استمعت إلى أغنية جديدة صدرت منذ أيام قليلة بعنوان «ترند»، جذبنى عنوانها واسم مغنيها الجديد الذى لم أستمع إلى أى أغنية له قبل ذلك. الأغنية من كلمات «محمود عبد الله»، وألحان «محمد النادى»، وتوزيع «توما»، وجيتار «مصطفى أصلان»، وطبلة «أحمد العايدى»، وأكورديون «وائل النجار»، وهى مجموعة من الأسماء المهمة فى سوق الغناء المصرى وأيضًا العربى بشكل عام. فكرة الأغنية تدور حول الحنين للماضى «نوستالجيا» جيل الثمانينيات والتسعينيات وعن مدى التأثير السلبى للتكنولوجيا والوسائل الحديثة فى الاستمتاع بالفن وبالتحديد الأغانى، عندما كان الجميع يتابع ثلاث قنوات وعددًا محدودًا جدًا من الإذاعات وكان الألبوم وقتها مسمى ب «الشريط». فكرة الحنين للماضى بشكل عام من الأفكار الرائجة فى المجتمع المصرى منذ فترة طويلة، لدرجة أننا لاحظنا صناعة برامج مخصصة للحديث عن مثل هذه الأمور مثل (صاحبة السعادة) للفنانة الكبيرة «إسعاد يونس»، وأيضًا فى البرامج الإذاعية نجد هناك مساحات مخصصة لاستعادة الذكريات، حتى فى الإعلانات الدعائية نجد أن هناك شركات تعتمد بشكل كلى على هذا المضمون ولنا فى إعلان «عمرو دياب» الأخير المذاع فى شهر رمضان خير مثال، ومن الذكاء أن يُدرك صنّاع هذه الأغنية هذا التجاوب ويقومون بتنفيذ أغنية تلبى احتياجات الجمهور من هذه المنطلق. أيضًا كليب الأغنية هو الآخر كان معبرًا بشكل كبير عن هذه الفكرة فى استخدام تقنية ال «2»D ، فى رسم نجوم هذه الفترة من المغنين على جدران غرفة بطل الغنوة «موسى» مثل «عمرو دياب ومحمد منير ومحمد فؤاد وهشام عباس وحميد الشاعرى ومصطفى قمر وهانى شاكر وميادة الحناوى وحكيم وعامر منيب».. ألخ. أيضًا التنفيذ الموسيقى للأغنية بروح إيقاعات «المقسوم» يُعتبر معبرًا عن فترة «الثمانينيات والتسعينيات» بشكل كبير، فهذا الشكل من الغناء كان هو الأكثر رواجًا فى أغانى المغنين المذكور أساميهم فى السطور السابقة. وظلت الأغنية تسير بشكل متميز حتى وصلنا إلى الكوبليه النهائى، وهنا جاءت أزمتها الكبيرة عندما قال المغنى «أنكر الأصوات خلاص بقى معجزة» وتقوم الشاشة باستعراض رسومات بها شخصية تدعى «خمو بيبيكيا» فى إسقاط منهم على شخصية «حمو بيكا» مغنى المهرجانات، ووصفهم لهذا الشكل من الغناء ب«الهابط». نحن أمام فنان يبدأ مسيرته الفنية بالحكم على أفعال الآخرين ويقيّم أداءهم الفنى، رغم أنه لا يزال فى مستهل طريقه والمجتمع نفسه لم يقيّم حجم نجاحه!. والحقيقة أن هذه الأزمة ليست أزمة «موسى» فحسب، بل هى تفشى لظاهرة سلبية ظهرت فى الآونة الأخيرة ومن يتابع تصريحات «تامر حسنى وتامر عاشور» والملحنين «محمد رحيم وعمرو مصطفى» سيكتشف أننا أمام نماذج فنية تحاول القيام بدور الفنان والناقد فى الوقت ذاته. وإذا كانت حجة الفنان «موسى» أن التكنولجيا هى السبب فى ظهور ما يعتقد بأنه «فن هابط»، فهذا الاتهام نفسه هو الذى وجه ل«حميد الشاعرى وعمرو دياب ومحمد منير» عند ظهورهم ومحاولاتهم لتغيير شكل الموسيقى العربية!. والمؤكد أن لكل فنان الحق فى التعبير عما يشاء، وأنا هنا أناقش عملًا فنيًا ولا أصادر على حق «موسى» فى التعبير عما يعتقد أنه صحيح، لكن من باب المناقشة عليه أن يُدرك أن موسيقى المهرجانات لها جمهور مقدر بالملايين وهى الأكثر بحثًا عن نتائج جوجل منذ أكثر من سنة، وهى الأكثر مشاهدة على يوتيوب للعديد من الأسباب الاجتماعية قد تحدثنا عنها فى مجموعة من المقالات السابقة. وإذا جاز لى النصح، فأنصحه بالتركيز فى التعبير عن موهبته بشكل جيد وابتعاده كل البعد فى الحكم على اختيارات الجمهور، فالفنان دوره فى الأساس الإبداع وليس النقد أو التعالى على ما يحبه قطاعات ليست بالقليلة فى المجتمع المصرى.