوح هاشم ويري في ذلك مشكلة خاصة أن المنافسة في السوق لا تكون بالاشتراطات المطلوبة إذ أن بعض الشركات التي تعمل تحت بير السلم تخفض السعر فيزداد الطلب عليها وهذا مكمن الخطورة لأنها غير موثوق فيها أو في العناصر التي تعمل لديها. شركات الحراسة ملزمة كما يشدد اللواء مجدي البسيوني خبير جنائي بوضع جملة من الشروط الجديدة للعمالة والمفترض ألا تقبل أي شخص كحارس في حالة ما إذا كان صدر في حقه حكم جنائي خاصة وهناك جرائم ارتكبت لعدم وجود ضوابط. بعض هؤلاء الحراس تورطوا في عمليات السطو علي البنوك والمؤسسات المالية واعتراض سيارات نقل الأموال وغيرها. • فرد الأمن الأوضاع الاجتماعية المتدهورة المتمثلة في الحرمان من التأمين الصحي والاجتماعي وعدم الاستقرار الوظيفي والرواتب التي لا تتعدي الحد الأدني للأجور وساعات العمل الطويلة والشركات مجهولة الهوية كلها مشاكل يعاني منها رجال الحراسة بالإضافة إلي عدم وجود قانون تنظيمي خاص بهذه الفئة ينظم هذه المهنة ويحدد مجالات تخصصها وواجباتها وحقوقها كانت ملامح هذا السوق فيما يتعلق بالعنصر البشري فيه. وكانت من أهم السلبيات التي رصدناها في هذه السوق العشوائية والفوضي والجمع بين أشخاص كبار في السن وآخرين في مقتبل العمر غير مؤهلين. فوليد يحيي 26 سنة والذي روي لنا تجربته مع إحدي شركات الأمن التي تعلن عن نفسها من خلال الجرائد لطلب عمالة قال: قرأت عن واحدة من شركات الأمن التي تطلب شباباً من حملة المؤهلات العليا أو متوسطة في جريدة الوسيط واتصلت علي الرقم الموضوع في الإعلان وفوجئت بأن الرقم خاص بمكتب توظيف يعمل كوسيط بين الشركة والشباب المتقدم للوظيفة ويطلب مبلغا من المال مقابل حصولك علي العمل لدي تلك الشركة. ويضيف: دون أن أعرف مقر تلك الشركة أو حتي أتعرف علي مديرها المسئول كلفت بحراسة إحدي الفنادق بمنطقة المعادي لكن ذلك لم يستمر كثيرا، فالأوضاع سيئة من حيث الراتب وساعات العمل. أما أحمد صلاح فهو شاب آخر فوجئت به يقف أمام أحد الأبراج بمنطقة العباسية لحراستها الأغرب أنه لا يعرف هو الآخر شيئا عن شركة الأمن التي كلفته بحراسة الموقع الذي يقف فيه عندما أكد أن قريبا له جاء له بهذه الوظيفة وطلب منه أن يرتدي زي الشركة gic الموجود عليه البدج. ووصف سيد موسي - 50 عاما يعمل فرد أمن - قيام بعض المؤسسات بتعيين موظفيها كأفراد حراسة دون أي وسائل مساعدة للدفاع عن النفس أو في حالة الحرائق وقد يستعين الكثير منهم بوسائل بدائية والبعض قد يري زميله يسرق ولا يستطيع أن يوشي به بحكم الزمالة.